حوارٌ بشأن الأنوثة والذكورة والدين والإبداع

حوارٌ بشأن الأنوثة والذكورة والدين والإبداع

ضحى عبد الرؤوف المل
ما بين اللا مباح واللا محظور، وقفات حوارية خاصة تفتح أبواب الذهن أمام العقلانية المغلقة. واضعة"عايدة الجوهري"أمام القارئ دراسة اختزالية تميّزت بأسلوب حواري تساؤلي عن مجمل ما قدمته"نوال السعداوي"طيلة مسارها الحياتي في الدين والسياسة والجنسانية. ضمن كتاب"نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار بشأن الأنوثة والذكورة والدين والإبداع"الصادر عن"شركة المطبوعات للتوزيع والنشر"

حيث تطرقت إلى الإبداع والتمرد العقلي الواعي واللا واعي ليكون التمرد"شرط الإبداع الحقيقي الثائر"متوغلة"عايدة الجوهري"في هذا الباب لنكتشف أن الدكتورة"نوال السعداوي"لا تتفق مع فرويد في نظرية التسامي. كما"أن الإبداع ليس إفرازا هرمونياً ذكورياً أو أنثوياً، الإبداع يلغي الهرمونية بين البشر. الإبداع ينبع من الحياة الإنسانية بشتى أنواعها، الإبداع يجمع بين الأنوثة والذكورة في بوتقة واحدة". إن الهيمنة الذكورية ليست وليدة الحاضر لتكون معضلة المستقبل، بل تكونت في مجاهل التاريخ والماضي وزادت النظريات تأججها لكنها لم تستطع محوها كما لم تحدّد هويتها بالعربية فقط، فما زالت بكامل قواها في بقاع كثيرة ومنها البلاد الغربية". إلاّ أن العدل والإنسانية ينتصران ولو بعد مئات السنين"وفي كلام الدكتورة"نوال السعداوي"هذا قيمة إنسانية لكلا الجنسين المتصارعين"فثمة نساء أكثر أبويّة وطبقية من الرجال". فالكتاب هو جلسة حوارية بين الدكتورة نوال السعداوي وعايدة الجوهري والقارئ. إلاّ أن أسلوب التفكر في معطيات الذكورة والأنوثة السلبي والإيجابي لم يمح تفاصيل العطاء الإبداعي الذي تميّزت به"نوال السعداوي"في أكثر أعمالها الأدبية قبل الفكرية، كالرواية والمسرح حيث"لامست موضوعة جوهرية تتعلق بماهية المرأة في ضوء مفاهيم الذكورة والأنوثة السائدة والمكرّسة، والكتابة الإبداعية والبحثية هي إحدى وسائل النساء لاكتشاف ذواتهن ووعي قوام وجودهن وبناء هويتهن. فهل اكتشفت نوال السعداوي ذاتها؟. أم أنها ما زالت تبحث عن هويّة لها، لتحدّد شخصيتها الأنثوية القوية التي نشأت في ظل أبوية صارمة؟. هذا السؤال أثارته ضمن الحوار"عايدة الجوهري"ليعصف في ذهني وأفتش عما يروي تعطشي لاستكشف صراع الأنوثة والذكورة في ثنايا الكتاب أكثر. متوغلة في التفاصيل كي ارتوي من تساؤلات كثيرة. إلاّ أنني فوجئت بأجوبة تركتها"نوال السعداوي"بعفوية منظّمة، وبأسلوبها الفاعل والمتفاعل مع ذاتها، ومع القارئ على السواء حيث تقول: كلاهما وجهان متناقضان ومتشابهان في كثير من الأحيان. هناك أجزاء لم يتم الكشف عنها إبداعياً، في حياة النساء والرجال، أجزاء لا نملك الشجاعة للتعبير عنها، هناك رواية تعيش معي منذ الطفولة لم أكتبها بعد، أحاول في كل مرّة كتابتها من دون جدوى، تهرب من بين أصابعي مثل شعاع الضوء أوّل النهار وآخره، هل أعيش لأكتبها؟ توقفت عند هذا السؤال والشغف يملؤني لأحادثها بما يجول في نفسي بعد قراءة الكتاب، فعدت إلى قراءة الكتاب من جديد، فأحسست بعد القراءة الثانية، أن المرأة تشعر بوجودها العميق حين تتحرر من كل ما من شأنه أن يسلب منها الأمن والاستقرار"هي تحتاج إلى أن تفكر وتعقل وترغب"وبالتالي هي بحاجة إلى الإحساس بقيمتها العليا في الحياة. لأنها بحاجة"إلى الحرية الإيجابية لتحقيق ذاتها والتعبير عن فرادتها وذاتيتها"ولا أدري كيف أتوافق وأتناقض بالوقت نفسه مع فكر هذه المرأة المتمردة والمدركة في آن معاً"أن الثقة والحرية والمحبة بين الجنسين تصبح الأساس وليس العنف والاستغلال والكذب والإجبار". كما أن"عدم التساوي والظلم والعنف تؤدي إلى الصراع بين الدول وبين الجنسين، لا يمكن حل أي صراع من دون القضاء على سببه."
تتصف الدكتورة"نوال السعداوي"بأنها ثاقبة الرؤية، في ما يختص بالمرأة ومحورية وجودها في العالم العربي، وتحت عنوان مفاهيم الذكورة والأنوثة حاورتها"عايدة الجوهري". لتؤكد على أهمية تبيان الخطاب الفكري الموجّه إلى الجنسين، والذي قدمته في مؤلفات واكبتها دكتورة"عايدة الجوهري"وقدمت تحليلاً عن كل ما من شأنه أن يترك تساؤلات في فكر المتلقي، وهو هل تطرح الدكتورة"نوال السعداوي"فكرة إباحة الزواج المتعدد على المرأة أم أنها تفرض على الرجل من خلال ذلك الزواج الأحادي تيمناً بما هو مفروض على النساء؟ لبث الخوف في نفسه من تزعزع سلطته الذكورية، فتسأل عايدة الجوهري وتقول:"ألا تعتقد، الآن وهنا، أن الخطاب النسوي لم يحسن دوماً مخاطبة الرجل، وأنه أدّى أحياناً إلى تخويفه"؟.
ترصد دكتورة"عايدة الجوهري"في الكتاب الأفكار المتعلقة بالأنوثة والذكورة والدين والإبداع. واصفة"نوال السعداوي"بالمحطة الفارقة في تاريخ الخطاب الفكري العربي وفي الخطاب النسوي خصوصاً، كاشفة عن جرأة لم تكتمل صياغتها بقوة نقدية في حوارات حملت أسلوباً بحثياً متعاطفاً مع الدكتورة"نوال السعداوي"إلاّ أنها لامست تساؤلات القارئ المعارض والموالي أو بالأحرى المنسجم مع أفكارها والرافض لها، مما يخلق نوعاً من الاستمتاع في قراءة الكتاب ومحتواه الفكري والمتكلم"بنبرة المرأة العربية المجروحة والثائرة، كشفت نظيرة تناقضات المجتمع وازدواجياته وتصوراته الخاصة. وطالبت بالمساواة في الفرص بين الجنسين، وبالمساواة في النظرة إليهما"إلاّ إنني أحسست بحاجة إلى الكلام معها مباشرة، فكان حواري معها كجزء يسهم في ترسيخ الأفكار التي نالت قبولاً من ذائقتي، ومن أفكار ربما بيني وبين نفسي أرفضها، ولكن استطاعت التسلل إليها"نوال السعداوي"والاطلاع عليها، وكأنها عايشتها واستنتجت ما قالته من خبرة حياة امرأة مناضلة ومفكرة، فهي نفت أن تكون المرأة مازوشية بطبيعتها كما ادّعى فرويد"كما أن حب المعرفة عندها لا يرتوي، فكتاباتها وقراءاتها"هي بحث مستمر عن المعرفة والإدراك والوعي، وكشف الحجاب عن اللا وعي والمخبوء والمكبوت وغير المنطوق."
- هل من جوهر فكرة تحملها الدكتورة نوال السعداوي ولم تكتب عنها بعد؟
هناك الكثير من الأفكار تجول في رأسي لم أكتب عنها بعد، منها فكرة الإيمان الديني وعلاقتها بالقهر الجنسي والاقتصادي، كتبت عنها جزئياً، لكني سوف أتناولها بعمق أكثر تاريخياً ونفسياً.
- ماذا تقول نوال السعداوي للقارئ العادي عن نفسها؟
لا أقسم الناس إلى قرّاء عاديين أو متميزين أو عباقرة، لا يوجد فاصل بين القارئ والكاتب أو القارئة والكاتبة، يدور بيني وبين القرّاء والقارئات حوارٌ على قدم المساواة أن أستفيد منهم كما يستفيدون مني.
- الذكورة.. الأنوثة.. الجنس.. التابو.. مفردات هي من عناصر الحياة منذ الأزل ما الجديد في هذا؟.. ولماذا يتم طرح هذه المفردات بشكل هستيري عند البعض؟
نعم الذكورة والأنوثة جزءٌ من الحياة الطبيعية لكنهما يطرحان للنقاش والجدل والنقد لأن مفاهيمهما شوّهت وانقلبت واستخدمت من قبل النظم السياسية الطبقية الأبوية بتكوّن وسائل للربح التجاري والإثارة الجنسية والإعلامية كسباً للمال.
- تطرحين فلسفة يصعب فهمها وقد يستغلها البعض لتشويه صورتك الأدبية، كيف تعالجين ذلك؟
تشويه صورتي الأدبية لا يرجع إلى فلسفتي التي يصعب فهمها على حد قولك، لأن فلسفتي بسيطة يفهمها الأطفال، وهي الصدق والتلقائية وأن يكون الإنسان نفسه، والإنسانة تكون نفسها.
- المرأة ثم المرأة ثم المرأة، من يقرأ مؤلفاتك وبخاصة الروايات، يدرك أن للمرأة صفة تكونية تجعلها الأساس أو النطفة الأساسية لبداية الحياة، أليس الرجل كذلك؟
كتبت عن المرأة والرجل أيضاً، كلاهما بداية الحياة لم يلد آدم حواء من ضلعه بل هي التي ولدته من رحمها.
- في رواياتك لمست خوفاً على المرأة وقساوة على الرجل، فهل تحاولين توجيهها نحو نفسها أم أنك تحاربين الرجل؟
لا أخاف على المرأة ولا أحارب الرجل، ولكني أكشف عن ازدواجية الأنظمة والدينية وضعف منطقها واستبدادها.
- امرأتان في امرأة، رواية استوقفتني جداً وقرأتها أكثر من مرّة، وهي تحمل حقيقة يصعب على المرأة البوح بها، متى تلد المرأة نفسها؟
روايتي امرأتان في امرأة تحمل حقائق لا يصعب البوح بها، وهي تكشف ازدواجية المرأة في ظل نظام مزدوج، فالإنسان والإنسانة لا يمكن أن يتسق مع نفسه السوية الطبيعية المتحدة تحت حكم مستبد مستغل يفرض التقسيم والفرقة على مستوى الفرد والجماعة، المرأة لا تلد نفسها إلا بالمعنى الرمزي.