الدكتور الشيخ احمد الوائلي.. الأسرة والنشأة العلمية

الدكتور الشيخ احمد الوائلي.. الأسرة والنشأة العلمية

د. محمد سعيد الطريحي
نسبه وولادته
هو الشيخ احمد بن الشيخ حسون بن الشيخ سعيد بن الشيخ حمود الليثي”الوائلي”النجفي. ولد في النجف الاشرف يوم الجمعة 17 ربيع الاول سنة 1347، وبها تربى ونشا مع شقائق النعمان تطل على ذلك الوادي الافيح.

اسرته:
الليثي بفتح اللام وسكون الياء، وفي آخرها ثاء مثلثة، هذه النسبة الى ليث من كنانة، وعلى هذه النسبة يؤكد مشائخ القبيلة، ولها اليوم فروع كثيرة في الفرات الاوسط، وناحية الحمار، من قضاء سوق الشيوخ ويعرفون بآل حطيط، وقسم الحي ويعرفون بآل باتش آغا، ولليثيين فروع تتصل بالموصل وبلاد الجزيرة وقديما كانوا زعماء البطائح – بين البصرة وواسط – وكانت لهم ولاية البطيحة فيما قبل القرن الخامس الهجري وبعده، وكان ابو علي بن ابي الجبرالليثي متقدما في بعض نواحي البطائح وقد عصى ايام طغرلبك وهزم الجيش الذي ارسله السلطان لحربه، وبقيت إمارتهم إلى ما بعد سنة 556هـ.
وفي النجف فان الأسرة الوائلية برز منها الكثير من العلماء والادباء، ومنهم:
- الدكتور ابراهيم الوائلي (1332 – 1408 هـ) بعد من اساتذة الأدب العربي في العراق.
- ابراهيم بن الشيخ محمد بن عبد الحسين الوائلي (ولد 1914) كاتب قدير وشاعر واديب.
- عبد الامير بن الشيخ علي بن محسن الوائلي (ولد 1928) كاتب اديب فاضل.
- محمد تقي بن الشيخ موسى بن عبود الوائلي (ولد 1906) أديب وفقيه.
- الدكتور فيصل بن قاسم الوائلي (ولد 1922) يعد من علماء العراق وتولى منصب مدير الاثار العامة ببغداد.
- قاسم بن الشيخ محمد (ولد 1901) وكان من رجالات ثورة العشرين، ومن الادباء.
- محسن بن الشيخ علي بن حرج الوائلي (المتوفي 1336) عالم فاضل زاهد عابد.
- باقر بن الشيخ محسن (المتوفى 1354) من أهل العلم والاصلاح.
- عبد الحسين بن محمد بن حرج الوائلي (المتوفى حدود 1349 هـ) كان من الابدال الزهاد العباد.
- علي بن الشيخ محسن الوائلي (ولد 1317 هـ) من علماء النجف واهل الوعظ والارشاد.
وغيرهم الكثير من الاعلام في النجف خاصة والفرات عامة.

ابوه:
هو الاستاذ الخطيب الاديب الراحل الشيخ حسون الوائلي (1890 – 1963م) ولد في النجف وتوفي بها، وكان تاجرا للحبوب قضى اكثر حياته في (ابي صخير) وهو موضع من مملكة الحيرة القديمة، ولما تزوج الشيخ محمد علي قسام شقيقة الشيخ حسون اتصل به كثيرا بحكم هذه المصاهرة، واقنعه الشيخ قسام بسلوك طريق الخطابة الحسينية، فاكب الشيخ حسون على دراسة مبادئ العلوم العربية والاسلامية، واستطاع بنباهته وغناء وحسن حالته ان يطور نفسه ويتفرغ للمطالعة لينمي ملكته الخطابية، مستعينا بالشيخ محمد علي قسام، ويلاحظ ان وعيه السياسي بدأ بالظهور باتصاله بآل قسام – الذين كانوا من الد اعداء الاستعمار البريطاني، فحسن عليهم، وساهم كخطيب باداء واجبه الجهادي في الثورة العراقية الكبرى ضد الانجليز سنة 1920، وكان شاعرا مقلا ايضا له بعض القصائد في رثاء الحسين عليه السلام، وجدة الشيخ حسون كانت من الأسرة العلمية النجفية آل قفطان الذين ينتسبون الى بني سعد.

أمه:
هي الحاجة بيبي بنت الشيخ عواد بن محمد حسين بن الشيخ علي زيني النجفي، وآل زيني أصلهم من جبل عامل (لبنان) كما ذكر الشيخ محمد السماوي في بحثه عنهم والشيخ علي زيني – المذكور – جد والدته هو الجد الأعلى للأسرة النجفية”آل جدي”الذين منهم الشيخ جابر والشيخ حسن آل جدي.
نشأته ودراسته:
نشأ في النجف على ابيه نشاة فاضلة، كان فيها عزيز الجانب، موفور الكرامة، شديد الاعتداد بشخصيته، قوي الأمل بمستقبله، متفوقا على اقرانه، مع نباهة وذكاء حادين، وللحاضرة النجفية اثر كبير في نبوغه، كونه خريج مدرستها الكبرى، التي هي اقدم مدرسة للادب العربي، تلك المدرسة التي مشى إليها الموكب من جزيرة العرب إلى الحيرة، ومنها الى الكوفة، ومنها الى النجف، وهي نسيلة الكوفة او بقيتها، وما برحت النجف مورد اعتزاز الوائلي وفخره:
نجفي يا خميلة في الفيافي
وربيعاً يهتز وسط محول
وتراباً معتبرا لست ارضى
عن حصاه نجم السما ببديل
يامغاني العلا ويا مهبط الفكر
ومحراب نابغات العقول
يا مهادي الوثير يوم قدومي
ووساداً ارجوه يوم رحيلي
نام فيه ابي وشيخي واخواني
جميعا في ظل حامي الدخيل

وفي السابعة من عمره درس لدى الكتاتيب وحفظ القرآن الكريم، وكان ذلك في مسجد الشيخ علي نواية في سفح جبل الطمّة من محلة العمارة، وكان شيخه انذاك الشيخ عبد الكريم قفطان، وبعد تعلمه القراءة والكتابة، وقراءة القرآن الكريم، وبعدما صلب عوده واشتد ساعده، بدأ دراسته بشكليها الاكاديمي الرسمي، والحوزوي الذي يعتمد على قدرة الانسان ونبوغه ومقدرته العقلية، فجمع بذلك الفضيلتين، واستفاد من التجربتين، ففي الاولى انهى الدراسة الابتدائية بمدرسة الملك غازي الابتدائية في النجف سنة 1952، ثم دخل متوسطة منتدى النشر، فكلية منتدى النشر، وتخرج منها بتفوق ومن اقرانه في هذه المرحلة السادة: صادق القاموسي، ومحمد حسن آل ياسين، ومحمد رضا المسقطي، واحمد المظفر.
ولما تأسست كلية الفقه سنة 1958 انتسب اليها، وتخرج سنة 1962 بحصوله على بكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الاسلامية، ثم اكمل الماجستير في نفس الاختصاص في معهد الدراسات العليا التابع لجامعة بغداد، وكانت رسالته بعنوان (احكام السجون) ثم غادر الى جمهورية مصر العربية، حيث درس في كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، ونال درجة الدكتوراه سنة 1978 عن اطروحته الموسومة”استغلال الأجير وموقف الاسلام منه».
وخلال وجوده في القاهرة لاعداد اطروحة الدكتوراه درس الاقتصاد في معهد الدراسات العليا التابع لجامعة الدول العربية، ومن اساتذته في هذا الاختصاص كان الدكتور علي لطفي – رئيس الوزراء المصري فيما بعد – يعلق عليه الامال الكبيرة.
وفي مصر حظي الوائلي باهتمام الفئات المثقفة من العلماء والادباء، لسعة ثقافته وخلقه السامي واجتماعياتهن ومن بين الاعلام الذين استأثر باهتمامهم الدكاترة والاساتذة: احمد الحوفي، وعبد الحكيم بلبع، وتمام حسان، ومصطفى زيد، ومحمد علي السايس، وعبد العظيم معاني، وبدوي طبانه، وعلي الخفيف، وغيرهم.
ولمصر في ذاكرة – الوائلي – أيام لا تنسى من الجهاد العلمي، واللقاءات الادبية المثمرة، وما يتبع ذلك من تبادل في الخبرات وتلاقح في الافكار، وعلى حد تعبيره فإن مصر هي لسان الضاد المعبر، ومنبعها الثر، ووجه العرب المشرق:
ومصر كفاءات وحشد مواهب
بكل مجال رائع عندما جدر
ومصر من الفصحى لسان معبر
ومن غرر الافكار منبعها الثر
ومهد حضارات تصدى قديمها
إلى حدثان الدهر فانهزم الدهر

عصر الوائلي:
من العوامل المؤثرة في صياغة شخصية الوائلي، هو عامل المجتمع الذي عاصره فالوائلي ابن النجف الاشرف، نشأ في محيطه تربية وتعليما، والنجف من اعرق البيئات الثقافية الاسلامية قدماً، يقول الدكتور على جواد الطاهر:
والنجف مدينة العلم الديني المنقطع النظير، ثم الأدب والشعر، وهي فيهما نادرة من النوادر واعجوبة من الاعاجيب، يعني اهلها بقول الشاعر وسماعه والحديث عنه عنايتهم بالمسائل اليومية من اكل وشرب، انهم ادباء كما يتنفس المرء الهواء.. ولا تسل بعد ذلك – عن الكتب والمكتبات، والاسر العريقة في العلم والادب والشعر ومجالسها الخاصة والعامة، وما يتلى من شعر في الافراح والاحزان، وفي مأتم الحسين بن علي وما يتفاخر به الشعراء ويسمر به الناس..
إن الشعر في النجف حياة، وهو لدى ابنائها ولا اسهل منه او ايسر، او انه فيها كالماء والهواء استسهالا واستعظاما، جدا وهزلاً، وهو مجد كما هو مرتزق، وعلامة فارقة لا تكاد تضاهيها فيه بلدة اخرى في العالم العربي..
ومن خواص النجف التي تذكر بالاكبار انها سايرت التطورات الدينية الادبية في العالم العربي، بصدر رحب وافق واسع فهي مع محافظتها على اصالة الفكر الاسلامي لم تتزمت فترفض المعاصرة، وانما اخذت من وسائلها واسبابها ما رأته الضرورة النافع حتى”ان الكتب الحديثة ما تكاد تدخل العراق حتى تتجه رأساً الى النجف فتتلقفها الايدي هي وكتابات اكثر حداثة كشعر شوقي وحافظ وايليا ابي ماضي، وفيهما ما يناقض الفكر النجفي المناقضة كلها، وهو رد فعل يتبناه الذين ضاقوا بالقديم وبلغ بهم الضيق الطرف الاقصى من رد فعل مطبوعات الاستانة، والهلال، والمقتطف، وشيلي شميل والريحاني.. ومجلات وجرائد مما يعد حراما وكفرا والحاداً..
وحفل عصره ايضا بعدد من الخطباء المبرزين، منهم الشيخ محمد علي اليعقوبي، والشيخ محمد علي قسام، والسيد صالح الحلي، تليهم طبقة اخرى نسجت على منوال السابقين ممن ذكرناهم من الادباء والشعراء فيشكلون كما كبيرا لهم طابعهم النجفي الخاص، وادبهم الناضج والرائد، ابتداءاً من شيخ الأدب الشيخ محمد جواد الشبيبي، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والشيخ علي الشرقي، والشيخ محمد مهدي الجواهري، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ صالح الجعفري، والدكتور عبد الرزاق محيي الدين، وكثير غيرهم ممن صقلت بهم ابعاد النجف الحضارية، ومن الجدير بالذكر ان معظم اهل العلم شعراء ولكنهم لايرغبون بذكر ذلك عنهم لرغبتهم في الاحتفاظ بالنهج العلمي والاشتهار بذلك، اما المحققون في الابعاد الفكرية الاخرى فيوجد اعداد كبيرة، ورد ذكرهم في كثير من الموسوعات والمراجع المتخصصة، ومن اراد الاستزادة الرجوع اليها لأن النجف وبالاختصار كل ازقتها معهد علمي، وكل ناد من انديتها ومجلس من مجالسها هو عبارة عن مؤسسة ثقافية تحفل بعطاء علمي ناضج.
ومثل هذا الجو لابد ان يفعل فعله في شخصية الوائلي، فقيها كان او شاعراً او خطيباً، ويعمل على صقله وتهذيبه، وبالتالي تكوينه بالشكل اللائق، ولاشك ان للاستعداد الفطري لديه اثر في توجهه وحرصه على الانتهال من هذا الغدير الذي يحمل سمات المعلم الثاني بالوجود الامام امير المؤمنين عليه السلام، ومن قدس روحانية مرقده السامي الرابض كالابد على الذكوات البيضاء من الغري الاغر، ومن فيض نفحاته وبركاته ان عايش الوائلي واقرانه هذه الاجواء الرائعة التي قد لايجود الدهر بمثلها، وعاصروها وتفاعلوا معها فكراً وعقلا وروحاً، واستطاعوا ان يعطوا، ويؤثروا في الاوساط العلمية والاجتماعية، وللنجف في شخصية الوائلي اثر بليغ محفور في ذاكرته، ورنين يومي ابدي الحضور في شعوره وتصوراته، يملي على ذاته تمثلها في حركاته وسكناته، ولم تزده الغربة إلا تعلقا وتولها وهياما وشوقا مضرم اللهب، جياش العواطف، لن يهدأ ولا يستكين.

عن مجلة (الموسم) بتصرف