سيلفيا بلاث .. الشاعرة المثيرة للجدل

سيلفيا بلاث .. الشاعرة المثيرة للجدل

غاري لين
ترجمة سهيل نجم
سيلفيا بلاث واحدة من أكثر شعراء عصرنا إثارة للجدل ـ بل وأكثر من ذلك. لقد نمت بلاث في شخصية دينية، ذات حضور مثير. كان غيابها العنيف ـ انتحارها وهي في الثلاثين ـ قد كفن المرأة وأعمالها بعباءة حدسية مليئة بالثقوب. لقد أصبحت بلاث بالنسبة للبعض رمزاً للمرأة المضطهدة، وإن كان من جانب القوى الثقافية أكثر مما كان من العنف الجسدي الذي تلمح إليه في بعض الأحيان.

بينما رأى البعض الآخر أنها ضحية قوتها المنتصرة، الشاعر الأصيل يتبع الأحاسيس حتى الموت الكامل المثير والغامض، وأصبحت للبعض الآخرين البراءة التي حكم عليها بالموت عن طريق الإحساس الحاد جدا بعالمنا المادي القاسي. لكن قائمة شخصيات بلاث المقترحة قد تستمر لصفحات: ويبدو أن لكل واحد نسخته من أسطورة سيلفيا بلاث. مثل هذه الأسطورة تؤثر في كل شيء حول الشاعرة، بضمن ذلك النقد الذي كتب عن أعمالها. في عام 1970 وجدت ميري كنزي أن نقد بلاث قد مر بفترتين يمثل موت الشاعرة في 11 شباط عام1963 نقطة التحول فيه. كان النقد المبكر يتمثل بالعروض النقدية عن ديوانها الأول"التمثال الضخم"وروايتها"جرة الناقوس"وكان هذا النقد موجزاً ومتحفظاً وتقليدياً بالكامل. أما الفترة التالية فقد انطلقت مع الكتاب الذي ظهرت فيه ملاحظات كنزي وهو كتاب"فن سيلفيا بلاث"وكانت هذه الفترة قد كرست لإعادة التقييم.

كان انتحار بلاث ونشر ديوانها"أريل"بعد سنتين من ذلك قد أظهر بوضوح شيئاً يشير تماماً لقداسة الشعرية، وأعاد تلوين الأعمال السابقة ومنح المشروع بأكمله شحوباً كالحاً من الخلود. إن النقاد الذين لم يطلعوا على القصائد التالية، لم يسمعوا بالطبع كل ذلك الخفي تحت مجموعة"التمثال الضخم"وقد وجدوا الآن أن المعاني التي أغفلت واضحة على نحو مربك. وقارئ مثل ريتشارد هاوارد على الرغم من شدة ذكاءه، قد وجد في مقالة له تبقى واحدة من أهم المناقشات الحادة الذهن، أنه يبدأ باعتراف عام عن العماء المبكر:"أن العرض النقدي الأول، موجز وغريب ومنفر عن.. التمثال الضخم… وفي نقدي لتلك القصائد ذات السلوك الحسن والشكلية التي كتبتها الشاعرة التي تخرجت من كلية سمث والتي عملت محررة ضيفة في مجلة"الآنسة"وزوجة تيد هيوز وأم الطفلين ـ أعترف بأنني أضعت الكثير ـ ولم تكن لي القدرة على التنبؤ بما سيأتي. لقد ارتفعت بلاث"ونحن بحاجة إلى إشارة هاوارد للتأكيد على الضمير الذي يعود إليها في عبارة (ديوانها)، وإيراده تفاصيل حياتها، من أجل تعيين فحوى تلك المرحلة الثانية من نقد بلاث.
السنوات الخمس والست التي تلت شهدت ظهور المزيد من الاهتمام وصدور عدد من الدراسات في كتب. لكن التقييم المتوازن الذي تحتاجه بلاث لم يكن قد ظهر بعد. كتاب إدوارد بوتشر المبسط جداً"سيرة نقدية-سيلفيا بلاث- الأسلوب والجنون"هو في أفضل حالاته نقد متعجل وليس ثمة فيه أية بقعة تمس الشاعرة. أما دراسة ديفيد هولبروك الموجزة التي اعتمدت التحليل النفسي"سيلفيا بلاث: الشعر والوجود"فهي تخفي رؤاها العرضية في خضم غابة من الأشجار الفرويدية؛ ثمة غث أكثر من السمين حتى أننا نضل الطريق إلى السمين بالكامل تقريباً. كما أن أكثر دراسة أكاديمية ظهرت لجوديث كرول"فصول في الميثولوجيا: شعر سيلفيا بلاث"قد أفاضت في بحثها المفيد وزجت كل شعر سيلفيا بلاث ضمن أطروحتها التي يمكن أن تغطي جزءاً منه فحسب.
يقيم الناقد كالفن بيدينت الدليل على رومانسية بلاث. ويرى بيدينت أن تفكير بلاث غير ذي أهمية وأن حساسيتها-المستهلكة بإرهاق وتناقضها، البالغ التأثر- تساعدنا أساساً على التعرف على اشتراكنا في الجريمة. إنه يحدد أهمية بلاث في الكثافة-"لقد أمست ملكتنا الثانية (الملكة الفقيرة والمجنونة) للذاتية.
أما ج.د.مكلاتكي فإن بلاث تعني له أنها شاعرة عصر، فهي"التي تتميز أحاسيسها بالتفرد- والتي تستمر أعمالها في حث قراء المرحلة التالية على إعادة الكشف – في نغمة حضارتها المعاصرة وقيمها وقضاياها". ومثل بيدينت يرى مكلاتكي أن لا أهمية لموضوعات بلاث، إذ بالنسبة له تكمن أهمية بلاث في"علاقة تتطور سريعاً مع الأسلوب"وهو يسير في أثر ذلك التطور من التقليدية في قصائد "التمثال الضخم" إلى البراءة الجديدة المتوترة في قصائد "أريل" ب"فيضها واستسلامها"و"إحساسها بتشريح الجثة". إنه يستخلص أن بلاث مجددة مهمة مثل لويل وروثكه في"تجاربها مع الصوت والعلاقات بين النغمة والصورة وتوجيه الخطاب".
ويرى ديفيد شابيرو أن أعمال بلاث ميلودرامية ومبالغة،"إنها استعراض في الطيران". إنه يندب حتميتها المفرطة- النظام الثابت للمرجعية في عصر ذي واقعيات شائعة فاسدة"عصر يفقد تماماً"الإحساس اللذيذ بالحدسية في الشعر".
فيما يتعلق بتكنيك الأسلوب والنغمة والبناء يرى الناقد ريتشارد بلسنك أن الرعب العظيم والخفي لديها يتجسد دائماً في الغثيان الذي في الحركة ذاتها. يجد لسنغ أن سرعة الضوء والسم هي الميزات التي تميز مجموعة"أريل"عن مجموعة"التمثال الضخم". ويستكشف بلسنغ بعض الأساليب التي طورت فيها بلاث هذه المميزات: من خلال الغموض المدروس والاستخدام الأمثل للصور، ومن خلال ضبابية محسوبة في النغمة ومن خلال نموذج تركيبي في الطاعة والخضوع.
الناقد ج.د. أوهارا يرى أن قصائد بلاث تأملية وأن مضامينها ليست موضوعية ولا خارجية بل هي بالأحرى ذات وعي ذاتي حاد بالمتحدث الشعري فيها. وهذه هي القاعدة التي تستند إليها سخرية بلاث المضطربة واللاأبالية، السخرية الوجودية المنفصلة والمتعارضة التي تعمل في غياب المأساة والشعور بأهمية البشر، من الممكن أن تستخدم"التفاوت بين الألم والادعاء، [أو] محاولة بائسة لفهم الخطأ الذي حدث في الزواج."
يعد الشعراء توماس روثكه وستيفنس وييتس آباءها في الشعر. ويرى باريت غوتنبرغ أن سيلفيا بلاث تأثرت كثيراً في بناء الصورة عند ييتس. فضلاً عن أنها تعرض سلسلة من الردود على مختلف نقاط الاختلاف."ويكشف لنا عن ديالكتيكية الشاعرة التي على الرغم من أن رؤيتها بدت متأثرة بنموذج ييتس فقد كانت أشد قتامة من استاذها.
واهتمت الناقدة مارجوري بيرلوف بالناتج الشعري الذي تمخض عن علاقة بلاث بإمها. إنها ترى أن القصائد المبكرة تشير إلى"سيفي"الفتاة الأمريكية اللطيفة المطيعة في تقليدها"الناضج"والبارع حتى في رسائلها المنشرحة والواضحة. ولكن في الوقت الذي أدركت فيه بلاث ورفضت أمها التي في داخلها تحول التعرف إلى هوية، ولذلك أضحى"القتل"الاستعاري لأوريلا بلاث في قصيدة ميدوزا الباعث المحتم لانتحار الشاعرة.
وكان الانتحار أيضاً هو الموضوع لدراستي موري شوارتز وكريستوفر بولاس، اللذين قادهما التحليل النفسي إلى تفسير موت الشاعرة بأنه اقتراب لحقائق مستمدة من المضمون الكامن في القصائد:"كانت ستندمج مع الأب، مع الأم. كانت ستقتلهما. كانت ستظهر رغباتها في القتل. كانت ستتآلف سحرياً مع ثقل الأمومة الحقيقي. كانت ستنهي آلامها الجسدية.كانت ستوقف التمثيل".
الناقدة كارول فيرير تقدم قراءتها النسوية في شعر سيلفيا بلاث الذي ترى فيه ديالكتيكا دائباً يجسد الاحتمالات المتبادلة ل"التدمير-الذاتي أو التحفز نحو التغيير الاجتماعي"التي هي نتائج التغريب المنقلبة دون جدوى إلى الداخل أو تنقلب إلى الخارج لتساعد في دعم أسبابها ضمن المجتمع. تناقش فيرير أن هذا الديالكتيك يشير إلى علاقة بلاث المعقدة بالمجتمع الأبوي.


عن كتاب(سيلفيا بلاث-نظرات جديدة عن الشعر) تحرير غاري لين، مطبعة جامعة جون هوبكنز، بالتيمور ولندن، 1979.