المرأة والـرواية.. سياطُ الكاتب نايبول التي لا ترحم

المرأة والـرواية.. سياطُ الكاتب نايبول التي لا ترحم

سلوى جراح
"ف. س نايبول"الذي يطلق عليه البعض لقب"سيد النثر الإنكليزي المعاصر"والحاصل على جوائز أدبية رفيعة، ابتداءً بجائزة سومرست موم، الروائي والمسرحي البريطاني الشهير، لعام 1960 ثم جائزة بوكر لعام 1971 وجائزة نوبل للآداب لعام 2008، كاتب بريطاني من موليد ترينيداد في البحر الكاريبي من أبوين هنديين، يتمتع بشهرة واسعة كروائي وكاتب مقالات نقدية،

رغم أن العديد من كبار مفكري وأدباء عصره، من أمثال إدوارد سعيد وديريك والكوت، يتهمونه بأنه مدافع عن الكولونيالية الجديدة وأنه يجد لها الأعذار والمبررات فيما يكتب من روايات، ومقالات عن رحلاته ولا ينصف العالم الثالث وشعوبه، وحين منح لقب"سير"عام 1989، أغضب ذلك العديد من الدول التي كانت تابعة للتاج البريطاني أيام الإمبراطورية بسبب وصفه لهذه الدول في أحد أعماله بأنها، مجتمعات"نصف مصنوعة".
حتى الأكاديمية السويدية قالت عنه حين منحته جائزة نوبل، إنه شبيه جوزيف كونراد، الذي عاصر الإمبراطورية البريطانية أيام عزها، والذي عرف عنه عدم تعاطفه مع فكرة الديمقراطية والاستعلاء على الفقراء رغم أنه صور معاناتهم في معظم ما كتب"ف. س نايبول"لا يتورع عن مهاجمة كبار الكتاب الذين تركوا بصمتهم في تاريخ الأدب الإنكليزي، فتوماس هاردي:"لا يطاق ولا يجيد الكتابة"وهنري جيمس:"أسوأ كاتب في العالم"وإرنيست همنغواي:"لم يعرف يوماً تحديد ما يريد أن يكتب"وتشارلس ديكنز:"رواياته مليئة بالكلام الفارغ"لا بأس، فكلنا يذكر مقالة برنارد شو الساخرة عن وليام شكسبير والتي تحمل عنوان"من يريد شكسبير"، لكن نايبول أضاف مؤخراً شيئاً جديداً إلى قائمته الهجومية، فقد قال في مقابلة مع صحيفة Evening Standard، وهي صحيفة لندنية شهيرة لم تعد تباع منذ بضع سنوات، وأصبحت تعطى بالمجان للمسافرين على شبكة قطارات الأنفاق، قال في مقابلة للصحيفة، إنه ليس هناك امرأة روائية من الماضي أو الحاضر يمكن أن تقارن به، أو تكون نداً له، فالنساء"عاطفيات ولهن رؤية ضيقة للعالم ربما لأن المرأة لا تشعر أنها الربة الحقيقية لبيتها، فالكلمة الأخيرة دائماً للرجل، حتى ناشرته لم تسلم من شره،"كانت مُراجعة جيدة للنص وناقدة حذقة، ولكنها حين كتبت رواية، وقعت في شرك أنثوية المرأة، الطريف أن المقابلة أجرتها معه صحافية"سيدة"وسألته عن عدد كبير من الكاتبات على مر العصور من جين أوستن مروراُ بفرجينيا وولف وإيريس ميردوخ، لكنه ظل مصراً على رأيه:"المرأة لا تحسن التعبير لأنها تسقط في شرك الرومانسية"لا شك أن العديد من النساء سيرفضن هذا الكلام ويستشهدن بعشرات الكاتبات المبدعات. أنا شخصياً استحضرت في رأسي إسمين، الأول لكاتبة إنكليزية شهيرة من العصر الفكتوري ماري آن إفانز المعروفة بإسم، جورج أليوت. هذه الروائية والصحافية والمترجمة، اختارت اسماً رجالياً كي تنجو بنفسها من الصفات المحفوظة التي تطلق على المرأة، مثل"الرومانسية وضيق الأفق"كما يقول نايبول.
وكان لديها سبب آخر خفي، هو الابتعاد عن أضواء المجتمع بسبب علاقتها برجل متزوج استمرت على مدى عشرين عاماً، وقد تركت جورج اليوت تراثاً أدبياً وبصمة في تاريخ الرواية الإنكليزي والجيل الذي درس المرحلة الثانوية في العراق في الستينيات، قرأ رواية أليوت الشهيرة"سايلس مارنر"التي تصور شقاء الإنسان الفقير. الكاتبة الثانية التي طرقت أبواب ذاكرتي وأنا أراجع المقالة المنشورة أمامي، هي الكاتبة الفرنسية الشهيرة جورج ساند التي سبقت اليوت ببضع سنوات، لكنهما عاشتا نفس المرحلة من القرن التاسع عشر. ساند حملت اسم الرجل مثل اليوت لكنها تشبهت به في كل تفاصيل حياتها. لبست ملابسه بحجة أنها مريحة، ودخنت سجائره في العلن، الأمر الذي لم يكن مقبولاً في زمانها، ومع ذلك أحبها عشرات الرجال، لعل أشهرهم فردريك شوبان ساحر البيانو العظيم، واستطاعت أن تجد لنفسها مكاناً في عصر الكتاب الكبار. تراسلت مع غوستاف فلوبير الروائي الفرنسي الشهير، وقال عنها روائي عظيم آخر، هو الروسي إيفان تورغينيف:"كانت رجلاً شجاعاً وامرأة عظيمة. وتلقت مديحاً وصداقة وود من بلزاك ومارسيل بروست، لكنها هوجمت أيضاً وبقسوة من أحد أعلام عصرها، الشاعر الفرنسي شارل بودلير، الذي قال عنها، إنها غبية وثقيلة الدم وأفكارها الأخلاقية لا تتعدى أفكار أي إمرأة ساقطة. لكن بودلير لم يعمّم قسوته على كل كاتبات عصره والعصور التي سبقته كما يفعل السير"ف. س نايبول"الذي شمل برفضه كل الكاتبات، بل هو يضيف أنه يستطيع أن يعرف كتابة النساء بمجرد ان يقرأ بضعة سطور أنا امراة تكتب، أو لديها محاولات في الكتابة، وأرفض تماماً فكرة الأدب النسائي، فالأدب هو الأدب سواء عالجته إمرأة أم رجل، المرأة حين تكتب تكابد هم الكتابة تماماً كالرجل، وتعبّر عن همها.