الأستاذ فؤاد سفر (1913 – 1978) تعريف وانطباعات

الأستاذ فؤاد سفر (1913 – 1978) تعريف وانطباعات

د. عبد الهادي فنجان
لقد تقاذفت الأهواء الكثير ممن كتبوا عن الآثاريين العراقيين الروّاد فقد أعادوهم الى طوائفهم وأديانهم واثنياتهم، إلا أننا هنا نعيد كتابة أسمائهم كما جاءت على رأس أعمالهم لنعيد اعتبارهم كقادة حقيقيين لأمجاد هذا البلد العظيم. لقد استطاعوا من خلال الدراسة الاكاديمية في داخل العراق وخارجه أن يتفوقوا على أنفسهم وعلى أقرانهم العرب والأجانب كما استطاعوا أن يثبتوا مؤسسات العالم العلمية والآثارية

بأنهم ما زالوا سادة الأرض التي أنجبت بناة الحضارات القديمة ولقد غابت عن المثقفين وكل من كتب كينونات هذا البلد بأن القادة هم هؤلاء وليس اولئك الذين لا يعرفون (ما في الأنجيل) أو الذين لا يقرأون. قد قرأ هؤلاء الآثاريون الروّاد كل ما هو مكتوب من أسفار على الحجر والطين وعلى الجدران وقد بهروا العالم بترجماتهم لتلك الأسفار التي كتبها الإنسان العراقي في ملحمة كلكامش وما سبقها من ملاحم بالمسمارية والبابلية والأكدية أو ما تم تسطيره من أمجاد على شكل اشارات أو رموز أو نحت بارز على صخور الجبال.. لقد وقف العالم باحترام ليمر الآثاريون العراقيون الروّاد حاملين منجزاتهم التي بهرت اولئك العلماء الذين سبقوهم في هذا المجال لا لشيء إلا لأن افضالهم على عالمنا الحديث.
ولد الأستاذ فؤاد سليمان اللوس سفر عام 1913 في محافظة الموصل وأنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها. حاز على شهادة (المتركيوليش) من كلية صفد – بفلسطين، التحق بعدها بالجامعة الأميركية في بيروت لدراسة التأريخ والآثار عام 1932 – 1933. درس بعد ذلك في المعهد الشرقي لجامعة شيكاغو في الولايات المتحدة ما بين عام 1934 – 1938 وذلك أثر إرساله في بعثة دراسية من قبل وزارة المعارف إلى المعهد الشرقي فنال شهادة البكالوريوس (B.A) والماجستير (M.A) في علم الآثار واللغات القديمة. مارس التنقيب وهو ما زال طالباً في الولايات المتحدة الأميركية في إحدى المستوطنات الأميركية.
عيّن في 8/11/1938 موظفاً في مديرية الآثار العامة في بغداد وفي السنة التالية 1939 دُعي إلى الخدمة العسكرية كضابط أحتياط. بعد إكمال الخدمة عاد إلى مديرية الآثار ليبدأ مسيرة عمله الطويل في حقل الآثار، فعمل في بعثات التحري والتنقيب في مواقع (حسونة) و(أريدو) و(واسط) و(تل اللحم) و(تل العقير) و(الخضر). وأهتم بدراسة اللغة الآرامية ليتمكن من حل رموز الآثار المستكشفة من خلال أعمال التنقيب. ساهم الأستاذ فؤاد سفر مع عدد من الأساتذة في تأسيس قسم الآثار في كلية الآداب – جامعة بغداد، إذ تم إفتتاح القسم في عام 1951 ومارس التدريس فيه لسنين طويلة، وفي عام 1956 أسند إليه منصب مفتش التنقيبات العام، وبقي في هذا المنصب حتى وفاته. لقد شارك الأستاذ فؤاد سفر في عضوية الكثير من اللجان الوطنية والعالمية.
لم يغفل الأستاذ فؤاد سفر ما لعملية البحوث ونشرها من فائدة مهمة. وقد أسهم في تأليف العديد من الكتب سواءً بمفرده أو بالمشاركة مع آخرين. كما أنه ترك لنا العديد من البحوث القيّمة والمقالات الرصينة في العديد من المجلات.
قام بتدريس مادة التنقيبات وحضارة العراق وأحياناً كان يلقي دروساً في اللغات الراقوتية القديمة. مارس التنقيب في مواقع مهمة عديدة قبل تسلمه مسؤولية التنقيب في الحضر، غير أن فعاليته التنقيبية في الحضر فاقت أعماله السابقة في هذا المضمار، فآثار الحضر وجدرانها ومعابدها ومبانيها الحجرية مليئة بالكتابات الآرامية التي كان فقيدنا يُحسن قراءتها بشكل جيد.
ساهم إسهاماً مباشراً وفعّالاً في عملية عرض الآثار في متاحف الموصل وبابل والمتحف العراقي. وكان محور الحركة التي تؤلف مجمل العملين الفني والعلمي في دائرة الآثار.
أجهد الأستاذ فؤاد نفسه في تعليم الأجيال من الآثاريين وتوجيههم، فهو الذي علّم الآثاريين الجدد كيفية كتابة البحوث وتطويرها وإنضاجها ودفعها للنشر.
وأستمر بالعمل في مديرية الآثار إلى أن وافته المنيّة إثر حادث سير عام يوم الإثنين المصادف 9/1/1978 إذ كانت النية ان يتم في ذلك اليوم حضور الاجتماع الخاص بأعمال حوض سد حمرين في موقع (سليمة) الأثري قرب بلدة السعدية. لقد أجاد الأستاذ المرحوم فؤاد سفر عدة لغات فضلاً عن اللغة العربية وهي”الإنكليزية والسومرية والأكدية والسريانية».
لقد تخرج على يد أستاذنا العديد من الآثاريين والباحثين في العراق، ولعلني هنا أوضح أن الآثاريين الجدد بدوراتهم المتعاقبة قد أرتبطوا بأستاذهم إرتباطاً علمياً مصحوباً بأبوية عفوية خلافاً للعديد من الأساتذة الذين مارسوا التدريس في الدورات نفسها. لقد أجهد الأستاذ فؤاد سفر نفسه في تعليم الأجيال من الآثاريين وتوجيههم فكان لا يهتم بوقته ولا حتى بأموره الشخصية، فهو الذي علّم الآثاريين الجدد العديد من المهارات العلمية والنظرية التي يجب أن يمتاز بها الآثاريين.
فلم يكتف بإرشاد الطالب إلى المصادر والمراجع بل كان يصرف الساعات الطوال في ملازمة الطالب ومناقشته حتى يكون بحثه مستوفياً لشروط البحث العلمي. لقد خدم الأستاذ فؤاد في مجالات واسعة من فروع الخدمة الآثارية، في حقل التنقيب والصيانة وأعمال الكشف عن الآثار الجديدة التي كانت تصل إلى الدائرة كما وقد أسهم إسهاماً مباشراُ وفعّالاً في عملية عرض الآثار في متاحف الموصل وبابل والمتحف العراقي الجديد في الصالحية، إذ كان الأستاذ فؤاد سفر محور الحركة التي تؤلف مجمل العملين الفني والعلمي في دائرة الآثار، ولا يمكن أن ننسى ذلك اليوم الأسود الكثيف الضباب، يوم الإثنين المصادف 9/1/1978، إذ كانت النية أن يتم في ذلك اليوم حضور الأجتماع الخاص بأعمال خوض سد حمرين في موقع سليمة الأثري قرب بلدة السعدية. لقد رحل الأستاذ فؤاد سفر في هذا اليوم إلى عالم الخلود إثر حادث التصادم الذي كلف العراق أحد أبرز علماءه البارزين.
آثاره العلمية: ترك أستاذنا عدداً كبيراً من المؤلفات والأبحاث باللغتين العربية والانكليزية.
أ- الكتب التي ظهرت له بالعربية.
(1) آشور، بغداد 1960.
(2) المرشد إلى مواطن الآثار، بالمشاركة، سبعة أجزاء، 1962-1967.
(3) الحضر مدينة الشمس، بالمشاركة، بغداد 1974.
(4) التنقيبات العلمية في العراق، بالمشاركة، بغداد 1948.
(5) صيانة المباني الأثرية في العراق، بالمشاركة، بغداد 1965.
(6) كتابات الحضر، بغداد، 1964.
(7) واسط الموسم السادس، القاهرة، 1952.
عن كتاب (الآثاريون العراقيون الروّاد) جـ 1