خليل الرفاعي.. أخذها كوميديا في كوميديا من زقزوق إلى  أبي فارس

خليل الرفاعي.. أخذها كوميديا في كوميديا من زقزوق إلى أبي فارس

من أجل أن يقيم جسراً من المودة مع الآخرين – اختار خليل الرفاعي، الفن الأصعب – فن زرع الابتسامات على شفاه الناس وبخاصة! اولئك الذين اعتادوا على أن لا يضحكوا إلا في المناسبات.
الحديث مع (أبي فارس) اقرب ما يكون الى الملهاة! – فهو لا يستطيع أن ينسى لحظة واحدة أنه خليل الرفاعي – السؤال الصعب الذي يعجز"ابو الفوارس"عن الإجابة عليه –كان يعني نكتة جديدة!! – أما السؤال الذي يأتي (على المرام) فكان الرفاعي يجيب عليه بالتفصيل والتكرار.

* ماذا عن البداية يا أبا فارس؟
ببساطة وتلقائية – ومن دون أن يمثّل دور الشخص الذي يحاول أن يتذكر قال:
- في نهاية العام الدراسي لسنة 1939 – وكنت آنذاك طالباً في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة الشواكة – قدمت تمثيلية كوميدية من تأليفي بعنوان"الطبيب المزيف"– بعد تقديمي لهذه التمثيلية، حظيت بتشجيع أساتذتي الذين طلبوا مني مواصلة الكتابة – فصرت أقدّم في نهاية كل عام عملاً فكاهياً ساخراً..
واصلت مسيرتي الفنية في متوسطة الكرخ حيث قدمت مسرحية"زقزوق"على مسرح جمعية المعلمين في الصالحية. بعد تقديمي لهذه المسرحية رشحت لدراسة التمثيل في المعهد العالي للتمثيل في القاهرة – إلا أن إقالة الوزارة آنذاك"بحرت"مشروع للدراسة – مما جعلني أصاب بصدمة كبيرة لا تزال آثارها عالقة في قلبي.. و.."قبل أن يواصل شرح ابعاد"الصدمة"التي لا تزال آثارها في"اعماقه».. سألت خليل الرفاعي عن بداية عمله في الإذاعة؟
* في عام 1949 قدمني مدير متوسطة الجعفرية الى الأستاذ عبد الهادي ممتاز الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير الاذاعة – حيث وافق الأخير على أن أقدّم برنامجاً فكاهياً كل صباح بعنوان"فكاهات الصباح».. كان البرنامج يعتمد على تقديم عدد من الطرائف والنكات الخفيفة – وكنت اقدم البرنامج لوحدي في بادئ الأمر- ثم اشترك معي الفنان حميد المحل في تقديم فترات البرنامج..
* وأقاطع أبا فارس مرة أخرى.. هل تركت نشاطك المسرحي خلال فترة عملك في الإذاعة؟
أجاب بسرعة:
لا! شاركت خلال تلك الفترة في عدّة مسرحيات كان من ابرزها – مسرحية"وحيدة العراقية"ومسرحية (جنفياف) ومسرحيات أخرى لا اذكرها.. ولظروف خاصة انقطعت لفترة من الزمن عن المساهمة بأي عمل مسرحي.
* وماذا عن حكايتك مع التلفزيون؟!
- بدأت مع التلفزيون منذ الخطوة الأولى! حيث قدمت بعض الفقرات التمثيلية القصيرة.. ثم شكلت مجموعة فنية راحت تقدّم بانتظام عدة برامج وتمثيليات من إعدادي.. واذكر انه في عام 1964 كنت أقدّم من تلفزيون بغداد خمسة برامج في كل اسبوع – ومن ضمن ما كنت اقدمه"قهوة عزاوي"و»زعتر"و»ليالي الاندلس"و»غرف للإيجار».. وبرامج اخرى غابت عن ذهني!!
وعموما قدمت بالاشتراك مع مجموعتي الفنية عدداً من الأعمال الكوميدية التي كانت تناقش بعض القضايا الاجتماعية بشكل ساخر..
* منذ خمسة عشر عاماً وأنت حبيس دور"أبو فارس».. ماذا استطاع خليل الرفاعي أن يقدّم من خلال هذه الشخصية؟.. وإلى أي حد نستطيع القول إن"ابا الفوارس"صار يكرّر نفس أدواره؟!
بعد لحظة من الصمت، شعرت أن"أبا فارس"يحاول أن يستجمع أفكاره لنفي هذه التهمة.. قال:
- شخصية"ابو فارس».. هي نموذج للشخصية الشعبية الأصيلة – شخصية الرجل الطيب.. السريع الانفعال – الذي يحب الآخرين ومن خلال سجايا وخصال هذه الشخصية – حاولت أن اهتم – قدر الإمكان – ببعث روح المثابرة والعمل لدى المشاهد – ولهذا السبب أحب المشاهدون شخصية"ابو فارس"الى الحد الذي صار اسمي يقترن بهذه الشخصية مثلما اقترنت شخصية"عبوسي"بحمودي الحارثي!
اما في ما يتعلق بتكرار التمثيل خلال الأدوار التي امثلها – فهذا أمر لا أنفيه واتحمل مسؤوليته وحدي!
السبب في أن أدواري متشابهة يرجع الى أني أمثل اغلب النصوص التي اكتبها للتلفزيون، في الآونة الأخيرة اختلف الامر قليلاً، حيث استطعت الى حد ما، الخروج من دائرة"الدور"الواحد – والاعمال التلفزيونية التي اشتركت فيها مؤخراً تثبت ذلك على ما اعتقد!.
* أبو فارس.. ما هي باعتقادك أهم مراحل ضعف الأعمال الكوميدية التي يقدّمها التلفزيون؟
لأول مرّة – حاول خليل الرفاعي أن يصطنع الجدية – فقال بعد لحظة تأمل:
- اعتقد أن سبب ذلك يعود الى عدم اعطاء الشخصية الكوميدية أبعادها الحقيقية، وغالباً ما تعتمد الاعمال الكوميدية التي يقدّمها التلفزيون على تفسير الممثل لا الكاتب – في حين يفترض أن الكاتب – خالق الشخصية الكوميدية – يمتلك تصوراً واضحاً لطبيعة هذه الشخصية وشكل واسلوب تعاملها مع الحدث – طبعاً اضافة الى أن موهبة الممثل المبدع تسهم بالتأكيد في اغناء هذه الشخصية الى حد كبير، إن هذه الامور تفتقدها في العديد من الأعمال.
* أخيراً أسأل خليل الرفاعي عن رأيه ببعض زملائه من نجوم الكوميديا في التلفزيون؟
- حمودي الحارثي وسليم البصري ثنائي كوميدي ناجح – ومن الضروري عدم انفصالهما عن بعض – فالجمهور اعتاد على أن يشاهد"الحاج راضي"الى جانب"عبوسي"الذي أحبه الكبار والصغار على حد سواء.
أما الفنان يوسف العاني، فله اسلوبه الكوميدي المميّز الذي يختلف عن بقية الشخصيات الكوميدية التي عرفها المشاهدون، ولقد نجح ومنذ الخمسينيات في أن يستخدم الكوميديا لنقد بعض القضايا الحسّاسة في تلك الفترة – وقد ظهر ذلك بشكل واضح في مسرحية"ست دراهم"و»فلوس الدوه"التي قدمها خلال العهد الملكي المباد.
يبقى هناك الفنان رضا الشاطئ، الذي اتمنى أن يكتب له دور يستطيع انقاذه من دور العرضحالجي، الذي ظل ملازماً له.. فهو فنان كوميدي ناجح وحرام أن يظل حبيس هذا الدور.

عن مجلة الإذاعة والتلفزيون عام 1973