فؤاد سفر ومجلة (سومر)

فؤاد سفر ومجلة (سومر)

رفعة عبد الرزاق محمد
كانت أحاديث المؤرخ والآثاري الراحل سالم الآلوسي عن ذكرياته في مديرية الآثار العامة التي التحق بها عام 1944 تحتجن الكثير من الطرائف والحقائق عن صفحات منسية من تاريخنا الفكري، وطالما ألححت على الفقيد الآلوسي أن يدوّن هذه الذكريات بشكل أو بآخر، إلا أنه اكتفى ــ كما أعرف ــ بنشر شذرات منها، غير أني سجلت عنه بعض الذكريات الجديرة بالتنويه،

ومنها حديثه عن مجلة سومر، المجلة الآثارية العراقية النفيسة. وقد تذكرت هذه الأحاديث وأنا أعد ملف الأستاذ فؤاد سفر الآثاري العراقي الكبير. ومنها حديثه عن مجلة سومر..
ذكر الأستاذ الآلوسي أن المرحوم الدكتور ناجي الأصيل صاحب الفضل الأول في صدور مجلة سومر، والثاني هو الأستاذ فؤاد سفر والثالث هو الأستاذ مصطفى جواد”رحمهم الله». وكان الأصيل قد عُيّن مديراً عاماً للآثار سنة 1944 خلفاً للأستاذ يوسف رزق الله غنيمة، وقد رأى أن يصدر مجلة علمية رصينة عن مديرية الآثار، فضلاً عن مطبوعاتها التي دأبت على إصدارها منذ إدارة الأستاذ ساطع الحصري لها في الثلاثينيات، وأن تكون المجلة تضم كل ما يتعلق بالنشاط الآثاري في العراق من بحوث وتقارير. ولتحقيق هذه الفكرة اللامعة، عقد اجتماعاً في مكتبه مع عدد من المعنيين وهم سيتون لويد المشاور الفني في المديرية، وطه باقر أمين المتحف العراقي والدكتور مصطفى جواد الأستاذ في دار المعلمين العالية وفؤاد سفر الملاحظ الفني في مديرية الآثار وكوركيس عواد ملاحظ مكتبة الآثار وبشير فرنسيس مدير التفتيش في مديرية الآثار.
وبعد نقاش مستفيض تقرر أن تصدر المجلة باسم (سومر) لأن الحضارة السومرية هي الأقدم في حضارات العراق، ويذكر الأستاذ الآلوسي أن هذا الاسم كان من اقتراح الدكتور ناجي الأصيل ووافق عليه الجميع، واقترح فؤاد سفر أن يكتب على غلاف المجلة الاسم بالعربية والكتابة السومرية. ويكون شعار المجلة يمثل النهرين العظيمين دجلة والفرات، والمستوحى من تسمية بلاد الرافدين أو مابين النهرين. ولم يزل هذا الشعار معتمداً في جميع مطبوعات الآثار. وأن يكون حجم المجلة من الحجم الكبير (27 في 21) وأن لاتقل صفحاتها عن 150 صفحة بالعربي والانكليزي. وأن يكون إصدارها بشكل نصف سنوي.
وكانت هيئة التحرير مكونة من الدكتور الأصيل رئيساً للتحرير وسيتون لويد نائباً لرئيس التحرير ومن المحررين بشير فرنسيس وطه باقر وفؤاد سفر ومصطفى جواد وكوركيس عواد وسامي الصقار، وأن يكون سالم الآلوسي سكرتيراً لها. وصدر عددها الأول في كانون الثاني 1945.
لابد من القول إن فؤاد سفر ــ كما يذكر الآلوسي ــ كان موضع ثقة جميع العاملين في العمل الآثاري في العراق وخارجه من مديرها العام الى أصغر منقّب، وكان حريصاً على أن لا ينزلق الى الخطأ مهما صغر فلا يبدي رأياً إلا بعد تحفظ وتروٍ وسماع آراء الآخرين. كما كان حريصاً على تسجيل مشاهداته في التقارير التفصيلية التي يرفعها الى دائرته، وقد نشرت طائفة من هذه التقارير في مجلة (سومر). وكان من حرصه أن تعلم الآرامية للوصول الى دراسة آثار مدينة (الحضَر) التي تولى الحفر والتنقيب فيها، ثم ألف كتاباً بهذا الجانب من تأريخ العراق القديم.
ومما كتبه الأستاذ حميد المطبعي في لقاءاته مع الآثاري المرموق الدكتور بهنام أبو الصوف عن فؤاد سفر:
من أوائل العراقيين الذين أخذوا وأفادوا من اسلوب البعثات الأجنبية المرحوم فؤاد سفر المنقّب الكبير أستاذ بهنام أبو الصوف الذي دربه على هذا الأسلوب بمزايا عراقية وبروح عربية وكان سفر يجري تجاربه الأولى في الحفر والتنقيب في العقير وأريدو وحسونة في السنوات 1942ــ 1949 وهو لبهنان وجيل بهنام خبير في التنقيب أو مرجع يرجعون إليه إذا أشكل أمر من الأمور عليهم ثم هو مرجع بعد أن طور رؤيته ومزاياه في التنقيب لعدد كبير من المنقبين الأجانب العاملين في المواقع الأثرية العراقية وهو لم يكن منقّباً فحسب، بل منظراً بارزاً وباحثاً مهماً وأحد واضعي أسس المدرسة العراقية في التنقيب بسبب دقة تنقيباته الرائدة ونتائجه التي حققها والتي نشرت بعرض علمي دقيق موثق أخذت شهرتها في أوساط آثارية عربية وأجنبية وكانت مرجعاً لكتابات الكثير من علماء العراق.
كان فؤاد سفر يقول لبهنام : (المهم.. إن نحمل خصائصنا).. أي أن نبتعد عن الأساليب التي يتبعها المنقّب الأجنبي في أعماله ومنذ ذلك الوقت في أواسط الخمسينيات، كان بهنام أبو الصوف يشدّد على أن يكون له منهج خاص في البحث الآثاري وبهنام وغيره كانوا هم أيضاً يبحثون عن أسلوب جديد وملائم لطبيعتهم في التنقيب ولقد علمهم فؤاد سفر، أن ولادة مدرسة عراقية في التنقيب هي التي ستحفظ مناهجهم للأجيال المقبلة، وفي مطلع الستينيات، بدأت تبرز الى الوجود المدرسة العراقية في البحث الآثاري.
إطلالة على فهارس مجلة”سومر”تبيّن بوضوح جهود فؤاد سفر الكبيرة في البحث والتنقيب التي استمر بها الى أن وافته المنية وهو في خضم تلك الجهود، إذ اصطدمت السيارة التي يستقلها مع آثاريين آخرين وهم في الطريق نحو مواقع الآثار في أعمال حوض سد حمرين في التاسع من كانون الثاني 1978. فمنذ العدد الأول، نجد مقالاً مترجماً لسفر بعنوان الآثار القديمة في العراق وتقاريره عن أعمال التنقيب في العقير وتل حسونة. وفي الأعداد التالية من”سومر”نقرأ ــ على سبيل التوضيح ـ : كتابات الحضَر (1952) التي بدأ في تدوينها اعتباراً من العدد السابع من المجلة واستمر الى السبعينيات (العدد 27 لسنة 1971). وعن آثار بدرة كتب في الأعداد (7 في1951 و27 في1971). وعن آثار أريدو كتب في الأعداد (3 في1947و4 في 1948 و5 في1949) كما كتب عن مواقع آثرية مختلفة في السعدية وقبر أبو نايف وسنجار وتل حسونة والثرثار وكبيسة والكوفة وسواها (راجع فهارس مجلة سومر).