الملاح والشعر الشعبي الموصلي

الملاح والشعر الشعبي الموصلي

د. ابراهيم خليل العلاف
وانا اعود للاهتمام بالشعرالذي كتب باللهجة العامية الموصلية، وجدت من المهم ان انوه بما فعله صديقي الاستاذ سعد سعيد الديوه جي قبل خمس سنوات، حينما قام بإعادة طبع وتحرير وشرح ديوان (ابو العتيق) للاستاذ عبد الغني الملاح (رحمة الله عليه)،

والذي كتبت عنه قبل ايام مقالا واحتفيت به في صفحتي هذه واشرت الى جهود ابنتيه الكريمتين الاستاذة سمار والاستاذة نوار وتعاونهما معي في اعداد مواد الاحتفاء بالكانب والشاعر الموصلي السياسي والاديب والمفكر الاستاذ عبد الغني الملاح.
وانا بيدي النسخة التي أهداها لي اخي الاستاذ سعد سعيد الديوه جي يوم 1-4-2012
، والتي طبعها ضمن منشوراته، مركز دراسات الموصل في جامعة الموصل.وقدم لها مدير المركز الاستاذ الدكتور ذنون يونس الطائي.
ديوان (ابو العتيق) طبع اربع مرات ونفذ طبع في المرة الاولى سنة 1948 والمرة الثانية سنة 1952 وطبع في سنة 1952 مرة اخرى. أما الطبعة الثالثة فكانت في سنة 1953 وعليه تكون طبعة مركز دراسات الموصل في جامعة الموصل سنة 2012 هي الطبعة الرابعة.. ومن خلاله تمكن الاستاذ عبد الغني الملاح من الامساك بتلابيب مفردات الحياة الاجتماعية في مدينة الموصل عبر تأكيده على (المفردة) الموصلية) بلكنتها المعروفة واللهجة التي لما تزل سائدة.
لقد نجح الملاح حقا في اختيار عناصر شخوصه وموضوعاته المعبرة عن ديمومة وحيوية المجتمع الموصلي وللاسف الجيل الجديد لم يعد مهتما بما نتحدث عنه ومحاولة الاستاذ سعد سعيد الديوه جي مفيدة ونافعة حقا عندما قام بشرح وايضاح معاني تلك الابيات وقربها للمتلقي الجديد بعد اكثر من خمسين سنة على كتابتها.
قال الاستاذ عبد الغني الملاح في الطبعة الاولى من كتاب (ابو العتيق) والتي صدرت سنة 1948 :”اقدم لكم مجموعة من الصور فإن اعجبتكم فهي صوركم وإن اضحكتكم فهي صوركم وإن اغاضتكم فهي صوركم...حملت بيدي مرآة وجئت من هنا وذهبت من هناك فإنعكست لي ولكم هذه النماذج الشعبية بوضوح”.
في الطبعة الثانية والتي صدرت سنة 1952 قال ان الطبعة الاولى نفذت مما جعلني اعيد الطبع والسبب هو استمرار الطلب الشديد على الكتاب.
الكتاب او الديوان يتحدث عن صور اجتماعية، صارت جزءا من التراث ولهجة الموصل العامية، ويسميها هو لغة قد بدأت تفقد بعض صورها بفعل الزمن، وتطور المجتمع.طبيعي الكتابة باللهجة العامة لاينتقص من الفصحى ابدا لان اصل العامية فصيح.
العتيق في اللغة العربية تعني القديم، وابو العتيق هو الشخص الذي كان يتاجر بالاشياء القديمة، وبخاصة الثياب والاحذية فيشتريها من ربات البيوت من خلال استبدالها بالمواد المنزلية من قبيل الاكواب والفناجين والصحون الزجاجية والتي يحملها معه بواسطة ما كان يعرف بالزنبيل وهذه المهنة احتكرها يهود الموصل قبل 1948 اي قبل رحيلهم الى فلسطين.
و (ابو العتيق) للاستاذ عبد الغني الملاح ليست الا مسرحية شعرية مكونة من فصل واحد يتضمن عرضا لموقف طريف لابي العتيق من جهة، وربة بيت وابنتها (خيرية هكذا اسمها) من جهة اخرى وربة البيت تسام هذا ابو العتيق على اشياء عتيقة لديها تريد بيعها او استبدالها بينما هو يبدي تعندا امام موقفها وهي تتمادى بالتباهي بما لاتملك حتى يأتي ولدها على حين غفلة فيحاول طرد هذا البائع اليهودي.
هو : فرفوري عندي بالعتق....ابغ ابدل بالعتق
هي : خيرية طلعيلو الخوق
غوينو بنطور اخوكي..او بابوجي او فيسو لبوكي
خيرية : لكن لي عش افلوس...دشتغيلي عرق السوس
هي : وركي المه من الشمس...وابوكي ما يعطي فلس
بعت النخالي بالدين...واجمعه فلسين فلسين
وكمل حق الحمام...طية عبي للقيام
خيرية : ابو العتيق ابو العتيق.... ايهودي يا ابو اعتيق
هو : من عي يصيح وبأي بيت
خيرية : تعال
هي : انفجعت وانكفيت
نسي كم مرة اشتغا...او عطاني فلوس مزنجغة
وتمضي المسرحية الى نهايتها بالقول :
هي : هل امتوبع هل مشلفط...غزاني بهاذي جيتو
شعل قلبي هل مشعوط...من جتو تيبعه وشكتو
وفي الديوان قصيدة اخرى هي (جغاش البرغل) وهي ايضا مسرحية شعرية من فصل واحد جاء فيها :
هو : جغاش البرغل انا.اجغش ببيوت البكات
هي : جغاش..تجغشلنا...عندي خمس وزنات
هو : حاضغ اختي ممنون
هي : دنطم قلي خاتون
وهناك قصيدة (الحمي تتكلم) وهي قصيدة جميلة يقول فيها :
بالله اسمعوني يا بنات....طقيت واشتقت الممات
كله من درد السلفات
وهناك قصيدة (يامارين السجن) وفيها يقول :
يا مارين السجن بأمر السجان...ماني بخطر قتال غير الاشجان
يامارين السجن مروا على الولها....ينثر علينا الهوى من زهرة البستان
اما قصيدة (جطي) وجطي يعني اقفزي يقول فيها :
حرت في مشي فتاة
طولها قامة زطي
كل ما فيها رموز
ولغوز مثل خطي
راسها بطيخة وال
كرش منفوخ بفرط
وثمة قصيدة اخرة بعنوان (رقاعة) والرقاعة هي خفة العقل يقول فيها :
عندي حبيب بلندن...ولست احوي إذاعه
حتى ابث شجوني... اليه في كل ساعه
وبعد ان ضاع مني...وما اردت ضياعه
رأيت رأيا سديدا...ان الرام رقاعه
وهناك قصيدة : (حمام علي) ويقول فيها :
حمام العلي»
صاح القطار قومي أنزلي
أوصلنا كوي حمام علي
* * *
دادا اش دعمل عمل
ازهابي ما يشيلو جمل
كل شي عندي كن كمل
والدهن يملي مزبلي
* * *
دعزم انا كل الخلق
متونسي من ضيق الخلق
كل من يغشعني ينشلق
انا مسعودي امفنجلي
* * *
لما أغوح عل حمام
أيهلهلولي القيام
اسبح واذا اشويه انام
اقعد الدولمة تنغلي
* * *
اشلح واقعد على معين
اضوي كل القعيدين
كنيني من حور العين
وجسمي فضة مكعكلي)
واخيرا في الديوان -الكتاب قصيدة بعنوان : (تاريخ ندوة) والندوة تعني في الموصل المجلس الادبي وفيها يقول :
شاعرنا عيني اش جبار...يحكي بلسين النسوه
لما يروي لك اخبار...والموجودين بنجوه
كل ويحج منهم عل نار...يبغدلو ويطلب فروه
حتى نسكت هل بيعار...يسأل بعض الاخوه
غني لي يازين الجار...ليلتنا هذي حلوه
غني لي بعض الاشعار...واترك فؤادي يتشوه
قمرنا ساهر محتار...والليل يسكب ضوه
والنسمه احلى الافكار...تروى عن غيرة حوه
لما هبت والاسرار...لاحت كنيها جذوه
خاطبت طير الازهار...والازهار في خلوه
ارخ : وارقص للاشجار...(...) دف الندوة
في هذه القصيدة يعرض بشاعر حضر ندوة او مجلسا ثقافيا اجتماعيا فأكثر من المبالغات.وبلسانين اي انه منافق وبنجوه اي ان الحضور في حالة انتعاش وليس لديهم استعداد لسماع رقاعات هذا الشاعر وكلمة ويحد اي واحد.
احاول ان لا اقدم لكم شرحا للكلمات واعتمد على ذكاء وخبرة من يقرأ هذه القصائد الجميلة وكم نحن اليوم ونحن نعمل من اجل نهوض الموصل واعادة الثقة الى من فقد الثقة بعراقة واصالة هذه المدينة ان نعيد الى الاذهان كل شيء جميل واصيل فيها.رحم الله استاذنا الاستاذ عبد الغني الملاح (توفي سنة 2001 وهو من مواليد الموصل 1920) وبارك اله بالاخ المهندس الاستاذ سعد سعيد الديوه جي