انتفاضة معسكر الرشيد 3 تموز 1963.. حركة العريف حسن سريع

انتفاضة معسكر الرشيد 3 تموز 1963.. حركة العريف حسن سريع

يوسف محسن
وجه انقلاب 8 شباط 1963، ضربة قاسية للتيار الديمقراطي في العراق، حيث انهارت معظم الاحزاب السياسية اليسارية بسبب حملة القمع والتصفية، التي قام بها الحرس القومي وأجهزة الأمن البعثية، كما شنّ الانقلابيون هجوماً عسكريا في حزيران 1963 ضد الحركة الكردية وقيادتها بزعامة الملاّ مصطفى البارزاني وكان هذا الهجوم الأكثر شراسة، خصوصاً وقد وصف وزير الدفاع في حينها صالح مهدي عماش الحرب ضد الاكراد، بأنها ليست أكثر من نزهة.

في 3 تموز من العام 1963 قامت مجاميع من الجنود وضباط الصف والعرفاء بقيادة العريف حسن سريع، في مغامرة سياسية،على الرغم من اخفاقها السريع في تحقيق أي من اهدافها ولكن تعد من ارث الحركة الوطنية العراقية.
ماهي ممكنات هذه الانتفاضة العسكرية؟ وماهي شروط تحققها؟ ومن هم رجالها؟ وما صلتهم بالحركة الثورية العراقية؟ وما هي العقبات التي واجهتها وما أسباب إخفاقها؟
يشير عزيز سباهي في كتابة عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي) ان كادراً حزبياً عمالياً يدعى إبراهيم محمد علي والذي كان يعمل في إطار اللجنة المحلية للمشاريع العمالية الصغرى التابعة إلى منطقة بغداد. هو الذي بدأ هذا النشاط وقادهُ..وكان من بين الذين انخرطوا فيه وبهمة , محمد حبيب(أبو سلام) وهو عامل في مقهى , وكان يقود لجنة قاعدية..فقد عرف التنظيم بـ((اللجنة الثورية), ولكن وقوع قائد المجموعة إبراهيم محمد علي في قبضة الحرس القومي، الذي واجه التعذيب حتى لفظ أنفاسه دون أن يفشي سراً مما خلف من بعده في قيادة التنظيم محمد حبيب.فقد بدأ حسن سريع مع محمد حبيب التهيئة لانطلاق الانتفاضة بعد تحرك ثوري لتنظيمهُ والذي كان ينوي إطلاق سراح المعتقلين في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد والمقدر عددهم بأكثر من 1300 ضابط من مختلف الرتب والأصناف ومجموعة كبيرة من الطيارين والأطباء وبعض المصادر تؤكد إن عدد السجناء يقدر بـ(1500) سجين, فكان حسن سريع عنصراً فاعلاً في التحضير وتنفيذ الانتفاضة , فهو الذي هيأ المكان لاختباء المنفذين في وحدته , و تم الاتفاق على ساعة الصفر في الخامس من تموز 1963 , و لكن هذا الموعد قدم إلى يوم الثالث من تموز لأسباب عدة منها التخوف من اكتشاف أمر التنظيم بسبب إلقاء القبض على عريفين من قادة التنظيم وخشية أن يبوحا تحت التعذيب بخطط الحركة , سارع قادة الحركة إلى تنفيذ خطتهم,وقد تمكنت هذه المجموعة في الاجتماع الأخير في الساعة الثانية عشرة والنصف من ليلة الانتفاضة في أحد أكواخ كمب سارة حيث توزيع المهام بعد تحديد ساعة الصفر,فقد أقسم حسن سريع وأعضاء حركته بتربة هذا الوطن أن نحررهُ من رجس المجرمين, ,وتحت جنح الظلام تحرك حسن سريع ومجموعته من جنود وضباط صف المدرسة المهنية العسكرية ومن المدنيين الذين وزعت عليهم أدوارهم والملابس العسكرية , كما حمل البعض رتب الضباط منطلقين نحو كتيبة الهندسة , وقد سيطروا على باب نظام المعسكر والحرس المتواجد فيها , ثم السيطرة على كتيبة الهندسة وعلى أغلب أقسام معسكر الرشيد والتي كانت تضم أعدادا كبيرة من الدبابات والمدرعات والطائرات ,و اعتقال ضابط الخفر وكسر مشجب السلاح ووزع السلاح على المنتفضين , وهو الذي أطلق الرصاصة الأولى لبدء الانتفاضة, وكان الموجه الرئيسي لها , فكان أول الأمر القيام باعتقال قادة الانقلاب بعد استدراجهم إلى المعسكر واعتقلوا طالب شبيب وحازم جواد وزير الخارجية ومنذر الونداوي قائد الحرس القومي, ولم يفلحوا في كسر سجن رقم واحد الذي يوجد فيه نحو (1300) من الضباط الذين كان يعوّل عليهم في الذهاب الى وحداتهم العسكرية والسيطرة عليها و لم يكن هناك اي تنسيق بين هؤلاء الضباط القابعين داخل اسوار السجن وبين الذين قاموا بهذه الحركة
خلايا وتواريخ
يوضح نعيم الزهيري في مذكراته بصدد النشأة الاولى لهذا التنظيم: من التنظيمات المدنية كانت لجنة لا نعرف كيف تشكلت، لكنني علمت ان من عناصرها وربما مسؤولها هو الشهيد هاشم الالوسي، يقال انه كان عضو لجنة محلية، ومحمد حبيب (ابو سلام) وهو عضو لجنة قضاء، ويقال ايضا كان من اعضائها جميل المشهداني ورجل مسن اخر اسمه ابو ثائر. وقد التقيت الثلاثة الاخيرين في السجن العسكري رقم (1) بعد فشل الانتفاضة، وتحديدا بعد انقلاب 18 / تشرين/ 1963.
في هذا المجال ذكر الخلايا الحزبية التي شكلت حجر الزاوية للانتفاضة.. فخلف السدة الشرقية وتحديدا منطقة (الميزرة) كانت هناك خلية حزبية تضم: (علي محمد ذهب، عريبي محمد ذهب، حافظ لفتة (خياط)، رفيق اخر (قصاب)، ابو شنيشل (خياط ايضا، وكان مسؤولا للهيئة اعتقل ولم يعترف)، فاضل موسى الرماحي (شرطي مفصول عمل جايجي في سوق منيشد للصاغة في الشيخ عمر، كانت تلك الخلية مهمة وصدامية وطليعية، وكل رفاقها تقريبا (من ريف العمارة – آل أزيرج – من فقراء الفلاحين الذين هاجروا الى بغداد قبل ثورة 14 تموز / 1958).. كان للخلية دور مؤثر في المظاهرات والنضالات الاخرى، كمظاهرات السلم في كردستان ومظاهرات نصرة كوبا في أزمة خليج الخنازير، وتوزيع البيانات ولصق الشعارات.. وغيرها. وقد زار الخلية واشرف عليها حسن عوينة، وجبار عنيد (توفي في سجن نقرة السلمان عام 1967). كما برز دور الخلية في مقاومة انقلاب شباط، وقد حافظت على روابطها على شكل علاقات فردية بعد الانقلاب.
ويجاور هذه الخلية، خلية اخرى في منطقة الخندق، وقسم من منطقة الشيخ عمر، ومن ابرز اعضائها محمد عليوي خليفة، خضير تقي (وهو عازف ناي مكفوف يعمل في دار الاذاعة، وقد اعتقل ايضا بعد فشل الانتفاضة).ومن الجانب العسكري (في معسكر الرشيد) كانت هناك تنظيمات بقيت سليمة، من عناصرها (حسن سريع، ورأس العرفاء كاظم بندر من سرية الحراسة، وكثيرون غيرهما، وقد التقيت الكثير منهم في المعتقلات والسجون)
الساعة الثانية عشرة والنصف ليلة الثالث من تموز، احتضن كوخ في كمب سارة، المنفذين الرئيسيين (نائب العريف حسن سريع، رأس العرفاء كاظم بندر، عريبي محمد ذهب، علي محمد ذهب، حافظ لفته، سعدون، فاضل... الخ، وقد حضر الاجتماع المسؤول الحزبي ابوسلام..) تخلل الاجتماع احاديث لاهبة، وشروحات مقتضبة، لان كل شيء كان مهيئا ومرسوما، كتوزيع المهام وكيفية التحرك.
بداية الانتفاضة
تمت السيطرة مباشرة على الباب الشمالي للمعسكر، واعطيت المسؤولية للعريفين (جليل خرنوب و كاظم زراك) وفي مقر اللواء الخامس عشر، ما ان سمع الجنود المعتقلون ببدء المعارك، حتى بادروا الى كسر باب المعتقل، وقادهم (العريف كاظم فوزي) فسيطروا على مقر اللواء واعتقلوا الضابط الخفر واشتركوا في المعركة، واستحق (كاظم فوزي) ان يطلق عليه رفاقه”كاسترو الثورة”لبطولته ودوره في القتال، تم احتلال المستشفى العسكري في معسكر الرشيد. واحتلال وحدة الحرب الذرية، ووحدة دروع، الا ان الدبابات الموجودة فيها كانت خالية من بطاريات التشغيل، فلم يستطع الجنود تشغيلها، اما سرية الحراسة فكان المسؤول عنها هو رأس العرفاء (كاظم بندر) لكنه لم ينفذ واجبه فيها، بل انشغل مع حسن في وحدة قطع المعادن بمهام اخرى، وبذلك قاومت السرية ودخلت معارك طاحنة ضد المنتفضين، وهذا سبب اخر في عدم اكتمال السيطرة على معسكر الرشيد، تمت السيطرة على الباب الجنوبي للمعسكر والمطل على جسر ديالى،تمت السيطرة على مطار الرشيد العسكري (القوة الجوية) وكانت الوحدة بأنتظار مجيء الطيارين، بعد تحريرهم من السجن، تمت السيطرة على وحدات اخرى في المعسكر، لم يكن بالحسبان، وجود خط تلفون عبر منطقة (تل محمد)، يربط السجن العسكري بالقصر الجمهوري او مع مسؤولين اخرين. وعبر هذا الخط تم الاتصال بهم، فهرع بعض قياديي انقلاب شباط الى معسكر الرشيد، وكان اول من وصل هو (منذر الونداوي) بسيارة جيب عسكرية، أنذره الكمين بالوقوف، فتباطأت السيارة، واطل الونداوي قائلا : انا مقدم الجو منذر الونداوي، القائد العام للحرس القومي قال ذلك بلهجة زجرية متعالية، وتحركت السيارة فبادرها الكمين بأطلاق النار، فتوقفت وخرج الونداوي ومساعده (نجاد الصافي) وهما يرفعان اياديهما، بعدها، وصلت دبابات من الكتيبة الرابعة، اتجهت اثنتان منها الى باب المعسكر، كانت الاولى تقل رئيس الجمهورية (عبد السلام محمد عارف).. نزل عارف من الدبابة وقال للجنود الحرس في الباب : (شكو شتريدون؟ ليش، ليش شتريدون؟) تهيأ الجندي المتطوع (عبد العظيم) لتوجيه النار عليه وقتله، لكن القيادة المسؤولة عن الباب منعته، وما كان من (كاظم زراك و جليل خرنوب) الا ان استعدا واخذا سلام الامراء لعارف...!
ذهل الجنود في باب المعسكر لهذا التصرف، وصعد عارف ثانية واخذت الدبابتان تحصدان الجنود بنيرانها الكثيفة، اما الدبابتان الاخريتان فقد سلكتا الطريق الترابي المؤدي الى السجن العسكري رقم (1) واخذتا بأطلاق النار على الجنود المتمترسين في الساقية، فقتلت من قتلت وسحق جنديان بجنازير الدبابة.