بين الأطرقجي والزبيدي وبرنامج  (صندوق السعادة)

بين الأطرقجي والزبيدي وبرنامج (صندوق السعادة)

جوزيف الفارس
كان الأستاذ المرحوم حامد الأطرقجي أستاذ الابتكار والصامت والإضاءة المسرحية في معهد الفنون الجميلة، يتكلم عن تاريخ حركة الروّاد بحديث شيّق مملوء بحكايات عن الروّاد، كنا نستأنس لأحاديثه متناولاً من خلاله أحاديثه عن تاريخ الفرق المسرحية والحركة الثقافية في المجتمع العراقي، إضافة الى كونه أحد أعضاء فرقة الزبانية والتي تأسست ضمن تلك المرحلة من تاريخ حركة المسرح العراقي،

حيث كانت هذه الفرقة الفنية المسرحية والتلفزيونية تضم أعضاء فنانين روّاداً ساهموا في تطوير المسيرة الفنية آنذاك منهم، الفنان حامد الأطرقجي، الأستاذ الفنان ناجي الراوي، الأستاذ التشكيلي حميد المحل، والفنان رضا علي، والفنان ناظم الغزالي، والفنان المحبوب فخري الزبيدي والذي تألق نجمه في الستينيات، كمقدم لبرنامج (صندوق السعادة) والذي استقطب الجماهير ولاسيما في بغداد، فحينما كان يعرض البرنامج ومن خلال شاشة التلفزيون، لن تشاهد أي أنسان في الشارع، إما أن يكون قد حجز له كرسياً في أحد مقاهي وكازينوات بغداد، أو أنه فضّل مشاهدة البرنامج مع عائلته في الدار.

فرقة الزبانية للتمثيل
هذه الفرقة الشعبية كانت تقدم أعمالاً يطغي عليها الطابع الكوميدي، مشتقة أعمالها من الواقع الاجتماعي المتردي آنذاك وعرضها بشكل كوميدي منتقدة بعض العادات والتقاليد التي كانت تسود الواقع العراقي آنذاك، واتذكر تمثيلية سعاد والتي كان بطلها الأستاذ حامد الأطرقجي والحاج ناجي الراوي وأعضاء فرقة الزبانية للتمثيل، حيث أن ابن أحد الأسر العراقية يقع في حب فتاة يعترض أهلها على تزويجها منه (حامد الأطرقجي) فنتيجة لهذا الحب ومعاناته يصاب بالجنون والكآبة، فتقترح إحدى سماسرة فتاح الفال (ناجي الراوي) بعرضه على الفتاح الفال، لمعالجته بحجة أن فيه شيطان الحب ومسيطر على قلبه، فحينما يأتون بالشاب وعرضه على الفتاح الفال، يطلب من أهله أن يخرجوا الى الخارج باستثناء الشاب وفتاح الفال، حيث يبدأ فتاح الفال بضرب هذا الشاب الولهان حامد الأطرقجي) ضرباً مبرحاً والبث حي وأمام الجماهير لأنه في وقتها لم يكن هناك تسجيل في الفيديو، ولهذا الضرب القوي من قبل الحاج ناجي الراوي للأستاذ حامد الأطرقجي له قصة رواها لنا الحاج ناجي الراوي في إحدى محاضراته، كونه كان أستاذاً في فن المكياج والرياضة المسرحية (التكنك بدي) يذكر الحاج ناجي الراوي قائلاً: في أحد العروض المسرحية الشعبية كان دوره يؤدي عرضاً رياضياً بالزورخانات ومتناسقة مع صوت المطرب ناظم الغزالي، فعندما بدأ المطرب ناظم الغزالي بالغناء البغدادي ومع ايقاعات طبول فخري الزبيدي، خرج الحاج ناجي الراوي مكشوف العضلات والصدر، وأمامه الزورخانة والتي تعود على حملها واستعراض بعض الحركات الرياضية بها والمتناسقة مع الإيقاع والغناء البغدادي أمام الجمهور المشاهد، فلما حاول رفع الزورخانة فوجئ بثقلها لأنها قد استبدلت بأخرى من السمنت بدلاً من الزورخانة الخشبية، فاحتار الأستاذ ناجي الراوي في كيفية اللعب بها وأمام الجمهور المتفرج، فنظر إلى الجهة اليسرى، وإذا بالأستاذ حامد الأطرقجي يضحك ويبرم بشاربه، ومعه فخري الزبيدي، فعلم بالمقلب، وهنا ما كان من الأستاذ ناجي الراوي إلا حمل الزورخانات الكونكريتية واللعب بها مما أجهدته ووضعته في موقف محرج أمام الجمهور المشاهد، وبعد الانتهاء من مشهده خرج من خشبة المسرح ليتلقى القبلات والممزوجة مع الضحكات قائلين له: لا تزعل أحنا حبينا نتشاقى وياك، فلم ينبس الحاج ناجي الراوي بأية كلمة فقط اكتفى بكلمة الله كريم، ولما عرضت هذه التمثيلية لفتاح الفال في معالجة منه للولهان المجنون حامد الأطرقجي وعلاجه بضربه على قدميه وظهره بالعصى الوهمية والمصنوعة من المقوى الكارتون، لم يستعملها ناجي الراوي في هذا المشهد، وإنما جاء بعصا حقيقية وشرع يضرب حامد الأطرقجي على قدميه ورجليه أشد وأقسى الضربات وهو يقول: آخ منك شيطان، أنت لازم يطلع من جسم هذا الشاب،(ويستمر في الضرب وهو يقول: شوف شيطان أنت ازا مايطلع ايروح ايجيبلك مطرب جالغي ودنبكجي بغدادي، حتى ايخليك تركص وتغني وتنسى نفسك وتطلع من جسم هذا الشاب، أنت شيكول؟).
عندها افتهم الأستاذ حامد الأطرقجي المقلب كونه كان لعبة من الأستاذ ناجي الراوي وانتقامه لنفسه من المكيدة التي نصبها له الأستاذ حامد الأطرقجي يوم عرض المسرحية، فبقي الأستاذ حامد الأطرقجي خامداً أمام ضربات الراوي ومن ثم انفجر بقوة قائلا:"شكول، مثل ذاك اللي بحلكه الموس، لا يكدر يحجي ولا يكدر ايبلعه، عندها ضحك الحاج ناجي الراوي ضحكة قوية مكملاً لحواره قائلاً:"أي هسه اني فرحان جيف الشيطان طلع منك وصرت تحجي كله عقل»، وبقي الحاج ناجي الراوي ضاحكاً ومن ثم قال مخاطباً ذويه الذين ينتظرونه في الخارج:"وينكم تعالوا اخذوا ابنكم العاقل واللي عليا طلعت الشيطان ونطيته درس طول عمره بعد ماينساه مختتما جملته بضحكة قوية».