العلامة الدكتور أحمد مطلوب  (25 ‏تشرين الأول 1936 - 21 تموز 2018) -  رحيل الأحبة

العلامة الدكتور أحمد مطلوب (25 ‏تشرين الأول 1936 - 21 تموز 2018) - رحيل الأحبة

زين أحمد البرزنجي النقشبندي
فجعت الأوساط العلمية، واللغوية، والأدبية العراقية والعربية، برحيل أستاذنا العلامة الدكتورأحمـد مطلوب، فقد نقلت وسائل الإعلام بتاريخ 21 تموز 2018 خبر وفات العلامة الدكتور أحمد مطلوب أستاذ اللغة العربية (البلاغة، والنقد) المعروف رئيس المجمع العلمي العراقي والذي يُعــد أعلى هيئة علمية في العراق والوزير السابق (وزيرالثقافة ‏والإرشــــاد في الجمهورية العراقية عام 1967)،

وعضو مجامع اللغة في الدول العربية وأحد كبار سدنة لغة القرآن وعلومها وبلاغتها وآدابها، صاحب المؤلفات المشهورة والبحوث والدراسات والمقالات المعروف.
عمل في كلية الآداب – جامعة بغداد منذ عام 1958، معيداً، فمدرساً، فأستاذاً مساعداً، ثم أستاذاَ ‏في جامعة بغداد، أشرف خلالها على عشرات الأطاريح الجامعية، ثم التحق بجامعة الكويت أستاذاً منتدباً 1971 - 1978م، وعمل أستاذاً زائراً في معهد البحوث ‏والدراسات العربية في القاهرة، وجامعة مارتن لوثرفي ألمانية الديمقراطية، وجامعة وهران في الجزائر. كما عمل ‏رئيساً لقسم (الصحافة) الإعلام – كلية الآداب، جامعة بغداد منذ سنة 1966-1969م، ثم عميداً لها 1984- 1986م، ‏كما شغل عدة وظائف ثقافية منها مدير عام للصحافة والإرشاد في وزارة الثقافة والإرشاد عام 1964م، ثم مدير عام ‏للثقافة في الوزارة نفسها، وقد كان من العاملين على سلامة اللغة العربية والداعين للمحافظة عليها، مدافعاً عن حرمتها منذ أن أصبح اميناً عاماً للهيئة العليا للعناية باللغة العربية في ‏العراق من عام 1986 وحتى عام 2003،‏ نال جائزة الملك فيصل العالمية في فرع اللغة العربية ونوط الامتياز من الطبقة الأولى سنة 1990 من جمهورية مصر العربية، وكرّم اكثر من مرة داخل العراق وفي عدد من الدول العربية والأجنبية، وهو أحد مؤسسي مجلة الأقلام التي تصدرها وزارة الثقافة العراقية، ورأس مدة مجلة الكتاب التي أصدرتها جمعية المؤلفين والكتّاب العراقيين وعدد من المجلات الأدبية والأكاديمية الأخرى.
حصل على الكثير من الجوائز العلمية والتقديرية، والقى عدداً كبيراً من المحاضرات في الجامعات العراقية والعربية والأجنبية، وشارك في اكثر من مئة مؤتمر وحلقة نقاشية في العراق وخارجه، وكان – رحمه الله – غزيرالعطاء فقد صدر له أكثر من (36) كتاباً مؤلفاً في فنون ‏البلاغة، والنقد، والأدب، والمعاجم، والتعريب، و (15) كتاباً محققاً من كتب التراث في الشعر، وبلاغة القرآن الكريم، ‏ونشر أكثــرمن (مئة) بحث علمي في علم البلاغة، والنقد الأدبي، واللغة، وعلوم القرآن الكريم، وقد لا يتفاجأ البعض كثيراً إذا علم أنه قبل فترة قصيرة لا تتجاوز الشهرين أو أقل من وفاته، رحلت زوجته وشريكة رحلته في حياته العائلية والعلمية الأستاذة الدكتورة العالمة والأديبة والأكاديمية المعروفة خديجة عبدالرزاق الحديثي، إحدى أشهر فارسات اللغة والأدب في العراق والوطن العربي، وربما يكون هذا الرحيل السريع لأستاذنا مطلوب، هو أنه لم يتحمل فراق رفيقة دربه، فعجّل اللحاق بشريكة رحلته التي استمرت أكثر من ثلاثين عاماً، فكان رحيل الأحبة، فخلال شهرين، فقد العراق ومجامع اللغة العربية في أرجاء المعمورة إثنين من كبار علمائه البارزين.
عرفتُ الدكتور أحمد مطلوب أول مرة عن قرب في منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث كان يشغل منصب أمين عام للمجمع العلمي العراقي أيام رئاسة الدكتورصالح احمد العلي، حيث كنت قد قدمت طلباً للمجمع (قسم المخطوطات) لتحقيق أحد مؤلفات المؤرخ العراقي المعروف عباس العزاوي المخطوطة والمعنونة (تاريخ المطبوعات عندنا) وأذكر في حينها أنه طلب مقابلتي فالتقيت به في مكتبه، وسألني ماذا أعرف من معلومات عن عباس العزاوي وما هي معلوماتي عن الطباعة والمطبوعات وتأريخها في العالم والعراق خاصة، وأصدر بعد ذلك موافقة المجمع على قيامي بتحقيق هذه المخطوطة.
وتوالت اللقاءت مع أستاذنا الدكتور مطلوب خلال السنوات اللاحقة وبخاصة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، حيث تعرضت مقتنيات المجمع العلمي للسرقة والتدمير وبخاصة مكتبته، إذ بيعت بعض كتبها ومخطوطاتها في باب المعظم وسوق شلال في منطقة الشعب وسوق السراي وباب الشرقي، وقد كنت قد عملت فترة في مكتبة المجمع العلمي وساهمت في تقديم بعض المساهمات في إعادة مقتنيات هذه المكتبة العريقة وتقديم المساعدات والتبرعات والهبات من خلال بعض الأشخاص والمؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية العربية والعالمية، ومن ثم مشاركتي في معرض الكتاب الذي أقامته مكتبة المجمع عام 2010 والذي افتتح من قبل السفير والملحق الفرنسي في بغداد.
وفي عام 2015 كلفت بالنيابة عن أستاذي مطلوب، في حفل الموسم العلمي الثاني الذي أقامه المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء والدعوة والإفتاء تحت شعار (بغداد منارة العلم والحضارة) الندوة العلمية الثالثة والتي أقيمت بتاريخ 2/5/ 2015 والموسومة (بغداد ودورها في علم التاريخ) لتسلّم تكريم له (درع المجمع وشهادة تقديرية) لجهوده وخدماته وما قدّمه من خلال مسيرته الطويلة من انجازات وبحوث وتأليفه من كتب، وما أشرف عليه من أطاريح، والذي أقيم في جامع الإمام أبي حنيفة النعمان، حيث قمت في اليوم الثاني بتقديمها له في مكتبه في المجمع العلمي العراقي، وأذكر حينها أنه قال لي بعد شكره لي تجشمي مشقّة المجيء بعد أن نقلت له أسف القائمين على المجمع الفقهي لعدم مشاركتهم في الاحتفال وأنهم كانوا يتمنون حضوره بينهم، فقال لي بعد اعتذاره إنه لا يحضر هكذا مناسبات لأسباب كثيرة منها حالته الصحية إضافة الى كثرة مشاغله والمسؤوليات المكلّف بها، كذلك كرّم من نفس المجمع قبل عام مع عدد من كبار العلماء في الملتقى الأول يوم الوفاء للمدرسة الحنفية والذي أقيم بمناسبة مرور عشرة قرون.
إننا إذ نعزّي عائلته الكريمة، وزملاءه، ومحبّيه، نبتهل إلى الله سبحانه أن يتغمده برحمته هو وزوجته الأستاذة خديجة الحديثي ‏، وإنا لله وإنا إليه راجعون.‏