السينما والإنتاج السينمائي في العراق في ستينيات القرن الماضي

السينما والإنتاج السينمائي في العراق في ستينيات القرن الماضي

د. احمد راشد الفهداوي
عرف العراقيون السينما لأول مرة ليلة الأحد الموافق 26/تموز/1909 عندما شهدت (دار الشفاء) الواقعة في منطقة الكرخ ببغداد، عرض أول فيلم سينمائي فيما اطلق عليه اسم (السينما توغراف) ولا أحد يعرف من الذي جاء بهذه الأفلام، وقد انبهر الجمهور البغدادي بما شاهده من الألعاب الخيالية، وقد شجع الإقبال الجماهيري على مشاهدة تلك الأفلام عدداً من التجار العراقيين لاستيراد الافلام السينمائية،

واختاروا مكاناً لعرض تلك الافلام وسط بستان ملاصق للعبخانة وسط شارع الرشيد حالياً، بعدما تحول ذلك البستان إلى دار عرض سينمائية اطلق عليها (بلوكي) نسبة إلى تاجر كان معروفاً في العراق وذلك عام (1911).
لقد شجع إقبال الناس على مشاهدة العروض السينمائية أغلب التجار المستوردين على بناء دور عرض سينمائية فشيّدت (سينما العراق) عام (1920) كأول دار عرض شيّدت بشكل أساس ثم تبعها إنشاء سينما (عيسائي) و(السينما العراقي) و(سنترال سينما) و (ألمبيا) و (السينما الوطني)، وكان التجار من يهود العراق هم أول من شيّدوا دور العرض السينمائية بعد تنبههم إلى أهمية السينما مثل عيسائي وبيت دوري وبيت عزو وبيت ذنوس، الذين حصلوا على وكالات شركات فوكس ومترو وتوزيع الأفلام الأمريكية والأوروبية، ومع بداية عقد الخمسينيات أصبحت للسينما أهمية كبرى عندما دخلت اسماء اصبحت فيما بعد نجوماً في عالم السينما أمثال محمد شكري جميل وماجد كامل وفكتور حداد وغيرهم، عن طريق وحدة الانتاج السينمائي في شركة نفط العراق التي كانت تنتج أفلاماً وثائقية علمية تتعلق بالنفط وطرق اكتشافه وفروعه تتعلق بالتربية والتعليم والصحة والسياحة وسميت (بلادنا). وتعرض هذه الأفلام مجاناً، لكن هذه الوحدة جمّدت عن العمل بعد ثورة تموز 1958 لتبعيتها لشركة نفط العراق وتبعية الشركة لبريطانيا.
أصبحت لدور السينما مكانة متميزة في قلوب الناس لذهاب العوائل إلى هذه الدور وسط حشمة واحترام وكانت أكثر الأفلام التي تعرض هادفة وبعيدة عن الفحش بقدر ما كانت سينما ثقافية جاهزة، لكون الأفلام السينمائية مقتبسة من أشهر الروايات العالمية مثل قصة مدينتين لديكنز والشيخ والبحر لهمنغواي والحرب والسلام لتولستوي. وكانت دور السينما مقسمة على ثلاث درجات (أولى وثانية وثالثة تختلف مواقع هذه الدرجات ومقاعدها من حيث توافر الخدمات الضرورية فضلاً عن سعر تذكرة الدخول).
ومن أهم الدور السينمائية التي كانت منتشرة في بغداد (سينما الخيام) التي افتتحت عام 1956 بالفيلم التاريخي الملحمي الكبير (هيلين طروادة -1955) وسينما (النصر) التي افتتحت عام 1960 بفيلم (ثورة الدم -1959) وسينما (غرناطة) التي تم افتتاحها في 5/تشرين الثاني/1962 بالفيلم البريطاني (مدافع نا فارون-1961) وسينما (الرصافي) التي افتتحت عام 1963 بالفيلم الوطني (جميلة-1958) إذ تحدث عن نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ومن الأحداث التي لا تنسى أبداً احتراق دار السينما أثناء عرض الفيلم، وسينما سمير أميس التي افتتحت عام 1966 بالفيلم البريطاني (بكيت 1964) وسينما (اطلس) وافتتحت في 2/آب/1967 بالفيلم الهندي (الجسدان- 1966) وسينما (بابل) التي افتتحت عام 1967 بالفيلم الفرنسي (رجل وأمرأة -1966). وهناك أيضاً دور السينما الصيفية التي كانت تنتشر في بغداد وهي مكشوفة تعرض أفلامها بأدوار مسائية في الهواء الطلق مثل سينما الرشيد الصيفي في شارع الرشيد وسينما الفردوس الصيفي في منطقة الصدرية وسينما الرافدين الصيفي في ساحة الرصافي وسينما روكس الصيفي (سينما النجاح حالياً) وسينما هوليوود الصيفي في ساحة الطيران وسينما الشرق الصيفي في ساحة النافورة مجاور سينما غرناطة، وسينما الزوراء الصيفي في ساحة حافظ القاضي وسينما الأحرار والتاج والهلال والأوبرا، وتقع جميعها بالقرب من ساحة الرصافي، وسينما زبيدة التي تقع في منطقة الكرخ مقابل مستشفى الكرامة. وكانت لهذه السينمات طقوس جميلة، إذ ينتشر في داخلها باعة المرطبات والصمون والعنبة والشامية والكرزات إذ تتعالى نداءاتهم أثناء الاستراحة.
وتشير الإحصاءات الخاصة بعدد دور السينما في العراق خلال منتصف ستينات القرن الماضي نحو (86) داراً منها (40) داراً في بغداد، وهذا دليل واضح على مكانة السينما في المجتمع البغدادي وتأثيره فيها.
الإنتاج السينمائي في بغداد
بدأ الانتاج السينمائي في بغداد في عقد الثلاثينات من القرن الماضي، إلا أنها لم تنجح أو تسفر عن شيء إلا في عام 1946 عندما أنتجت شركة أفلام الرشيد العراقية- المصرية أول فيلم عراقي وهو (ابن الشرق) الذي أخرجه الفنان المصري نيازي مصطفى ومثّل فيه عدد كبير من الفنانين من ضمنهم حضيري أبو عزيز وعادل عبد الوهاب وعُرض الفيلم خلال أيام عيد الأضحى أواخر عام 1946، وفي السنة نفسها تم انتاج الفيلم الثاني (القاهرة - بغداد) من شركة أصحاب سينما الحمراء العراقية وشركة اتحاد الفنانين المصرية، وكتب قصته يوسف جوهر وحقي الشبلي وأخرجه الفنان المصري احمد بدرخان ومثّل فيه من العراق حقي الشبلي وعفيفة أسكندر وإبراهيم جلال وسلمان جوهر وفخري الزبيدي وعدد من طلبة معهد الفنون الجميلة، وجرى عرض الفيلم عام1947.
واصلت السينما العراقية خطواتها الواثقة باتجاه التقدم، إذ أُسست عام 1955 أول شركة سينمائية عراقية مساهمة أنتجت أول فيلم عراقي بفنانيه وبممثليه وهو فيلم (فتنة وحسن) الذي حكى قصة الريف العراقي وعالج التعصب القبلي، ثم تأسست شركة سومر عام 1956 وانتجت فيلم (من المسؤول) وشركة اتحاد الفنانين التي انتجت فيلم (سعيد أفندي) فيما أنتجت شركة شهرزاد أول فيلم عراقي ملون هو (نبوخذ نصر) الذي أخرجه كامل العزاوي.
وهناك أيضاً أفلام مثل فيلم (وردة -1957) وفيلم (تسواهن-1958) لحسين السامرائي وفيلم (الدكتور حسن-1958) لمحمد منير آل ياسين وفيلم (ارحموني- 1958) لحيدر العمر، وأغلب هذه الأفلام كانت تقليداً ساذجاً للأفلام المصرية، باستثناء فيلمي (من المسؤول) و (سعيد أفندي) لأنهما يشكلان البداية الحقيقية للواقعية في السينما العراقية.
وفي 31/كانون الأول/1959 صدر قانون مصلحة السينما والمسرح الذي نصت مادته الثامنة على تولي مصلحة السينما والمسرح مهمة التوجيه والإرشاد بوسائل السينما والمسرح وفق خطة عامة تقوم بوضعها وزارة الإرشاد وتنظيم أعمالها وتشكيلاتها بموجب تشريع خاص. لكن المصلحة لم تشرع بإنتاج الجريدة السينمائية والأفلام مقابل أجور معقولة، حتى انتجت فيلم (الجابي) الذي بدأ العمل به عام 1966 وعرض في 15/2/1968، الذي يُعّد أول فيلم روائي عراقي من انتاج المصلحة، ومثل فيه الفنانون اسعد عبد الرزاق، وخليل الرفاعي، وفوزية الشندي، قاسم الملاك، وداود سالم وغيرهم وأخرجه جعفر علي، ومن أهم الافلام التي قدمتها السينما العراقية هي (الحارس) الذي شاهده الجمهور العراقي لأول مرة في سينما الخيام بتاريخ 31/تموز /1967 وفي العام اللاحق حاز على الجائزة الفضية لمهرجان قرطاج الدولي بعد أن حجبت الجائزة الذهبية وبذلك يكون أول فيلم عراقي يحصل على جائزة كبرى في مهرجان سينمائي دولي، وهو من اخراج خليل شوقي وبطولة مكي البدري وكريم عواد وسليمة خضير وزينب وغيرهم.
وقد واكبت السينما العراقية الأحداث المهمة في تاريخ الشعب العراقي على قدر إمكاناتها البشرية والمادية وعلى سبيل المثال ثورة 14/ تموز/1958 نالت نصيبها في أفلام (إرادة الشعب-1959 وأنا العراق-1961 ومن أجل الوطن- 1961 وحجر الحرية – 1962) وجميع هذه الأفلام أنتجها القطاع الخاص. أما مجموع ما قدمته السينما العراقية من أفلام خلال مدة الدراسة فقد بلغ نحو (31) فيلماً سينمائياً تناولت مختلف القضايا التي تهم الشعب.
عن رسالة: الحياة الثقافية في مدينة بغداد 1958 – 1968م