الوالي ناظم باشا وبلدية بغداد

الوالي ناظم باشا وبلدية بغداد

د. نضر علي امين الشريف
وجهت الدولة العثمانية ولاية بغداد الى الفريق حسين ناظم باشا على اثر عزل الوالي محمد شوكت باشا في ايار عام ١٩١٠. فوصل يوم الخميس ٢٥ ربيع الاخر عام ١٣٢٨ ه الموافق 6 مايس 1910.
شمل اهتمام ناظم باشا بالامور البلدية لما لها من اهمية في حياة الناس اليومية. فبعد تعيينه واليا لبغداد انتقد القصور الكبير الذي يعتري عمل بلدية بغداد وبتوجيه منه تم وضع العديد من اللوائح الاجراءات التنظيمية التي تعين على سير العمل فيها.

وبغية تامين المال اللازم لانجاز الاعمال المختلفة للبلدية عقد ناظم باشا قرضا وطنيا باسم البلدية لتمويل المشاريع التي وضع بنفسه تصورات لها وذلك مثل انشاء جسر حديدي لتسهيل العبور بين ضفتي النهر في بغداد بعد ان كان الاهالي يستخدمون لهذا الغرض القفف مع ما تحمله من مخاطر خلال فترات الفيضانات.
وادراكا منه لاهمية الطرق ودورها في تسهيل تنقل الناس والبضائع اوعز الوالي الى دائرة البلدية بتوسيع الطرق ولاسيما الطرق الرئيسة، وفرشها بالقير.وامر برفع الاوساخ من الازقة والحارات والاسواق. وطلب من عمال البلدية صبغ المحال التجارية اللون الابيض. كما طلب استيراد مكائن رش الطرق بالماء... ويعد ناظم باشا اول من وضع تصميم الشارع الرئيسي في جانب الرصافة الذي سمي فيما بعد باسم الرشيد) جادة خليل باشا) واسس دائرة خاصة لتثمين الدور التي تستملكها الولاية لغرض انجاز الشارع المذكور وقد باشرت دائرة بلدية الرصافة بهدم بعض الحوانيت المقامة في سوق العطارين لهذا الغرض.
وبتوجيه من الوالي اقدمت بلدية بغداد على توسيع نشاطها لتشمل وسائط النقل النهري، فقد انتفعت من قيامها بشراء أربعة مراكب نهرية على نفقتها للاستفادة من وارداتها من جهة وتيسير سبل النقل النهري من جهة اخرى. وقررت تسيير اثنين منها في نهر الفرات واثنان في نهر دجلة.
قررت ادارة البلدية « بايكنجي » اول مركب من هذه المراكب الذي سمي باسم تسييره في نهر دجلة.ولغرض اجراء اختبار لمعرفة مدى صلاحية المركب، وسرعة سيره تم دعوة الاهالي بنزهة الى السيد ادريس على ظهر المركب مجانا. ووفقا لنظام تسيير المراكب فقد تقرر تسييره اربع مرات في اليوم وكالاتي:
الساعة الثانية والنصف صباحا،الساعة الخامسة والنصف صباحا،الساعة الثامنة والنصف صباحا •
الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا.وكانت ادارة البلدية تستوفي رسوم من الركاب وحسب مواقع الجلوس،فكانت اجرة راكب الدرجة الاولى ثلاثة قروش صاغ واجرة راكب الدرجة الثانية قرشان ويستوفي نصف المبلغ المذكور من الضباط والمراتب، كما اوصت دائرة البلدية بشراء ثلاثة مراكب جديدة لتسييرها في نهردجلة والفرات. وقد شرعت البلدية بتوزيعها بعد وصولها، فخصصت واحدا منها للنقل بين بغداد وسامراء والثاني في مركز بغداد والثالث في نهر الفرات وناحية مابين المسيب و مسكنة.
ومن اهتمامات دوائر البلدية في بغداد مراقبة الصحة العامة فبناء على امر ناظم باشا قامت مفتشية الصحة التابعة لبلدية بغداد باجراء التلقيح ضد » الجدري للاطفال في المكاتب المدارس الرسمية والاهلية وغيرهم الذين لم يستعملوا الجدري واستعملوا بيد واحدة ان يكون في اليد الثانية ايضا حفظا لهم،فعليهم ان يراجعوا البلدية ووكيل مفتش الصحية، وفي المنطقة الثانية موسى افندي وفي المنطقة الثالثة جميل افندي في جانب الكرخ، والطبيب السيار على الذي « مفتشية الصحية » حسبما جاء في بلاغ « مفتشية الصحية الذي نشرته جريدة صدى بابل.
وضمن نطاق مهام البلدية مراقبة ما يستورده التجار من مواد خاصة كالاسلحة والاعتدة حيث تقوم البلدية بتدقيق الاسلحة والاعتدة المسموح للتجار وزارة المالية باستيرادها، والاستفسار من مستوفاة رسومها، ففي اواسط عام ١٩١٠ كتب ناظم باشا الى نظارة الداخلية مستفسرا عن الاسلحة والاعتدة التي استوردت من قبل تجار بغداد، وتم حجزها في دائرة البلدية. فقد استفسر الوالي من النظارة عن مصدر الاسلحة والاعتدة وكيفية ادخالها، وهل تم ذلك بصورة رسمية. وقد اجابت النظارة بان جلب تلك الأسلحة كان مصرح به من قبلها وتم استيفاء الرسوم المقررة عنها من قبل نظارة المالية لذلك يلزم رفع الحجز عنها من قبل دائرة البلدية وتسلميها الى اصحابها كما جاء في نص كتابي نظارة الداخلية ونظارة المالية ودائرة الصدر الاعظم.
كما دأب ناظم باشا على تنظيم امور الادارة وحسن سير وأداء الجهازالإداري الحكومي ومؤسساته، فكان يتابع الابنية القديمة الاثارية التي اتخذت الدوائر الحكومية قسم منها مقرات لها ومنها المدرسة المستنصرية، فوضع مشروعا يقضي بنقل الكمرك من بناية المدرسة الى الباب الشرقي المشروع الذي تحمس له اهالي بغداد لما كان يرون فيه. من فؤائد في تقليل التزاحم الحاصل في الازقة القريبة منها، فضلا عن امكانية تعمير منطقة الباب الشرقي كما« القشلة » امر بتشيد باب لدار الحكومة وفق طراز فخم لاضفاء الهيبة على مقر الحكومة.
ولغرض دعم بلديات بغداد بمورد مالي دائم اوعز ناظم باشا الى دائرة البلدية الاولى بانشاء حديقة عامة سميت « ملت بقچه سي وخصص وارداتها للبلدية فكانت متنزها لاهالي بغداد. كذلك عقد الوالي قرضا وطنيا باسم البلدية لانجاز مشاريع عديدة اهمها انشاء جسر حديدي يصل بين جانبي بغدادالذي سبقت الاشارة اليه.ولما كانت مياه الفيضان تهدد بغداد بالغرق في اشهر الربيع من كل سنة فقد اوعز الى مهندسي الولاية بانشاء سد كبير يحيط بالجانب الشرقي من المدينة لدرء خطر فيضان نهر ديالى.
اعتاد ناظم باشا على التجول في طرقات الولاية للوقوف بنفسه على احتياجات الاهالي ففي شهركانون الثاني عام ١٩١١ هبطت درجات الحرارة الى مادون خمس درجات تحت الصفر ولايام عديدة مما دعا الوالي الى تقديم يد المساعدة الى الفقراء لمواجهة شدة البرد، فامر دائرة البلدية بتجهيز كل عائلة
فقيرة سواء كان افرادها من المسلمين اوغيرهم ب(اوقية واحدة)من الفحم « كدفعة ثانية. كما امر يتوزيع الكسوة الشتوية لهم ومقادير كبيرة من المواد التموينية.
كما قام الوالي بتوفير فرص عمل للعاطلين في مجال الخدمات العامة النافعة (الاشغال العامة) لقاء اجور مجزية.ولغرض تخليص الناس من اضرار الكلاب السائبة وحفاظا للصحة العامة امر الوالي بجمع الكلاب في محل واحد وكان ذلك للاستجابة لالتماسات الناس التي نقلتها الصحف المحلية على اثر الحادث الذي تعرض له احد ضباط الشرطة عندما كان يقوم بواجب الدورية اذ هاجمه كلب وتسبب في وفاته.

عن بحث (ادارة الوالي ناظم باشا لولاية بغداد)
في مجلة كلية الاداب