إسماعيل فهد إسماعيل:  الرواية فن مؤثر لأنه يختلي بالمتلقي حتى في سرير نومه

إسماعيل فهد إسماعيل: الرواية فن مؤثر لأنه يختلي بالمتلقي حتى في سرير نومه

حاوره/ حسن الفرطوسي
في الطريق إلى مكتبه، وسط مدينة الكويت، داهمتني حالة من عدم الرضا من فكرة أن يكون موضوع"الجوائز الأدبية"مدخلاً للحوار مع قامة روائية كبيرة ومنجز أدبي تخطى الأربعين كتاباً. ليس استهانة بجائزة سلطان العويس التي حاز عليها مؤخراً، إنما هناك قناعة منطقية.

في الطريق إلى مكتبه، وسط مدينة الكويت، داهمتني حالة من عدم الرضا من فكرة أن يكون موضوع"الجوائز الأدبية"مدخلاً للحوار مع قامة روائية كبيرة ومنجز أدبي تخطى الأربعين كتاباً. ليس استهانة بجائزة سلطان العويس التي حاز عليها مؤخراً، إنما هناك قناعة منطقية بضرورة بدء الحديث عن رؤاه الأدبية وأفكاره الابداعية وآخر ما ابتكرته ذهنيته العالية في آليات كتابة الرواية.. الرواية التي يصفها بأنها"الفن الأول الذي يختلي بالمتلقي دون وسيط شفاهي، ويدخل معه في سرير نومه».. لكن أحكام الضرورة تفرض نفسها أحياناً، وللحدث الثقافي أولوياته الإعلامية، هكذا افتتحت"المدى"حديثها مع الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل.

• نبدأ من مناسبة حصولك على جائزة سلطان العويس مؤخراً، كيف تراها؟
- أسعدني ذلك بالتأكيد، كونها جائزة عريقة، عمرها 28 سنة تقريباً، وذات شمول على مستوى العالم العربي، ولها خصوصيات تتفرد بها، من بينها الاستقلالية وعدم ارتباطها بأية جهة رسمية، مؤسسها شاعر وقد سميت باسمه، وحتى قيمة الجائزة (120 ألف دولار) مبلغ لا يستهان به، ومن ملامح استقلاليتها وحياديتها أن مجلس أمناء الجائزة يتغير مع كل دورة، أي كل سنتين.. كما أن الاختيار لا يتم على عمل روائي محدد، وإنما تمنح لشخص الروائي عن مجمل أعماله، ويمكنني وصفها بـ»نوبل العربية"خصوصا وأن عدد المرشحين كان أكثر من 1500 مرشح.. وتجدر الإشارة إلى إني رشحت لنيل جائزة سلطان العويس من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب منذ العام 1994 وكان اسمي يرحّل مع كل دورة منذ ذلك الحين حتى حصلت عليها في دورتها الأخيرة عام 2015 وهو شيء أتشرّف به كوني أراها من أنزه الجوائز فهي على الرغم من أنها جائزة خليجية لكنها غالباً ما تمنح لكتّاب من بلدان عربية غير خليجية، ولم يحصدها من الخليج سوى الشاعر البحريني قاسم حداد، كما حصل عليها القاص العراقي محمد خضير في العام 2004.
• كيف ترى تأثير ظاهرة الجوائز الأدبية على المنجز الثقافي العربي؟
- هي ظاهرة صحية، وأعتبرها حافزاً جيداً خصوصاً جانبها المالي، لأن غالبية الكتاب"مفلسين"عادة، وهذا النوع من الدعم يساعدهم على المواصلة. الحافز الآخر قد تمثله بعض الجوائز الأخرى مثل"بوكر"وغيرها ممن تسهم في تحقيق بعض الانتشار للكاتب من خلال الاهتمام بالأعمال الفائزة من حيث تأمين ترجمتها وتوزيعها على نطاق أوسع. كما أن تعدد الجوائز يسهم في خلق نوع من المنافسة التي قد تثري ميدان الإبداع الأدبي.. فضلاً عما يحققه تعدد الجوائز في تواصل الكتاب العرب مع بعضهم والاطلاع على تجارب بعضهم البعض، خصوصاً تلك التي تتخطى الاطار المحلي، ففي معظم البلدان العربية ثمة جوائز محلية وأخرى عابرة للحدود، في الكويت مثلاً هناك جوائز المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب خاصة بالكويتيين، بينما جوائز مؤسسة التقدم العلمي وجائزة البابطين وجائزة سعاد الصباح تشمل المحلي والعربي في ذات الوقت، والحال ذاته متشابه في بقية الدول العربية.. لكن، وهذه الـ»لكن"مدعاة للأسف، قد تتدخل أحياناً العلاقات الشخصية والتوصيات في كشف أسماء اللجان مما يترتب عليه صعود أسماء معينة وحرمان أسماء أخرى أكثر جدارة، وهذا بدوره يقود إلى الترويج إلى أدب دون المستوى.
• ما دمنا في محور حصاد الجوائز، ما الذي علق في ذاكرة إسماعيل فهد إسماعيل عنها؟
- إذا تحدثنا عن الكويت أو الخليج عموماً، فظاهرة الجوائز الأدبية ليست قديمة، في سنوات السبعينات لم تكن هناك جوائز بالمعنى المتعارف عليه، لكن هناك مبادرات تقوم بها بعض المؤسسات لدعم الإبداع، وأذكر في بداية تأسيس المجلس الوطني أواسط السبعينات، فاجأني مديره المالي آنذاك الدكتور سليمان العسكري بقرار المجلس بشراء مئة نسخة من كل كتاب من أعمالي الخمسة حينها، وسلمني مبلغا كبيرا لم أكن أتوقعه، ومن شدة فرحي سافرت خارج الكويت لإنفاقه كاملاً.. ثم جاءت جائزة الدولة التشجيعية التي تأسست عام 1989 وكانت من نصيبي عن القصة ومن نصيب سليمان الياسين وفؤاد الشطي عن المسرح ويعقوب السبيعي ومحمد الفايز عن الشعر، ولكن ظروف الغزو أجلتها لتكون دورتها الأولى في عام 1994. ثم حصلت على جائزة الدولة التشجيعية مرّة أخرى في مجال الدراسات النقدية عن كتاب"علي السبتي شاعر في الهواء الطلق"عام 2002 ومن ثم جائزة الدولة التقديرية عام 2004.. وحين أصدرت مسرحية"للحدث بقية"تم ترشيحي من قبل المسرح الخليجي لنيل جائزة الدولة التشجيعية، لكني اعتذرت، لأني"استحيت"أن أحوز عليها لأكثر من ثلاث مرات.
• هل تعتقد أن ظاهرة الجوائز أفرزت كتّاب رواية على مستوى من الأهمية؟
- نعم، أسهمت كثيراً، فجائزة نجيب محفوظ التي تمنح من قبل الجامعة الأمريكية في القاهرة، لفتت النظر لعدد لا بأس به من الكتاب الجيدين، لقد أفرزت اسم الروائي السوداني حمّور زيادة وهو كاتب مدهش، وقد لا تكون الجائزة تتمتع بمردود مالي كبير، لكنها تعرّف بأسماء مهمة، وهناك جائزة الطيب صالح أيضاً عرفت بأسماء مهمة، كذلك جائزة سعاد الصباح التي عرفتنا على الشاعرة سعدية مفرح وعلى القاصة ابتسام تريسي وعلى الروائي خالد خليفة الذي كان ضمن القائمة القصيرة لجائزة"بوكر"في إحدى دوراتها.
• هناك توجه كبير نحو الرواية، كيف تفسر ذلك؟
- بداية أود أن أشير إلى أن الرواية هي أول نوع أدبي يختلي بالمتلقي حتى في سرير نومه، أي أن علاقة الكاتب مع المتلقي مباشرة، دون الحاجة إلى وسيط شفاهي.. كل الأجناس الفنية الأخرى تكتب بصيغة يمكنها أن تكون شفاهية، المسرح مثلاً يكتب ليأتي طرف ثالث وهو الممثل ليقدمه إلى المتلقي، أو الشعر أيضاً ليقرأ بصوت مسموع، ولهذا لا نجد الرواية في المجتمع البدوي، وإن وجدت فتكون على شكل ملاحم يحفظها الحكواتي عن ظهر قلب، حتى لو كانت الملحمة مكتوبة أصلاً، لكنها تكتب بموسيقى وسجع يساعدان على الحفظ لضمان استمرار نقلها في مجتمعات غالبيتها لا تقرأ ولا تكتب، فلا بدّ أن يكون النقل شفاهياً.. أما الرواية بكينونتها المعاصرة فهي ابنة المدينة، إبنة المجتمع البرجوازي، وهي انعكاس لهذا المجتمع المستقر وما يعتمل فيه من حركة.. فالتوجه نحو الرواية هو نتاج انتشار التعليم وارتفاع نسبة المتعلمين.
• أيعني ذلك أننا نغادر الشعر باتجاه الرواية؟
- لا أبداً، إنما الشعر نفسه غادر أدواته الشفاهية ليلتحق بالسرد المقروء في تجربة التحول من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة، التي خاضها بدر شاكر السياب ونخبة روّاد الشعر الحر.. وما كان ليكتب لتلك التجربة النجاح لو أنها جاءت في زمن قبل انتشار التعليم أواسط القرن الماضي.. لكن هناك لجوءا إلى الرواية لخدمة أجناس أدبية وفكرية أخرى، ففي أيام الثورة الفرنسية لجأ فولتير إلى الرواية وهو شاعر وفيلسوف، وكذلك فريديرك نيتشة، وجان بول سارتر، صاحب الفلسفة الوجودية، كتب ثلاثية"دروب الحرية».. هؤلاء لجأوا إلى الرواية لأنهم طمعوا في كسب مساحة أوسع لإيصال فلسفتهم، فبوسع الرواية أن تبسّط الفلسفة وتقدمها إلى جمهور قد لا يكون محباً للفلسفة، لكنه يتلقاها على أنها رواية.
• يبدو أن الآيديولوجيا دخلت من البوابة ذاتها التي دخلت منها الفلسفة؟
- الحكمة التي تتمتع بها الفلسفة تجعل توظيفها في العمل الروائي سلساً وناعماً، أما الآيديولجيا فلا تستطيع إلا أن تكون مقحمة، وسيكتشفها القارئ، لا ينبغى الاستهانة بقدرات القارئ، فهو أذكى من الكاتب دائماً، دعه يستنتج، لأنك إذا أردت أن تلقنه بآيديولوجيا معينة سيكتشفك بسهولة وينفر منك حينها.. هناك فرق بين أن تكون آيديولوجياً وبين أن تكون مبدعاً يثير تساؤلات كبيرة.. حتى لو أردت أن تقول شيئاً آيديولوجياً، عليك أن تسرّبه من خلال حركة الشخوص في ملامسة شفيفة كما السحابة حين تلامس الأرض.
• ما هو تقييمك لقدرة الرواية العربية على محاكاة الواقع العربي؟
- الرواية في عالمنا العربي جاءت متأخرة، وهناك فارق زمني، ربما قرنين بين"دون كيخوته"ورواية"زينب"لمحمد حسنين هيكل، هذا لو افترضنا أنها أول رواية عربية ذات طابع فني متكامل، صحيح أن هناك روايات طبعت قبل صدور زينب، لكنها لم تكن تمتلك عناصر الرواية بشكلها المعاصر، كوحدة الزمان والمكان والحدث الدرامي وغيرها، إنما كانت تنتمي إلى الأسلوب الحكواتي القديم، ولو تفحصنا كتب الجاحظ مثلاً، نجد فيها الحس الروائي وفيها الحكاية ولكنها مكتوبة بطريقة تتناغم مع طبيعة المتذوق الأمّي، فالجاحظ لم يكن له قرّاء بأعداد كبيرة، إنما له مستمعون، فضلاً عن ذلك، كانت كتبه تنسخ باليد، ولنا أن نتخيل عدد القراء في ظل هكذا عملية معقدة؟.. وعلى الرغم من حداثة الرواية العربية، إلا أنها عملت الكثير وغيّرت الكثير، فقد أصبحت شكلاً من أشكال الحياة، لأن القارئ عادة ما يتقمص الشخصية الروائية ويعيش الحدث، ومن هنا يأتي التأثير.. وبالتالي كلما دخل الإنسان إلى المعاصرة وصارت سيادة المدينة أكثر من سيادة القرية، زادت فرصة الرواية لتفعل أكثر.
• هناك توظيف واسع للمادة التاريخية في روايتك الأخيرة"الظهور الثاني لابن لعبون"هل اعتمدت التاريخ الرسمي، أم استفدت من مصادر تاريخية خاصة؟
- في رواية"الظهور الثاني لابن لعبون"أردت أن أستكشف جذور الإرهاب الذي تمارسه تيارات الإسلام السياسي اليوم، وقد اعتمدت مصادر تاريخية غير رسمية، خصوصاً وإني عملت سابقاً في كتابة سيناريو سينمائي عن المستشفى الأمريكاني الذي أنشئ في بداية القرن العشرين، وكذلك حين كتبت سيناريو مسلسل محسن الهزاني، أمير الشعراء آنذاك، وخلال عملية البحث لتنفيذ السيناريو اكتشفت الكثير من تفاصيل تلك المرحلة التي تتحدث عنها الرواية، من بينها حرب القصر الأحمر وهجوم الحركة الوهابية على الكويت، وقد اعتمدت على مصادر تاريخية موثوقة، من بينها ما كتبه يوسف بن عيسى القناعي، مؤسس مدرسة المباركية، أول مدرسة نظامية في الكويت، المتوفى سنة 1973، والذي جعلته أحد شخصيات الرواية.. كما اعتمدت على عبد العزيز الرشيد الذي كتب تاريخ الكويت، وقد ذكر حادثة إباحة دم الشاعر صكر الشبيب ويوسف بن عيسى القناعي وكاتب الواقعة نفسه، عبد العزيز الرشيد.. وهكذا كنت حريصاً على توخي الدقة في توظيف التاريخ في أحداث رواية"الظهور الثاني لابن لعبون».. حتى أسماء شخوص الرواية في أغلبها أسماء حقيقية، من بينها اسم شخصية شكسبير، الحاكم البريطاني، ومن قبيل المفارقة اني عثرت من بين مدخرات العائلة على وثيقة سفر بريطانية تعود إلى جدي إسماعيل الفهد ممهورة بختم شكسبير وتوقيعه، استخرجها حين قرر السفر إلى العراق الذي كان تحت الحكم العثماني.
• كيف كانت أصداء الرواية كويتياً، على اعتبارها تحاكي حقبة من تاريخ الكويت؟
- أكثر ما فاجأني بهذه الرواية هو أن طبعتها الأولى نفدت خلال شهر واحد، وهذه أول مرة تحدث بحياتي، ونحن الآن بصدد اصدار الطبعة الثانية، ما جعلني أعود إليها مجدد وحذفت أكثر من ثلثها، أي ستكون بحدود 400 صفحة بعد أن كانت الطبعة الأولى 630 صفحة.
• هل هناك عمل قادم؟
- انتهيت من كتابة رواية جديدة بعنوان فرعي"ما لم يرد ذكره في سيرة حياة أم قاسم"وعنوانها الرئيسي"سبيليات"وهو اسم القرية التي ولدت بها في قضاء أبي الخصيب في البصرة وستصدر في نهاية هذا العام. والرواية تحكي قصة العجوز أم قاسم التي شهدت الحرب العراقية الإيرانية.. فهي تحية لتلك القرية وتحية للمرأة.
• خلال السنوات الأخيرة عاد اسم اسماعيل فهد اسماعيل إلى شارع الثقافة العراقي بعد قطيعة طويلة دامت لأكثـر من عقدين، ما سبب تلك القطيعة؟
- هذه القطيعة كان سببها النظام السابق، فعند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية كان لدي موقف غير معلن، لكنهم طالبوني بموقف، وأذكر أن السفير العراقي آنذاك جليل العطية دعاني على عشاء في بيته من خلال صديق مشترك وهو المخرج فيصل الياسري، وكانت جلسة لطيفة وودية، وبدأ السفير يتحدث عن حق العراق عليّ على اعتبار أن أمي عراقية وإني عشت في العراق لربع قرن، وتساءل عن سبب عدم مبادرتي في الكتابة عن الحرب، فقلت ما مفاده بأني أحب العراق ولهذا السبب أفضل عدم الكتابة، لأني لو كتبت سأدين العراق على ارتكاب حماقة الحرب، من الخطأ أن تحارب بلداً وشعبه في حالة ثورة، لأنك ستخسر حتماً.. دخول العراق في تلك الحرب ساعد على إدامة زخم الثورة الإيرانية وليس العكس. الرجل تفهم موقفي واتفقنا بأن يبقى هذا الحديث طي الكتمان.. كنت قبل هذا اللقاء ممنوعاً من دخول العراق واستمر المنع لغاية 1989، في ذلك العام جاءني مخرج سينمائي اسمه الدكتور حسن الجنابي، وطلب روايتي"مستنقعات ضوئية"وقال أنه ينوي تحويلها إلى فيلم لصالح دائرة السينما والمسرح العراقية. وعرفت لاحقاً من خلال أصدقاء عراقيين إنه من أوائل البعثيين في العراق، ولكنه شخص مسالم ولم يؤذ أحداً طوال فترة وجوده في أوروبا، إذ كان يدرس الإخراج السينمائي في ألمانيا، وأبلغوني بأنه ليس من السوء أن أتعامل معه، فقبلت طلبه.. بعد بضعة أشهر عاد لزيارتي حاملاً السيناريو ومعه شيك مصرفي موقع وطلب مني أن أضع رقم المبلغ الذي يرضيني، فقلبت الشيك وكتبت على ظهره"تبرع لأبناء الشهداء"ووقعت.. بعد فترة وجه لي دعوة لزيارة بغداد وحين عرف إني ممنوع من الزيارة قام برفع اسمي من قائمة المنع، كما سمح لي بادراج اسم شخص برفقتي فاخترت الصديق الإعلامي وليد أبو بكر، كان يعمل في جريدة الوطن، فذهبنا إلى بغداد واستقبلنا الجنابي من داخل طائرة الخطوط الجوية العراقية بترحيب كبير.. خلال الزيارة دعانا وزير الإعلام، لطيف نصيف جاسم على عشاء في أحد المطاعم العائمة على دجلة، وخلال الجلسة طلب الوزير مني مرافقته إلى خارج المطعم وتوجه بي نحو سيارته وفتح صندوقها وأخرج حقيبة مليئة بالدنانير، قال هذا مبلغ ربع مليون دينار، هدية من السيد الرئيس كـ»مصروف جيب"فضحكت على فكرة أن يكون مصروف الجيب ربع مليون دينار في وقت كان فيه الدينار يساوي ثلاثة دولارات تقريباً. فشكرته واعتذرت عن تسلم المبلغ وقلت له"اعتبرها وصلت"فتقبل اعتذاري بعد إلحاح شديد.. ومنذ ذلك الحين انقطعت عن العراق حتى زوال النظام.
• كيف تقرأ المشهد الثقافي العراقي الحالي؟
- في العراق حالياً هيمنة دينية كبيرة، لها قدرة عالية على تحريك السواد الأعظم من الناس، وبذلك يكون دور المثقف في غاية التعقيد، لكن من الرائع أن يتحرك، أن يتكاتف، أن يعمل على إلغاء الفوارق الطائفية والعرقية، والسعي لبناء ثقافي متماسك، وأرى أن هناك حراكا ثقافيا قويا لا يمكن إغفاله، كما هو الحال في شارع المتنبي ببغداد وانبثاق شارع الفراهيدي في البصرة وأعتقد أن تجربة الشوارع الثقافية ستجد طريقها إلى جميع المدن العراقية.. من هنا يبدأ الفعل الثقافي، قد يبدأ كحراك نوعي، لكنه مع مرور الزمن سيتحول إلى كمّي، فكل التجارب العالمية هي تراكم نوعي يتحول إلى تحقق كمّي.. وعلى العموم أنا سعيد بحضور المثقف العراقي وموقفه، على الرغم من كم الخراب الذي نراه.

سبق لهذه المادة ان نشرت
في صحيفة المدى