نايبول يرحل مخلفاً حياةً مثيرةً للجدل

نايبول يرحل مخلفاً حياةً مثيرةً للجدل

علي حسين
يرحل فيديادر سوراجبراساد نايبول، الذي وصفته مجلة تايم الأميركية، بأنه الروائي الأول، بعد أن كان يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الخامس والثمانين، وكان في سنواته الأخيرة، قد فضّل الوحدة ليعيش في كوخ معزول في الريف الإنكليزي.
85 عاماً توجها بالكتب والمواقف المتناقضة عن الهوية والمكان وبجائزة نوبل التي حصدها بعد انتظار عام 2001،

وكان ذلك بعد شهر من الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك، في ذلك الوقت كتب نايبول مقالاً في النيويورك تايمز، يتساءل فيه"كيف تستطيع أن تحارب الإرهاب إذا عملت مع حلفاء إرهابيين؟ إذا كنت ضيفاً في بلاد ما كيف تستطيع أن تفعل ذلك بمضيفك؟. لا حل إلا بإعادة الاسلام (دين ضمير) وإحكام اليد على الأموال. إذا أُخِذ المال يختفي الإرهاب".
لم يصدق حصوله على جائزة نوبل حين أخبرته زوجته بأن رئيس الأكاديمية السويدية على الهاتف يريد أن يعلمه بفوزه، لأنه ظن أن أحداً ما يريد أن يمازحه، قبل إعلان الجائزة كان قد أمضى ليلة قلقة. أحس بتعب فكري بعد استعادة أعماله:"كأنني شعرت بمشاق كتابة كل تلك الكتب. بدت رحلة طويلة الى درجة سخيفة وشعرت بتعب كبير، كبير، وتساءلت كيف سأتمكن من الاستمرار"، ويتذكر أن الجائزة كانت تخذله كل عام منذ أن ذهبت عام 1992 الى مواطنه الكاريبي ديريك وولكوت، الذي استمر في توجيه سهام الانتقاد الى نايبول، لأنه يرتكب حماقات عنصرية لا يرتكبها الكاتب الجاد على حد قوله، لكنه امتدحه باعتباره صاحب بلاغة ممتعة وعظيمة شوهت بسبب التعصب، وقد كتب نايبول بعد ذلك يقول:"كتبت بتعاطف كبير عن أفريقـيا. كانت طريقتي قاسية لكنها حافلة بالشفقة ورؤية المصاعب".. إلا أن لجنة جائزة نوبل كان لها رأي آخر بالكاتب الذي وصفته بأنه:"يملك رؤية متكاملة في رواياته، ويمتلك أيضاً وجهة نظر محايدة ونزيهة في الأعمال التي تتناول التواريخ والحضارات الأخرى."
فيما قال الناقد الإنكليزي الشهير تيري إيغلتون، إن نايبول:"مزيج من الفن العظيم والسياسة المروعة". وصفه صديقه الكاتب الأميركي بول ثيرو، في كتابه"ظل السيد نايبول"بأنه إنسان بائس تنتابه حالات من الهوس الجنسي والعنصري.
ولد نايبول في السابع عشر من آب عام 1932، لعائلة وصلت من الهند إلى ترينيداد إحدى جزر الكاريبي، وهو جزء مما سماه في وقت من الأوقات"مجتمع آسيوي مهاجر في جزيرة صغيرة في العالم الجديد". لقد كان مجتمعاً لم يشعر أبداً بالراحة فيه، يصفه بأنه مجتمع"فظيع جداً"ويطلق على عائلته وصف"رهيبة"لأنها تضم أعداداً كبيرة من الأفراد، وقد أتاحت له منحة حكومية عام 1950 أن يهرب من هذا الجو العائلي الخانق ليكمل دراسته للغة الإنكليزية في أكسفورد:"عندما وصلت إلى أكسفورد شعرت أنني تخليت عن ملابسي وأنني شخص قبيح، أسود، خالٍ من أية محاسن وليست لديَّ أي خلفيات، ولا أمتلك سوى الوحدة، وذكائي."
ولأنه كان يحلم بأن يصبح كاتباً منذ أن كان في العاشرة من عمره، فقد حاول أن يكتشف"الكتابة"أثناء دراسته الجامعية، لكنه بدلاً من ذلك عاش فترة صعبة كان يعاني فيها من"العزلة واليأس"ويكتب في دفتر يومياته:"لقد كنت مستعداً للعيش وسط هذه الأجواء، لأنني أشعر بأنني أكثر ذكاءً بكثير من معظم زملائي في الكلية". في عام 1954 يبدأ في كتابة روايته الأولى التي يسميها"عامل التدليك المتصوف"وهي رواية وصفت بأنها مفعمة بالحيوية تتحدث عن الأشخاص الذين يواجهون العالم بصلابة رغم أنهم بلا دعم ويفتقرون الى القوة. أصر على أن يكتب روايته الأولى باللغة الإنكليزية، مما أثار استهجان مواطنيه الذين وصفوه بأنه رجل بلا جذور، متعلق بالغرب، يخجل من أصوله الهندية، يرد على منتقديه بأنه لايعرف غير حضارة واحدة ومكان واحد هو لندن:"أي مكان آخر كان خداعاً للعقل، الوطن من أجل ماذا؟ هل هو من أجل أن أنحني أمام رجالنا العظماء؟ أم للاختباء، وبالنسبة لأناس في مثل وضعنا، أناس اقتيدوا للعبودية، فإن هذه أكبر خدعة على الإطلاق، نحن لانملك شيئاً، بل نعزي أنفسنا بالفكرة الخاصة عن الرجال العظماء لقبيلتنا، ولكننا نخفي أنفسنا، أي نقول خذ رجولتي واستثمرها لي، أو خذ رجولتي وأصبح رجلاً عظيماً من أجلي، لا، إنني أريد أن أكون رجلاً بنفسي".
يواصل الكتابة بالانكليزية، لتصدر له روايات"شارع ميجيل، نصف حياة، منعطف النهر، في بلاد حرة، بذور سحرية، منزل السيد بيسواس، المحاربون". بعد حصوله على نوبل، يتوقف لاكثر من عام ثم يعاود الكتابه:"المعجزة الكبيرة انني استطعت أن أبدأ الكتابة من جديد فما زال القلق حاضراً من أن أفشل قبل أن أبدأ". يؤمن مثل كاتبه المفضّل مارسيل بروست، مؤلف"البحث عن الزمن المفقود"بأن الروائي:"لايكتب بالجانب الاجتماعي من حياته لأن هناك ذاتاً أخرى داخلنا تدفعنا الى البوح"."ما نقدمه في الكتب هو إفرازات روحنا الشديدة العمق".
في عام 1959 يفوز بجائزة سومرست موم عن مجموعة من القصص القصيرة. يحصل على جائزة البوكر البريطانية عام 1971 عن روايته"في بلاد حرة"التي وصفتها لجنة الجائزة بأنها"سمفونية داكنة عن الاغتراب"، إضافة الى الروايات، يقدّم صوراً قاتمة للهند وإفريقيا والإسلام في سلسلة من قصص الرحلات، كانت أولاها عام 1964 بعنوان"منطقة الظلام"و"يوميات الكونغو"في عام 1980 و 1981 بين المؤمنين. وقد وصف إدوارد سعيد ما كتبه نايبول، بأنه"شاهد على الادعاء الغربي"، وأضاف سعيد، إن نايبول ليس فقط"غير مهتم بالعالم الثالث على الإطلاق"، لكن رواياته كانت مليئة"بالجهل والأميّة". فيما أعلن نايبول أنه غير مكترث بالانتقادات، كما أوضح للأوبزيرفر في عام 2008 :"عندما أقرأ هذه الأشياء، أشعر بسعادة غامرة إنهم لا يجرحونني على الإطلاق".