ابراهيم صالح شكر في ايامه الاخيرة.. كيف كان شبح السبعاوي يلاحقه؟

ابراهيم صالح شكر في ايامه الاخيرة.. كيف كان شبح السبعاوي يلاحقه؟

أريج ناظم سيالة
بعد فشل حركة مايس 1941 تمكن إبراهيم صالح شكر وبحكم منصبه كقائمقام خانقين من تسهيل مرور قادة الثورة العسكريين والمدنيين وبعض الشخصيات العربية التي شاركت فيها عبر الحدود العراقية –الايرانية ورافق بعضهم حتى نقطة الحدود كما خرج للقاء صديقه الحميم يونس السبعاوي وصحبه وكلف موظفا لديه بمرافقتهم إلى الحدود وعلى اثر هذه النشاطات تقررنقل إبراهيم صالح شكر إلى قلعة صالح في محافظة ميسان

وبقي فيها اربعة اشهر بعدها فصل من الخدمة مع ثماني قائمقامين قال عنهم صالح جبر وزير الداخلية انذاك (ان بقاءهم في الخدمة اصبح مضرا بالمصلحة العامة بسبب سلوكهم) كانت هذه المدة من اقسى المُدد التي مرت في حياته اذ استولى عليه شعور بالذنب وطغت عليه ازمة نفسية حادة دفعته إلى اعتزال الناس وساقته إلى تجنب الظهور في الاندية فكان يقضي نهاره بعد ان فصل من وظيفته في مخزن صغير يقع داخل(مكتبة المثنى) يغلق بابها عليه وينكب على مطالعة كتب التصوف لعلها تمنحه الراحة النفسية وتخفف من ازمة الضمير الذي يعاني منه وتبعد عنه شبح الاعتقال وعندما اعلن العراق في وزارة نوري السعيد الحرب على دول المحور عام 1943م وجد إبراهيم في هذا الحدث خير فرصة للخروج من محنته فابرق ببرقية إلى نوري السعيد كانت وسيلته لابعاد شبح النفي فقد اعيته الفاقة هو وابناءه وتكالبت عليه الامراض ولم يكن امامه الاان يجد مايعيش به وليس امامه غير الوظيفة وهي بيد نوري السعيد وقدجاء في البرقية ماياتي (.... ان العراق في اعلانه الحرب على دول المحور يتطلب اخلاصا محضا لاغموض فيه ولاابهام، ومن واجب الحق، وواجب الشعب، وواجب الوطن، ان تذوب اهواء الافراد شخصية كانت ام سياسية ليستمر الاتجاه القومي في سيره القويم. والكلمة العليا في مراحل التاريخ، وتازم الحوادث انما هي الوطن فقط، وفي سبيله تفنى الاراء والشهوات.....)
أما أولئك الوطنيين الذين اعتقلوا بالالوف فكانت البرقية خيبة امل كبيرة وكان صداها مؤلما في النفوس ربما يشكل هذا الموقف المتناقض بقعة سوداء في الصفحة الوطنية الناصعة لإبراهيم صالح شكر الحافلة بالمواقف الصلبة والجريئة من الاستعمار البريطاني وصنائعه ولكن اذا نظر اليه من زاوية أُخرى فان إبراهيم صالح شكر بعد ان دبت الامراض في جسمه، ولم يجد مايطعم به اولاده وبعد ان سدت الحكومة في وجهه السبل جميعها فانه ارغم على موقفه هذا وهو ماافصحت عنه مذكراته الشخصية في تلك المرحلة والتي كان اخرها قبل تعيينه بثلاثة ايام جاء فيها (في اوقات الياس قد ينتحر الفرد كما ينتحر المجموع، وقد يلقي اليائس بنفسه إلى التهلكة فيخرج عن حدود الحكمة والرزانة). كتب في 18 كانون الاول سنة1942م(اليوم كان عيد الاضحى وقد بكيت في صباحه كثيرا لان اولادي لم يجدوا فيه بهجة العيد) وبتاريخ 11 ايلول 1942 كتب الاتي (جميل جاءني اليوم يذكرني بمسؤولية رمضان وقد ابى نبله وكرمه الا ان يستقبل بيتي رمضان بشئ من البهجة) ,
وهكذا أصدر نوري السعيد أمراً إدارياً بتعيينه مديرا لمكتبات الاوقاف العامة براتب مقداره ثلاثون دينارا وبدأ في هذه المرحلة يعاني بشدة من امراضه المتعددة واخذت صحته بالتدهور اذ اصيب بالملاريا عام 1937م عندما كان قائمقاما في خانقين وقبلها كان يعاني من الروماتزم في الكتف الايسر والقرحة في جدار المعدة ثم دخل السكري إلى قائمة أمراضه العديدة وسكن في دار مستأجرة في الكرادة الشرقية وابقت الشرطة الدار تحت المراقبة وزادت معاناته النفسية والصحية بعد اعدام صديقه المقرب يونس السبعاوي فقد ظل شبح السبعاوي يلاحقه اياما طويلة في يقظته ومنامه فقد اخذت الكلمة التي قالها السبعاوي قبل اجتياز الحدود العراقية تعود من جديد إلى ذاكرة إبراهيم صالح شكر وتلح عليه وبدأت الوساوس تركبه والاوهام تستولي عليه واخذ يتصور انه مادام السبعاوي قد ذكره بهذه الكلمة التي قالها له إبراهيم صالح شكر في ساعة من ساعات الغضب فمعنى ذلك انها بقيت عالقة في ذهنه ولابد انها اخذت ترن في اذنيه ساعة صعوده إلى المشنقة. كان إبراهيم صالح شكر قد تاثر من كلمة قالها يونس السبعاوي اثر جدال دار بينهما وبعد ان بادره السبعاوي بالاعتذار قال له إبراهيم صالح شكر (يونس اني اراك اليوم تصعد على سلم المجد فهل يكتب ان اراك على حبل المشنقة) واصبح السبعاوي وزيرا في حكومة رشيد عالي الكيلاني ثم كانت ثورة 1941م وهرب السبعاوي إلى ايران وعند الحدود قال السبعاوي لإبراهيم صالح شكر (ان امنيتك في رؤيتي على حبل المشنقة قد خابت) وعندما القي القبض على السبعاوي وحكم عليه بالاعدام ظل إبراهيم صالح شكر يعتقد ان تلك الكلمة التي قالها للسبعاوي في ساعة غضب قد بقيت ترن في اذنيه عندما صعد إلى المشنقة بحيث كان يفقد في كثير من الاحيان اعصابه ويمسح دموعه ويقول في الم مرير لبعض اصدقائه (ليتني لم اقل تلك الكلمة).
ولم ينم ليلة تنفيذ حكم الاعدام وبقي في السطح يذرعه ولم ينزل منه الافي الصباح واصيب على اثرها بنزلة صدرية عنيفة كانت سببا في ذات الرئة فالسل وتم نقله إلى مستشفى العلمين في الكرادة الشرقية وفي 6 نيسان عام 1944م كتب اخر رسائله وقد املاها على ولده البكر(رياض) ووجه إبراهيم صالح شكر هذه الرسالة إلى صديقه عبد الجليل الراوي وجاء فيها (.... اني سقيم، وعندي مجموعة ثمينة من الامراض مازال الطب في حاجة إلى بحثها، ولكن (ذات الرئة) انما هي انتفاضة الذبيح، والشهيد فرقد لامرقد. الكتاب الاسود وملحقه لم يصلا وما اطلعت عليهما، وقد فات الوقت ولكن في الابد المجهول اواجد انا مايقرا؟ لقد ابتسمت للنسيم، وضحكت من العاصفة، والان ابتسم ولااضحك لئلا ابكي!....).
وهو يخاطب فيها احد اصدقائه شاعرا بدنو اجله وفي الساعة السابعة والربع من صباح يوم 15 ايار عام 1944م توفي إبراهيم صالح شكر في مستشفى العلمين وفي اليوم التالي اقيم له تشيييع كبير وحمل نعشه ملفوفا بالعلم العراقي على سيارة مكشوفة وشارك في التشييع ممثل عن نوري السعيد ورئيس مجلس النواب الشيخ محمد رضا الشبيبي ورئيس مجلس الاعيان محمد الصدر وجمع غفير من الوزراء ورجال السياسة والدولة والصحافة والادب ودفن في مقبرة الغزالي في وسط بغداد بعد اداء الصلاة على جثمانه في مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني.

عن رسالة (ابراهيم صالح شكر صحفيا)