تحولات الشكل والرمز الصوفي في أعمال فهمي القيسي

تحولات الشكل والرمز الصوفي في أعمال فهمي القيسي

خضيّر الزيدي
تحتل النزعة الصوفية والحروفية بشكل ملفت أساسا ثابتا في تكوينات فهمي القيسي والملفت في تلك الرمزية مبتغاها التعبيري الذي تتحول فيه من طريقة تخلص إلى تحديد عنصر التوظيف والجمال إلى استثمار رؤيا لها محمولات الفكر والأسلوب معا.

وتتنازع السطح التصويري عدة نماذج لها مسحة وأجواء تجريبية تتركب من وحدات يغلب عليها هاجسا صوفيا إضافة إلى طرازية تجريدية وهذا التداخل في الشكل والمضمون تبدو كتلته تركيبية تتجانس فيها الألوان البراقة مع التلقائية والمبتغى الهندسي لتحولات الشكل الأخير وتسهم هنا تعدد وكثرة الحروف في إعطاء العمل سمة جمالية تلزمنا الإيحاء بوصفها سياقا توظيفيا ورؤيويا تجنح سطوته التعبيرية إلى تقديم معيارية مرئية تحافظ على أطياف محمولاتها الدلالية وواحد مثل فهمي القيسي تكمن قضيته الأساسية ليست في الشكل فحسب بل يتعدى الأمر إلى إبداء مرونة في التعبير مع الحفاظ على وحدات النشوة الصوفية وتجليات مركزها وخطابها في الرسم ومن اغلب السمات أنها تهيئ لتحرير شكل تقليدي من نزعته على نحو يقدم هوية خاصة بأسلوب استعاري تكتسب كثافة الشكل فيه غنائية وجدانية بينما يبقى السياق التنويري والرؤيوي محافظا على تجانس بث شفرات وتجليات مصادره التراثية وأصوله المعرفية والتزاوج الأكثر أهمية يشيد صرح رؤيته من خلال التوجه العام الذي يهيئه الفنان لحمل مدلولات التذكير بالرمزية والحروفية وانعطاف مجالها الموسع ضمن صياغة تعبيرية توسع من رقعة الانفتاح على كسب إرادة التقنية واستقراء نطاق الحداثة من خلال المزج بين المفارقات في العمل الواحد فما الرسالة في ذلك؟ أن اغلب الأعمال التي تثير إعجابنا تصنف على إنها تعبيرية وأخلاقية ومجال الفن موسع في هذا النطاق فضلا عن إننا دائما نشير إلى محاكاتها الواقع الحي لنا وكثيرا ما يصاحب رؤيتنا لها الدهشة والتفسير المختلف بيننا كل حسب انطباعه وهواجسه لكن يبقى العمل عصيا على الإمساك به دون معرفة نظرية الفنان وغايته من الفن ونادرا ما يخلو العمل الفني من غائية لكن يتوجب في نهاية المطاف أن يعطي رسالته التعبيرية والجمالية. من هنا بدت علامة الرسم الصوفي ومخالطتها تجسيد حدسية تجريدية أكثر ملازمة لتقصي حقيقة الحواس وتصور اختلاجاتها ويلزم الأمر معرفة (الروحي) في باطنية العمل وما يؤديه الاعتقاد السائد من فكرته الخلاقة لهذا أرى أن كل تلك التكوينات التي يشير إليها فهمي القيسي لا تخلو من (اعتقاد) أو تخطيط على مستوى الوعي والشعور بمسؤولية وإسقاط fahmi alkaisyfahmi alkaisi 2تلك الرمزية في السطح التصويري ومن مقام هذه الرؤية تتطلع حقيقة الرسم ونزعته وتوسيع افقه وموضوعه وهناك مرجعية لا بد من التوقف عندها حينما نشير إلى التكوين الفني والجمالي لهذا الاسم فهي في ظاهرها تبدو وكأنها أكثر رونقا في الشكل وتجديد انسجامه التعبيري إلا أن باطنيتها تشيد نظرية تقدم نموذجا حيا يواجه حزمة من الأفكار المضادة يتملكها الهاجس الأخلاقي حيال موضوعة الرسم في الوقت المعاصر وما الغاية من وجوده وماذا يخاطب في ظل ظروف تتغير بفعل ماكنة الاقتصاد والحرب معاfahmi-alkaisi-2
يسمح النص التعبيري هنا في لغة التخاطب البصري بتشييد شكل يمنحنا قناعة بان تصورات الرسوم وانتقائيتها لتوظيف الأمكنة والأزمنة تستقطب مداخل كثيرة لتوثيق الأثر بين الفكري والجمالي وفهمي القيسي ممن ينظرون إلى هذا التجانس والإيقاع البصري بمرجعية تتضاعف فيها الرؤى وتتحرك مجال الخصوبة والخيال في مناطق حساسة على حساب الموضوعي والجمالي والذي يهمنا هنا مدى استجابة المتلقي لهذه الرؤية وتصعيد نبرتها التجديدية بمقدورنا اليوم أن نتفهم الأسس التي يجتهد القيسي على إعطائها تصويرا تزيني بنظرة رسم عراقية بحتة ونجاحه في تجديد ضرورة الفن بدت تشكل هاجسا له يبقيه قريبا من بواعث البنائية الصحيحة وأصالة الرسم واستجابته لتوظيف الواقع.. لقد ضجت على السطح التصويري تضاريس تعبيرية تميل بطبيعتها إلى التحول والانتشار ويبدو جليا مجالها الفني وكأنه يستمد جذوره من تراث حي إلى جانب الاحتفاظ بالقيم الجمالية هناك الطابع التزويقي والاستعاري الذي يضيف لمسة من شأنها تعميق الماضي بالانفتاح على تداخلات الأسلوبية الحديثة وما يميز موقفها الآن هو أن مستوياتها وتقنياتها تخلق جوا طبيعيا دون أن تفقد المعنى المرسوم له فميزة هذا الفنان انه انتقائي يبحث في الخصوصية التي تشكل هدفا يتيح له البحث والتنقيب في الأصول الحية للتراث وهي تسير بمحاذاة التجديد وتبدو المتابعة الفكرية شاقة بعض الشيء لكن مع فهمي القيسي وخبرته نرى فنا يتجاوز الإشارة الصعبة وإنتاج طابع جمالي لا يصيغ لنا ذائقة ونظرة تملؤها الدهشة والافتنان برؤية العمل الفني