نوال السعداوي..

نوال السعداوي..

فاطمة المحسن
ستتذكر الأجيال المقبلة نوال السعداوي الداعية النسائية التي استخدمت الرواية والبحث والمختبر الطبي والخطابة، في خدمة قضية المرأة. نوال السعداوي غدت اليوم رمزاً على الرغم من كل الطعون والانتقادات التي تعرضت لها حتى من قبل مناصري المرأة من العرب. ومع أن بلدها كان يشهد انتكاسات متتالية للقضية التي ناضلت من أجلها، غير أن من بين علامات ثباتها وطليعتها،

أنها لم تُصب بالإحباط ولم تهن عزيمتها التي قدت من حديد، فهي راديكالية نبذت كل الترددات التي اتسم بها خطاب المرأة العربية منذ بداية الإشهار به نهاية القرن التاسع عشر، غير أن نوال السعداوي لم تختبر نفسها سياسياً ولم تنتم الى حزب أو تستعين بجهة رسمية، ولكنها لم تغفل عن مسألة ربط المساواة بتحرر النساء اقتصادياً.

وفي كل ما كتبت خارج الموضوع النسوي كان موقفها من رفض السلام مع إسرائيل واعتبار اميركا عدو العرب الأكبر من بين أكثر المواضيع التي تعزز انتسابها الى المناخ الثقافي المصري السائد، ومع إن كل ما صرحت به لا يتعدى الطرح التبسيطي والتجريدي، غير أنه يشكّل ثابتاً من ثوابته السياسية. ولعلّ من بين التفسيرات التي تحتمل القبول أو الرفض، حول دعوات السعداوي لمحاربة الغرب الاستعماري والصهيونية، تلك التي تحسبها في باب الدفاع عن موقعها الخاص في العلاقة بينها وبين الغرب الذي تبنّى كل وجهات نظرها، وفتح إذرعه لها في محافله وجامعاته، وكانت قصصها التي تحوي بعض المبالغات والفلكلور قد أخذت على محمل الوثائق الدامغة التي تدرّس في الجامعات الغربية ويركن إليها في البحوث العلمية.
طروحات السعداوي تكون على الأرجح، موضع رفض من قبل الأغلبية التي ترى قوانين الغرب ونظمه وتوجيهاته الاجتماعية من الكبائر والخطايا، وبرنامج السعداوي المقتضب لا يتعدى تقليد المفهوم القانوني للحقوق المدنية، أي حقوق المواطنة المتساوية. ولعل اكثرية النساء سيقفن ضد برنامجها النسوي، لأن مطالبهن الحقيقية لا تتحدّد بالمساواة، بل إن هناك في مصر جمعية نسوية جديدة ومقبولة اسمها (التيسير) تدعو الى العودة الى الأعراف القديمة وبينها تعدّد الزوجات، وهي مسألة ينبغي أن تحترمها النخبة النسائية المثقفة التي لا تؤلف في البلاد نسبة يعتد بها لخوض انتخابات أو التصويت على برامج تتبناها.
لعلّ ورطة السعداوي ستتكشف لها في المستقبل القريب إن أخذت أمر حقوق اجتماعية تساير فيها دساتير الغرب وقوانينه، وهي بالحتم مرفوضة من الشعب المصري ومثقّفيه الذين تعلّموا الاعتزاز بتراثهم القومي واليساري ومفهوم الخصوصية الذي نافح عنه المصريون كقادة لدول عدم الانحياز.
يدور الإشكال في حالة السعداوي حول مأزق النسوية العربية في التحرك خارج محيطها، وتشتت مبتغاها في مطالب تبدو اكبر من أن تُحتوى اجتماعياً، فالمصريات لهن قصب السبق في الدعوة الى تحرير المرأة ليس على صعيد البلدان العربية، بل على صعيد الشرق أيضاً، ولعلّ نوال السعداوي تمثّل تلك الاستمرارية لتقاليد شبه منتهية في مصر، في الأقل على المستوى الاجتماعي. صحيح أن كاتبات مصر وناشطاتها النسويات مازلن يتمتعن بحظوة عربية ودعم رسمي داخلي مكّنهن من طبع وترويج أهم الكتب النسائية، غير أنهن غير قادرات على ردم الهوّة العميقة بين ثقافة الطبقة المستنيرة كما تسمّي نفسها، وثقافة الناس، وهذا الإشكال ما كان بهذه الحدّة في العهد الناصري، فناصر كان يتمتع بجماهيرية تجعل من كلماته بيانات ملزمة تصل الى القرى البعيدة في مصر ويتبناها الناس برحابة صدر، ومهما كانت درجة توصيف النسويات المصريات المعاصرات لتلك الفترة، ومنهن ميرفت حاتم التي سمتها"نسوية الدولة"وهو لقب يشير الى مرحلة الهيمنة، غير أنها أيام ذهبية للمرأة محتها الذاكرة الشعبية مع سبق الإصرار والتصميم.
نوال السعداوي تبقى رمزاً مهماً من رموز الثقافة النسوية العربية، وتلك القضية تجعل من خوضها الانتخابات تحمل الكثير من المفارقات، فالمرأة التي تصبح على رأس السلطة سيضطرها المنصب الى التخلي عن"نسويتها"والاتجاه الى إرضاء الرجال الذين يملكون مواقع راسخة في تلك السلطة، ولنا في تجربة انديرا غاندي ومارغريت تاتشر والكثير من الحكومات، ما يعزز هذا الرأي، فنساء الهند شهدن في عهد راجيف غاندي، تحسناً في وضعهن القانوني، بعد فترة تدهور شهدتها سلطة والدته، فامرأة قوية مثل انديرا غاندي كان عليها استخدام قوّتها في كسب معركتها السياسية، قبل أن تكسب صراع المساواة بين الجنسين.
ربما يشفع للسعداوي في الانتخابات ذلك الوصف الذي أطلقه ناقد معروف على شخصياتها الروائية بأنها (أنثى ضدّ الانوثة) والأرجح أن هذا لا يكفي في منطقتنا التي لحقت بمضادات حيوية ضد الانتخابات فكيف تلك التي تحمل امرأة الى السلطة.
عزاؤنا إن روزا لوكسمبرغ، المفكّرة اللامعة والمرأة الاستثنائية بين جنس النساء، حاصرها رفاقُها في مؤتمر الاشتراكيين حين نسبوا الأفكار والرؤى التي كانت تطرحها الى مشكلة كونها امرأة، فاضطرت الى الصراخ بوجوههم: أنا الرجل.. هنا لا أنتم!

هذا المقال سبق أن نشر في صحيفة المدى عندما رشحت نوال السعداوي نفسها لرئاسة الجمهورية