أيها الجبابرة الطغاة... أين المفر؟

أيها الجبابرة الطغاة... أين المفر؟

صادق إطيمش
لم يكد يسقط واحد من المتحكمين برقاب شعوبهم لعقود من الزمن حتى يتبعه ساقط آخر من الجبابرة الذين حسبوا دوام الدنيا لهم بكل ما أوجدوه فيها لأنفسهم ولبطاناتهم من ملذات وحصانات تمتعوا بها على حساب الشعوب المظلومة المقهورة على أمرها. هذا ما يجري على الساحة العربية اليوم التي بدأت بعض شعوبها، وهذا اول الغيث،

بتحطيم كل المعوقات عن النهوض وتهديم كل اركان الخوف والرعب التي اسست لها الأنظمة المتهرئة التي لم تستطع الوقوف امام التيار الشعبي الهائج إلا بتلك الأساليب البدائية الرجعية المتخلفة التي تبنت فيها كل وسائل الجريمة ضد شعوبها وانتهجت في سبيل تحقيق جرائمها هذه احط الأفكار دناءة واكثرها تخلفاً متسترة بالدين تارة وبالقومية والعشائرية والمناطقية تارة اخرى.
لقد دأبت الشعوب المضطهَدَة على جعل مناسبات النضال الوطني والأممي منافذ لها تمرر من خلالها مشاريعها النضالية التي تعكس مطالب الجماهير الشعبية الآنية منها والمستقبلية، فقدمت بذلك المزيد والمزيد من الضحايا، وسجلت أروع ملاحم النضال الوطني والتلاحم الأممي على سوح النضال التي شهدت وما زالت تشهد مثل هذه الهبّات الشعبية والثورات الجماهيرية التي تلاحق هؤلاء الساقطين اينما فرّوا، إذ لا مفر من قبضات الشعوب.
وقد سجل الأول من أيار في كل عام مناسبة تقف في مقدمة هذه المناسبات التي أرادت شعوب الأرض المضطهدَة ان تعبر بها عما يفور في داخلها من حقد مشروع على مصاصي دمائها وسالبي قوتها وناهبي خيراتها من زمر الحكام التي لم تترك وسيلة دنيئة إلا وسلكتها في سبيل تحقيق اهدافها الشريرة في إستمرارية إستغلال الجماهير الشعبية الكادحة والطبقات الفقيرة في المجتمع. فبرزت على الساحة العربية والإسلامية حكومات متهرئة جعلت من تآلفاتها تارة مع الإقطاع وملاكي الأرض الكبار عوناً لها على ديمومة جشعها واستمرارية نهبها واستغلالها لخيرات مَن تسلطت عليهم. أو من القوى العسكرية تارة أخرى، التي توغلت فيها كجزء من البرجوازية الناهضة في هذه المجتمعات بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص. أو مِن إكتساب شرعية إستغلالها وجشعها من قوى دينية مهدت لها هذا الطريق الذي فسح المجال امام هذه القوى الدينية ايضاً لإكتساب الدعم السياسي بشرعية إستغباء الجماهير بطروحاتها المتخلفة التي كانت عوناً لقوى الإستغلال السياسي والإقتصادي المجرمة بحق شعوبها.
للأول من أيار هذا العام نكهة جديدة لم تتذوقها المنطقة العربية وشعوبها من قبل. نكهة ممزوجة بعبق الثورة ونفس الإنتفاضة وعزم الشباب الذين أضافوا إلى أيار كل عام يناير جديد وشباط جديد بحيث ظل هذا التجديد يستمر في كل شهر يتناوب على ترديد الصدى الذي لم يعد يمسكه حاجز او يوقفه جدار. صدى الثورة التي تستقبل الأول من أيار في هذا العام ليتكاتف شبابها مع طبقته العاملة التي ظلت وفية لنضالها الذي سجل أروع ملاحم البطولة العمالية في الدفاع عن الحقوق المسلوبة والتصدي لمظالم الظالمين والوقوف بوجه المستغلين والمحتكرين. الأول من أيار هذا العام سيلتحم مع ما سبقه وما سيلحقه من شهور الثورة الشعبية الجامحة على الساحة العربية التي عبرت عنها جُمَعُ الغضب والرحيل والصمود وكل ما تضمنه قاموس النضال ومفردات الثورة التي تغنت بها جموع الشباب التي سحقت باقدامها البؤر التي حفرها زراع الطائفية وتجار القومية الشوفينية ومخرقو سياسة الدجل الأجوف الذين تبوأوا مراكز القيادة في هذه الدولة او تلك فجعلوها إقطاعيات لهم ولعوائلهم وأقربائهم ثم أوصوا بها لمن يخلفهم من أبنائهم، وكأن النهب والسلب والإبتزاز والقمع الذي مارسوه لعقود من الزمن لم يكن يكفي لملأ أجوافهم النتنة ويلبي شهواتهم الحيوانية.
في هذا الأول من أيار الذي ستستقبله جموع الشباب الثائرة مع جموعه العمالية التي ظلت وفية له منذ ولادته في القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، في هذا اليوم سيؤكد المناضلون في سبيل الحرية والكرامة وللمرة تلو المرة بأن عهد الطغاة قد ولى إلى غير رجعة ولا مجال امام هؤلاء الجبابرة إلا الرحيل والفرار من غضبة الجماهير إن إستطاعوا لذلك سبيلاً. ولكن إلى أين...؟ ومَن الذي سينجو منهم من قبضة الشعب آجلاً حتى لو إستطاع الفرار بجلده وماله وذهبه. الشعوب سوف لا ولن تترك هذه الجراثيم تتحرك طليقة في الفضاء تنشر سمومها وتلفق دعاياتها وقد تصل بها الوقاحة، وهي أهل لها، بأن تبذل ما سرقته من أموال الشعوب لتهيئة سبل العودة إلى ما كانت عليه.
الأول من أيار لهذا العام وما إقترن به من نضال مرير وتجارب كفاح طويل سيوفر السند الضمين للثورات الشبابية التي لابد لها من ان تتفاعل مع ما أفرزه التاريخ وما حققته تجارب الشعوب طيلة سنين النضال الدامي ضد الظلم والقهر والإستغلال والوقوف بوجه مَن يريدون الصعود على اكتاف الجماهير الثائرة وليركبوا الثورة الشعبية التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل مستغلين الغليان الجماهيري لتحقيق مآربهم السوداء التي لا تختلف في أهدافها بالتحكم برقاب الناس عن تلك الأنظمة الدكتاتورية الساقطة. وإن كان هناك ما يجب الحذر منه بقوة فإن الإسلام السياسي وأحزابه الطائفية القمعية سيكون على رأس قائمة هؤلاء المستغلين لثورات الشعوب واللاهثين وراء السلطة السياسية التي لا يريدون من الوصول إليها سوى تأسيس ما يعتقدونه بأنه النظام الإلاهي الملتزم بالتعاليم الدينية، وما هو بالحقيقة والواقع سوى التأسيس للدكتاتورية الثيوقراطية التي لا تعترف بالديمقراطية، بل وتتنكر لها وتحاربها، إذ هي حسب تخريجاتهم الجوفاء ليست من الإسلام بشيء، فيتنكرون بذلك للإسلام الحق الذي يأمرهم بأن لا يكونوا وكلاء على الناس في امور دينهم والقرآن الكريم صريح بذلك حينما يرفض الإكراه في الدين وحينما يعطي الحرية كاملة لمن يشاء ان يؤمن ومن يشاء ان يكفر.
الأول من أيار لهذا العام سيشد من عزم الثوار على الساحة العربية ليواصلوا مسيرة الثورة مع شعوب العالم التي تبنت هذه الثورات منذ امد بعيد لتنتقل إلى الثورات العلمية والفنية والأدبية التي جعلت هذه الشعوب تتنافس على تبوأ مركز الأولوية فيها، في حين ظلت شعوبنا العربية والإسلامية تتخبط في دياجير ظلام القرون الأولى من عمر البشرية وظل مضللو هذه الأمة ينفثون سمومهم باسم الدين تارة وباسم القومية الشوفينية والعشائرية والمناطقية تارة اخرى هادفين بكل ذلك إلى ديمومة التخلف الفكري وانعدام التقدم العلمي كي يمرروا خزعبلاتهم واطروحاتهم الجوفاء التي ظلوا يعتاشون منها على حساب الشعوب المقهورة لقرون عديدة مضت.
الأول من أيار لهذا العام سيكون الصرخة المدوية في قصور الفساد والإضطهاد العربية الملكية منها والجمهورية والتي ستملأ أذان سكانها مصاصي دماء الشعوب بأن لا مفر لهم من قبضات شعوبهم العنيدة التي لا تلين والتي ستلاحقهم كما يلاحقهم الموت حتى وإن كانوا في قصور مُشيدة.