وصف نادر للرصافي سنة 1932  بقلم كاتب كبير

وصف نادر للرصافي سنة 1932 بقلم كاتب كبير

رفعة عبد الرزاق محمد
اما الكاتب فهو احد اعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث واحد رواد الترجمة العرب الكبار، انه عبد المسيح وزير، وقد اهتبل صدور ديوان الشاعر الكبير معروف الرصافي سنة 1931، ليكتب مقدمة طويلة عن صديقه الرصافي واوصافه بشكل دقيق ونادر. ومن محاسن الحظ ــ وما اقلها ــ ان اقف على هذا النص النفيس وقد نشرته احدى الصحف سنة 1932،

لكنها لم تكمل النشر، وربما اكتفى عبد المسيح وزير بهذه الصفحات المنشورة بعشر حلقات.. وسيكون هذا النص الفريد كاملا وغيره لكثير في كتاب اعددته للنشر قريبا، سميته (الرصافيات المجهولة) احتجن عشرات القصائد من شعر الرصافي غير المنشور في ديوانه، فضلا عن نصوص مختلفة لم تجمع من قبل عن الشاعر الكبير والمفكر المرموق الرصافي، تفرقت بين الاوراق المخطوطة والمطبوعات المنسية. ان ما كتبه الاستاذ عبد المسيح وزير ــ كما اعتقد ــ لا يناضره نص وصفي آخر للرصافي، ويبدو ان الرصافي لم يعترض عليه عند نشره سنة 1932. اخترت هنا بعض ما يحتويه هذا النص لبيان اهميته التاريخية والادبية.
ــ ــ ــ ــ ــ ــ
يكاد الرصافي يحسب جبارا في جسمه الضارب لون اديمه الى السمرة. فهو واسع الصدر،بطيء النفس، عريض المنكبين، ممتليء الجسم، مفتول العضل، متين البنية، ولولا متانة بنائه لانهار هيكله المرسوم منذ امد بعيد نظرا الى افراطه ــ ولاسيما في سابق حياته ــ في كثير من الامور التي تقتضي الاعتدال في المعيشة للمحافظة على عافية البدن، وفي اعلى جسمه حدب طفيف لا يكاد يرى.
ورأس الرصافي متناسب مع جسمه، وهو مائل الى شكل المخروط لأن الهامة فوق عينيه اضيق من قسمها الاسفل. وجبهته ضيقة وشعر رأسه اسود حالك سبط غير اجعد ولم يخطه الشيب حتى الان وكث مقصوص لم يتساقط منه شيء تساقطا طبيعيا مع انه في اواخر العقد السادس من عمره وهو خفيف الحاجبين حليق الذقن والعارضين ومقصوص الشاربين اللذين تسرب اليهما الشيب، ولكن شعر بدنه ناعم قليل وانفه دقيق صغير بالنسبة الى جسمه وقاعدته نازلة عند مفرق حاجبيه فيكاد الانف يؤلف مع حد الجبين الاسفل زاوية حادة.
وعيناه سوداوان غير صافيتين، تشرب بياضهما حمرة خفيغة، ولكن نظرهقوي فلا يستعمل النظارات وهو في هذا العمر وربما لن يستعملها في باقي عمره الطويل. واذا ارسل الطرف في جلوسه وسيره ارسل فوق رؤوس الناس والاشياء بعيدا فلا يعلم مدى بصره احد غير نفسه العميقة.
وفمه معتدل السعة وله زاويتان ظاهرتان الظهور كله، وشفتاه متوسطتا الرقة، ننحركان احيانا حركة جد خفيفة وليس في ذقنه كل لمتانة الدالة على الصلابة وشدة المراس. ويداه كبيرتان ناعمتان ممتلئتان، وقدماه كذلك كبيرتان فتحملان حملهما الباهظ بسهولة.
واذا مشى الرصافي فهو يمشي بتؤدة وفي يده عصا معقوفة الراس ينقلها بلطف فلا يكاد يسمع صوت على الارض، فيخيل الى الناظر اليه انه متثاقل الخطى ولكنه في واقع الامر ليس بطيئا في سيره.
ويعد الرصافي جميلا بين الرجال في اوصافه البدنية.
حياة الرصافي اليومية بسيطة وعيشه الاعتيادي هاديء خال من المشاكل الا في شأنه مع خدمه. فهو يسكن دارا بسيطة في مبناها واثاثها في زقاق ضيق وبقعة مهملة قد لا يسكنها غيره ممن في منزلته الاجتماعية لان نظره في هذا الباب غير نظر الناس المتمسكين بقشور التقاليد دون لبابها ولأن ذات يده لا تمكنه من البذخ والانفاق عن سعة فضلا عما في نفسه من زهد بالغ في المظاهر.
وهو في مجلسه بوهيمي بكل الذي تنطوي عليه هذه الكلمة معنى البوهيمية سواء اكان ذلك في داره ام في المقاهي التي يتردد اليها كل يوم بلا انقطاع، فتجد بين جلاسه ــ ولاسيما في داره ــالرفيع والوضيع، العظيم والصعلوك، الغني والفقير، العالم والجاهل، وينال كل جليس او ضيف نصيبه على السواء من عطف معروف ورعايته والتفاته فيستوي حقا عنده الذين يعلمون واللذين لا يعلمون. ينهض الرصافي من نومه المتقطع اما مع شروق الشسمواما قبل ذلك ببرهة وجيزة صيفا وشتاء، ربيعا وخريفا، واذا طال نومه دفعة واحدة لا يستغرق ذلك اكثر من ساعتين. وعندما يستيقظ يجلس مدة وهكذا يتقطع نومه مرتين او ثلاث مرات في الليل. وبعد طعام الغداء نهارا يجد في نفسه فتورا فيظطر الى الاضطجاع والاغفاء ولو مدة خمس دقائق.ويعتقد الشاعر العظيم ان هذا دليل على ضعف المعدة.وكان في ايام شبابه لا ينام الا بعد منتصف اللليل ولكنه منذ عشر سنوات ينام مبكرا.