الدكتور فيصل السامر 1925-1982  ودوره الفاعل في تطوير المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة

الدكتور فيصل السامر 1925-1982 ودوره الفاعل في تطوير المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة

د. ابراهيم خليل العلاف
مؤرخ، ومرب عراقي، أستاذ جامعي، وسياسي، وباحث متميز، كان له، رحمه الله، حضوراً متميزاً على الساحة الثقافية العراقية المعاصرة.كما كان لاسهاماته في مجال تطوير الدرس والفكر التاريخيين في العراق منذ الخمسينات من القرن الماضي اثر كبير في رفعة شأن المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة، عرفته عن كثب حينما كان أستاذاً ورئيساً لقسم التاريخ بكلية الآداب / جامعة بغداد

مطلع السبعينات من القرن العشرين.. وقد حظي بحب طلبته وزملائه، فكان بحق عَلَماً من أعلام العراق المعاصر، وصاحب منهج واضح في كتابة التاريخ، تتلمذت على يديه أجيال كثيرة، وتعلمت منه الصدق، والتسامح، والمحببة، والتواضع، والبساطة،وحب فعل الخير مع من يستحق ومن لا يستحق.. أتذكر بأنني كتبت عرضاً لكتابه الموسوم:
“الأصول التاريخية للحضارة العربية الاسلامية في الشرق الأقصى"والذي صدر في أواخر سنة 1977 في جريدة الجمهورية (9 كانون الأول 1977)، وعندما قرأه حرص على تقديم الشكر لي، وحثني على مواصلة هذا النهج في الكتابة واتفق معه حينذاك أستاذي الآخر المرحوم الدكتور عبد القادر أحمد اليوسف.
ولد الدكتور فيصل جرئ السامر في البصرة سنة 1925، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها، وعندما أحرز درجات عالية في امتحان (البكالوريا) قبل في كلية الملك فيصل ببغداد،وكانت آنذاك (مدرسة ثانوية خاصة للمتفوقين والموهوبين) وبعد تخرجه أوفد إلى مصر فانتسب إلى كلية الآداب بجامعة القاهرة وحصل منها على شهادتي (الليسانس) و (الماجستير) وكانت رسالته للماجستير بعنوان"حركة الزنج"وقد طبعت أكثر من مرة أولها ببغداد سنة 1954 وآخرها ببيروت سنة 1971. (وتوالت الطبعات) وفي سنة 1953أكمل الدكتوراه من الجامعة ذاتها وكانت رسالته بعنوان :"الدولة الحمدانية في الموصل وحلب"، وقـد طبعت مرتين الأولى في بغـداد سنة 1953 والثانيـة في القاهرة سنة 1970. ويقع الكتاب في جزأين
عمل الدكتور فيصل السامر بعد حصوله على الليسانس والماجستير مدرساً في دار المعلمين الابتدائية، وفي ثانوية البصرة، ثم انتقل ليصبح مدرساً لمادة التاريخ الاسلامي في دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) ببغداد.
اتجه إلى العمل السياسي وكان يسارياً وتقدمياً في تفكيره وتوجهه،وليس ثمة دلائل على انتماءه إلى الحـزب الشيوعي، كما أشيـع لكن مواقفـه المناوئة للحكـم الملكي ولارتباطات قادة العراق آنذاك ومنهم نوري السعيد بالغرب ومشاريعه كحلف بغداد أدّت إلى أن يفصل من الخدمة الحكومية مع عدد من زملائه ولم يكتفِ النظام السياسي السائد آنذاك بفصلـه بل ألحقه وزملائه بالخدمـة العسكرية الالزامية وأدخـل دورة ضباط الاحتياط العاشرة التي خصصت للمفصولين سنة 1955، وبعد تسريحه اضطر للسفر إلى الكويت وقام هناك بالتدريس في بعض معاهدها التعليمية ولم يعد إلى العراق إلاّ بعد انفجار ثورة 14 تموز 1958 التي قام بها الضباط الأحرار بمؤازرة الأحزاب السياسية تحت راية ما كان يسمى بـ (جبهة الاتحاد الوطني) التي تأسست سنة 1957، وقد أصبح الدكتور السامر، رحمه الله، من رجالات (العهد الجديد) فتسنم مناصب عديدة منها (مدير التعليم العام) في وزارة التربية (المعـارف)، وفي سنة 1959 اختاره الزعيم (العميد) الركن عبد الكريم قاسم القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء وزيراً للارشاد (الاعلام).. وعندما يذكر السامر، يتذكر الناس في العراق دوره في إنشاء وكالة الأنباء العراقية، ودوره في تأسيس نقابة للمعلمين، وقد أصبح أول رئيس لهذه النقابة. وبعد سقوط النظام القاسمي يوم 8 شباط 1963 ترك السامر العراق وذهب إلى (جيكوسلوفاكيا) السابقة حيث عمل أستاذاً في أكاديمية العلوم في براغ وبعدها عيّن سفيراً للعراق في اندونوسيا. وفي تموز 1968 عاد إلى العراق والتحق بأعضاء هيئة التدريس بكلية التربية، ثم أعيد إلى قسم التاريخ بكلية الآداب ليعمل أستاذاً، وقد انتخبه زملاؤه رئيساً للقسم، وبقي كذلك سنوات، ثم تفرغ للبحث العلمي والتدريس والاشراف على طلبة الدراسات العليا.
ليـس من السهولة إحصاء ما كتبه وترجمه وحققـه السامر من كتب ودراسات وبحوث باللغتين العربية والانكليزية، فانتاجه العلمي كبير، شكلاً ومضموناً، لكن التوثيق يقتضي منّا أن نشير إلى أن من اصدارات السامر كتاب نشر سنة 1948 بعنوان :"صـوت التاريخ". وضـمَّ الكتاب موضوعـات عن أثينـا والديموقراطية، والاسلام، والحركة البروتستانتية، والثورة الفرنسية. وفضلاً عن رسالتيه للماجستير
ثورة الزنج) وللدكتوراه (الدولة الحمدانية في الموصل وحلب)، له من الكتب)
(الأصول التاريخية للحضارة العربية الاسلامية في الشرق الأقصى (بغداد، 1977
(العرب والحضارة العربية (بغداد، 1977
(ابن الأثير (بغداد، 1983
ومن بحوثه المنشورة:
(موقفنا من المدنية الغربية (الكويت، 1959
(السفارات العربية إلى الصين في العصور الوسطى الإسلامية (بغداد،1971
(ملاحظات في الأوزان والمكاييل وأهميتها (بغداد، 1971
(التسامح الديني والعنصري في التاريخ العربي الاسلامي (بغداد، 1972
(الفكر العربي في مواجهة الفكر الغربي (بغداد، 1972
(حركة التجديد الديني والعلماني في اندونسيا (بغداد، 1972
(خواطر وذكريات عن طه حسين (بغداد، 1974
(الأهمية الاجتماعية والاقتصادية للمكاييل والأوزان الاسلامية (باريس،1975
(جوانب جديدة من حياة الملك فيصل الأول (باريس، 1976
(اليهود العراقيون، لمحات تاريخية (بغداد، 1977
(مواد الكتابة عند العرب (تونس، 1979
(العـراق (اكستر، 1981
(نهضة التجارة العربية في العصور الوسطى (بغداد، 1981
(الحياة الحزبية في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية (بغداد،1978
كما انصرف لتحقيق بعض كتب التراث منها على سبيل المثال كتاب (عيون التواريخ، لابن عساكر، ثلاثة أجزاء) وطبع ببغداد بين سنتي 1977 و 1984
وله ترجمات عن اللغتين الفرنسية والانكليزية منها على سبيل المثال كتاب (أزمة الحضارة) لجوزيف أ. كاميليرس (بغداد، 1984)، وكتـاب (النظم الاسلامية) تأليف موريس، غ. ديمومبين.
كتب الأستاذ حميد المطبعي في موسوعته (اعلام العراق في القرن العشرين) الجزء الثاني عن الدكتور فيصل السامر، وقال أنه"عالم بالتاريخ"كانت له"مواقف وطنية"وقد"أسهم في الحياة الثقافية اسهاماً لامعاً"ونقل عنه رأيه في التاريخ والمؤرخين وقال"أن المؤرخ، في رأي الدكتور السامر، لا يكون مجرد راوية أمين لأحداث الماضي فقط، فهذا واجب من واجباته فحسب، أن الواجب الأكثر أهمية وأصالة في أن يكون المؤرخ طرفاً نشيطاً في تفسير أحداث عصره تفسيراً واعياً". وفي رأيه أيضاً"إذا كان من واجب المؤرخ أن يكون بين القوى المنظمة للحياة الحاضرة والمساعدة على دفعها إلى الأمام، فإن مؤرخينا مدعوون إلى أن يسلطوا الضوء على الحلقات المضيئة والعلامات الدالة على حيوية الحضارة العربية كي نجعل التاريخ حافزاً من حوافز نضالنا ونهوضنا الحديث".
لقد كان هم السامر هو أن يطلع القاصي والداني على منجزات العرب والمسلمين في حقول الحضارة والثقافة والآداب والفنون، وكثيراً من هذه المنجزات ذات علاقة مباشرة بحمية المسلمين في نشر دينهم في كل بقعة يستطيعون الوصول إليها باعتبار ذلك جزءاً من رسالة الإسلام.كما أن تلك المنجزات، برأي الدكتور السامر، ارتبطت بهدفٍ ثانٍ هو النشاط الاقتصادي الذي رافق توسع الدولة العربية الاسلامية، وامتداد أقاليمها، فمع أن التاجر العربي كان يسعى للحصول على الربح، إلاّ أنه لم يألُ جُهداً في نقل عقيدته وإيصالها إلى جميع أولئك الذين يقدر له أن يتعرف عليهم في رحلاته في الأقاليم التي يذهب إليها.
توفي، رحمه الله، صباح يوم 14 كانون الأول سنة 1982، وترك بيننا ثروة علمية تعطي الدليل على أنه كان مؤرخاً شجاعاً ومنصفاً وصادقاً إلى جانب كونه انساناً وطنياً مناضلاً أفاد بلده والعالم أجمع.