مع الدكتور فيصل السامر وكتابه عن ثورة الزنج.. ثورة الزنج : الأسئلة والمقتربات

مع الدكتور فيصل السامر وكتابه عن ثورة الزنج.. ثورة الزنج : الأسئلة والمقتربات

محمد سهيل احمد
* الزمان هو القرن الثالث الهجري حيث الدولة العباسية في اوج فتوتها والمكان هو ارض السواد جنوبا وبالذات في تخوم البصرة ومن ثم في قلب غابات النخيل حيث (المختارة) العاصمة التي تمترس بها الثائرون والتي ستقوم (جيكور) فيما بعد على اطلالها قرية صغيرة من قرى ابي الخصيب.

صفحة دامية خاض غمارها علي بن محمد صاحب الزنج وسليمان بن جامع مولى بني حنظلة وآخرون ضد الدولة العباسية متمثلة في الخليفة المعتمد واخيه الموفق، والأخير هو من سيتم على يديه اخماد آخر رقصة لهب وآخر جذاذات جمر تحت الرماد في محرقة اربع عشرة سنة من معارك طاحنة.

دلاء في البئر
ادلى عدد كبير من المؤرخين والدارسين بدلائهم في بئر هذا الحدث الشائك المتشعب تشعب غابات نخيل البصرة، بأبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقائدية.ومن الطبيعي ان تتباين آراؤهم ـ لتباين منطلقاتهم الفكرية ـ بين النظرة الذاتية والإكتفاء بالرصد العياني التسجيلي او التركيز على جانب واهمال جوانب أخرى لا تقل أهمية عن خطوط الحدث العريضة. لقد قاد صاحب الزنج آلافا مؤلفة من العبيد الأقنان الى اتون معارك لم تبقِ ولم تذر مخلّفة صدعا خطيرا في جدار الدولة العباسية نفذ عبره ـ فيما بعد ـ اعداء وخصوم من شتى الاتجاهات والمنطلقات الفكرية والسياسية.
من المعروف ان الطبري والمسعودي يعدّان من اهم المصادر الرئيسة التي رصدت اخبار ما حدث، بحكم الاهتمام الفائق بايراد التفاصيل شبه اليومية. كان الطبري بمثابة الناطق الرسمي او المراسل الصحفي المدون للتقارير الرسمية عن سير المعارك التي طحنت جنوب السواد على امتداد السنوات الأربع عشرة (869 م ـ 883 م)، ولابن الرومي مطولة شعرية في رثاء البصرة تربو على الثلاثمائة بيتا. كما ان للجاحظ رسالة يعرض فيها للزنج عنوانها (كتاب فخر السودان على البيضان). (1)
اما في عصورنا الحديثة، فقد كتب الكثيرون في هذا الموضوع، فمن المعاصرين كتب جرجي زيدان، بطرس البستاني،كما ان للشاعر الفلسطيني معين بسيسو مسرحية تحمل عنوان (ثورة الزنج)،كما كتب آخرون امثال عبد العزيز الدوري، فيليب حتي والقائمة تطول. بيد ان دراسة د. فيصل السامر والتي ظهرت في كتاب حمل عنوان (ثورة الزنج) (2) كانت الدراسة الأبرز والأكثر تأصيلا ورصانة من حيث جدة الطرح وشموليته مما جعلها في طليعة الدراسات التي تصدت لهذا الحدث. لا يمنع ذلك من التنوية بدراسات أخرى كدراسة الدكتور محمد عمارة-ليبيا- وكتاب (ثورة الزنج وقائدها علي بن محمد) لأحمد علبي -لبنان-. (3)
اما فيما يتعلق بالدراسات المشرقية، فلربما كان (نولدكه) الوحيد من بين المستشرقين ممن كرسوا دراسة مستقلة الطابع عن حركة الزنج في أواخر القرن التاسع عشر، وفيه قام المستشرق الألماني بدراسة طوبوغرافية معارك الزنج. ولا جدال في ان طبيعة الجنوب العراقي، بما فيها من تشابك وتعقيد، اسهمت الى حد كبير في اطالة امد المواجهة التي استمرت لما يناهز العقد ونصف العقد من السنين.

الأسئلة والمقتربات
س : في ضوء التسمية والمصطلح هل كان ما حدث ثورة ام انتفاضة ام انقلابا؟
مقترب : في (المنجد) : (ثار) بمعنى هاج ومنه (ثارت الفتنة بينهم) والثورة هي الهيجان. اما (قلَبَ) فتعني حوّل الشئ عن وجهه او حالته او جعل اعلاه اسفله او جعل باطنه ظاهره. اما مفردة (الإنتفاضة) ففعلها يراد به (حرك الشئ ليسقط ما عليه) و (نفضته) الحمى (ارعدته) و (انتفض الكرم) = نضر ورقُه.ولعل مفردة (الإنتفاضة) جديدة قياسا بتاريخ استعمالها اذ اقترنت بنضال الفتيان في ارض فلسطين. ويبدو انها اميل لأن توحي بالارتعاد نتيجة محفز سايكولوجي مباغت. اما اذا استخدمنا مصطلح (ثورة الزنج) مثلما استعملها الدكتور السامر فنجد انها اقرب للدقة من مصطلح (انتفاضة الزنج)، لو افترضنا جواز استخدامها، لأن الأخير رد فعل فسيولوجي اعتيادي. وتحتمل كلمة ثورة وجود برنامج عقائدي مقترن بها. على اننا نرى المؤرخ الروائي جرجي زيدان يحبذ استخدام مفردة الانقلاب كما جاء في روايته التاريخية (الانقلاب العثماني) أخذا بنظر الاعتبار الانقلاب الحادث في كل مرافق الدولة العثمانية جملة وتفصيلا. واذا ما عددنا حركة الزنج بقيادة علي بن محمد (حركة) صوحبت ببرنامج عقائدي ـ سياسي ؛ فيمكن هنا استخدام مصطلح (انقلاب علي بن محمد) لكن المصطلح قد يصاب بنوع من الوهن لدى اقترانه بالزنج فعلي بن محمد توسل ببرنامج ايديولوجي كان يرمي الى الاطاحة بمنظومة الحكم العباسي المرتكزة على نظام الخلافة والإستعاضة عنها بمنظومة عقائدية أخرى جعلته، وهو الذي نادى بفكرة انتسابه لآل البيت، يتخذ من الفكرة القائلة بحق آل البيت في تسنم سدة الخلافة محورا للممارسة السياسية. اما دوافع الزنج فلم تكن مقرونة، الا بأدنى الدرجات، بالمنهج الذي طرحه فكر علي بن محمد، اذ كانت دوافعهم للثورة انعكاسات لحرمانهم من ابسط حقوقهم الحسّية: نداء المعدة، نداء الجسد، ونداء الانتماء للجذور (نوستالجيا المنبت)، قبل نداء الفكر والعقيدة.
س: أي منهج واية طريقة؟
مقترب : ونحن في الألفية الثالثة لا نجد مناصا من ان ننظر لأحداث التاريخ بمجسات معاصرة اذ لا فرار من تبني الموضوعية منهجا في تناول صفحة شديدة الايلام من صفحات تاريخنا المشرقي بشقّيه العربي والإسلامي.
س: ما مدى التصاق الباحث ببيئة الحدث؟
مقترب: كلما كان الدارس لصيقا بأجواء البيئة التي شهدت احداث الثورة، اقترب بتحليلاته من الصدق، وهذا ما ينطبق على (نولدكه) في تركيزه على طوبوغرافية البصرة ودورها الحاسم في تحديد نتائج المعارك. لاشك ان انتماء فيصل السامر لبيئة الجنوب مولدا ومعايشة أثرى الحدث فتفوق -عبر تناوله- على كل الدراسات التي ظهرت تباعا ولغاية الساعة،"لكي تعرف ماذا يدور في الجنوب، كان ينبغي ان تكون هناك" فوكنر ـ رواية (ابسالوم! ابسالوم!)
س: في ضوء اية محركات كبرى للتاريخ يمكن لثورة كثورة الزنج ان تجد سبيلها لتقييم علمي صائب؟
مقترب :
انها تتلخص عموما في الخبز، الدين، الأرض، المال والجنس. هذه المحركات لا يتم تناولها في معزل عن الظواهر السايكولوجية لأية حركة والتي تعد بمثابة المرايا العاكسة لهذه المحركات ؛ بمعنى انها انعكاسات طبيعية لها، ايجابية كانت او سلبية.
س: لماذا المنظور السايكولوجي؟
مقترب: هو المحصلة الطبيعية للسلوكية الإجتماعية، الإقتصادية السياسية والطوباوية، وذلك برصد وتحليل الممارسات التي افرزها الوعي الفردي والجمعي اللذان صاحبا الحركة. من المؤكد مثلا، بل من البديهي ادراك ان الدوافع النفسية التي دعت علي بن محمد لأن يحرض الزنج تختلف عن نظيرتها لدى قائدهم الميداني الأسود سليمان بن جامع. نحن بحاجة اكثر من معيار نفسي للتوصل الى الأسباب التي جعلت شرارة الحركة تنطلق من أوساط مجففي البطائح (الاهوار) او جامعي الشورج (الملح) وفي وقت أبكر من اندلاعها في اوساط الدبّاسين (مستخلصي عسل التمر) او (التمّارين) او بين خدم الأسر الثرية.
س: بين كل ثورة وثورة أخرى قواسم مشتركة وفي الوقت نفسه خصوصية تَسِمُ كل ثورة وتميزها عن غيرها، سواء كان ذلك عن طريق الأحداث ام عن طريق آثارها الجانبية.هل من امثلة؟
مقترب :على صعيد الحقائق الموضوعية تتسم حركة الزنج بأنها لم تكن ثورة للأسود ضد الأبيض وان كانت كذلك في بعض فصولها الملطخة بالدم بل كانت في المقام الأول ثورة ضد التمايز الطبقي والظلم الاجتماعي المتمثل في حرمان كائن بشري كل ذنبه انه ولد مختلف البشرة او ارغم على الانتقال الى بيئة مختلفة لونيا!
لعل ما يثير الاستغراب ان (الموفق) أخا الخليفة وقائد الجيش العباسي استخدم لجيشه ـ الذي حشده لإخماد التمرد ـ سرايا مؤلفة من السود أنفسهم مثل القائد (لؤلؤ) الذي نصبه مولاه (احمد بن طولون) حاكم مصر آنذاك واليا على الشام فخرج عليه واستولى على الخراج ثم انضم الى الموفق مع جنده الذين كان في عدادهم السودان اصلا، وهنا تكمن المفارقة. وكان قدوم لؤلؤ خير معين على تسديد الضربة القاضية لجيوب التمرد، ثم ان المحرك الروحي للثوار (علي بن محمد) لم يكن زنجيا بل كان ابيض خالصا ولم يكن عربيا، في الأغلب، بل كان فارسيا..
س: أسهم التاجر العربي في استقدام أعداد هائلة من زنوج شرقي افريقيا منتزعاً إياهم من جذورهم إلى بيئة مختلفة. الأمر ذاته حدث على السواحل الغربية للقارة السوداء حيث اقتيد الألوف إلى الأرض الأمريكية، هل تصحُّ المقارنة بين المحنتين؟
مقترب: مما تفردت به ظاهرة تواجد الزنج على أرض المشرق العربي عن سواها من حركات التمرد والعصيان ان اضطهاد الزنج وزجِّهم في إعمال سخرة لم يكن نابعاً من فكرة عنصرية كما هي الحال مع العبيد الذين انتزعوا من أرضهم الإفريقية انتزاعاً وحشي الطابع إلى القارة الامريكية (وهو ما صوره مسلسل الجذور الذائع الصيت الذي ظهر في أواسط السبعينيات على الشاشة الصغيرة) ذلك ان التجار العرب الذين جلبوا السود من أحراش القرن الإفريقي وأعالي نهر (الروفيجي) كانوا على دراية وإدراك تامين بأركان الإسلام وتشديده على أنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، كما أن الأحاديث النبوية والأدبيات الروحانية تطرقت إلى موضوعة العدالة الاجتماعية وأكدت على امتلاك الفرد لكامل حريته نذكر في هذا الشأن صرخة الخليفة عمر بن الخطاب: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) مما حدّ وإنْ قليلا من وطأة التجربة العربية.وبغض النظر عن الآراء الدينية في اشكالية الرق، فأن الواقع الذي سبق اندلاع الثورة يذهب إلى ان تنامي شريحة من المترفين من أصحاب الإقطاعيات والتجار وأصحاب النفوذ وأثرياء الحروب تميزت بجشعها وغلاظة اكبادها،أحال استخدام الخدم بالحسنى إلى ظاهرة تجلت في ظهور ممارسات اجتماعية سايكولوجية سلبية بدأت بالرق أو النخاسة وتمظهرت بشتى إشكالها البشعة من تمايز طبقي وحرمان غذائي (حيث كان غذاء زنج البطائح يقتصر على وجبة السويق التي لم تكن تغني أو تسمن من جوع) اضافة الى ما صاحب الظلم الاجتماعي من كبت جنسي واستلاب، وصل الى حد الإخصاء في بعض بلاطات الملوك والخلفاء والامراء.ثم ان لكل ثورة تجاوزاتها فقد مارس بعض الثائرين اشكالا من الشناعات بحق ابناء مدينة البصرة من قتل وسلب واغتصاب.لكن الفعل الثوري هو في الأساس ممارسة بشرية ذاتية الاندفاعات تحتمل الإنفلات والجيشان وليست ردة فعل ذات قوانين فيزياوية طبيعية.
س: كيف يمكن ان ينظر الى علي بن محمد؟
مقترب : لقد ادعى صاحب الزنج بأن نسبه يرجع الى آل البيت. كما انه طرح نفسه نتيجة لذلك كرمز ديني قبل ان يطرح نفسه كممارس للفعل السياسي، لكن – ضمن مفاهيم الاسلام - نلاحظ تلاشي الحد الفاصل بين الإدائين الديني والسياسي عبرت عنها الآيات القرآنية التي جاءت زاخرة بالحث على الجهاد (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) –التوبة-41.
يقال والعهدة على المؤرخ الراوي ان (علي بن محمد) قد وعد أتباعه بمغانم معنوية كجنة الخلد ومادية كإقطاعهم الإقطاعيات في حال الإنتصار. لعل واحداً من التساؤلات التي تطرح نفسها بصدد شخصية الرجل: علي بن محمد... أي النموذجين كان الأبرز خلال سني التمرد... علي بن محمد الرمز الديني التوجه أم علي بن محمد السياسي؟ ثمة من سيعترض على مثل التساؤل عطفاً على ماورد قبل قليل من عدم وجود حد فاصل بين الفضائين ضمن المفهوم الديني الإسلامي.
س: هل اثر تنازع الفرس والترك على إدارة دفة الدولة العباسية وهيأ للتمرد؟
مقترب: ثورة الزنج، بشكل عام، حصلت بحكم وجود أكثر من خلل في آليات أداء العباسيين على جميع الأصعدة. تلك هي متطلبات كرسي السلطة واسنحقاقاته الدنيوية وهي ظاهرة لاتقتصر على العباسيين وحدهم. نحن هنا لسنا بصدد حصر أو تحديد تلك الإختلالات لأن نزوعا كهذا سيفضي بنا الى كم هائل من المعلومات والآراء التي تحتاج الى وقت لتمحيصها وتحليلها ضمن منظور معاصر للتاريخ. ينبغي هنا التعامل بدقة شديدة وموضوعية حول مسألة تـنازع الفرس والترك على إدارة الدولة العباسية.لقد وقعت احداث الثورة والدولة العربية العباسية في عزّ فتوتها. هذه الملاحظة لا تغفل بداهة، الدور الايجابي، الذي لعبه التفاعل العربي- الفارسي على صعيد الجهود العلمية والعقلية والحضارية ولا الدور الايجابي لتفاعل الحضارتين العربية والتركية، لكننا لانجد مناصا من القول بأننا نتحدث حصراً عن الإرهاصات السياسية لأوجه الصراع.
س: الدولة العباسية.. الإمبراطورية العباسية كيف يمكن تقييم ادائها عبر القرون في ضوء مفاهيم ابن خلدون؟
مقترب: بمجسات الألفية الثالثة ومن خلال آخر مستجداتها، يمكن للدارس ان يتبنى ما يمكن ان نطلق عليه تجاوزاً (قوس ابن خلدون) وهو أن الأمم تنهض وتزدهر وهي تحمل في ثناياها بذور فنائها حسب المتوالية التالية:
أسفل القوس –البواكير والصعود
أعلى القوس- الرقي والازدهار
أسفل القوس- الانحدار ومن ثم الموت الذي يحمل بدوره بذور النشأة الأولى. هذه (المدوّرة) الخالدة يوجزها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة (.. من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدِّل الأحوال في الأمم والأجيال تبدل الإعصار وهو داء دويّ شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة، فلا يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة... وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر.. إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة... وانتقال من حال إلى حال.. وكما يكون ذلك في الأشخاص والهوامش والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والدول: سنّة الله قد خلت في عباده)(4)
س: المنهج... كيف؟
مقترب:لا بأس في تنوع مناهج البحث. غير انه من الضروري ان يكون لكل منهج ثوابت لا يحيد عنها ومتحولات تتيح له (المناورة) والتقديم والتأخير، حسب الحالة. ان أية دراسة تسعى نحو الموضوعية والشمول تظل ناقصة ما لم تعزز بمنهج يواكب آخر المستجدات. ومن الطبيعي ان لكل منهج اشكالياته فهو سلاح ذو حدين. ان منهجاً متعسفاً قد يطيح بأهداف الدراسة. فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان لكلا المنهجين الديني والماركسي خصائصه ومنحنياته ومنابع قوته، وهنا يكمن الخوف من طغيان المنهج المعتمد، إلى الحد الذي يعمي فيه أبصار الباحث عن رؤية أية زوايا ثانوية قد تتمرد على المنهج المركزي نفسه بمعنى احلال الثابت مكان المتحول والعكس صحيح وهو ما يجب ان ينظر إليه بكل عناية وتمحيص.
س: ماذا عن الموروثات الفولكلورية والطقوسية التي اصطحبها الزنج معهم وهم يقتعدون عتبات الدولة العباسية؟
مقترب: احتفظ زنج البصرة، حتى فترات قريبة، بكثير من العادات والطقوس التي نقلوها معهم من مواطنهم الأصلية مثل تلك التي تصاحب اداءهم للرقص والمقاطع والكلمات والهمهمات والعبارات ذات الأصل الإفريقي، وكانوا عادة يؤدون رقصاتهم في ساحة مسورة تدعى (المكيد) مازالت له آثار في احياء البصرة القديمة ومدينة الزبير، هي مورثات جديرة بالبحث والحفظ والتحليل، فهي توثق لخصال صنف من البشر قدم في ظروف حياتية افضل رموزا وشخصيات من امثال محمد علي كلاي، مانديللا، الطيب صالح، ليوبولد سنغور وآخرين اسهموا في تقدم البشرية وتحسين ظروفها.
س: هل من دروس أو عبر أفرزتها ثورة الزنج؟
مقترب: تحدث الوقائع وتترك آثارها البليغة دون ان تؤخذ منها الدروس والعبر، وهذا ما فعله خلفاء الدولة العباسية فقد واصلوا لهوهم وإيداع مقدرات الدولة في أيدي من هب ودب- عربا او من غير العرب- وهو ما أدى إلى تراكم الصدع أثر الصدع في جسد الدولة، على جميع الصعد، وما سقوط بغداد على أيدي المغول سنة 1258م إلا محصلة طبيعية لأخطاء لم ينظر إليها بجدية. نحنُ، صراحة، ً لا نتعلم من دروس التاريخ ومن هنا تكرر أحداث التاريخ نفسها في معظم الأحيان!

-----------
هوامش :
(1) انظر الجاحظ، ثلاث رسائل، تحقيق فان فلوتن، مطبعة بريل ليدن 1903 ص57-85
(2) د. فيصل السامر، ثورة الزنج، دار القارئ، بغداد 1954
(3) احمد علبي، ثورة الزنج، وقائدها علي بن محمد، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت 1961.
(4) إبن خلدون، المقدمة، دار النهضة مصر للطبع والنشر، ج1 ط3 ص194