محمد نوشي النغم المفقود في المشهد الموسيقي المعاصر

محمد نوشي النغم المفقود في المشهد الموسيقي المعاصر

ستار كريم مظلوم
لاشك أن البيئة التي ولد فيها الفنان الراحل محمد نوشي في بغداد محلة باب الشيخ عام 1935 كانت وريثة للأذكار والمواليد والتلاوات القرآنية التي كانت تصدح من منائرها التي تضم جامع ومرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني وكانت تلك أول الأصوات والأنغام التي داعبت أذنه في بداية شبابه بعد ذلك دخل عالم المقام العراقي من خلال مشاهير القرّاء في تلك المنطقة أمثال نجم الشيخلي وعباس كمبير ومحمد العاشق،

فتنوعت مصادر الثقافة الموسيقية الشعبية عنده كما راح يتردد فيما بعد على دور العرض السينمائية في منطقة الباب الشرقي خاصة سينما (غازي) وسينما (الشرق الصيفي) بالإضافة الى النوادي والمسارح المنتشرة هناك، حيث كان يصدح فيها صوت الراحلة زهور حسين ووحيدة خليل وحضيري أبو عزيز، بالإضافة الى مجموعة من العازفين المنتمين الى فرقة الإذاعة والتلفزيون آنذاك أمثال عازف الجلو خزعل فاضل والفنان ناظم نعيم وخضر الياس، وقد التقى بهذه المجموعة التي قرّبته من عالم اللحن والغناء فلحّن لزهور حسين ووحيدة خليل بعض الألحان الشعبية التي لم يقدّر لها أن تسجّل. وفي بداية الخمسينيات دخل الإذاعة بصفة مطرب، ولكنه لم يلق النجاح المطلوب غير أن الفرصة أوتيت له عام 1954 ليقدّم عدداً من الألحان التي تميّزت بالطابع الريفي والبغدادي، فلحّن للفنانة الكبيرة مائدة نزهت اغنية (يا كلبي لا تكول التوبة) ولحن لوحيدة خليل اغنية (سبحانة الجمعنة بغير ميعاد) ولحّن لعبد الصاحب شراد أغنية (آه يا عيني) وقد اشتهرت في ذلك الوقت هذه الأغنية والتي جلبت له الشهرة والنجاح، ولحّن بعد ذلك للفنانة الكبيرة عفيفة أسكندر ولميعة توفيق ومحمد عبد المحسن وفاضل عواد وحسين نعمة وغيرهم، وبقي مصرّاً على ممارسة العمل الفني فدخل معهد الفنون الجميلة- فرع العود منتصف السبعينيات، حيث واصل لقاءاته مع الفنانين في محله الذي كان يعمل فيه خياطاً للملابس الرجالية في شارع الرشيد وتواصل هذا الفنان المبدع مع المدرسة اللحنية القديمة والجديدة وكانت في حياته مراحل توقف فيها عن التلحين والغناء، ولكنه مع ذلك يقف في طليعة الملحنين العراقيين في مرحلة الخمسينيات والستينيات. وما يسجّل له ولصالحه أنه أعاد صياغة الأعمال التراثية القديمة ما جعلها اكثر انتشاراً وتقبلاً لذوق الأجيال، رحل الفنان محمد نوشي في شهر كانون الأول عام 2004م وقد ترك مكتبة صوتية ولحنية تؤشر له بالريادة اللحنية العراقية.