كيف ننظر للمصارف الأهلية ؟

كيف ننظر للمصارف الأهلية ؟

علي نافع حمودي
بقي العراق على مدى عدة عقود من الزمن في ظل اقتصاد مركزي مخطط حصر جميع القطاعات الاقتصادية ومنها المصرفية بيد الدولة فقط، وقد استطاع هذا النهج الاقتصادي الذي استمر لأربعة عقود أن يشكل ثقافة مصرفية يصعب تغييرها في فترة زمنية محدودة ، خاصة وإن أعباء كثيرة ظلت تلازم الاقتصاد العراقي في العقود الماضية أبرزها بالتأكيد تكاليف الحروب وتدهور قيمة العملة الوطنية لأسباب عديدة أهما الحظر الاقتصادي وغيره .

وبعد عام 2003 وجدنا تحولا كبيرا في بنية الاقتصاد العراقي أو على الأقل انفتاح السوق العراقي بكل جوانبه على الأسواق العالمية ، بالإضافة إلى التداخل الكبير في الاقتصاديات العالمية وإنشاء الشركات متعددة الجنسيات وتكوين تحالفات اقتصادية إقليمية وعالمية ودخول البلد في منظمات تجارية عالمية ، مع بلورة رؤى جديدة خاصة ما يتعلق منها بجوانب الاستثمارات التي يحتاجها البلد في السنوات المقبلة .
ومن الضروري أن ينتبه رجال الاقتصاد والمصارف في العراق لأن تتم عدة إجراءات فورية للتأقلم مع الوضع الاقتصادي العالمي ومحاولة تكريس والاستفادة من إيجابياته وتفادي والابتعاد عن سلبياته وخصوصا ً أن الاقتصاديات الناشئة مثل الاقتصاد العراقي إن لم تستطع أو تحاول أن تواكب هذه التطورات سوف تتعرض لمشاكل عديدة وأزمات مفاجئة وقوية واختناقات ستنعكس بشكل سلبي على معدل النمو الاقتصادي ومستوى معيشة المواطنين ، وبالتالي فإن واحدة من أهم الأولويات تتمثل بتطوير وتحديث النظام الاقتصادي المعمول به وإنهاء الاحتكار الحكومي للقطاعات الاقتصادية من خلال إعطاء دور فاعل للقطاعين الخاص والمشترك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمل جنبا ً إلى جنب مع القطاع العام بحيث تتمكن هذه القطاعات من المساعدة في تحقيق الأهداف والتطلعات المرجوة منها وذلك بهدف مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتطورات التكنولوجية في العالم والاستفادة منها والتقليل من انعكاساتها السلبية وتعزيز التوجه نحو التجارة الخارجية وتبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين المناخ الاستثماري وجعله أكثر جاذبية للاستثمارات المحلية والأجنبية والاهتمام بشكل كبير بالإصلاح المالي والنقدي والمصرفي وذلك كون إصلاح النظام المصرفي يجب أن يسبق الإصلاح في أي قطاعات أخرى نظرا ً للدور الكبير والرئيسي الذي تلعبه المصارف في تمويل النمو الاقتصادي بغض النظر عن النظام الاقتصادي المعمول به وخصوصا ً أن المصارف تبقى المحرك الأساسي للنمو في أي بلد من بلدان العالم وذلك لما لهذا القطاع من تأثير كبير على الحياة اليومية للمؤسسات الحكومية والشركات والمواطنين وتمويل المشاريع الخاصة والعامة ، لهذا فإن إصلاح النظام المصرفي والمالي وإدخال القطاع المصرفي الخاص والمشترك إلى جانب الحكومي أمرا ً هاما ً من أجل تطوير وتحسين الاقتصاد بشكل عام .
وكما قلنا فإن أحد الركائز المهمة هو تفعيل دور المصارف الخاصة في تدوير عجلة الاقتصاد العراقي التي ظلت تعتمد على مصرفي الرشيد والرافدين في السنوات والعقود الماضية ، بينما نجد الآن أكثر من أربعين مصرفا إلا إنها تعاني من حالة ربما غير موجودة في دول العالم وتتمثل بعدم اعتراف دوائر الدولة بها وبما تعطيه من صكوك مضمونة أو ما تقوم به من تحويلات مالية لفروع المصارف الحكومية .
ومع هذا فإن للمصارف الخاصة سلبياتها في مقدمتها محدودية رأس المال ، وهذه المحدودية تجعل من مساحات تحركها هي الأخرى محدودة وبالتالي يقل نشاطها ودورها في تنمية عجلة الاقتصاد العراقي ، يضاف إلى هذا كله بأن الحكومة العراقية تنظر لجميع المصارف نظرة واحدة في ما يتعلق بزيادة رأس المال وتفترض بأنها جميعها تؤدي مهام متشابهة ، بينما الصحيح هنالك تفاوت كبير في المصارف من حيث إمكانياتها من جهة ومن جهة ثانية مجالات عملها وحجم القروض التي تقدمها وفق إمكانياتها وتخصصاتها فلا يمكن أن تكون المصارف الخاصة شمولية بل من الأفضل أن تتخصص فبعضها زراعي والآخر صناعي وثالث للإسكان وبالتالي فإن تصنيفها يسهل عملها وينظمه من جهة ومن جهة أكثر أهمية إنها تتعامل مع نمط اقتصادي تعرف كل تفاصيله .