هل كان الأمير عبد الإله يعلمُ بتنظيم الضبّاط الأحرار؟

هل كان الأمير عبد الإله يعلمُ بتنظيم الضبّاط الأحرار؟

صلاح خلف الغريري
تعرّض تنظيم الضبّاط الأحرار لظروف كادت تكشفه أمام السلطة وتؤدي به الى الانهيار. وكانت المحاولة الأولى: اجتماع الكاظمية عام 1956، والثانية كانت حادثة نعمان ماهر الكنعاني في عام 1957، والثالثة فقد كانت حادثة المنصة عام 1957. ففي خريف عام 1957 قامت الفرقة الأولى في الحبانية، بمناورات عسكرية حضرها الملك فيصل الثاني والأمير عبد الإله،

وكانا يشاهدانها على منصة مرتفعة، فسقطت قنبلة على مقربة من المنصّة التي يقفان عليها، فغضب قائد الفرقة وعدّ الحادث مدبّراً يستهدف المسؤولين وإفشال التمرين، فطالب بإجراء تحقيق لمعرفة أسباب الحادث، وبالفعل تم التحقيق، ولكنه لم يتوصل الى شيء، لأن الضبّاط الأحرار كانوا يشرفون عليه.
فضلاً عن هذه المحاولات التي كادت أن تكشف تنظيم الضبّاط الأحرار، كانت هناك تحذيرات وصلت الى البلاط الملكي كادت أن تكشف التنظيم أيضاً، إذ بيّنت أن هناك تنظيماً في الجيش يسعى الى قلب نظام الحكم، لكنّ هذه التحذيرات لم تأخذ على محمل الجد من جانب البلاط الملكي ورجالاته.
وكان من جملة هذه التحذيرات ما نقله بهجت العطية، مدير الأمن العام من معلومات الى الأمير عبد الإله، إذ كانت تصل لدى بهجت العطية مجموعة من التقارير تتناول تحركات ضبّاط الجيش فيرفعها الى الوصي عبد الإله الذي كان ينقلها بدوره الى رئيس أركان الجيش رفيق عارف، الذي يعمل على تكذيبها ويتهم بهجت العطية بالتجسّس والدس على الجيش. إلا أن العطية تلقّى في أوائل حزيران عام 1958 معلومات موثّقة عن خطة يديرها الضبّاط الأحرار مقرونة بتفاصيل عن أسمائهم، لكنه لم يقدمها للوصي وإنّما قدمها الى وزير الداخلية سعيد قزاز، الذي أوصلها الى الوصي، فأثار ذلك غضبه فقام باستدعاء العطية الى القصر ومنعه من التدخل بشؤون الجيش.
ويذكر توفيق السويدي في مذكّراته، أن بهجت العطية قدّم تقريراً الى رئيس الوزراء آنذاك احمد مختار بابان، قبل ثلاثة أو أربعة أيام من قيام الثورة يتضمن أسماء بعض الضبّاط الذين يخطّطون للقيام بانقلاب عسكري في هذه الأيام. فقدّم وزير الداخلية هذا التقرير الى رئيس أركان الجيش رفيق عارف، الذي كعادته كذّب هذا التقرير ولم يصدقه، غير أن كل ما ورد عن توفر معلومات لدى مدير الأمن العام بهجت العطية عن خطط الضبّاط الأحرار وأسمائهم وتحركاتهم وعن موقف رئيس أركان الجيش من هذه المعلومات فيه كثير من الشك، ومما يؤيّد ذلك هما الكتابان اللذان نشرهما جعفر عباس حميدي، إذ كان الكتاب الأول مرسلاً من قبل الاستخبارات العسكرية الى مديرية الأمن العامة في (5/ 7/ 1958)، والثاني جواباً من مديرية الأمن العامة الذي طبع في (13/ 7/ 1958) أي قبل الثورة بيوم واحد، ولكنه لم يوقّع ولم يرسل بسبب قيام الثورة. ومن قراءة هذين الكتابين يمكن الاستنتاج أن الاستخبارات العسكرية ومديرية الأمن العامة ومديرها بهجت العطية لم تتوفر لديهم معلومات دقيقة عن الثورة وعن قادتها من الضبّاط الأحرار، وكذلك أن ما يؤيّد الشك أيضاً، هو أن الوصي لا يمكن أن يرفض معلومات مقدّمة من مدير الأمن العام ومن مديرية الاستخبارات العسكرية، ولا سيّما وأنه قد جنّد مختلف الأشخاص من مدنيين وعسكريين للتجسّس على ضبّاط الجيش.
وهكذا، فإذا كان هناك شك في التحذيرات الداخلية التي وصلت الى الوصي والملك فيصل الثاني، فإن التحذيرات الخارجية التي وصلت إليهما ربما تكون خالية من ذلك، وكان من أوائل هذه التحذيرات هو اتصال الملك حسين ملك المملكة الأردنية بالملك فيصل وأخبره بأنه حصل على معلومات من أحد الأشخاص الذين تم اعتقالهم بتهمة التآمر على النظام في المملكة الأردنية، تفيد بأن هناك جماعة في الجيش العراقي تعمل للإطاحة بالنظام الملكي العراقي، وطلب الملك حسين من الملك فيصل، أن يرسل له أحد الأشخاص المهمين والذين يثق بهم الى الأردن، لكي يطلعه على تفاصيل الخطة، فأرسل له الملك فيصل الثاني في يوم 11 تموز 1958 الفريق الركن رفيق عارف رئيس أركان الجيش، فقام الملك حسين بإطلاع رفيق عارف عن المعلومات غير أنه لم يكترث وبيّن أن الجيش العراقي جيش قائم على أسس متينة وأنه أفضل جيش في الشرق الأوسط.
فضلاً عن هذا التحذير، كان هناك تحذير خارجي آخر قام به نذير فنصة، وهو سوري الجنسية ويعمل موظفاً في الحكومة الإيرانية، إذ يذكر أنه في تموز عام 1958 وقبل أسبوع من سقوط النظام الملكي في العراق، تم استدعاؤه من قبل رئيس المخابرات الإيرانية (السافاك) الجنرال تيمور بختيار، وطلب منه أن يسافر الى استانبول ويلتقي بالأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق الذي كان يقضي عطلته هناك ويطلب منه أن يرسل الى الملك فيصل الثاني ويدعوه الى الحضور الى استانبول وعدم العودة الى بغداد، لأن هناك المعلومات كانت قد توفرت لدى المخابرات الإيرانية تفيد بأن انقلاباً سوف يحدث في العراق، فالتقى نذير فنصة بالأمير عبد الإله، وأخبره برسالة رئيس المخابرات الإيرانية، لكن الأمير عبد الإله كان متصلباً في موقفه، وأخبره بأن الإيرانيين يجب أن يعتنوا بشؤونهم ولا يتدخلوا في شؤون العراق.
ومن هذا كله يمكن الاستنتاج بأن الأمير عبد الإله كانت تصله معلومات وتقارير من مصادر داخلية كمديرية الاستخبارات العسكرية ومدير الأمن العام بهجت العطية أو من مصادر خارجية كالمخابرات الإيرانية أو الملك حسين، ولكن جميع هذه المعلومات كانت غير دقيقة ومشوشة ولا توفر دليلاً مادياً تمكّن عبد الإله من الاعتماد عليه في القضاء على الضبّاط الأحرار كما فعل مع قادة الثورة العراقية عام 1941 عندما أعدمهم جميعاً دون أي تردد.
كذلك أن الأمير عبد الإله، اعتمد في معالجة التقارير التي تصله على رئيس أركان الجيش رفيق عارف وعلى رئيس الوزراء نوري سعيد اللذين خذلاه لأنهما كانا يظنان بأنهما يسيطران على الجيش بصورة كليّة، وأن الضبّاط من صغار الرتب لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً.
ويمكن استنتاج شيء مهم آخر، هو أن الأمير عبد الإله كان يظن أنه لو كان هناك تنظيم في الجيش يستهدف الإطاحة بالحكم، لكانت أخبرته بذلك حليفته السياسية بريطانيا ومخابراتها، فهي في نظره أفضل من المخابرات العراقية والإيرانية، ولو أن هناك شيئاً من هذا القبيل لأخبرته به، لكن بريطانيا لم تفعل ذلك لأنها ربما لم تكن تعلم بتلك الحركة، كما ذكر مؤيد إبراهيم الونداوي، إذ ذكر (أن بريطانيا تفاجأت بإعلان الثورة، فسارع السفير البريطاني الى الإبراق الى حكومته في الساعة 7.30 من صباح 14 تموز لإعلامها بوقوع الثورة).

عن رسالة (دور ضباط الجيش
في التطورات السياسية في العراق)