فيليب روث  الذي سنفتقده دوماً

فيليب روث الذي سنفتقده دوماً

كتابة / هوارد جاكوبسون *
ترجمة / أحمد فاضل
لقد مثل فيليب روث فترة غنية حقاً في الكتابة الأمريكية وعثر على جمهور كبير، لكن الكُتّاب الكبار يحتاجون إلى قراء عظماء قادرين على إستلهام أفكارهم المعقدة ومن الصعب تصديق أنه غادر حياتنا، فقد كان معنا حتى وهو يدعو إلى إنهاء إنتاجه الروائي قبل أكثر من خمس سنوات، لكن صمته كان مدهشاً حقاً فقد بقيت منهجيته في الكتابة حيةً حتى بعد تقاعده عنها،

حينها اجتذبني اقتحام سيرته الذاتية لأنها مشروع لكاتب فريد قابلته مرة واحدة لفترة وجيزة ولم أستمتع بالتجربة معه طويلا، لكنني ممتن له فمن أجل كل ذلك إذن يجب أن نحزن اليوم، موت روث نهاية فترة غنية من الخيال الأمريكي وكدت أقول حينها الرواية اليهودية الأمريكية، لكن التمييز هنا قد يكون زائد عن الحاجة وكأنها خيالاً أمريكياً يهودياً بامتياز، روث، بيلو، مالامود، هيلر، ميلر، مجموعة من الأسماء أثروا عميقا بها وأصبحت تجربتهم المهاجرة الدافع الإبداعي لأميركا، فالكُتّاب الكبار لن يختفوا هكذا بسهولة.
في عام 2011 استقالت الناشرة كارمن كاليل كقاضية في جائزة بوكر الدولية عندما صوت زملائها الحكام بأغلبية ساحقة لصالح روث
وقالت إن تجربة قراءة روث كانت أقرب إلى الجلوس على وجهها، هنا يجب أن أسأل :
“هل يجب أن يكون هذا شيئاً سيئا؟ وكم يجب على القراء والنقاد تقبل ذلك؟، إنه صوت واحد غاضب لا يعني شيئاً تجاه أصوات كثيرة تعترف وتقر في عبقريته، فمطالبه عبر الكثير من أعماله لم تكن لتخرج عن الوصول أخيرا إلى العدالة التي كان ينشدها، ففي"الرعوية الأمريكية"وفي ختام 400 صفحة من تحليل لا هوادة فيه للمجتمع الذي عاشه روث متنقلا بين اليهودية التي أخذت أشكالًا مألوفة في كتبه الأولى: الخاطئ المتعجل، الابن المحب، الجوكر الفاسد، فهو هنا يجادل ما حمله من أفكار عنها وضعته في مواقف وتهم لا زالت تلاحقه حتى بعد موته، أما في روايته
“مسرح السبت"وهي الرواية التي تقسِّم أحيانًا البعد اللاذع للذات، فهو يقول عن لسان أحد شخصياتها :
“لم أكن أهتم كثيراً بنفسي التي كانت أو لم تكن ومن الأفضل أن نصدق أنه لم يكن هناك أحد غير الذي نعتقد فيه"، وعلى الرغم من أن"مسرح السبت"هي أكثر أعماله الروائية جدلا للدين والحياة، إلا أنها أفضل ما يوازن بينهما، حياته هي تجربة في تجاوز الخجل، ثم هذا التأكيد الدقيق على طاقات الحياة الطيبة الجريئة لربط الطهارة مع القرف من أجل إحساس صافٍ بأنك حياً بشكل مزعج، لا يمكنك التغلب على الجانب السيئ من الوجود.
وأخيراً كيف يمكن أن يغادر؟ فكل ما كان يكره وما يحب كان هنا، فهل روث، البالغ من العمر 85 عامًا غير رأيه كما يعتقد العض ممن خالف أفكاره؟ وهل دفاعه عن الحياة التي أحبها عاد ليتركها؟
سؤال خاطئ.
* هوارد إريك جاكوبسون من مواليد 25 / آب 1942، هو روائي وصحفي بريطاني عرف بكتابة الروايات المصورة التي تدور في كثير من الأحيان حول معضلات الشخصيات اليهودية البريطانية وقد فاز بجائزة مان بوكر عام 2010.

عن / صحيفة الغارديان اللندنية