في حوار مع العلامة الدكتور  عبد الأمير الورد: أنا أول مجنون فكّر!!

في حوار مع العلامة الدكتور عبد الأمير الورد: أنا أول مجنون فكّر!!

العلامة الدكتور عبد الأمير الورد يطلق حملته لمحو الأمية ويقول : أطرب لأغنية كاظم الساهر (يامدلل لا تدلع ).. وأبكي لـ (وين أخذك وين أنهزم بيك!)

حوار أجرته : زكية المزوري
لمس الوعي بوجود الله تعالى بعد حين، فأجزل في طاعته وعبادته، درس اللغة العربية وما تشعّب منها من فكر وفلسفة وعلوم وآداب، فأنسها ناراً حتى أثرى الأدب العربي الحديث بروائع فكره وبحوثه وعلمه، مستفيضاً في ما يكتب مستعيناً بأصول العلم من أمهات الكتب،

عرف بمعاداته للعامية وموالاته وولائه الشديد للفصيحة، فلا تسمعه ينطق إلا بها مع الجميع في بيته مع أولاده ورد ومروج ومع زوجته وفي الجامعة مع طلبته ومع الناس في الشارع إلا مع البسطاء، وكله ثقة بأنه سيبيد العامية للأبد ويقول لها (كش ملك!).

يدخلك معه عالمه الصوفي، حين تجالسه وتستمع وتنظر إليه فلا ترى إلا شيخاً فصيحاً عالماً، بلحية أطلقها بلا رقيب وشعر كث أبلج كالثلج وهندام بسيط مريح.بإمكانك أن تضبط ساعتك على مواعيده الدقيقة التي لا تزيد أو تقل في جزء من الثانية، يعير الوقت أهمية كبيرة، متواضع الى درجة أنه بإمكان أي كان أن يجالسه ويناقشه ويستفيض معه في علوم الدنيا، فهو خبير فيها حتى أنه أهلك عمره يبحث عن الدقائق والذرات والقطرات وطلاسم الكلمات ومنابعها..
تراه في كل مجالس العلم سواء على قاعات جامعة بغداد، حيث يعمل مدرساً للغة العربية أو مجالس العلماء والمفكرين في الكاظمية مع فحول العلم..هذا برأيي عالم الشاعر الأديب الدكتور العلامة.. عبد الأمير الورد، جالسناه لساعة من ساعات الزمن الغابر فكان هذا الحوار :
* ينتهي نسبكم الى الإمام الحسين بن علي"عليهما السلام"ترى ما الذي يكلفكم هذا النسب، وهل نلتم الاستحقاق؟!
- نعم.. شجرتنا تنتمي الى الحسين ابن علي، مارة بأعلام كثيرة ومشتهرة في التأريخ، وأعمل جاهداً كي أصل الى أدنى ما استطيع له، أما أعلى، ذلك الاستحقاق فغاية لا تدرك.
* الورد لم يؤمن بالله تعالى إلا كما آمن ابراهيم"عليه السلام"كما في قول الله تعالى من سورة الأنعام (75)"فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين(76) فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (77) فلما رأى الشمس بازغة قال يا قوم أني بريء مما تشركون"(78).. كيف بدأت رحلتك الى الله تعالى؟!
- في الحقيقة أنا لم آت الى الإيمان بالله تعالى وطاعته عن طريق التقليد والوراثة، فأنا أتذكر بوضوح وبدقة الأدعية التي كنت أسمعها من أبي في هدأة الليل وقراءة القرآن التي كنت أسمع من والدتي أيضاً قبيل الفجر، وأداء صلوات مختلفة، ولكني مع ذلك لم يكن هذا الذي سمعته ورأيته كافياً لي، فعندما قررت سلوك طريق الايمان بالله تعالى وطاعته، جئت بمناقشة دقيقة وموقف واضح لكل القضايا التي تحيط به، حتى أنني بدأت ذلك بقلبي لا عقلي، لكني أنتهيت اليه بعقلي أولاً وصار قلبي تابعاً له، ولهذا بدأت تأخذني في الأيام الأخيرة الدهشة الكاملة ممن لا يؤمن بالله تعالى ولا ينهج طريق التسليم متذكراً قول الشاعر :
فيا عجبا كيف ينسى الإله
أو كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد

* أجتهدتم في تقسيم وتوحيد العمر البشري بطريقة 1+1=2 كيف أطلقتم هذه الفكرة وما الغاية منها..؟!
- أولاً يتم تقسيم العمر كما يأتي :
1- الجنسي
2- العقلي
3- الاجتماعي
فالجنسي هو الذي يمكن فيه للكائن الحي بالممارسة أن ينتج نوعه، والعمر العقلي هو الذي يمكن فيه للكائن الحيّ أن يستقل بنفسه في معاشه، والعمر الاجتماعي هو العمر الذي يمكن فيه للكائن الحيّ أن يقيم اللبنة الاجتماعية للأسرة، وهذه الأعمار تكون متقاربة وواحدة في الحيوانات وفي الريف وفي المجتمعات البدائية، أما البلدان الراقية وبخاصة بعد بلوغ سن الرشد والاكتفاء والنضج الجنسي والنضج العقلي والنضج الاجتماعي، فتكون في اعمار متباعدة لا تقارب فيما بينها.
* أذن كيف تستطيع أن تعيد توحيد هذه الإعمار في الحضارة الحديثة من خلال مناقشتك للعمر البشري؟!
- ظاهرة الانشطار هي ظاهرة حضارية، وهي ظاهرة شاذة لأن الحضارة كما أعرفها هي: التجمع البشري بتأثير الطبيعة الاجتماعية للإنسان فكل نتيجة سلبية هي حالة غير طبيعية بالحضارة، والنتائج السلبية للحضارة، هي أنشطار العمر البشري الذي أناقشه في هذا الموضوع، وبالطبع لا بد أن انتفع بمناقشات علماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد والفلاسفة وأطباء الأعصاب وأطباء الغدد، لكي أصل الى تقديم الحلول الكاملة لهذه المشكلة منذ أن أنقدحت في ذهني هذه المسألة ونضجت، بحيث أستطعت أن أطرحها على الطلبة الذين يدرسون علي منذ سنة 1979، وكان ذلك في أكاديمية الفنون الجميلة، ونشرت عنها أول نداء في تشرين الأول سنة 1983.
* لا نعتقد أن أحداً من العرب أو من العجم أو غيرهم من البشر، قد جاء بما جئت به في تقسيم وتوحيد العمر البشري؟!
- (ههههه)، أنا أول مجنون فكّر بهذه المشكلة وبهذه الصورة، وما زلت الى الآن أدعو الى حل هذه المعضلة لأن الانسان في ضوء الحضارة الحديثة يواجه منذ نضجه الجنسي الى إقامة عائلته المستقلة، ومشكلات كبيرة جداً تؤدي الى نزيف من الجهود غير المثمرة ولا بد من الانتفاع من هذه الجهود بوضع حل لهذه المشكلة.
* لماذا تعتبرها مشكلة؟!
- لانها مشكلة يازكية (ههههه)
* وهل وجدتم حلولاً، بأعتباركم أول من كشف عن هذه المشكلة، وهل ناقشت ذوي الاختصاص من أطباء وعلماء وفلاسفة؟!
- أمامنا عدد من الاحتمالات، منها تأخير العمر الجنسي أو تقريب العمر العقلي والعمر الاجتماعي، وهذا يعني تدخل واع وشامل للمجتمعات جميعاً وبحملة واحدة في الأرض وبحملة واحدة في الحضارة الحديثة من أطباء علم النفس والاعصاب والغدد مع توفير الضمان الاجتماعي الكامل للأفراد، بحيث يمكن بعد ذلك أن يجد الفرد الواحد نفسه، عندما ينضج جنسياً، قد نضج عقلياً واجتماعياً في أن واحد، فلا يفسح مجالاً لهدر الطاقات الرهيبة التي يعانيها الفرد، ولا يمكن أن تتم هذه الحملة إلا بعد مناقشات مستفيضة الى كل من تمت إليهم بصلة من متخصصين.
* المعروف عنكم أنكم عاديتم العامية، ولا تتحدثون بها إلا مع البسطاء ممن تشق عليهم الفصيحة، وهناك من يتهمكم بالتعقيد في كل شيء؟!
- أنا لست معقداً أبداً.. وأتكلم بالفصيحة لأني عربي ومسلم ولأني مدرس لغة عربية وأدّعي أني أحب العرب وأحب لغة القرآن، فكيف لا أوالي الفصيحة؟.. فأنا أتكلمها مع زوجتي وأطفالي ورد ومروج ومع طلابي إلا مع البسطاء ممن لم يقرأ أو يكتب، لأنهم يستهجنونها ولا يفهمونها إلا بمشقة، والى الآن لا توجد أغانٍ بالفصحى تغنيني عن الأغاني بالعامية.
* لكن كاظم الساهر قطع شوطاً لا بأس به في أداء القصيدة الفصيحة لنزار قباني وحسن المرواني ولغيرهما.. ألم تطرب له؟!
- أحترم كل الاحترام غناءه لقصائد نزار قباني، لكني لم أطرب لها، أعجبني من كاظم الساهر أغنيته (وين أخذك وين أنهزم بيك) فهذه الأغنية تطربني وتهزني وتقاسمني بعض مشاعري وتبكيني، أما مقطعه (يامدلل لا تدلع) فيطربني أيضاً، أما مقطعه (جفت ضمائركم وما جفت دموع الأبرياء) فيهزني ويثيرني كل الاثارة، أما عبد المجيد عبد الله فقد حولت أغنيته (رهيب) الى أغنية في حب الله تعالى ورسوله أردّدها دائماً، وكذلك نظمت قصيدة بالفصيحة على غرار أغنيته (ياطيب الكلب وينك) أقول فيها :
ياواهب الخلق دينك وكلهم يحمدونك
ياما أعز البرايا لأنهم يعبدونك
فما أجل شؤونك
* رأيكم بلغة زهير أحمد القيسي، قلتم ذات مرة، أنه لا يخدع نفسه؟!
- أنا قلت أن أحمد القيسي لا يخدع نفسه ولا يخدع أحداً، لأنه يحاول أن يتحدث بالفصيحة جهد إمكانه، وبهذا يقترب من الأفق الذي أراه، وبهذا هو إنسان صادق مع نفسه ومع لغته على الأقل في المشاهد أي (التلفزيون).
* حتى التلفزيون وجدتم له أسماً؟!
- هذا هو أسمه بالعربية
* أنا على يقين أنك من أطلق عليه هذه التسمية فلم أسمع به من قبل!، طيب ماذا وراء إطلاق لحيتك وشعر رأسك؟!
- كسل.
* علمنا والعلم لله تعالى وحده أنكم ستعملون على محو الأمية.. ألا تعتقد معي أن هذا الحلم لن يتحقق ابداً؟
- نعم عندي مشروع لمحو الأمية، فما دمنا عرباً وما دمنا مسلمين ننادي الى هذه اللغة التي هي لغة العرب ولغة الإسلام، سأقدم على العمل بهذا المشروع في المستقبل القريب، أن شاء الله تعالى.
* تزوجت ثلاثاً.. الأولى كانت ابنة أستاذ الشعر العربي العلامة علي جليل الوردي"رحمه الله تعالى»، والثانية كانت صافيناز كاظم طليقة الشاعر العربي الكبير أحمد فؤاد نجم، والثالثة ابنة عمك وهي أمّ أولادك، تُرى ما سبب طلاقك للأولى والثانية؟
- الأولى هي التي طلقتني لأنها كانت تريد أطفالاً ولم يرزقني"الله تعالى"في حينها بأطفال، وتزوجت بأخرى ورزقها الله تعالى أطفالاً والحمد لله تعالى، فطلقتها لأنها لم تستطع أن تعيش معي وعادت الى أهلها، وطلقها أحمد فؤاد نجم في حدود علمي لزواجه بضرة لها هي الفنانة المصرية (عزة بلبع) لأنها لم تنسجم معه.
* والثالثة كيف هي معك؟!
- إنها صديقتي وأمّ أطفالي وحبيبتي وكل حياتي، والمرأة جمرة، إن أحسنت وضعها في مكانها الطبيعي أدفأت بيتك وحياتك وقلبك وطبخت طعامك، وإن أسات وضعها في المكان الذي لا يناسبها أحرقت بيتك وطعامك وأصابعك أيضاً، وقلت في إحدى قصائدي التي وجهتها الى زوجتي وصديقتي أم مروج :
إليك... وليس قبل الحب إلا الخوف والوجل
إليك... وليس دون الحب إلا البؤس والملل
إليك... وليس بعد الحب إلا الموت والأجل
إليك... وإن بكى الخجل جحيم الحب والقبل
* جزاكم الله تعالى على وقتكم معنا خير الدنيا والآخرة وبارك الله تعالى فيكم وأدامكم لما فيه خير آخرتكم.
- جزاكم الله عني كل خير وبوركتم.

جريدة "الزوراء" نيسان 1998