البلد البعيد الذي تحب

البلد البعيد الذي تحب

قصص:ديزي الامير
منشورات :دار العودة–بيروت-1964
مراجعة :باسم عبد الحميد حمودي
أول مجموعة تضم المنشورات الأولى لقاصة عراقية ظهرت حديثا على مسرح الأدب أصدرتها دار نشر عامة ببيروت أمر جدير بالأعجاب والاهتمام , لذلك فأن أيسط ما يقدمه ناقد هو التقييم الموضوعي.

لست متجرأ أذا قلت أن القاصة ديزي الأميرذات قلم ثابت يبشر بالخير بالرغم من المباشرة التي بررتها الأستاذة المقدمة المرحومة سميرة عزام حيث قالت (حين تكون المباشرة أسلوب الفنان في مواجهة النموذج الفني بالعالم,يغطي زعاق الذاتية على أبعاد الموضوع).
وليست السردية (2)المباشرة نقيصة أو عارا,ولكنها مرحلة نطالب أن تتجاوزها قصصنا, لأنها طريقة لا تحمل عناصر الجذ ب المتوتر بالنسبة للمؤثر (الكاتب) والمتأثر (القارئ),بل تحاول أن تجعله مرتاحا لا يواكب عملية الخلق الفني والتطور الدرامي للحدث بأنفعال متأئر.
أنك تلمس الأنوثة في كل أقاصيصها ,تلمس أناقة النساء وهواجسهن الخاصة. الخوف والوحدة والرصد الدؤوب الحلو المكثف الكلمات في (ضباب) ومشكلة العنس في قصتي (صلاة المائدة)و(شيئ جديد),وكبرياء المرأة وخوفها على زوجها في(قرع الطبول) والأزياء كأمر تمهيدي في (العضلة بل العضلتان) وأعمال البيت الرتيبة في (المرحلة الرابعة)ومشكلة السكرتيرة الأزلية في (دفء)و(قرع الطبول).
لكنك تلمس مسألتين هامتين تلقيان أهتماما من ديزي الأمير,ولهما تأثير كبر عليها,اولاهما مشكلة الغربة التي تعيشها في لبنان وقد برز ذلك في (رسالة الى جدتي) و(ضباب) ثم ذكرياتها عن كليتها التي تخرجت فيها وهي دار المعلمين العالية سابقا وكلية التربية بجامعة بغداد بعد ذلك.
والواقع أنها ليست أول قاصة عراقية عانت الغربة فذي النون أيوب في (قصص من فينا) يكرس مجموعته كاملة لذكريات أغترابه عن وطنه في النمسا وقارئ الشعر العراقي الحديث يلمس أثر الغربة واضحا على قصائد عبد الوهاب البياتي وبدر السياب وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر وكثيرين غيرهم(2)
والحق أن قصة (حكاية أبريق الزيت) ومقالة القاصة نفسهاعن السياب في العدد الثاني لسنة 1965 من مجلة الآداب البيروتية تلقيان أضواء كافية على حياتها في الكلية, فبالرغم من أن البطل الصغيرسعدون قد برز كممثل لنزعة أنسانية لدى البطلة –الكاتبة وكركيزة للاقصوصة,لكنا نجد الكاتبة تنطلق لتصور حياتها في كلية التربية ببغدادوحيث عاشت في وقت كان فيه السياب والباتي من زملائها ,وكانت كلية التربية نقطة أنطلاق تاريخية لتيار الشعر الحديث في العراق على نحو ما يؤكده تفصيلا الناقد محمود العبطة في دراسته عن (السياب).
ان القاصة الأمير تصور للقارئ الجامعة وابوبها موهمة أياه بوجود جامعة للعراق آنذاك تمهيدا لبعثرة أشكال شخوصهاووتتكلم عن قصة حب من طرف واحد بين كريم وسميرة التي تعنفه أمام الجميع , وتتحدث عن أستاذها الضرير وسكرتيرهووعن شاعر الغزل الذي نظم في (عزة) و(واعدة) وغيرهما , ثم عن غرفة الطالبات الخالدة في كلية التربيةحيث ترصد حكايات زميلاتها,ثم تنطلق بعد ذلك الى الواقع القريب تركة هذه الذكريات,فكريم صار صاحب أوسع جريدة (انتشارا),وهنا تبرز علامة استفهام (3) أما شاعر الغزل0فقد أصبح شاعرا سياسيا بعدأن تزوجت عزة من عميد الجامعة(4) فقد قرر شاعر الغزل ان يدخل معترك السياسة ليصلح الأوضاع ألأجتماعية ,ويزيل الفوارق بين الطبقات)
وليس الحديث هنا الأ عن المرحوم الشاعر بدر السياب,فالمعروف أنه أهتم بالسياسة أثر فشله المتكرر في حبه كأنسان مرهف الحس لبعض زميلاته,أما عزة فأمرها يدعو للتساؤل,أذ أن ا لمعروف أن بدرا كان يحب شاعرة مثله (5) فضلت الزواج من أحدأقاربها لعدم وسامة المرحوم السياب أولا ولأنها تختلف عنه دينيا ثانياوولم يكن لقريبها هذا علاقة بكلية التربية.
أما الاستاذ الاعمى فهو الدكتور محمد مهدي البصير والسكرتير هو الفنان جاسم العبودي.
ويكاد حديثنا السالف يمسي مناقشة لوقائع تاريخية ولكن أحداث قصة للكاتبة أضطرنا لتوضيح هذه ألأمور التي نراها هامة لمعرفة الجو الخاص الذي كتبت القصة خلاله , وأنكنا نرى في أسلوب القاصة التقريربمسألةتبعد القصة عما أردنا أن يكون لها أن تكونز
تبقى قصتان من أجمل ما ضمت المجموعة,أولاهما (صلاة المائدة) التي ترصد آلام فتاة عانس,وأن كانت تفسيرات الكاتبة للأحداث في النهاية قد جعلت المتأثر (القارئ) مرتاحا لعدم مشاركته المباشرة في التساؤل عن الحدث ,وثانيتهما أقصوصة (ضباب) التيتنشحن بجو الغربة وتبدو القاصة فيها بارعة في رصد الخوف من التوحد.
أن القاصة الأميرقدمت محاولتها الأولى في ميدان القصة وليس هناك من سبب يدعونا لأن لا نرحب بها قاصة جيدة معطاء حساسة لم تقل كل ما عندها بعد.وموهبة تبشر بالخير
هوامش
1- نشر الموضوع في مجلة الاداب ع 7 -1964,وقد كان مفهوم السرد مرافقا للتقريرية ولم يأخذ (السرد) مفهومه الحديث كسمة عامة للنص القصصي والروائي باعتبار المفاهيم الحديثة في النقد
2- كانت الغربة عند الكاتبات العراقيات ايامها نادرة الى حد كبير
3- لاوجود لصحفي امتلك او ادار مطبوعا يوميا في حينه من خريجي كلية التربية ولكننا عملنا محررين ونحن طلبة وخريجين في الصحافة اليومية التي كان بعض رؤساء تحريرها من خريجي كليةالآداب مثل سعد قاسم حمودي(رح) ومن وهو ينتمي الى الجيل التالي لجيل الامير
4- لم تكن جامعة بغداد في زمن ديزي الافكرة على الورق ظهرت للعيان بعد تخرجها بسنوات وكان ذلك عام 1959
5- الشاعرة هي لميعة عباس عمارة التي افصحت مرارا عن (أعجاب) السياب بها دون ان تكون معجبة به أساسا