فهمي القيسي يعيد بناء عوالمه المفقودة

فهمي القيسي يعيد بناء عوالمه المفقودة

د. حسان موازيني
ناقد سوري
أمام أعمال الفنان فهمي القيسي، نطرح على أنفسنا للوهلة الأولى أسئلة عديدة: أثرانا أمام طفل يلهو بالألعاب أم أمام موسيقي يستمر بالعزف بعد أن تقطعت بعض أوتار قيثارته؟ ثم نكتشف ألم هذا العاشق الكبير لوطنه ولبغداد بالذات وحزنه الدفين على حبيبته الجريحة...

بغداد، له، الآن ليست حقيقة، إنها فكرة تسكن خلايا وجدانه يسعى لرسمها كما عرفها في طفولته وحفظها في ذاكرته، لكنه يعجز عن ذلك، لأنه فقد الكثير من ملامحها التي مسحتها المحن والحرائق.
ضاعت ملامح بغداد معشوقته التي كان يخبر تضاريسها عن ظهر قلب. فلم يبق لديه إلا أن يهدم أغلب عوالمه الهاجعة في أعماق ذاكرته الطفولية وفي قاع وجدانه ولا يندم على ذلك فالواقع تغير ومعطياته أيضاً.
يحاول فهمي أن يعيد بناء عوالمه المفقودة، في أعمال جديدة فيكتشف أنه، دون إرادته يسبغ عليها أبعاداً كارثية جديدة، تبررها فجيعته الحياتية في دنيا مفعمة بالدمار وتهديم الروح ويسود فيها القلق من المجهول، فتبدو لوحته الجديدة وكأنها خارجة من رحم العدم لتميل إلى مرحلة ما قبل تشكل الأشياء... ومع ذلك فإننا حين نمعن فيها النظر والفكر نكتشف أن هذا الطفل الكبير ما زال يحافظ على بقية من حلم ومن أمل نراه في البقع البيض التي تفرض ذاتها لتكسر إيقاعات الأحمر والأسود وأطيافهما أو مداخل تتيح لنا الولوج إلى اللوحة والتجوال في خطوطها وألوانها لاكتشاف أسرارها ومرجعياتها الجمالية، وعندها نلمح عناصر عديدة ورموزاً تقع علينا مسؤولية تأويلها، كما نكتشف خلف القلق الذي يعانيه الفنان صفاء روح وتوق إلى عالم أجمل ونزعة صوفية تتبدى في العديد من أشكاله التي تتوجه نحو الأعلى وفي حروفه التي تخفي الكثير من ملامحها.