الحزب الشيوعي العراقي والايام الاخيرة من العهد الملكي

الحزب الشيوعي العراقي والايام الاخيرة من العهد الملكي

د. سيف عدنان القيسي
يكتشف المتتبع لظروف العراق الداخلية والخارجية أن أوضاع البلاد بدأت بالتدهور والانحدار , فموقف الحكومة العراقية من العدوان الثلاثي على مصر أوضح بشكل لا لبس فيه ان سياسة الحكومة العراقية كانت في واد وموقف الشعب في وادٍ آخر , كما ان الحركة الوطنية واجهت ضغوطاً حكومية غاية في الشدّة , لم تعهدها القوى الوطنية في السابق ناهيك عن استشراء الغلاء في الاسواق الذي وصفه الحزب الشيوعي في بيان له اواسط نيسان 1957 بأنها أزمة معاشية عانى منها الناس , وأنها"لم تقع صدفة...

بل هي أزمة مصطنعة أريد منها الخنوع والانتقام من كفاحه ضد حلف بغداد ومبدأ أيزنهاور وحكومة السعيد المجرمة".
ولهذا ومن أجل امتصاص النقمة الشعبية أجري تبديل الوزارة القائمة بمجيء وزارة علي جودة الأيوبي في العشرين من حزيران 1957, تلك الوزارة التي اعطت وعوداً بالإصلاح والاعتدال في سياستها الخارجية ومنها رغبتها في التقارب مع سوريا.
وفي ظل هذه التطورات على الساحة السياسية العراقية اصدر الحزب الشيوعي بياناً حول"تنحي نوري السعيد من الحكم وتشكيل حكومة الايوبي"، أوضح فيه أن الاسباب التي أدت الى تنحي حكومة نوري السعيد هي"أن الشعب العراقي خاض خلال هذه (الاعوام الثلاثة) نضالاً طويلاً ضد نوري السعيد وحلف بغداد وبلغ شدته في أنتفاضة الشعب الاخيرة لعام 1956 وساند بذلك سوريا ومصر فعزلت حكومة نوري السعيد الخائنة عن بقية البلاد العربية، ومن أهم العوامل قيام الجبهة الوطنية التي حفزت الجماهير ضد حكومة نوري السعيد وعزلها، وهنا أيضاً لامجال لحسن الظن بحكومة الايوبي لان غالبيتها من العناصر التي كانت في حكومة نوري السعيد ولايمكن الاعتماد على تصريحات رئيس الوزراء لانه معروف بسياسته, وسائر في ركاب الاستعمار على البلاد المتحررة، ودعا البيان للنضال المباشر من أجل حمل السلطات العراقية على الكف عن التدخل في شؤون البلاد العربية والتأمر ضد سوريا ومصر وحل المجلس النيابي وأجراء انتخابات حرة وأطلاق سراح السجناء السياسيين واصدر الحزب بيانا في اواسط كانون الاول 1957, بعنوان"الوضع الدولي والعربي والداخلي"منتقداً وزارة الايوبي ومحاولتها في الاصلاح , ووصفها بالضعف وكيف انها عجزت عن اجراء تغيير في سياسة الوزارات السابقة وكيف انها حاولت ارضاء الجميع ولكنها اصطدمت بالجميع وتعرضت لضغط الانكليز والامريكان من جهة والشعب من جهة ألاخرى".
وزراة عبدالوهاب مرجان
قدم علي جودة الأيوبي أستقالة وزارته في السادس عشر من تشرين الثاني 1957 بعد أن أخفق في حل مجلس النواب وأجراء إنتخابات جديدة كما وعد بإجرائها من قبل.
وفي يوم الرابع عشر من كانون الاول 1957 قبلت الاستقالة وفي اليوم التالي ألف عبد الوهاب مرجان الوزارة، التي وصفها المعارضون بأنها طبخة سعيدية إذ أن معظم أعضائها من حزب الاتحاد الدستوري(حزب نوري السعيد)، ويذكر تقرير خاص أن تأليف الوزارة كان مفاجأةً للشيوعيين وقد أعتبروا مجيئها خطوة تمهيدية للضرب على أيديهم، بعد أن كانوا يعلقون أمالاً لتحقيق بعض أغراضهم في عهد الوزارة السابقة، وفي عهد وزارة عبد الوهاب مرجان حدثت جملة تطورات داخلية وخارجية، فعلى الصعيد الداخلي وجهت ضربة للحزب الشيوعي عندما ألقت الشرطة القبض على بعض أعضاء اللجنتين المركزية والمحلية للحزب الشيوعي في بغداد وضبطت مطبعة الحزب.
وقد أيد الحزب الشيوعي قيام الجمهورية العربية المتحدة وأهم ما جاء فيه"أيدوا بحرارة واندفاع مصر وسوريا في سياستهما التحررية الحازمة المعادية للاستعمار والقائمة على أساس التعايش السلمي والتعاون والصداقة مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي")(.
بينما كان موقف الحزب من الاتحاد الهاشمي مخالفاً،"أن الاتحاد الهاشمي يختلف عن الوحدة أختلافاً تاماً لأن الاتحاد على زعمهم دبر بليل من خلف ظهر الشعبين العراقي والاردني كما دبرت فيه مؤامرة أستعمارية أخرى, وأضافت نشرة الحزب الشيوعي االداخلية :
ولقد قلنا أننا نؤيد أي أتحاد بين العرب أذا كان تلبية لارادة الشعب قائماً على أسس الحرية والديمقراطية ولكن هذا الاتحاد جاء تلبية لرغبة الاستعمار وعملائه.

وزارة نوري السعيد الرابعة عشرة
ولما أراد الوصي عبد الاله ونوري السعيد ارسال الجيش العراقي الى سوريا عارض عبدالوهاب مرجان هذا المقترح وأستقال في الثالث من آذار 1958، وقبلت أستقالته في اليوم التالي وألف نوري السعيد وزارته الرابعة عشرة في اليوم نفسه وقد جاء نوري السعيد لمقاومة الجمهورية العربية المتحدة وتنفيذ الاتحاد الهاشمي.
وكان من أهم أهداف منهاج الوزارة هو دعم الاتحاد الهاشمي وترصينه بجميع الوسائل الفعالة الممكنة وتشمل جميع الاجراءات التشريعية منها أعداد دستور الاتحاد الجديد بالاتفاق مع المملكة الاردنية ثم تعديل الدستور العراقي، لايجاد التناسق بينه وبين دستور الاتحاد وهذا العمل يفضي الى حل المجلس النيابي الحالي وأجراء أنتخابات نيابية جديدة. وجاءت الارادة الملكية بحل المجلس النيابي في السابع والعشرين من آذار1958,واجراء الانتخابات في العراق يوم الاثنين المصادف الخامس من مايس 1958.
وأصدرت جبهة الاتحاد الوطني في نداءً نشرته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، دعا الى بمقاطعة الانتخابات ودعوة الجماهير المعارضين كافةً لمقاطعتها أيضاً،
ويذكر تقرير لأمن بغداد"بأنه توفرت لديها معلومات تفيد بأن المشاغبين والهدامين (الشيوعيين) الذين لايرون لهم الهدوء والسكينة التي تتمتع بها البلاد أخذوا يحرضون على الاضراب والمظاهرات وتوزيع النشرات ونشر الشعارات وغير ذلك من أعمال الهدم التي تعرقل سير الانتخابات في موعدها المحدد لها يوم 5/5/1958، وأوضحت مديرية الامن بأن المعلومات تشير الى محاولة بعض منتسبي الجبهة الوطنية القيام بأضراب عام في يوم الانتخابات وكسب أنصار الجبهة من طلبة الكليات للتحريض على الاضراب في المدارس والكليات في اليوم المذكور".
وفي يوم الانتخابات قام طلاب ثانوية الكرخ بهتافات ورمي (البوتاس) في داخل ساحة المدرسة وكانوا يهتفون"تسقط الانتخابات المزيفة، وكذلك طلاب ثانوية الكاظمية، وطلاب دار المعلمين العالية، ونحو الساعة العاشرة والنصف خرج طلاب الكلية الطبية بمظاهرة تمكنت الشرطة من تفريقها في ساحة الميدان وأعتقال (مائه وأثنان)".

وزارة أحمد مختار بابان
وبعد دخول الاتحاد الهاشمي مرحلة التنفيذ قدم نوري السعيد في الرابع عشر من آيار 1958أستقالة ليرأس وزارة الاتحاد العربي، وقبلت في التاسع عشر من الشهر نفسه فشكل في ذلك اليوم أحمد مختار بابان الوزارة العراقية الجديدة في ظل الاتحاد العربي خالية من وزيرين للخارجية والدفاع، وفي هذا اليوم أيضاً ألف نوري السعيد وزارة الاتحاد العربي.

ولكن عمر الوزارة بل النظام الملكي لم يدم طويلاً، لان نهاية الحكم كانت تحاك من الضباط الاحرار وعلم الاحزاب المعارضة بذلك وكان الحزب الشيوعي على أطلاع كامل بتطور الاحداث وقرب الثورة ولاسيما ان الحزب الشيوعي كان على علم بموعد الثورة أن عبد الكريم قاسم اخبر كمال عمر نظمي ممثل الحزب في اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني يوم 11تموز 1958 باليوم المحدد للثورة واتخذ الحزب جميع الاجراءات اللازمة لدعم الثورة وفي الوقت نفسه أصدر توجيهاً عاماً الى مسؤولي اللجان الرئيسية في الثاني عشر من تموز دعا فيه الى ضرورة تمسك منظمات الحزب بنشر مطالب الحزب وهي الانسحاب من المعاهدات التي تربط العراق بالغرب, واطلاق الحريات الديمقراطية,واتخاذ التدابير الفعالة لحماية الثورة الوطنية , وتحويل الاتحاد العربي الى اتحاد حقيقي بين العراق والاردن واقامه اتحاد فيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة ,وشددت التوجيهات على ضرورة تجنب ابراز شعارات مبهمة او متطرفة او تلك التي تمجد هذا الزعيم او ذاك من قادة الحركة الوطنية او القومية.
وفي ليلة 14 تموز كان سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي في دار كمال عمر نظمي في منطقة العيواضية (قرب باب المعظم حاليا),وكان في حالة من القلق يصعد وينزل السلم وكان يقظاً طوال الليل في انتظار موعد الثورة, وفي صباح الرابع عشر من تموز أخذ سلام عادل وعمر نظمي السيارة وتوجها نحو بريد الاعظمية وسلما موظف البريد رسالة تهنئة الى قادة الثورة مما اثار رعب واستغراب موظف البريد وهذا يدل على علم الحزب الشيوعي بموعد الثورة.