فيصل السامر.. درس في كلية الملك فيصل الأول وأسس وكالة الأنباء العراقية والفرقة السمفونية

فيصل السامر.. درس في كلية الملك فيصل الأول وأسس وكالة الأنباء العراقية والفرقة السمفونية

ولدَ فيصل جري مري السامر في مدينة البصرة عام 1925 وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها لينتقل الى كلية الملك فيصل الاول التي تأسست في مدينة الاعظمية ببغداد للطلبة المتفوقين واجتازها بتفوق أيضا، ثم سافر الى مصر وحصل على الدكتوراه في التاريخ الحديث العام 1935... عين مدرسا في دار المعلمين العالية (كلية التربية)

وبعد عام واحد فصل من الوظيفة لمواقفه المناوئة لحلف بغداد، والحق في دورة الضباط الاحتياط العاشرة التي خصصت للمفصولين السياسيين العام 1955، بعد تسريحه اضطر للسفر إلى الكويت للتدريس في معاهدها التعليمية أوائل عام 1958.

نشاطه السياسي
شارك السامر في النشاطات السياسية، وكان ليبراليا يساريا ولم يتحزب يوما وكان ضد النظام الملكي فاتهموه بالشيوعية لأنهم لا يميزون بين اليسارية والشيوعية، وفي العام 1954 أعلن تأييده للجبهة الوطنية الانتخابية ورشح عن الديمقراطيين فيها وتعاون بشكل كبير مع الحزب الوطني الديمقراطي، برئاسة كامل الجادرجي، وفي العام 1955 فصل من الوظيفة، ومنذ وقت مبكر نشط في حركة المعلمين والدعوة لتأسيس نقابة خاصة بالمعلمين والتي تأسست بعد ثورة 14 تموز 1958 وأصبح أول رئيس للمعلمين، وفي 17 تموز 1959 أجرى الزعيم عبد الكريم قاسم تعديلا وزاريا على وزارته بإدخال وزراء ذوي توجه ديمقراطي تقدمي، وهم : فيصل السامر - وزيرا للإرشاد، وعوني يوسف - وزيرا للأشغال والإسكان، وعبد اللطيف الشواف - وزيرا للتجارة، ونزيهة الدليمي - وزيرة للبلديات، وفي عهد فيصل السامر، تطورت وزارة الإرشاد، وتوسعت فقد أنشأ الوزير السامر وكالة الأنباء العراقية (واع)، كما تم تأسيس الفرقة السيمفونية العراقية، وفي أيار العام 1961 استقال السامر من الوزارة فعين وزيرا مفوضا للعراق في اندونيسيا وماليزيا على التوالي... زلما عاد فيصل السامر ليعين مدرسا في كلية التربية بجامعة بغداد، كان علميا وموضوعيا لدرجة أن الدكتور حسين محفوظ قال: كان الدكتور فيصل السامر احد أعضاء لجنة مناقشة طالب دكتوراه في التاريخ، وهذا الطالب من أعضاء حزب السلطة، وقد أبلغت لجنة المناقشة رسميا، بمنح هذا الطالب درجة الامتياز، إلا أن الدكتور السامر رفض منح الطالب تلك الدرجة لعدم استحقاق هذا الطالب لها، ومنذ بدء مضايقة النظام السابق للشيوعيين والديمقراطيين ثانية منذ أواسط السبعينيات جرى التشديد على الدكتور السامر ومصادرة مؤلفاته من السوق لاسيما كتاب (ثورة الزنج) متهمين إياه بالشيوعية!! وعندما بدأت الدعوة لإعادة كتابة التاريخ والتي رصد لها صدام ملايين الدولارات وسخر لها كل الإمكانيات رفض السامر بشدة إعادة كتابة التاريخ، وقال بشكل علني: «في كل العهود وعبر التاريخ يلغي الحكام تاريخ من سبقهم وينسبون انجازات الغير إليهم، لذا التاريخ مشوش ولم يعجب كلام السامر هذا خير الله طلفاح خال صدام، والذي كان يعد نفسه مؤرخا ليخرج عبر شاشة تلفزيون بغداد معلنا: (انا لا اتفق مع رأي السامر)!!

المهمات التربوية والتعليمية
يعتقد الدكتور السامر بأهمية التربية والتعليم في العراق في عملية البناء فالتربية عمل معقد ومهمتها إزاء المواهب التي منحتها الطبيعة للطفل وتهيئته للحياة الاجتماعية، وهي تعمل على تزويده بما يمكن من تراث الماضي وعلى توجيه عقله نحو المستقبل وكل ما فيه من جديد وتعمل التربية ايضا على ان يحب الطالب الحياة الروحية له، لكنها تعلمه في نفس الوقت تقدير عبقرية الاقوام الاخرى وتنمي فيه الطموح الى حضارة عالية انسانية يسهم فيها جميع الشعوب كلا حسب قابليته... وطبيعيا فان كل شعب يتبنى نظاما تربويا يعكس تاريخه وبناءه الاجتماعي ومطامحه وآماله في المستقبل... هذه هي التربية بمفهومها الحديث، وهي فوق كل ذلك تهدف الى تدريب نخبة في الادارة والجيش والصناعة والتجارة والزراعة وجميع مجالات النشاط الاجتماعي لتولي المراكز ذات المسؤولية... وطبيعيا ان التربية الديمقراطية تهدف الى اختيار النخبة من جميع ابناء الشعب دون تمييز... وفي سبيل سياسة تعليمية جديدة يجب ان نلاحظ ان الهدف الاول لبلدنا هو محو الامية لكي يتاح لكل مواطن ان يتمتع بنعمة التعليم ويستطيع في الاقل ان يقرأ ويكتب ليسهم بنصيب في الامور العامة التي تقرر مصيره، ويجب ان تسير هذه العملية مع العملية التعليمية ونسير قدما في عملية توسيع التعليم الثانوي والجامعي، بحيث يجب ان تكون خطتنا تحرير الصبي من حاجات المعيشة المادية ليتعلم تعليما ابتدائيا فثانويا فجامعيا... وهذا ليس آخر المطاف في خدمة التعليم التي نطمح اليها في المدى البعيد ان التعليم يجب ان يكون مجانيا في جميع مراحله الى جانب اعطاء فرصة التعليم بجميع مراحله لجميع الراغبين وذلك عن طريق تاسيس المدارس والمعاهد الكافية، وتهيئة المدرسين الأكفاء ومنح الإعانات المالية للفقراء المعدومين الذين لا تمكنهم ظروفهم المعيشية القاسية من اكمال دراستهم..

المبادئ.. ثروته في الحياة والوفاء
تقول د. سوسن ابنة الدكتور فيصل السامر: «بسبب مبادئه كان طريقه محفوفا بالمخاطر، فقد رشح والدي عدة مرات لمنصب عميد كلية الاداب كذلك رئيسا لجامعة بغداد، الا انه اعتذر واثر التفرغ العلمي والإشراف على طلبة الدراسات العليا.. لم تكن الطموحات المادية او الوظيفية تشكل هما له، بل كان يطمح لفعل كل ما يستطيعه لخدمة بلده وعائلته فقط»، وتضيف د. سوسن السامر «انه مثالي بكل المقاييس وبكل معنى الكلمة ربما تكون الثروة الوحيدة التي تركها السامر لاولاده هي المبادئ فعندما اصبح سفيرا مثلا كان يسد النقص في المصاريف والأثاث من حسابه الخاص تاركا كل شيء للسفارة بعد ان تنتهي مدة سفارته وحسابه بالبنك بعد وفاته لم يتعد العشرة دنانير».. وتضيف ابنته بحسرة وسخرية «تعلمون ان طريق المبادئ محفوف بالمخاطر لقد تعرضنا للكثير من الضغوط خلال حكم النظام السابق، الذي لم يتقبل كلمة ان والدي «مستقل» والغريب أن الناس يصفون المبدئي بالمتعصب والمتعنت وغيرها من المسميات، وهذا ما قاله الناس عن والدي، عندما تخلى من كل المغريات في بلاد الغربة، حيث كان استاذا في جامعة براغ بتشيكوسلوفاكيا ويتسلم راتب وزير، لكنه اصر على العودة للوطن فعانى الكثير في بلده حتى تحولت معاناته الى مرض نهاية المطاف، وبعد صراع مع المرض توفي فيصل السامر في الثاني عشر من كانون الاول العام 1982 في لندن.