من أوراق الراحل سالم الآلوسي..بدايات استخدام عبارات صحيفة وجريدة وجرنال ومجلة

من أوراق الراحل سالم الآلوسي..بدايات استخدام عبارات صحيفة وجريدة وجرنال ومجلة

من يراجع المعاجم ودوائر المعارف والكتب والمؤلفات التي تناولت تواريخ الصحافة في مختلف اللغات يجد للمصطلح أو للكلمة الواحدة أكثر من معنى ودلالة، وتتنوع تلك المعاني والدلالات على جملة من الفعاليات والأختصاصات، مما يدل على أن الكلمة والمصطلح يتطوران بمرور الزمن كما يتطور الإنسان والأحياء الأخرى.

الصحافة Press
تعرف الصحافة بأنها صناعة الصحف، والصحف جمع صحيفة وهي قرطاس مكتوب، والصحافيون اولئك القوم الذين ينتسبون إليها ويشتغلون فيها. والمراد اليوم بالصحف أوراق مطبوعة تنشر الأخبار والمعرف والعلوم على اختلاف مواضيعها بين الناس في اوقات معينة، وأول من استعمل لفظة”الصحافة”بمعناها الحالي كان الشيخ نجيب سليمان الحداد (1868–1899) منشئ”لسان العرب”في الأسكندرية
وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي، وإليه يرجع الفضل في اختيارها، فقلده سائر الصحافيين وكانت الصحف في أول عهدها تسمى الوقائع، أما لفظة أو مصطلح”الصحيفة”فأوّل من أطلقها كان الكونت رُشَيْد الدحداح (1813- 1889) اللبناني صاحب جريدة”برجيس باريس وانيس الجليس”وجرى مجراه أكثر الصحافيين وسمّيت كذلك”غزته”.

الجريدة
الجريدة لغةً: سعفة تقشر من خوصها، وهي في اصطلاح عمال الخراج دفتر تكتب فيه مقادير الأراضي الممسوحة لترتيب الأموال السلطانية، ومنه أستعير المعنى لوصف المطبوع اليومي أو الأسبوعي الذي يحمل الأخبار والتقارير والموضوعات التي تهمُّ القراء، ويكثر استعمالها مرادفة للفظة الصحيفة والجريدة بمعنى القائمة كما جاء في كتاب”نشوار المحاضرة”.
إن أول من أطلق مصطلح”الجريدة”على الصحيفة المكتوبة في العصر الحديث كان المرحوم أحمد فارس الشدياق (1804 – 1887م) اللبناني صاحب”الجوائب”التي أصدرها في القسطنطينية نيفاً وعشرين سنة من 1861 – 1883.
وكلمة”الجريدة”قديمة العهد، جاء ذكرها في معجم”شفاء الغليل”للخفاجي المصري. قال”الجريدة هي دفتر أرزاق الجيش في الديوان، وهو اسم مولد، وهي صحيفة جُرّدت لبعض الأمور. أخذت من جريدة الخيل وهي التي جردت لوجه"، قال الزمخشري في شرح مقاماته:”والعامة تقول لجريدة الخيل (تجريدة). وقال ابن الأنباري:الجريدة الخيل التي لايخالطها راجل، واشـتقاقه من تجرد إذا أنكشف". والجريدة من المصطلحات التي استخدمت قديماً في علم الوثائق والأرشيف، والمراد بها ما يسمّى في عصرنا الحالي بـ"الأضبارة”أو”الملف”أو الملفّة المشتملة على مجموعة الوثائق اللازمة.

الجرنال Journal
والجرنال من المصطلحات الشائعة كثيراً في وسائل الإعلام عامة وعلى ألسنة المصريين خاصة ويجمعونها على (كرانيل، ومفردها كرنال). وكلمة جرنال لفظة فرنسية جاءت من (جور Jour) بمعنى يوم وجرنال معناها (يومي) أي المنسوب إلى اليوم للدلالة على الصحيفة اليومية.
وقد أورد معجم أكسفورد الأنكليزي تفصيلات عن معاني جرنال. منها إن لفظة”جرنال”تنحدر من اللاتينية التي جاءت بصيغة Journal و diurnalis وتلفظ”جرنال”ثم توسعت اللفظة في الاستعمال لتتناول أغراضاً شتى بحسب طبيعة العمل وذلك منذ عام 1549، فالجرنال تطلق – حسب تسلسلها التأريخي – على
1633 على وقائع وتفصيلات السفر.
1647 تسجيل وقائع جلسات ومحاضر البرلمان.
1671 سجلات السفن وتدوين حركاتها وأحوال الطقس.
1728 أطلقت على الصحف والجرائد اليومية.
1833 جاءت الكلمة بصيغة المصدر (جرناليزم Journalism) بمعنى الصحافة. أما الصحافي فكان يطلق عليه كلمة (جرناليست Journalist) منذ عام 1665.
لقد شاعت في البيئة المصرية لفظة الـ (كرنال) وتجمع (كرانيل) بمعنى الجريدة. ومن الطريف ذكره، إن المصريين في أفلامهم السينمائية القديمة يستعملون عبارة (كورنالجي) على الصحافي أو العامل في الصحافة كما تطلق كلمة (الجريدة) على قائمة المصادر والمراجع عند بعض المؤلفين أوالمحققين أو المترجمين فيقال”جريدة المصادر والمراجع”تدرج في ذيل مؤلفاتهم.

جرنال العراق :
هناك معلومات غير مؤكدة تقول إن أول جريدة (صحيفة) صدرت في بغداد كانت”جرنال العراق”أصدرها داود باشا الكرجي الشهير عندما تولى ولاية بغداد سنة 1817 ذكر ذلك المؤرخ العراقي الأستاذ رزوق عيسى في مجلته”المؤرخ"، العدد - 2 (1939) ص 292 – 293 بقوله :”ورد ت تلميحات وإشارات في رحلات الأفرنج إلا أن صدور أول صحيفة في بغداد حينما تولى منصب الولاية داود باشا سنة 1816 – الصحيح سنة 1817 وإنها تعرف باسم”جورنال العراق”وهي تطبع في مطبعة حجر.”وقد شك الأستاذ عيسى في أمر المطبعة لعدم اطلاعه على أثر مطبوع فيها". وتكرر نشر هذه المعلومات من قبل الصحافي العراقي الأستاذ هاشم النعيمي في كتابه (كيف صدرت جريدة الزوراء؟)، في الصفحة 11 – 12 وقد طبع الكتاب ببغداد سنة 1969، نقلاً عن مقال للأستاذ رزوق عيسى في مجلة (النجم) الموصلية لسنة 1934، وذكر إنها تطبع بالعربية والتركية.
وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل عدد من مؤرخي الصحافة العراقية وفي مقدمتهم المرحوم الأستاذ يعقوب سركيس، فلم يوفق أحد على مدى عقود من العثور على نسخة من (جورنال العراق).

المجلّـــــة : في اللغة والاصطلاح
المجلـة : معناها”الصحيفة التي فيها الحكمة”والكلمة قديمة العهد، قال النابغة الذبياني :
مجلًّتُهــم ذات الالـه ودينهــــم قويمٌ فما يرجون غير العواقب
ويعرفها الجرجاني بالصحيفة التي يكون فيها الحِكم، أو كانوا يكتبون فيها الحِكمة. ومنه أخذوا اسم (مجلة الأحكام العدلية) التي وضعتها لجنة من أهل الفقه ورجال القانون في زمن الدولة العثمانية، ثم ترجمت إلى اللغة العربية ونشرتها مطبعة الجوائب في الإستانة 1306 هـ (وكذلك دُرّست مجلة الأحكام العدلية في البلاد التابعة للسلطنة العثمانية كسوريا ولبنان وفلسطين، وشرحها الأستاذ سليم باز، وقام فهمي الحسيني بترجمة شرح المجلة لعلي حيدر بعنوان (درر الحكام في شرح مجلة الأحكام)، وقد ترجمت إلى اللغة الإنكليزية وكانت تدرس في فلسطين أيام الأحتلال الإنكليزي، وكانت المجلة تدرس في كلية الحقوق العراقية.
أما من الناحية التأريخية، فإن اليهود كانوا يكتبون التوراة وبقية أسفار العهد القديم على جلود مدبوغة أو على الرق – أي الطومار – وكانت الجلود تربط مع بعضها، فيحصل في ذلك نوع من الطومار يبلغ طوله أحياناً نحو(20) أو أكثر من الأمتار، وكان هذا الطومار يُلَّف على عصا، وحين القراءة كان القارئ يقبض بيده الواحدة على الدرج وينشره تدريجياً وفي أثناء القراءة كان يلف الجزء الملتو من الجهة الأخرى، ولهذا الشكل دعي الملفوف باسم”مجلة Megilleh”باللغة العبرية، أي ملفوف ومدرج أو درج.
وتسمى المجلة باللغة الفرنسية (ريفو) وبالإنكليزية (ريفيو) Revue كما يطلق على المجلة باللغات الأجنبية بالأضافة إلى Revue لفظان همــا (جرنـــال Journal ومكازيـــــــــن Magazine والمكازين عربية الأصل جاءت من كلمة (مخزن) أو (مخازن) كما تشير إلى ذلك المعاجم الإنكليزية والأمريكية، سميت بذلك لأن المخزن ومنه اللفظة الفارسية (المغازة) يضم أشياء متنوعة.

الغزتــه Gazetta
وردت الكلمة لأوّل مرة في العراق في العدد الأول من جريدة”زوراء”عام 1869، وبمرور الزمن تعدد ذكر الاسم بصيغ عدة منها: القزته، الغزته، القسطه. أما في اللغات الأجنبية فجاءت بهيئة (كازيت Gazette) بالإنكليزية والفرنسية، و (كازيتا Gazetta) بالإيطالية، وعن الأخيرة استعارها العثمانيون فسموها (قَزَتَه) بمعنى الصحيفة أو الجريدة.
أما أصل الكلمة فهو (كازيتا) التي أستعملت لأول مرة في إيطاليا وذلك عام 1605م. والـ (كازيتا) نقد من النقود رخيصة كانت متداولة في مدينة البندقية حتى عام 1682، وقد صدرت في هذه المدينة جريدة باسم (كازيتا).