عن رائعة الاديبة السويدية سلمى لاغرلوف  نيلز العجيب

عن رائعة الاديبة السويدية سلمى لاغرلوف نيلز العجيب

جمال الخرسان
في لقاء صحفي سئل الكاتب والروائي الفرنسي"ميشيل تورنييه"من أيّ باب سحريٍّ دخل الأدب في حياتك؟ فأجاب:"من باب كتاب الروائية السويدية سلمى لاغرلوف.. رحلة نيلز هولغرسون الرائعة عبر السويد، وهو كتاب جغرافيا وضعته للأولاد ونالت عليه في العام 1909 جائزة نوبل والشهرة العالمية. كنت في الرابعة عشرة حين قرأته. بهرني مناخه السحري. فلطالما أحببت السحر وقصصه. إنما ليس أية قصص، بل السحر الذكي الذي يضيء درب القارئ.

لذا لم تستهوني أبدًا قصة سندريللا واليقطينة التي تحوِّلها الجنيةُ الطيبةُ إلى عربة ملكية، بل أحببت رحلة نيلز الرائعة".
ما جاء على لسان تورنييه من شهادة بحق رائدة من رواد الادب الكلاسيكي ليس من المبالغة في شيء، فقوة النص وسلاسته التي تتوفر في اعمال الروائية الشهيرة سلمى لاغرولوف"Selma Lagerlöf"ساحرة الى ابعد الحدود، وهذا ربما سر نجاحها في أدب الاطفال، ومن ينحاز الى هذا المجال في الثقافة الاسكندنافية ويضع بصمة مؤثرة فيه فانه دون شك يضع نفسه في مقدمة الركب، لذلك ليس اعتباطا ان تكون لاغرلوف هي المرأة الاولى التي حصلت على جائزة نوبل، ثم اختيرت منذ العام 1914 ضمن فريق الاكاديمية السويدية الجهة المعنية بمنح جائزة نوبل للاداب.
ولدت سلمى عام 1858 في قرية تابعة لمقاطعة"فارملاند"المحاذية للنروج، نشأت وترعرعت في بيئة ريفية هويتها الثقافية خليط من الموروث السويدي النرويجي. إصابتها بالشلل وان ابعدتها عن الالتصاق كثيرا بأقرانها من الاطفال واجوائهم المرحة، لكنها قرّبتها من جهة ثانية لعالم الطفولة من خلال حرصها على الاصغاء لحكايات الجدات وقصصهم الخيالية واساطيرهم المتوارثة المليئة بشحنات الخرافة والخيال. المعلمة الفطنة عرفت كيف تنطلق من الواقع في كتاباتها لتعود اليه بطلة اكثر جاذبية وتظهر الاشياء بحلة تثير الاعجاب. تعودت سلمى ان تسافر وكلما سافرت تشكلت في مخيلتها بيئة مناسبة ونزعة لتفريغ ما عاشته من تجارب ومشاهدات، فكانت تفرّغ تلك الشحنات الابداعية بقالب سردي جميل. زارت بلدانا عديدة في اوروبا، ذهبت الى ايطاليا فزارت روما وبعد عودتها كتبت"معجزات المسيخ الدجال"التي نشرت عام 1897، وفي عام 1899 سافرت الى مصر ثم الى فلسطين ثم سوريا فكتبت عام 1901"رحلة إلى مدينة القدس".
لها عطاء ادبي في موضوعات مختلفة من جملة اعمالها"سائق العربة، الكنز، امبراطور البرتغال، المنبوذ"إضافة الى كتابها عن حياة الاديب الفنلندي"ساكريس توبيليوس"، الا ان ابرز اعمالها واشهرها انتشارا وخلودا والتي حازت إثرها على جائزة نوبل عام 1909 وترجمت الى معظم لغات العالم هي رواية"مغامرات نيلز العجيب"التي نشرت عام 1907. والتي تدور احداثها حول الصبي المشاكس نيلز. كانت تلك الرواية او المنهج لمادة الجغرافيا نقطة تحول في حياة الاديبة السويدية، حيث كلّفت بأن تكتب منهجا جديدا لمادة الجغرافيا التي يكرهها التلاميذ السويديون، فقبلت التحدي وبعد بضعة سنوات تفرغت فيها لهذه المهمة وبعد سلسلة من الاسفار من اقصى مملكة السويد الى اقصاها أعدّت سلمى بضاعتها الدسمة، فقدمت الجغرافيا في وجبة ادبية رشيقة، وجعلت من الادب مدخلا مهما للشغف بالجغرافيا من جهة، وتغذية الجيل الناشيء بالقيم والمباديء الانسانية التي يتحلى بها السوديون من جهة اخرى. لقد تكفلت"مغامرات نيلز"بتعليم اجيالا سويدية جغرافيا بلادهم العريضة، وفي ذات الوقت تعلموا ضمنيا ضوابط العلاقة التي يفترض ان تحكم البشر مع الكائنات الحية الاخرى والمحيط الذي يعيش فيه. جاءت روايتها في ظرف استثنائي جدا تعيشه السويد ومعظم بلدان اسكندنافيا الاخرى التي كانت تعيش آنذاك ظروفا سياسية واقتصادية صعبة، وسط ذلك الاحباط ارادت اعادة اكتشاف المملكة السويدية للسويديين انفسهم صغارا وكبارا عبر مغامرات الفتى المشاكس نيلز المؤذي لكل من حوله حتى الحيوانات، يصادفه ساحر فيحوّله معاقبا الى قزم، فيهرب نيلز ممتطيا إوزة، ويطير بها برفقة سرب من الطيور فوق كل أرض السويد. هكذا تحوّلت الجغرافيا الى مادة شيقة ومثيرة احبها التلاميذ واشتهرت فيما بعد، اصبحت فيلما سينمائيا ومسلسلا كارتونيا اقتبس من تلك الرواية، وهذا ينطبق ايضا على العديد من اعمالها الاخرى.
الملفت جدا ان سلمى وبعد ان وصلتها رسالة من الاتحاد الوطني للمدرسين في السويد مفادها"نحن بحاجة ماسة إلى كتاب مدرسي يستمتع الأطفال بقراءته في حجرات الدراسة، ليثير اهتمامهم بجغرافية بلادهم كي يعرفوها أكثر ويحبوها، نرجو أن يكون الكتاب مثيرا لاهتمامهم ليس بالجغرافيا فقط وإنما أيضا بالتاريخ والأساطير الشعبية"، اجابت سلمى:"سأحاول...". إثر ذلك حاولت سلمى، ويا لها من محاولة مثيرة للاعجاب. وتخليدا للاديبة سلمى لاغرلوف وضعت صورتها وصورة روايتها الشهيرة مغامرات نيلز على احدى العملات السويدية من فئة عشرين كرون، كما وضعت صورتها ايضا على احدى طائرات الخطوط الجوية النرويجية.

عن موقع ايلاف