إطلالة على بدايات قوانين العمل الصحفي في العراق

إطلالة على بدايات قوانين العمل الصحفي في العراق

د.محمد عبد الهادي عبود
إن التشريع العثماني الذي صدر في عهد السلطان عبد المجيد الأول سنة 1857، كان الأول من نوعه في تاريخ الصحافة العثمانية، حيث حدد الأطر العامة المنظمة لعمل الصحافة، وأثر الطباعة، إذ فرضت عليها الرقابة القانونية، إلا أن هذه اللائحة لم يعتمد عليها وقتاً طويلاً، إذ أصدر العثمانيون تشريعاً آخر هو قانون الصحافة العثمانية لعام 1865. وأصبح من يريد أن ينشر شيئاً يعرض على لجان، وقد يطول الانتظار شهوراً للحصول على الموافقة.

فرض السلطان عبد الحميد الثاني (1876ـ1909) الأحكام العرفية في عام(1877م)، وقام بتعطيل أحكام نظام المطبوعات وحدد نظام مراقبة الصحف، وفي عام(1888م) اصدر قانوناً جديداً لدعم نظام الرقابة على الصحافة والمطبوعات مع التشديد في فرض العقوبات على المخالفين، واتبعه بقانون آخر في عام (1894م) للغرض نفسه.

وما يتعلق بوضع الصحافة في العراق خلال العهد العثماني الأخير، كانت وجهاً من وجوه السلطة العثمانية وهي المشرفة عليها، وتنقل أخبار الولاة ولهذا لم يكن هناك أية مشاكل بينها وبين الحكومة.
وفي المدة التي اعقبت الانقلاب العثماني(1908م) وإعلان الدستور، اصدرت السلطات العثمانية قانوناً جديداً للصحافة (قانون المطبوعات العثمانية) في 16 تموز 1909م، وحاولت الحكومة العثمانية من خلال هذا القانون تثبيت الأسس الرئيسة للعمل الصحفي بكل شروطه وحدوده، وبشكل ترسخت معه بعض
المفاهيم التي أخذت تنتقل من قانون لآخر، حتى شرّعت الحكومة العثمانية قانوناً لا يسمح فيه بمنح امتياز للصحف والمجلات بعد تاريخ
(5 آذار 1911م).
لم تلتزم سلطات الاحتلال البريطاني بأحكام قانون المطبوعات العثمانية في تعاملها مع الصحافة، فقامت بإلغاء معظم القوانين العثمانية وسنت قوانين جديدة للعقوبات، وتولت السلطات البريطانية عملية اصدار الصحافة بنفسها، وكرست هذه الصحف لخدمة السياسة الاستعمارية في العراق، وخلال هذه المدة القصيرة عمراً والطويلة ظلماً، لم تشهد أي قانون خاص بالصحافة العراقية.
بعد قيام الدولة العراقية قررت الحكومة العراقية، أن يكون تعاملها مع الصحافة بموجب قانون المطبوعات العثمانية الصادر في سنة (1908م)، وذلك استناداً لتشريعات القانون الأساسي العراقي (صدر القانون الأساسي العراقي بتاريخ 21 آذار 1925م، وجاء في المادة 112،إن القوانين العثمانية التي نشرت قبل احتلال العراق تبقى نافذة فيها بقدر ما تسمح به الظروف)، الذي أكد أن ((للعراقيين حرية إبداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام إليها ضمن حدود القانون))، إلا أن واقع الصحافة يشير خلافاً لما هو مكتوب في القانون، فقد تعرضت العديد من الصحف والمجلات آنذاك للتعطيل والغرامة ومحاسبة أصحابها أمام القضاء. وعلى الرغم من ذلك أقبل العديد من الصحفيين والأدباء على إصدار صحف ومجلات، فأبدت انتعاشها خلال هذه المدة حتى إصدار القوانين العراقية الخاصة بالمطبوعات وإلغاء قانون المطبوعات العثماني.
أصدر المشرع العراقي أول قانون خاص بالصحافة هو ((قانون المطبوعات رقم 82 لسنة 1931م))، الذي قرر إلغاء قانون المطبوعات العثماني لسنة 1908م، واشتمل هذا القانون على(43) مادة، أدرجت في أربعة فصول، بحث الفصل الأول منها في الاجازات وشروطها، والثاني في التعطيل والإلغاء، والثالث في منح الاجازة إلى الأجانب، والفصل الرابع في المخالفات والمعاقبات.ولكن اعتمد هذا القانون على بعض المبادئ والأسس التي وردت في قانون المطبوعات العثماني الملغى. والمبادئ والأسس التي اعتمد عليها القانون الجديد هي:
الشروط الواجبة في المدير المسؤول للصحيفة، وطلب الأجازة، والتأمين النقدي،والايداع، والتعطيل الاداري، وجرائم النشر، والتتابع في تقرير المسؤولية عما ينشر في الصحيفة.
وأضاف هذا التشريع قيوداً قانونية جديدة، حيث منح لوزير الداخلية الحق في توجيه الإنذار، ومنح لمجلس الوزراء الحق في تعطيل المطبوع وإلغائه، ومن ذلك كله نجد أن هذا القانون اعتمد على بعض المبادئ والأسس التي وردت في القانون العثماني الملغى.
وعلى الرغم من تعديل قانون المطبوعات رقم(82)، بقانون تعديل المطبوعات رقم(56) لسنة 1932م، إلا أنهما بقيا مطبقين في العراق حتى إلغيا بقانون المطبوعات رقم(57) لسنة 1933م.وقد أدخل على قانون المطبوعات رقم(57) لسنة 1933 بعض التعديلات بقانون تعديل المطبوعات رقم(33) لسنة 1934م.
وإذا عرضنا نصوص هذا القانون، نرى أنه لم يضمن للصحافة أية حرية، بل إنه جعلها في قبضة الإدارة، فلم يحدث هذا القانون أي تغيير جوهري في النظام القانوني، وأما التعديل فكان على بعض المواد في التعطيل، وقد منح القانون حق تعطيل المطبوع لوزير الداخلية ومجلس الوزراء، وأما في الإلغاء فكان من حق القضاء فقط، ولكن القانون المعدل (33) أعطى وزير الداخلية حق إلغاء إجازة أي مطبوع أدبي أو علمي يخرج عن حدود إجازته، وبذلك تزوّدت السلطة بسلاح تستطيع بواسطته القضاء على حرية الصحافة بصورة مباشرة أو غير مباشرة خدمة لأغراضها وسياستها العامة.
واستمر العمل بهذا القانون حتى صدر قانون جديد للمطبوعات هو((مرسوم المطبوعات رقم 24 لسنة 1954م)) في 10/11/1954م، وصدر هذا المرسوم في عهد الوزارة السعيدية الثانية عشرة تألفت (3 آب 1954م، واستقالت 17 كانون الثاني 1955م). واستمر العمل بهذا المرسوم حتى عام 1963م.
ألغى هذا القانون ما سبقه من قوانين المطبوعات،واشتمل القانون الجديد على (46) مادة توزعت على ثمانية محاور هي: شروط المطبوع (ومن الشروط تتضمن المعلومات الآتية (اسم صاحب الطلب وشهرته وعمره ومحل إقامته وجنسيته ومهنته، واسم رئيس التحرير واسم المجلة، ونوعها، وأوقات نشرها)، الحقوق والوجبات، إلغاء إجازة المجلة أو الصحيفة، وإصدار الأجانب مجلة أو صحيفة، والمواد الممنوع نشرها، ومسؤولية المطبوع، والجرائم والعقوبات، وأحكام عامة.
وتنفيذا للمادة (41) من مرسوم المطبوعات، أصدرت وزارة الداخلية أمراً في (12 كانون الأول 1954م)، بإلغاء إجازات الصحف والمجلات الممنوحة بموجب قانون المطبوعات رقم (57) لسنة 1933 على أن يتقدم أصحابها بطلبات جديدة للحصول على امتيازات جديدة على وفق الشروط الجديدة التي حددها المرسوم التي قيدت الصحافة وحجب العديد من الصحف والمجلات بموجب هذا المرسوم. نص المادة(41) من المرسوم:((تلغى اجازات الصحف والمجلات كافة الممنوحة بمقتضى قانون المطبوعات رقم 57 لسنة 1933م، وتعديله رقم 33 لسنة 1934م، بعد مضي 30 يوماً من تاريخ نفاذ هذا المرسوم ويشمل الإلغاء إجازات الصحف والمجلات المعطلة والمتوقفة عن النشر لأي سبب كان)).
ومما تقدم يتضح لنا أن للصحافة دوراً أساسياً مهماً في المجتمعات، بكونها السلطة الرابعة، ولهذا السبب، فإننا نرى الحكومات التي مرت على العراق فرضت عليها تشريعات وقيود بوصفها المرآة التي تعكس واقع الحياة، وإن القوانين التي مر ذكرها تؤكد حماية الصحافة من جانب واحد، وفرض قيود وصعوبات لتحجم أثرها الفكري والوطني في المجتمع. وعن أثر الصحافة وقوتها أشار (ميرابو خطيب الثورة الفرنسية) موجهاً الكلام إلى نواب الجمعية الوطنية الفرنسية في فجر الثورة الفرنسية: ((فليعلن أول قانون من قوانينكم إلى الأبد حرية الصحافة، الحرية التي يجب إلا تُمس، ولا يصح أن تحد، الحرية التي لا يمكن التمتع بالحريات الأخرى بدونها)).

عن رسالة: ((الصحافة النجفية 1939ـ1958 دراسة تاريخية))