الدولة المنسية وثلاثية الفساد والإرهاب والطائفية:

الدولة المنسية وثلاثية الفساد والإرهاب والطائفية:

ينشر ملحق احتجاج الجزء الثاني من مقالات رئيس التحرير فخري كريم خلال الايام الماضية والتي نشرت كافتتاحية لصحيفة المدى وهي تؤشر لملامح مهمة من المشهد العراقي اليوم .. وتحاول ان تثير الكثير من علامات الاستفهام

الاجتثـــــاث والتبعــيث..
(6)
في سياق إحكام قبضته على البلاد، شرّع رأس النظام الاستبدادي المنهار طائفة من القوانين والتعليمات لتبعيث الدولة والمجتمع وتصفية أي مظهر يتعارض مع ذلك. وإمعانا في تدابيره التبعيثية، قام بمسح دقيق للميادين والمجالات الحيوية في كل زوايا الدولة، ووضع لكل حالة في الدولة أو المجتمع، ما يناسبها من تدابير وتوجيهات واطر قيادية مناسبة، وإغراءات تحفز على التشدد في التطبيق والمبادرة، بحيث سد كل المنافذ أمام من يفكر بالإفلات منها والنيل من قيمها،
حتى أصبحت ممارسة الشعائر الدينية، كالصلاة والصوم موضع مساءلة للقياديين والكوادر البعثية، ويتذكر المتابعون لتطور عملية التبعيث سيئة الصيت، مشهد صدام وهو يسأل عضواً قيادياً في اجتماع قطري عرض في التلفزيون، "هل يحتاج البعثي إلى الصلاة ليتأكد من سويّته، ألا يكفيه الإيمان بالحزب كمحكٍ للإخلاص".!
وبفضل قوانين الإعدام والأحكام الثقيلة والتعليمات المشددة وبوسائل الإغراء والوعيد، لم يعد أمام احد أن يفلت من رجس "هوية البعث" أو المنظمات التابعة له، إذا ما أراد أن يجد له فرصة للدراسة والعمل أو التقدم فيهما، أو في أي نشاط ثقافي أو مهني أو اقتصادي أو حتى لضمان سلامته والحفاظ على سلامة عائلته من المساءلة والتعقيب.
ورغم الطابع الاضطراري لانخراط أغلبية العراقيين في تشكيلات البعث ونشاطاته، إلا أن الطابع البوليسي الفاشي للنظام اظهر ذلك كما لو انه ولاءٌ مطلق طوعي للبعث ومبادئه وقيمه، وان أي مواجهة معه يعني مواجهة مع الشعب العراقي. لكن هذا الطابع "الشكلي العام" لسيادة مظاهر "التبعيث" العلنية والنفور العام الحقيقي في الواقع عن نزعاته وممارساته وفكره الذي اختزل في تمجيد الطاغية كرسا مع مرور الزمن واستمرار سلطة البعث في المجتمع وفي الدولة، في لا وعيهما، "قيماً" وعادات وسلوكيات ومواقف، بدت كما لو أنها مستقلة عن "إيديولوجية التبعيث" التي أشاعتها السلطة وحزبها وأجهزتها القمعية ومنظماتها بترويج يومي من وسائل الإعلام والتوعية، واتخذت طابع "غسيل دماغ" جماعي.
ومثل هذه الظواهر التي تكتسب في المجتمع طابعاً "قيَميّاً" وتتحول إلى عادات وسلوكيات ومواقف وأعراف وأخلاقيات، لا تتغيّر أو تُصفى بقرارات إدارية أو أوامر حكومية أو قوانين، وإنما قد تتعمق بفعل ذلك وتدوم، إذا لم تواجه بما "يَصدمُها" من قيم معاكسة وينظف اللا وعي من ترسبات القيم السلبية بإعمال الوعي وأحكامه وتأثيراته. إن التغيّرات البنيوية التي لم يلتفت إليها القادة السياسيون الجدد كانت تكمن في جانب منها بعمق هذه الظواهر وتجلياتها، والتي لا تزال تخيم على الواقع العراقي وتشوه الكثير من معالمه وتنعكس في الشخصية العراقية ولا تثير الجدل حول أسبابها وسبل معالجتها سياسياً.
وكما لم تستطع القيادات العراقية أن تتوقف أمام الآثار والنتائج التي أنتجتها سياسة التبعيث وأيديولوجيتها، عجزت سلطة الاحتلال، ليس بمعزل عن بعض هذه القيادات في تشخيصها والتوقف أمام مظاهرها، وتحديد سبل مواجهتها والبحث عن الوسائل الكفيلة بالتخلص منها. وكعادة الأنظمة المستبدة، أو الحكام الكسالى أو المغفلين، فان أسهل وسيلة لمعالجة أي إشكالية مهما تعقدت، تمر إما عبر القمع أو بواسطة تشريع القوانين القسرية الغريبة عن الواقع. ولهذا التدبير لجأ بول بريمر الحاكم المدني للاحتلال "لإزالة" آثار سياسة التبعيث وعواقبها المدمرة في المجتمع وعلى الدولة السائرة في طور التكوين، واصدر قانون اجتثاث البعث، الذي أمد بعمر البعث وأفاض عليه بممثلين جدد يحملون رسالته المهلهلة ويدافعون عنه ويُحَمِّلون العرب السنة، زوراً وبهتاناً، وزر جرائمه وتبعات نظامه الفاشي. وبتبني هذا القانون ضاعت أكثر من فرصة على العراقيين، وعلى سيرورة العملية السياسية، وعلى بناء الدولة بأسسها الديمقراطية المُنَزّهة من أدران البعث ونهجه السياسي والإيديولوجي وأساليب حكمه. كما أدى ذلك ضمنياً إلى إعادة إنتاج "صيغ مُكيّفة" من اطر وقيم وشخصيات هي نفسها كانت بشكل مباشر أو بالتبعية من أدوات التبعيث ونتائجها.
إن قانون اجتثاث البعث "Debaathification" استنسخ من قانون "Denazification" "إزالة أو تصفية النازية" وأريد له أن يكون متماثلاً معه، فلم يراعِ الخصوصية العراقية، ولا التعقيدات التي تحكمت في المشهد السياسي بعد سقوط النظام "شبه الفاشي"، كما لم يأخذ بالاعتبار جملة عوامل أخرى، من بينها على سبيل المثال وليس الحصر، التنوع الذي يتكون منه المجتمع العراقي وما يتطلبه ذلك من معالجة استثنائية، فالنازية والفاشية في ألمانيا وايطاليا، اتخذتا بالدرجة الأساسية طابعاً طبقيا، ولم يجرِ التعبير عنهما كما لو أنهما تجليات عن قومية أو طائفة بعينها. وهذا التعقيد وحده كان يتطلب وقفة وتأملاً خاصاً. ومع أن هذا الإقحام المفهومي، لا يعكس واقع الاصطفاف الطائفي إلا ظاهرياً، بحكم ما رافق الدولة العراقية منذ تأسيسها، من عُرفٍ وتدابير ضمنية، فقد عمد البعث ونظامه إلى تكريسه في الوعي العام وفي مظاهر تمييزٍ لا يتحمل مسؤوليتها من حاول تلبيسها لتبعيتها السياسية، وإقحامها في ما أشيع من مفاهيمها وممارساتها الطائفية. ولا بد أن يجري التصدي بكل الوسائل السياسية، لتصفية الادعاءات بالتمثيل العربي السني للبعث ولنظامه.
إن خطيئة بريمر قدر تعلق الأمر بقانون الاجتثاث الذي أصدره، تنعكس في عدم إدراكه أن سقوط نظام البعث وحده كفيل بالإجهاز عليه تحت وطأة جرائمه، شرط تأمين الوسائل الإجرائية والسياسية الفعالة لعزله ونبذه وفضح ارتكاباته دون هوادة. ومن بين مستلزمات ذلك إلغاء جميع القوانين والإجراءات والصيغ التي اعتمدها في تبعيث الدولة والمجتمع. وكذلك اتخاذ كل ما يلزم للحيلولة دون إفلات أي مجرم مسؤول عن ارتكاب الجرائم بحق العراقيين وليس الاكتفاء بـ"دستة" الورق اللعينة المحببة للأميركيين. إن مجرد استخدام ورق اللعب في التعامل مع ما تعرض له العراق من ويلات ودمار وخراب يعكس مدى ضحالة الذين أوحوا باستخدامها، وغربتهم عن قيم وتقاليد الشعب العراقي.
لقد كان المجتمع العراقي، متعاطفاً مع التغيير بدوافع متباينة، منها في الأقل الخلاص من الحروب والمغامرات والحصار والعزلة والويلات التي ألحقها النظام بالعراق والعراقيين، باستثناء قلة ممن ينتمون عن قناعة ليس إلى حزب البعث، وإنما إلى صدام ويربطون مصائرهم بسلطته، ولم يكن صدام حسين وقياديوه، يقدرون عدد هؤلاء بأكثر من عشرات الآلاف، وليس حتى بمئات الآلاف.! وكانت قطاعات الشعب المتعاطفة، التي تضم أوسع قاعدة حسبت على البعث ونظامه رغماً عن إرادتها وكراهة منها وقسراً وضرورة، تنتظر ما يشيع في صفوفها الاطمئنان والقناعة بان ما تطمح إليه من حياة كريمة سيتحقق، وان العدالة والمساواة والحرية والأمن والاستقرار سيسود البلاد. وجاء قانون الاجتثاث وقرار حل الجيش، ليوجها صفعة لكل هؤلاء، وليساعدا على خلق مناخ يفرض عليهم الانحياز "القسري" هذه المرة أيضا إلى صف المجتثين، والتعاطف مع من يعلن التعبير عن (مشكلتهم) من السياسيين الجدد، وربط مصائرهم والدفاع عن المصالح بهم. لقد قدم بريمر ومن شجعه دون وعي وسوء نية، خدمة مجانية لفلول البعثيين المهزومين، ولو معنوياً، بتجاوز الإحساس بالعزلة الشعبية والهزيمة، ولو على أضيق نطاق، ومكن الكثيرين منهم من إيجاد قواعد للتنقل والتحرك السياسي، بوجوه ومسميات جديدة، وشجع سياسيين جددا على الدفاع في وسائل الإعلام عن نظام صدام حسين وتزيين جرائمه، بل وفي تخوين "القادمين" من الخارج.! ولم يتحرك هؤلاء بلا غطاء وتشجيع أميركي ومن دول أخرى متحالفة مع الأمريكان، ومن دول جوار عربي وإقليمي، سرعان ما بادرت لاحتضان الممثلين عن "العروبة" و"المعادين" للاحتلال، الذين أصبحوا بفضل ذلك كله في ما بعد "مقاومة وطنية إسلامية" ضد الاحتلال الأميركي، وفي مرحلة لاحقة حلفاء لهذا الاحتلال ضد "الخطر الإيراني الصفوي المجوسي" ثم مشاريع حكم بدعم أميركي وإقليمي وعروبي.!
ومن الواضح الآن أن قانون اجتثاث البعث تحول إلى أداة بيد سياسيين لإجراء تعديلات في موازين القوى، ووجهة العملية السياسية، وقاعدة لأوسع نفوذ وتأثير لبلدان جوار عربي وإقليمي، ولبلدان وإمارات أبعد واقل شأناً. وكان من نتائج هذا القانون أيضا، إلى جانب كثرة من العوامل المساعدة الأخرى، تحَوّل العامل العربي والإقليمي، بامتياز وعلناً إلى عامل داخلي مقرر. وقد ارتبطت بفعل هذا العامل كتلٌ سياسية علناً بالمحور الجديد، لتقبض منها القيادات المساعدات المجزية والمعاشات والمنح الشخصية وتتفاخر بعلاقاتها هذه وما تتلقاه من دعم ومساعدات بلا أي مساءلة أو حساب.
أما ما ظل يعبث في كيان الدولة والمجتمع من تبعيثهما، فان أحدا لم يتوقف ولم يدعُ ويطالب باتخاذ تدابير وتشريعات تحد منها وتصفي نتائجها وآثارها ومظاهرها المزرية، لان مفهوم المصالحة التي كرستها سلطة الاحتلال وواصلتها الحكومات المتعاقبة بتشجيع أميركي وعربي وإقليمي، استقر على رفض أي تعرض بالبعث "فعلياً" "وعملياً" بالرغم من إنكار الجميع العلاقة بالبعث ونظامه!
إن مواصلة إهمال معالجة ظاهرة تبعيث الدولة والمجتمع، وعدم مواجهة القوى والأطراف التي ترفض ذلك وتخلط بين تحقيق المصالحة الوطنية والإبقاء على مظاهر التبعيث القديمة والجديدة سيؤدي إلى عرقلة أية مساعٍ جادة للنهوض بالعراق ويبقي عوامل الانقسام الداخلي ويستثير بين فترة وأخرى نزعات الانتقام والثأر والمواجهة

مظاهر التبعيث،.. النجيفي نموذجا

(7)
اهتم المشرفون على تطبيق قانون " اجتثاث البعث " بإقصاء أعضاء الفرق وما فوق من البعثيين عن ممارسة العمل السياسي او تسنم مواقع قيادية في الدولة، مفترضين بذلك أنهم يحمون المجتمع والدولة من أخطر أدران البعث ويعاقبونهم على جرائم النظام الدكتاتوري وحماقات قياداته.
لقد وضع هؤلاء المشرعون وبعدهم المنفذون مقاييس ثابتة ومشوا عليه، ناسين ان الوقائع ليست مقاييس..وأن الحياة السياسية في مجتمعات محكومة بالدكتاتورية تحتمل الكثير من المفارقات التي لا يفيد معها المقاييس الثابتة.. مثلا قد تصادف بشرا غير منضمين للبعث لكن من الممكن أن تعدهم أكثر خدمة للبعث وصدام من آخرين هم في مواقع ربما رفيعة داخل البعث.. وقد علمتنا السنوات أن رجالا كثيرين غادروا موقع السلطة إلى المعارضة حين توفرت لهم فرص التحرر من الدكتاتورية..ويقابل هؤلاء آخرون قضوا حياتهم في المعارضة وكانوا رقباء عليها جواسيس للسلطة وكانوا أكثر إجراما من أشرس مجرمي صدام.
لقد اغفل المنفذون للقانون الميادين والمحاور السياسية والثقافية والأكاديمية والإعلامية والمنظمات المهنية والنقابية، التي يعبث فيها ورثة النظام الفاشي، ويتحركون في ميادينها بحرية لا تتسنى لمن كرسوا حياتهم ضد البعث وسلطته الغاشمة، وكأن هذه الميادين نقية ولا يوجد فيها من يشكلون خطراً على السلامة العامة ولا يخلقون بؤراً للترويج لأفكار البعث الفاشية ولقيمه وإيديولوجيته التي حرّم الدستور التبشير بها. ولا يجوز النظر الى هذه التطبيقات باعتبارها سهواً من المشُرّع او تلكؤاً وسوء تقديرٍ من القيّمين على متابعة تطبيق تعليمات القانون، لان تحريم حزب البعث من العمل السياسي الذي نص عليه الدستور النافذ لم يستند الى حيثياتٍ تنظيمية او مخالفات إجرائية، وانما استند الى كامل نهج البعث وإيديولوجيته وتاريخه وقيمه وأساليب حكمه وكامل نهجه السياسي وارثه الإجرامي منذ انقلابه الفاشي في ٨ شباط عام ١٩٦٣ وحتى اللحظات الأخيرة من حكمه المباد.
إن هذا التطبيق لقانون بريمر الذي ما زال يتصف بالطابع الانتقائي والكيفي، ولا يسلم أحيانا من الدوافع الانتقامية السياسية والمذهبية، يعكس شكلانية المقارنة والاستنساخ الذي اعتمده المشرّع للقانون مع الظروف التاريخية والأوضاع السياسية التي كانت عليها كل من ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية بعد الحرب العالمية الثانية، واقتضت تشريع قانون " إزالة النازية " كما أن الكوتشينة الأميركية او " دستة ورق اللعب " التي حملت صور المطلوبين من قادة البعث ونظامه هي الأخرى استُنْسِخَت لتُحاكي النموذج " الفاشي-النازي ".
إن إقصاء حامل " مشروع او قضية او إيديولوجية " لا يشكل عقبة أمام المضي في العمل والنشاط، السري أو العلني، بإمكانيات بسيطة أو بقدرات فائقة، بنشر الدعاوى بين الناس والتعبئة الجماهيرية لها او بالانقلابات العسكرية والثورات الشعبية. كما أن "الاغتيال " و " أخذ البراءة " لن يكونا معالجة او مواجهة للإيديولوجيات والقضايا الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية والقومية، وكل ما له بالعقيدة والإيمان والحرية الإنسانية. وما فعله بريمر وما قام به منفذو قانون الاجتثاث منذ صدوره حتى اليوم لم يخرج عن هذا السياق، ولم ينتج عنه سوى المزيد من التعقيدات والمزايدات التي أثارت ضجيجاً عاصفاً، لينتهي في كل مرة الى خطوة جديدة باتجاه (تزكية) البعث والالتفاف على ما ينبغي اتخاذه من إجراءات صحيحة وناجحة لتصفية مظاهر التبعيث التي لم يجرِ التصدي لها او رسم الخطوات الملموسة لمواجهتها، وهي خطوات تتطلب نفي الدواعي الفكرية والسياسية والإيديولوجية والعقيدة الانقلابية والعادات وأساليب العمل في الدولة والتشوهات في الحياة الاجتماعية ومظاهر التفسخ القيمي التي أشاعها البعث عبر ذلك كله في المجتمع والدولة. إن هذه المنظومة المتكاملة من النشاط السياسي والفكري لم تغب عن بال واهتمام ملوك وأمراء الطوائف وحكام العراق الجدد، بل أن أحدا منهم لم يلتفت حتى الى إصدار " كتاب اسود " عن تاريخ نظام البعث وجرائمه، ولم يوعز لشبكة إعلام الدولة ووسائلها الإعلامية بإنتاج أفلام وثائقية وبرامج تُظهر بشاعاته وانتهاكاته وجرائمه وإباداته الجماعية التي حوكمت عليها الفاشية والنازية في المحكمة الجنائية الدولية، وكان ممكناً وضع ملف جرائم البعث ونظامه أمام المعنيين بالمحكمة المذكورة لتجريمه كما الفاشية وفضحه دولياً على أوسع نطاق، وبما يشكل رادعاً أخلاقيا ومعنوياً للذين مازالوا يتشبثون بحمل رسالته المهلهلة الرثة، عن قناعة أو جهل بطبيعة الحزب الفاشية وتاريخه الإجرامي. وهذا التجاهل او الإهمال شجع البعض إن، لم يكن كثرة ممن يحتلون مواقع مفصلية في الحكم والكراسي الوثيرة في البرلمان ومراكز مهيمنة في الصحافة ووسائل الإعلام، على الحديث علناً عن " المآثر الوطنية " لصدام حسين والنظام الفاشي والتجرؤ على رجم الوطنيين والديمقراطيين المعارضين له بالخيانة.!
إن المواطنة كقيمة اجتماعية وفرادة أخلاقية، كانت أول ضحية لنهج التبعيث، وتبعتها الدولة التي فقدت استقلاليتها النسبية بداية ثم تحولت الى كيان وحداني اندمج فيه الحزب والسلطة لتنتهي الدولة بعناصرها الثلاثة الى تعبيرٍ مطلق عن الدكتاتور وتتوحد فيه.
وفي لحظة التوحد الكارثية، تراجعت كل العناصر المعبرة عن الحياة المدنية ورموزها، وفقد العراق بذلك كل توصيف له، وأي علامات فاصلة بين سلطاته الثلاث او تجلياته الاجتماعية التي اندمجت وتوحدت في الوحدانية المطلقة للطاغية. ومنذ تحقق ذلك أصبحت القيم والمبادئ والآمال والأهداف لا قيمة لها إلا بمقدار ما تعكس او تعبر عن كينونة القائد الضرورة ونواياه ومتطلباته. ولهذا كان خلافاً للمنطق أن تسقط سلطة البعث او قائده دون أن تتداعى وتسقط كل أركان الدولة و" الوطن " الذي أصبح كل منها كياناً متداخلاً غير قابل للتجزئة عن الكيان "الحاضن" بعد أن وحدها صدام بـ " ذاته وإرادته " وأخضعها لنزواته ومشيئته المطلقة. ولا غرابة في أن الشركاء في وليمة الحكم ما بعد صدام لم يتعرضوا للتبعيث في جانبيه هذين، إذ اختفت المواطنة في طيّات الطوائف واختفت مظاهرها بحكم المصاهرة مع كل التكوينات الملفقة الطارئة في الحياة السياسية والاجتماعية
وذابت عناصرها في كينونات تدمر النسيج الاجتماعي وتفكك الهوية الوطنية وتحولها من " تنوع خلاق في إطار وحدة إنسانية " الى تنوعات فرعية مشوهة، وكذلك حولت بقايا الدولة الى مستعمرات وكانتونات طائفية " حزبية " وجردتها من كينونتها وحالت دون إعادة استقلاليتها النسبية، وهو ما سيعيق إعادة بنائها كدولة مؤسسات وحريات ومواطنة حرة.
وإذا ما شخصنا جوانب أخرى من عمليات التبعيث فان من السهل التوقف عند مظاهر عسكرة الدولة والمجتمع من خلال تجنيد مئات الآلاف في الجيش والشرطة والأجهزة المخابراتية التي تؤدي في واقع الحال مهام " خدمية " للحماية، وهو ما يشكل إضعافاً لما يراد له أن يتكرس كعقيدة قتالية دفاعية، وكتوجه تربوي لتجاوز ظاهرة تكريس المرجعية الفردية كهدف للحماية والخدمة الفعلية للعسكري الذي يفترض تربيته على قيم الدفاع عن الوطن والدولة والمصالح العليا للشعب. إن مظاهر التبعيث للدولة بقيت كما كانت عليه، فإذا استثنينا الكوادر العليا القديمة، فان الموظفين الآخرين ظلوا في سلك الدولة، وتقدموا في مراكزها وفقا للإنحيازات الطائفية والولاءات الحزبية، وليس المطلوب إقصاؤهم، لكن كثيرا منهم ظلوا على نفس العادات والتقاليد والكيفيات التي تشبعوا بها في سلطة البعث ونهج التبعيث، غير أنهم كيفوها وفقاً للترتيبات المستجدة في ظل نظام المحاصصة، ويدفع المواطنون تبعاتها إذ يصطدمون بالكادر الوظيفي القديم الذي سامهم وبنفس العقليات وأساليب التعامل.
وبدلاً من التنظيمات العسكرية " الشعبية " تسللت الى الحياة السياسية الميليشيات المسلحة الطائفية، في مواجهة الدولة وفوق سلطتها. وخطورتها لا تتمثل في تحفيز المكونات المرتابة بعضها من بعض، بل أنها ترمز بقوة كامنة الى تحدٍ للدولة وإعاقة لاستكمال بنائها على أسس ديمقراطية مدنية عادلة. وهي تشكل في ذات الوقت تهديداً للعملية السياسية وأداة ترويع للمواطنين وتحديداً للحريات على قياس معتقدات الميليشيات وأهدافها، وخاصة لجهة تلك التي تنطلق، وان باطلاً من أرضيات دينية ومذهبية. كما أن وجود الميليشيات بغض النظر عما تعلنه من نوايا وأهداف، لا يشكل تهديداً للدولة حسب بل أيضا إمكانية لإثارة صراعات ومعارك بين الطائفة الواحدة على السلة ومغانمها، وأداة لحسم الصراع السياسي بوسيلة السلاح وقوة نفوذه.
أما مظاهر التبعيث في الجامعات ومعاهد التعليم والصحافة ووسائل الإعلام والمنظمات المهنية والنقابية وغيرها، فإنها حافظت على " قيافتها " السابقة، وظل سدنتها من المروجين لفكر القائد المؤمن الضرورة، ولمجد عدي والبعث، في مختلف مواقع هذه الميادين التي تشكل خطراً داهماً، ودافعاً فعالاً لاستمرار نهج البعث والتبعيث والقيم التي كرست طوال عقود في الوعي الاجتماعي وخلقت أنماطا من السلوكيات التي لا يجمعها جامعٌ بالديمقراطية ومبادئها وبالقيم الإنسانية السامية. إن نظرة ثاقبة الى بعض أساتذة الإعلام والمناهج التي واصلوا اعتمادها ستكشف عن فضائح صدامية بامتياز،. يكفي تسليط الضوء على أن من بين الأساتذة الذين يتولون تعليم جيل الحقبة الديمقراطية المفترضة، هم ممن يجاهرون بالأمثلة والتوصيات والتصريحات عن انحيازهم للنظام الفاشي وأفكاره دون خشية او وجل. والصحافة التي يشار إليها بوصفها السلطة الرابعة ومرآة المجتمع يتربع على عرشها الذي بات خرابة لا تليق إلا بمن هو مثله، عضو فرقة شبه أمي، لا علاقة له بالصحافة، وذلك بدعم من ملوك وأمراء الطوائف الذين تنافسوا عليه، ورفضوا إجراء أي جرد لنقابة الصحفيين التي أقحم نقيبها مئات العناصر التي لا علاقة لها بالعمل الصحفي والسابلة الأميين في عضويتها، في حين اتخذت الحكومة إجراءات تأديبية بحق نقابات مهمة وكبيرة. وفي هذه الظاهرة الخطيرة، التجلي الأبرز لتقاسم أحزاب وحركات الطوائف الحاكمة أسلاب وبقايا نظام البعث وفقا للانتماءات الطائفية، وحتى وان لم يتأكد الولاء السياسي.
إن تجاوز " الاجتثاث " على أساس التخلي الظاهري عن الماضي البعثي بات تقليداً معمولاً به، وتزدهر بضاعته تبعاً للصراع بين القوى على التوازنات القائمة وضرورات الكسب حتى
"غير المشروع " في مثل هذه الحالة لاستدراج الولاءات، وفي هذا السياق نعثر على قادة نقابات ومنظمات مجتمع مدني وساسة وكتاب وصحفيين ومثقفين وتبعيات أخرى مستعدين بالميل بولاءاتهم حسب الظروف والطلب، ولكن الغريب أن الحكومة والأحزاب الحاكمة لا تلتفت إطلاقا الى الخروقات والتجاوزات الخطيرة على الدستور والقوانين، ولا تبدي انتباها، وان كان كسولا وعلى استحياء، الى أي مظهر مهما كبر من ظاهر الفساد الإداري والمالي، ولم تعد تسمع او تولي الاهتمام بكل الوقائع التي تساق على هذا الصعيد وغيره من الأصعدة المتميزة بالعواقب الوخيمة على الدولة ومستقبل العملية الديمقراطية المتعثرة.
قبل أيام اطل على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام بطل من ذاك الزمان، يخوض في وحول الموصل الحدباء في مظاهرة صاخبة، يستبان من شعاراتها وهتافاتها من أي منبع تستقيها وعلى أي وتر سياسي تنغّم نوتاتها وألحانها. والملفت أن أثيل النجيفي محافظ الموصل الذي اقسم على الحفاظ على سلامة العراق والالتزام بدستوره وقوانينه، ويستمد القوة من شقيقه النجيفي الآخر أسامة رئيس البرلمان المعني بحكم وظيفته بمتابعة ما يجري في أنحاء العراق من تجاوزات وانتهاكات لحرمات البلاد ودستوره وقرارات مجلس النواب الذي يترأسه، أن هذا الأثيل يعلن أمام جمهوره المتظاهر عن الزحف على بغداد لتحريره من "الاحتلال " والعملاء الذين يحكمون البلاد بإرادته، وسيناضل لخلاص العراق من هذا الحكم، وهتف بسقوط النظام!. حتى هنا يمكن أن يقال إن الديمقراطية ليست حكراً على الجمهور والمواطنين، فان من حق الحكام والوزراء والمحافظين ان يجيشوا القوات ويحرضوا على التظاهر ويستعرضوا عضلاتهم فيها ضد الآخرين من الحكام أو الأحزاب الحاكمة او الكتل البرلمانية، كما أن من حقهم أن يسافروا الى البلدان المجاورة ويقدموا البيانات والوقائع على فساد السلطة والدولة والأحزاب، كمخلّصين ورجال دولة، ويقبضوا ماهياتهم والمساعدات السخية لتجمعاتهم. ولكن أثيل النجيفي يهتف بالعمل على إسقاط " النظام " " في بغداد، وليس " الحكومة " طبعا ولا رئيس الحكومة او مجلس النواب، وهو يفعل ذلك في تظاهرة وتحت علم البعث!.. ألا يشكل هذا لوحده جرماً يجب عليه محاكمة المحافظ الذي يحنث بالقسم، وحرمة العلم وان كان مؤقتاً جزء يتضمنه القسم..؟ والنجيفي الشقيق، يهدد العراقيين بالموصل، وكأنها ليست حاضرة عراقية أصيلة وسكانها مواطنون عراقيون مخلصون لوطنهم. او ربما يستعيد في وعيه المغيب عن الزمن الحاضر إمكانية تحقيق حلم جده، وعميد أسرته الذي صوت في العشرينيات من القرن الماضي الى جانب ضم ولاية الموصل الى تركيا.!؟
وفي الدولة المهمشة بصراعات وتقاسم السلطة والمغانم مظاهر وتجليات عن استمرار التبعيث وأحكامه وقيمه، لكن سوقها والتدليل عليها لا جدوى ولا تأثير لها في ظل الأوضاع الراهنة التي يضيع فيها المواطن في متاهات فساد الطوائف واستحكاماتها التي لا تخترق
ألا يبادر مواطن شجاع من أهل الموصل الشمّاء برفع دعوى لمقاضاة النجيفي المحافظ على حنثه بالدستور وإيحائه بان الموصل ولاية أخرى يمكن أن تزحف على بغداد وتسقط حكومتها "العميلة " وينصب شقيقه رئيساً مؤقتاً للدولة ريثما يصل هو على رأس أنصاره من بقايا البعث الى بغداد.


بدعة الملثمين.. في الوقت الضائع..

(8)
بعد ثماني سنوات على تبني شعار المصالحة الوطنية، تخرج علينا وزارة المصالحة الوطنية للمرة الثانية بـ"إعلان ملثم " عن انضمامات جديدة إلى عملية المصالحة ونبذ السلاح. ويستدرك المعنيون بالإعلان، أن "الملثمين" يمثلون أنفسهم و"بعض أتباع المنظمة" ويسعون للتأثير على آخرين للسير على خطى من سبقهم للتخلي عن السلاح والمشاركة في العملية السياسية.
والملثمون الجدد نازعو السلاح "الوهمي"
يشبهون، إن لم يأتي البرهان عكس ذلك، من انضم إلى "المصالحة الحكومية " في مختلف المراحل، إذ لم يكشف أحد منهم عن قوام منظمته وما يحتفظ به من سلاح، ومن شق الطاعة على قيادته وواصل حمل السلاح، أو ظل " كامناً " ينتظر الفرصة المناسبة لاستخدامها، لإرباك الوضع او للتأثير على موازين القوى في لحظات الحراك واشتداد الصراع على مراكز السلطة ومواقعها.
وأصبح ملفتاً أن هذه الصيغة من المصالحة الحكومية والإعلان عن انضمام ملثمين او "سافرين" اليها يتلازم مع حملات جديدة من التفجيرات واللواصق المتفجرة واغتيالات الكواتم، وكأن ذلك يراد منه ان يساق كـ"ردٍ" على إعلان الملثمين او السافرين المعروفين، وتكذيب للبيانات الرسمية على " تضييق الخناق "على الإرهابيين وتصفية منظماتهم.
وحكاية الانضمامات المتتالية إلى دعوات المصالحة، تنعكس في الوجه الآخر لها المتمثل في البلاغات اليومية عن القبض على قادة القاعدة وأمراء المنظمات المسلحة وقتل العديد منهم، وتفكيك خلاياهم وتدمير مستودعات أسلحتهم وكشف أوكارهم. وفي عملية حسابية غير معقدة، يتضح أن الإرهابيين ليسوا مجرد شبكات سرية "خيطية" التنظيم والصلات والارتباطات معقدة التمويل، بل هي وفقاً للبيانات الحكومية أكثر من "كتائب" حكومية واقل من جيوش نظامية.!
والمواطنون الذين يتابعون الأنباء الحكومية عن الاعتقالات والمداهمات في صفوف الإرهابيين لا يطلعون الا على ازدياد عدد المعتقلين "الأبرياء" والمطالبات المتكررة بإطلاق سراحهم، ولا خبر يساق عن تطبيق العدالة بالمجرمين وخصوصا أولئك الذين ثَبُتت الجريمة عليهم، وصدرت الأحكام بالإعدام عليهم. ومن بين الذين أجرِموا وحُكِمَ عليهم قتلةً اقترفوا أبشع جرائم الذبح والتفجير الجماعي، واعترفوا دون "شبهة" إكراههم على الإقرار بالجرائم التي نفذوها بأيديهم وبتخطيط منهم.ويتداول الناس أمثلة عن جرائم ومجرمين تقشعر من هولها الأبدان.
ويستحيل على عاقل تصديق بقاء اغلب المحكومين بالإعدام، أحياء مضت على إدانتهم خمس سنوات وأكثر، أما لرفض محكمة التمييز العليا المصادقة على أحكامهم او أن جهة أو مسؤولاً متنفذاً تدخل لإيقاف تنفيذها او غض الطرف عنها، وقد استفاد بعض المجرمين من فسحة الوقت ودُبر لهم الهروب كما اختفت آثار البعض الآخر في حملات الهروب المرتبة من "الداخل" او لترتيبات غامضة، دون ان يُكتَشف من رَتَبَ عملية الهروب.!
واستمرار هذه الحالة من الاسترسال في الاتجاهين المتلازمين في النشاط الحكومي، مصالحة الأفراد وعمليات الاعتقال، لا تشيع الأجواء الايجابية بين المواطنين عن تحسن الوضع الأمني وانحسار مساحة النشاط الإرهابي، وإنما تثير القلق في نفوسهم من تعذر تجفيف مصادر نمو الإرهابيين وتكاثرهم. ويزيد من هذا القلق وفقدان راحة البال، الترويع الذي يتعرضون له بعد كل إعلان عن اعتقالات جديدة لإرهابيين او انضمام "منظمات" جديدة إلى العملية السياسية. إن القوى المضادة هي الأخرى تستخدم الإعلام "بوسيلة القتل" والتخريب والتفخيخ رداً على ما "تسميه مزاعم حكومية" عن تصفيتها، ووسائلها أكثر تأثيراً وأسرع في إيصال الرسائل وأمضى فعالية على الإقناع. إن تفجيراً لاصقاً او قنبلة يدوية، تنتقل اخبارها إلى ابعد منطقة حتى قبل أن تنقلها وسائل الإعلام. وهذا يتطلب سياسة مدروسة حكيمة ومقنعة في مخاطبة الرأي العام حول كل ما يتعلق بالإرهاب والإرهابيين والمصالحة والتصالحيين. وهذه السياسة يجب أن تتجنب في المقام الأول أي صيغة تنطوي على المبالغة والادعاء والافتراضات غير المدعومة بالاحتمالات المستقبلية. كما أن الجانب الآخر من مشهد المواجهة مع الإرهاب والخاص بالمصالحة ينبغي أن لا يذهب ابعد من حدود فعالية الأطراف او القوى التي تعلن التخلي عن العمل المسلح، وان يرتبط مثل هذا الإعلان بتقييم موضوعي منزه عن الأغراض الدعائية والمحكومة بالمزايدات السياسية والقفز على الوقائع الملموسة والمعروفة ولو على نطاق محدود.
إن الانحياز إلى العملية السياسية وهجر السلاح كأداة للصراع مع الخصوم "الوطنيين"، لا يتحدد بالإعلان وإيقاف العمل المسلح، بل يشترط حتماً، إدانة السياسة التي قادت إلى هذا الخيار بالنسبة لمن استخدموا عملياتهم ضد المواطنين وفي مناطق سكناهم او عباداتهم او ضد البنية التحتية. ويقتضي من الآخرين ممن ادعوا " المقاومة ضد الاحتلال " ان يكشفوا عن نواياهم السياسية علناً وبوضوح إلى جانب العملية الديمقراطية والتمسك بمبادئها، وإدانة النظام السابق وجرائمه والتأكيد على الانحياز لبناء الدولة الديمقراطية الاتحادية، وان لا يعتبروا الانضمام إلى العمل السياسي، ميداناً لمواصلة العمل لتقويض النظام الديمقراطي والترويج لأيديولوجية البعث ونظامه الفاشي، وتزكية جرائمه تحت اي دعاوى كانت.
إن التعامل مع الإرهاب والإرهابيين، كـ "حالات فردية" منعزلة، لن يؤدي إلا إلى إضافة أفراد قد لا يمتلكون غير المسميات التي كانوا يصدرون بها بياناتهم، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن "تتزاوج" بقاياها وتتكاثر ما دام المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي يسمح بذلك، ما دامت البلاد والعملية السياسية تغرق يوماً بعد آخر في مستنقع الفساد والمحاصصة الطائفية. ومن المستحيل تحقيق أي قدرٍ من النجاح في محاصرة الإرهاب والمنظمات الإرهابية، قبل تضييق الخناق على الفاسدين وتقديم الأمثلة الصارخة منهم على الأقل إلى المساءلة العلنية وإدانتهم أمام القضاء، وهذا متعذرٌ مع استمرار الطائفية كنهج لإدارة الدولة والمحاصصة كصيغة لتقاسم مغانمها، ودافع للتواطؤ في التغطية عليها.
ويتوهم من يعتقد بان البحث عن الملثمين أو قادة المنظمات الإرهابية في عواصم الجوار والأبعد منها ايضاً، نهج يقود في النهاية إلى إعادة السلم الأهلي والاستقرار إلى ربوع البلاد. لان الخلل في الحياة السياسية والتداعيات التي تتمخض عن الصراعات على السلطة والتسويات غير المبدئية على تحسين المواقع "الذاتية" الخاصة بـ"الفرد الطامح" او "الحزب" او "الكتلة" على حساب المصالح الوطنية العليا سيفرز على الدوام"مغامرين وفلول معادية وطامحة إلى المال والسلطة" تلوّح بالسلاح من خارج الحدود او من داخلها، وتستعرض قدراتها بعمليات اغتيال جبانة او تفجيرات محدودة بتوظيف بقايا أجهزة أمن ومخابرات النظام السابق واللصوص والمجرمين الذين حررهم قبل السقوط من السجون والمعتقلات او الحواسم الذين تدربوا على القتل والسلب والاختطاف للقيام بالعمليات المذكورة.
إن اللثام كأداة، ينطوي في الغالب على الخديعة والغدر، ولا يصلح للإعلان عن النوايا السليمة. والملثم لا يعبر عن طوّية ايجابية الا إذا تعامل بالمكشوف حين يتعلق الأمر بالقضية الوطنية، ويضع أوراقه على الطاولة،
وكلا الطرفين، الملثم والوسيط ينقصهما الجرأة على التعامل بشفافية ووضوح مع المعني المباشر بـ "لعبتهما" الشعب الملتاع بالمناورات السياسية للمتسابقين على كراسي السلطة

الدولة المستباحة في ولاية النجيفي..

(9)
اقدر في رد السيد أثيل النجيفي محافظ الموصل على افتتاحية يوم الخميس الماضي، والمنشور في هذا العدد من الجريدة، التزامه لغة سياسية، لم تتكرس بعد في لغة التخاطب بين السياسيين في العهد الجمهوري الجديد، وحرصه على أن يعرض نفسه كمسؤول ديمقراطي لا يجد نفسه إلا بين المواطنين وفي تظاهراتهم. ومثل هذا التخاطب بين السياسيين أنفسهم، ومع الصحافة ووسائل الإعلام، وبرغم كل الإختلافات والتباينات،
هو تأكيد لنزوع ورغبة في تعميق التفاعل الديمقراطي والاحتكام الى لغة المنطق والحوار، بدلاً عن لغة السلاح والتصفيات الجسدية والانقلابات العسكرية ومصادرة الرأي وتغييب المخالف وتهميش دوره.
ليس لي إلا أن ابدي الاحترام لرغبة السيد أثيل في أن يكون الى صف المتظاهرين ويدعم طلباتهم، ويشاطرهم هواجسهم وشكوكهم حول ما يجري في البلاد من سعي متعثرٍ لبناء دولة ديمقراطية يسودها القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة، وتنتفي فيها كل أشكال وصيغ التمييز، وفي المقدمة منها التمييز الطائفي والمذهبي والقومي. ولكن من حقي عليه أن لا يتجاوز في رده، هواجسي وشكوكي حول نشاطه السياسي والخيارات التي يشدد عليها ويشجع أهالينا في الموصل الحدباء على العمل باتجاهها. فليس من شيَمي ومبادئ " الاشتراكية " و" الإنسانية " كما يغيب عن ذهن السيد النجيفي أن أعيّره او انتقص من شانه، لمشاركته في مظاهرات أهل الموصل، كما لست ممن يعتبر تبني مطالب المواطنين أينما كانوا خللا وعيباً على " الزعيم "، مسؤولا كان في الدولة أم مناضلاً في صفوف المعارضة الحقيقية او المفترضة.
لقد كان السيد النجيفي في رده يعيدنا إلى مثال (ولا تقربوا الصلاة..)، فقد تمسك بجانب من كلامنا، ونسي أن يفسر سبب قبوله بالمشاركة في التظاهر تحت علم البعث "علم صدام حسين " الذي اقترف كل الموبقات والجرائم الفاشية باسمه وتحت لوائه، وحمل مرسوم اعتماده ثلاثيته المتهرئة " وحدة حرية اشتراكية". وهو يعرف أن رفع هذا العلم بعد أن تم اختيار علم مؤقت جريمة يقاضي عليها القانون، وتزداد عقوبته بالنسبة لمسؤول رفيع مثل السيد النجيفي، الذي يظهر بتصرفه استهانة بما بما توافرت عليه الكتل البرلمانية واقره البرلمان الذي كان شقيقه السيد أسامة عضواً فيه أثناء إقراره، وهو رئيس له الآن. وإذا اعتبرنا أن رفع العلم في التظاهرة لا يعبر عن وجهة نظره، فأين إذن دالته على المتظاهرين ودوره فيهم أو انسجامه مع توجهاتهم التي دافع عنها وتبناها؟
وإذا ما تجاوزنا مسالة العلم، وهي ليست شكلية في كل الأحوال، وقد جرى التنبيه عليها مرات كثيرة منذ تبني العلم المؤقت، ولم يعد يستخدمها سوى أزلام البعث وبقايا النظام الاستبدادي لتمييز هويتهم السياسية والدعوة لمواجهة النظام الجديد، فما الذي يقوله النجيفي بشأن تبنيه لإطلاق سراح جميع المعتقلين دون تمييز بين برئٍ وقاتل ومُفخخٍ، قاعدياً كان أم من بقايا البعث، وبين من هم ضحايا الصراع الطائفي المقيت والشبهة على الهوية "الأقرباء".؟ ألا تُفسّرُ دعوته مع المتظاهرين دون هذا التمييز الى إعادة ضخ القتلة والمجرمين الى شوارع وميادين سائر أنحاء البلاد من أجل موجة إجرام جديدة؟ ثم هل هو يقصد بدعوته إطلاق سراح جميع المعتقلين بمن فيهم سجناء " جيش المهدي " والميليشيات الأخرى، أم يطالب برفع الحيف عن جماعة موصوفة بعينها.؟ ويظل السؤال الملح حول دعاوى السيد النجيفي عن موقفه من الاحتلال و" نضاله " لإخراج " المحتلين واستعداده للقدوم الى بغداد لتحريرها من الجور والاختلال في الحكم. وهنا استثمر رحابة الصدر النسبية التي يعبر عنها رد السيد النجيفي، وأود أن أصارحه، وان تكن الصراحة في هذا الموضع جارحة بعض الشيء، لنحتمل الصراحة إذاً ما دمنا ديمقراطيين:
أيها السيد أثيل أنت تعرف مثلما اعرف أنا، ومثلما يعرف السيد أسامة وقادة الكتلة التي تضمك، أن الاحتلال لم يكن منذ هيمنته على البلاد عدواً لك ولما تمثل، ولم يقف في طريق تحقيق تطلعاتك ومن معك من المحسوبين على البعث، سواء " ظلما " أم حقيقة، كما انك بما كنت تعتمده من " مقاومة " تضم أشباه الرجال من بقايا النظام السابق ومن الشبكات المدعومة من الخارج لقتل العراقيين وترويعهم باسم تلك " المقاومة "، لم تكونوا في أساس تحرير العراق تدريجياً من نفوذ المحتلين والعمل على إنهاء وجودهم مع استكمال متطلبات ذلك حين يأزف الموعد المرتقب.أنت تعرف والجميع يعرف كذلك أن الذي سهل الوصول إلى لحظة خروج الاحتلال والاستغناء عن قواته هم اولئك الذين كانوا ضحايا لـ" مقاومتكم"، من العراقيين الذين احتملوا القذائف والمفخخات والرصاص والنيران ومضوا في بناء دولتهم، وبما يمكنهم من اخراج المحتل..الاتفاقية التي تخرج الاحتلال لم تفرضها المقاومة..لقد عمل عليها ووقعها وفرض كثير من بنودها هم هؤلاء الذين اختاروا بناء دولتهم وليس الاجهاز على ما تبقى منها وترويع الناس الذي كان شأن مقاومتكم..وحين نأتي على هذه (المقاومة) الغريبة العجيبة وكيف جرى (تصنيع) معظمها، وكيف جرى (اختراع) طبقة سياسية من بين دخانها..فبإمكانك أن تسأل (وأنا افترض هنا انك لا تعرف بذلك!!) عن حقيقة الدعم الذي كانت تقدمه السفارة الأميركية مباشرة او بالواسطة لتأمين دوركم في الحكومة وحماية مصالحكم في الدولة المستباحة. أرجو أن نكف عن الضحك على الذقون، وما هو مخفي اليوم من الممكن أن يكشفه الأمريكان غدا..يجب أن تتوقف عن أية بطولات " لمقاومتك " و" بسالة " أتباعك في التصدي للمحتلين، فانا شاهد على هذه البطولات في جولاتها النهارية في متاهات السفارة الأميركية وفي الزوايا المؤمَّنة وخارج الحدود، إلا اذا كنت تقصد ب " المقاومة " ضد العدو الرئيسي " الفرس المجوس " وليس المحتل الأميركي، وأنا أتفهم دوافع هذه المقاومة ومصادر الإيحاء بها واستمرارها.
لقد أمكن التضييق من مساحة فعل المحتلين، العمل الدؤوب المثابر المتعثر بمفخخات " المقاومة الموبوءة المصدّرة من وراء الحدود والمبيّتة في مناطق قد تكون على علم بها او لا تكون، لملايين العراقيين الذين تحملوا أعباء ثقيلة من اللا استقرار واللا أمن وشظف العيش وانعدام الخدمات، لتُعاد بناء الدولة المستباحة وان دون رضاهم عنها وعن أدائها. هم هؤلاء الأبطال المجهولون من " حرر ويحرر العراق " ويستعيد سيادته لا أنتم الذين
لم توفروا وسيلة للإبقاء على العراق خربة تنتظر غربان صدام للعودة الى نهش ضميرنا.
إما الدستور الذي تسعى الى تغييره، فانا أشاطرك الرأي في انه بحاجة ماسة الى تغيير، ولكن التغيير الذي أتطلع إليه وأدعو لتبنيه يتناقض مع ما تريده أنت ومن تعبر عن كوامن نفوسهم. فانا أدعو الى تعديله لكي يصبح حامل أماني العراقيين بإقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية تحمي التنوع في إطار الوحدة الاختيارية، وتزيح الى ذاكرة التاريخ كل أشكال الطائفية المقيتة والمحاصصة المبنية عليها والشوفينية وضيق الأفق القوم، وتصفي جذور الاستبداد وكل مخلفات تبعيث العراق الذي لوثته طوال عقود أدران البعث الصدامي.
أخيرا عليك أيها السيد النجيفي أن تقرأ مقالاتي لتتعرف على مواقفي منذ سقوط النظام وليس من وحي هذه الأيام حول قانون اجتثاث البعث وعن مفهوم المصالحة الوطنية وحول الطائفية المنبوذة، وستعرف اذا قرأت إنني من دعاة اجتثاث الاستبداد أين كان مصدره أو مظهره ومن حاملي هم المصالحة التي ضيّعها على شعبنا بول بريمر وملوك وأمراء الطوائف، لكنني في كلتا الحالتين كنت اقصد بهما القاعدة العريضة الواسعة التي احتُسبت ظلماً وعدواناً قاعدة النظام الشمولي الاستبدادي البعثي، وهم لم يكونوا كذلك، وانتم ساهمتم بدفع بعضهم الى هذا الموقع الذي كان غريبا عنهم. ولن أتشرف بان اعني بالدعوة للمصالحة أزلام البعث وصدام ممن يواصلون بلا حياء جرائمه وفكره الإجرامي، او يدافعون عن
" عروس ثوراته وزانيتهم " الأخرى..
ولن أتحدث عن تشويهك لموقفي من التظاهر السلمي المحتج على أخطاء العملية السياسية، فقد نظمنا التظاهرات قبل أن ينبهكم العرب المنتفضون على قيمة التظاهر والاحتجاج السلمي بدل السلاح والانقلابات..وعودة سريعة الى العامين الماضيين ستعرف كم من التظاهرات نظمتها المدى..ولكنها على كل حال ليست على غرار تظاهرات العلم بالنجوم الثلاثة.

العملية السياسية المترهلة بالتواطؤ.. الخزاعي راوياً..

(10)
لا احد من القيادات الحاكمة كما يبدو واضحاً، يتعامل مع العملية السياسية بكل مساراتها ومستوياتها باعتبارها وسيلة لاستكمال بناء الدولة ومؤسساتها، وإرسائها على أسس الديمقراطية والمواطنة، أو ينطلق من افتراض أن كل طرف منها معنيٌ وطنياً ومن موقعه ودوره بالمساهمة في تأمين متطلبات إنجازها على أكمل وجه، متجاوزاً الاعتبارات الأنوية والفئوية،
وأي اعتبارٍ آخر غير المصلحة الوطنية التي تتطلب تضافر الجهود واختزال الزمن لتجاوز المرحلة الانتقالية الحالية المثقلة بالهموم التي ترهق المواطنين المهددين بالإرهاب والفساد، والمحاصرين بكل ما يرهق كواهلهم وينغّصُ عيشهم ويحرمهم من ابسط الخدمات ومتطلبات الحياة الإنسانية الأولية.
وخلافاً للمتوقع، فان القوى المشاركة في العملية السياسية والشخصيات الممثلة لها في الدولة، تكشف في كل مرة، عن منتهى الاستخفاف واللا أبالية إزاء ما ينبغي عليها من مواقف وسياسات تخفف من الاختناقات التي تسببها الأزمة المحدقة بالبلاد وإبداء أي قدرٍ من التفهم والتنازل للحيلولة دون استمرارها وتفاقمها. ولا تشكل ردود الأفعال التي تصدر بين فترة وأخرى عن هذه الشخصية المحورية في الحكومة أو العملية السياسية أو تلك مفاجأة لأحد، لان الكل يتوقع أن المحك الذي تنطلق منه ردود أفعاله يدور حول محور واحد: المصالح الشخصية أو تلك الحزبية، وبعد ذلك الطوفان!
لقد اتضح لكل ذي بصيرة أن الزعامات المهيمنة على مقدرات البلاد، ليس في وارد اهتمامها ما يترتب على مواقفها وردود أفعالها واصطفافاتها من نتائج سلبية على الأوضاع العامة ومصالح المواطنين و"قواعدها الشعبية" قدر ما تحرص وتستميت من أجل تحقيق أجندتها الشخصية والحزبية وحماية امتيازاتها وتعزيز مواقعها في السلطة. ولا يتوانى العديد من المتصدين للشأن العام أو المنتظرين في "الدَور" الموصل للحكومة، عن التهديد الضمني أو المباشر بان "رفض مطالبهم" بتولي مراكز في الدولة أو إبداء تنازلات لصالحهم كـ"زعيمٍ" أو "كتلة" "سيعرض العملية السياسية إلى التصدع" وسَيُعرّض امن البلاد واستقراره إلى خطر الانهيار وعودة الإرهاب. ولا داعي لإيراد أمثلة كثيرة على هذا النزوع المثير في الحياة السياسية، فهي معروفة للقاصي والداني ووقائعها تتواتر في كل منعطف سياسي، بل كل يومٍ تقريباً، وهي لا تقتصر على مجال دون آخر، أو تستهدف قضية بعينها، مثل التزاحم والصراع على مغانم ومكارم تقاسم المواقع الحكومية والدرجات الخاصة في الدولة، وإنما تتعداها إلى ما هو ابعد واخطر من ذلك بكثير، إلى اجتهادات القضاء وأحكامه وتفسيراته للدستور والقوانين.
وآخر صيحة في وادي السياسة الممتلئ بالكواسر والهوام، جاءت على لسان السيد خضير الخزاعي أمين عام حزب الدعوة - العراق، الذي يضم في صفوفه عددا من الكوادر القيادية في المحافظات، ومنهم رئيس مجلس محافظة بغداد الذي ذاع صيت مآثره لأهالي بغداد بحيث لم تعد هناك ضرورة لإيراد سيرته السياسية كلها، فـ"صاحب فخامة رئيس بغداد" كما يحلو له أن ينادى به تكفي للدلالة. إن صيحة الخزاعي هذه فهو استهدف بتهديده الصريح "كتلته - التحالف الوطني" وانذرها بان الاستمرار في رفض ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية سيترتب عليه "انهيار التحالف الوطني"! وطرح بدائل أخرى لهذا المنصب لاسترضائه، وزارات ودرجات خاصة كتعويض عن استحقاقه الانتخابي.
ويبدو من هذا التهديد و"سلة التعويضات" المطلوبة على حساب تضخم الميزانية وأكل الموارد التي يمكن تخصيصها لجانب قد يخفف من محنة المواطنين، إن حملة الأسهم "الانتخابية الطائفية" لا يبالون من قريب أو بعيد، بالبحث عن السبل الكفيلة بتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي تهدد "ناخبيهم" وتضيّق الخناق على أوضاعهم الحياتية الأمنية و المعيشية، بل يبدو أن هذا هو آخر هم لهم، وتتراجع في هذه المساحة المرتبطة بأحوال الناس وقضاياهم "ولاءاتهم للطائفة" أو مزاعمهم بمثل هذا الولاء لجهة أنويتهم الشخصية والعائلية والحزبية. وفي سجلات الحكومة ووزاراتها وقائع بأسماء الأقارب والمتحزبين من مزوري الشهادات وشبه الأميين ما يشيب له رأس الصبي، وفي ملفات النزاهة المغيّبة وثائق عن تبديد للأموال وتلاعبات في ميزانيات المشاريع ما يكفي لفتح سجون خاصة لإيواء لصوص المال العام والعابثين بمصالح الدولة.
إن إحدى المساخر المرتبطة بـ"المحاصصة الطائفية" أو اشتقاقها الآخر المهذب "التوافق" أو المشاركة الوطنية التي تستغرق الجانب الهام من حوارات المتحاصصين يتركز حول تحقيق "التوازن الطائفي"، وهذه الدعامة الصلدة للمحاصصة والمصالحة الوطنية، لمن لا يدري، تعني في علم السياسة التي نحت مفهومها قادة البلاد من أمراء الطوائف