العلايلي وثورة الحسين

العلايلي وثورة الحسين

محمد عبدالله فضل الله
كتاب"الإمام الحسين(ع)"، للمرحوم العلامة الشيخ عبدالله العلايلي، في طبعته الصّادرة عام 1986، عدد صفحاته 590 صفحة.
الشيخ عبدالله العلايلي علمٌ من أعلام العرب الكبار في هذا العصر من الّذين تناولوا بكلّ موضوعيّة وعمق سيرة الإمام الحسين(ع) وشخصيّته وما يتفرّع عن ذلك، فكتابه الإمام الحسين(ع) كان إضافةً إلى ثلاثة كتب أخرى، هي"في سموّ الذّات"، و"تاريخ الحسين"، و"أيّام الحسين".

ظلّت محبّة الحسين(ع) تضجّ في قلب الشيخ العلايلي وعقله، فكتب المقالات، وشارك في النّدوات، وأقام المحاضرات، وكانت عاشوراء هي قطب الرّحى لذلك كلّه.
تناول في كتابه مسائل تعلّقت بالتّاريخ الإسلاميّ في عهوده الأولى بشكل موضوعيّ، بعيداً عن أيّة أفكار مسبقة، فعلّل وحلّل وقارن مستخلصاً الحقائق، وقد لاقت تعليقاته استنكاراً من البعض، كما يصرّح في كتابه. فهو يرى أنّ المرحلة الأولى من تاريخ الإسلام يكتنفها الغموض، وأنّ جمهرة المؤرّخين المحدثين لم توفّق لإقامة التّاريخ الإسلاميّ على قواعد نقديّة من شأنها تبيان حقيقته للنّاس.
ودراسة الإمام الحسين(ع) لا بدّ من أن تمرّ عبر دراسة كلّ عناصر التاريخ الإسلامي، وفهم خلفيّاتها، وكشف جذورها وتشكّلاتها، لفهم ظروف عصر الإمام الحسين(ع). وقد تعاطى الشيخ العلايلي مع قضيّة الإمام الحسين(ع) بكلّ شفافيّة وموضوعيّة وتجرّد عن الميول المسبقة، وكشف المغالطات حولها.
لقد فرّق الشيخ العلايلي بين الخلافة والملك، فالأمويّون، في رأيه، هم ملوك وليسوا خلفاء، يقول:"كان الصّراع بين علي ومعاوية ليس شخصيّاً، بل صراع بين مبدأين في مواقف حاسمة، صراع بين الخلافة الّتي معناها النيابة عن الأمّة، وهي تتضمّن معنى الرعاية والانتفاء من الاحتكام، وبين المُلك الذي معناه الغلبة والسّيطرة وجمع الحريات باليد الواحدة، وضغطها إلى درجة الانحناء أو الإجهاز".
وأظهر الشيخ العلايلي مساوئ الأمويّين، ووصف يزيد ومعاوية وغيرهما بكثير من المفردات التي تدلّ على ما تمتّعوا به من الظلم والحقد والكيد والمجون، والعبث بحياة المسلمين وأموالهم وأعراضهم، والاستهتار بأمور الشّريعة.
وأشاد في المقابل بفضائل آل البيت والإمام الحسين(ع) وأخلاقهم وتقواهم، يقول:"الحسين إنسانيّة ارتقت إلى نبوّة،"أنا من حسين"، ونبوّة هبطت إلى إنسانيّة"حسين منّي"، فسلام عليه يوم ولد...".
وبعد أن عدّد الفضائل الّتي تجسّدت بأبي عبدالله الحسين، خلص إلى القول:"إذا كانت العصمة هي هذه المزايا، فأنا أقول بعصمة الحسين".
"ولنفهم مصرع الحسين(ع)، يلزمنا أن نعرف يزيد!"، يقول الشيخ العلايلي، فيزيد نشأ نشأةً مسيحيّة، وكانت عقليّته بعيدة عن الواقعيّة العمليّة الّتي تقيس الحقائق بما يلابسها".
أمّا الحسين(ع)، فيقول العلايلي(ره) إنّه تربّى في كنف النبوّة، وقد"تولّى النبيّ(ص) حسيناً، وكان في فطرته الغضّة كالعدسة اللاقطة، تحيل ما تقع عليه إلى حقيقته الأخرى في وجوده الآخر...ومثّل الحسين(ع) تمثيلاً عمليّاً كلّ قيم القرآن ومفاهيمه الإيمانيّة والرّوحيّة والإنسانيّة، فكان المؤمن القرآني الكامل...".
ويُكمل الشّيخ حديثه عن شخصيّة الإمام(ع) العظيمة، فيقول:"أرأيتم إلى الرّجل يقوم على اسم الله ويمضي على اسم الله ويموت على اسم الله، كيف تسمو به الغاية ويعلو به الهدف؟!".
لقد قضى الحسين(ع) شهيداً دون العقيدة، شريفاً مجاهداً، لقد كان عظيماً في مبدئه وصراحته وعزمه وتصميمه على بلوغ هدفه في إصلاح الأمّة.
فالحسين(ع)، كما يقول العلايلي:"أعطانا في هذا المَشْرَع درساً هذه كلماته: الدّفاع عن القضيّة المقدّسة لا يكون إلا بعد أن تستحيل القضيّة روحاً يحيا بها المحامي والمدافع...".
كتاب غنيّ بمباحثه المتعلّقة بشخصيّة إسلاميّة وإنسانيّة عظيمة كالإمام الحسين(ع)، تميّز ـ الكتاب ـ بروح علميّة نقديّة عرضت لكثير من الملابسات التّاريخيّة والاجتماعيّة وعناصر البيئة الّتي كانت موجودة قبل الإمام وخلال وجوده، والمؤثّرات الّتي ساهمت في حصول كربلاء، ولا يخفى أهميّة الكتاب بالنّظر إلى صاحبه الشّيخ العلايلي، الفقيه واللّغويّ والمدقّق والمؤرّخ الكبير.. وهو من الكتب القليلة العميقة الّتي تناولت شخصيّة الإمام الحسين(ع)، ويُنصح به للباحثين والمثقّفين وقرّاء المجالس والنّاس بوجه عام، لعظيم فائدته ودقّته