#1634    #1632  تشرين الاول    #1633    #1641    #1637    #1632 ..افتتاح جسر الصرافية الحديدي

#1634 #1632 تشرين الاول #1633 #1641 #1637 #1632 ..افتتاح جسر الصرافية الحديدي

اعداد/ ذاكرة عراقية
حازت الجسور أهمية كبيرة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لمدينة بغداد لانشطارها الى نصفين غير متماثلين، فساهمت في الربط بين نصفيها، وحددت مواقعها اتجاه الشوارع في المدينة.
ومن الجدير بالذكر أن مدينة بغداد كانت قد عانت من مشكلات معقدة، لعدم وجود جسور ثابتة كافية فيها تربط بين نصفيها، اذ لم يوجد فيها سوى جسرين، أولهما جسر مود.

وثانيهما الجسر العتيق (جسر المأمون). وفي سنة 1924 أنشئ جسر الاعظمية الخشبي الذي شيد على جنائب كبيرة لا تستطيع مقاومة تيارات مياه نهر دجلة إلا بعد وضع أكياس مملوءة بالرمل على الجانب الأخر لمنع غطسها وغرقها وتنظم طريقة عبور الأشخاص والعربات بوساطة شرطيين يقف كل واحد منهما في جانب ويستعملان (الصافرة والعلم الأبيض للمرور والأحمر للتوقف).

كان للتطور الكبير الذي شهدته المملكة العراقية في مختلف مجالات الحياة بعد عام 1932 اثر كبير في الاهتمام بزيادة وسائط النقل وتعبيد طرق المواصلات وتشييد الجسور الثابتة، فأهتمت الوزارة الهاشمية الثانية (17 اذار 1935 – 29 تشرين الاول 1936) بانشاء جسرين حديديين ثابتين في العاصمة، وتعاقدت مع شركة (هولواي اخوان الانكليزية المحدودة) لتشييد الجسرين ونصت المقاولة على ان تدفع الحكومة العراقية مبلغاً قدره (400.000) دينار عراقي نقداً للحكومة البريطانية لإنشاء الجسرين.
بدأ العمل في الجسرين سنة 1937، وصرف حوالي (500) طن من الفولاذ وبلغ ما صنع من الكونكريت (304) متر مكعب، عرف الجسر الاول بجسر المأمون. في موقع الجسر القديم الذي يربط الكرخ بالرصافة طوله سبعمائة قدم وعرضه خمسيناً قدماً افتتح في 15 تموز 1939 كان يستعمل للعربات والسيارات والمارة في ان واحد. اما الجسر الثاني فكان يعرف بجسر الملك فيصل الاول (في موقع جسر مود) تم انجازه عام 1940 بطول (303) متر وعرض (15) متر مع الارصفة وكانت دعامته تزيد على الجسر الاول بدعامتين مصبوبة كلها بالخرسانة وبلغت تكاليف إنشائه (208) ألف دينار. الجسرين كانا على إتقان وضبط كبيرين إذ أنجز العمل فيهما حسب المواصفات المتفق عليها وبالوقت المحدد.
جسر الصرّافيّة سمي شعبياً جسر القطارالحديدي، وسماه من يعيش بقربه جسر العلوازية وجسر العيواضية وسماه البغداديون الجسر الحديدي وجسر الصرافية، والاسم الأخير هو الأشهر، وهو أحد جسور بغداد الاثني عشر ومن أقدمها عمرا. بني في اربعينيات القرن العشرين على يد القوات البريطانية. يربط جسر الصرافية منطقتي الوزيرية التابعة لقضاء الاعظمية من جهة الرصافة بالعطيفية التابعة لقضاء الكرخ من جهة الكرخ.
كان جسر الصرافية معداً للإنشاء في مدينة سدني في أستراليا قبل أن تقرر وزارة الاشغال والمواصلات العراقية شراء هيكله الحديدي وتعهد إلى شركة كوبربلايزرد بادخال التحويرات المقتضية على هيكله وبدأ العمل بتنفيذه اواخر سنة 1946 من قبل شركة (هولو) البريطانية.
بناء الجسر
قامت الشركة البريطانية (كوردبلايزرد) الهندسية بوضع تصاميمه لمدة استغرقت عامين، في حين قامت الشركة البريطانية (هولو) في اواخر عام 1946 بتنفيذه ’ وقد دفعت الحكومة العراقية تكاليفه, يبلغ طول الجسر مع مقترباته 2166 متراً بيتما يبلغ الجزء الواقع على النهر 450 مترا لذا عد أطول جسر حديدي في العالم انذاك, لان الجسر الحيديدي المقام على نهر الراين بألمانيا كان يحمل الرقم القياسي بين الجسور الحديدية ولم يكن يتجاوز طوله 1500 متر مما ادى إلى ان يحطم جسر الصرافية الرقم القياسي المذكور ’ سيما إذا علمنا انه يتكون من سبعة فضاءات خمسة منها بطول 58 مترا وفضاءان اخران بطول 80 مترا كما يبلغ عرض ممر السيارات 6 أمتار وعرض ممر السكة الحديدية 4 امتار وقد روعي في تصميمه وتنفيذه احتواؤه ممرين للسيارات مع إمكانية جعل خط السكة المتري خطا قياسيا من دون اجراء اية تحويرات عليه باستثناء تبديل قضبان السكة والعوارض الخشبية وملحقاتها ومن الجدير بالذكر ان سقف الجسر يتكون من الهياكل الحديدية الجاهزة حيث كانت مديرية السكة الحديدية تعتمد على استعمال الهياكل الحديدية الجاهزة لسقوف الجسور التي انشئت في تلك الحقبة وما قبلها.
تعثر البناء
تعثر بناء الجسر بسبب انتفاضة الوثبة سنة 1948 واعتبره المواطنون الذين قاوموا عقد معاهدة بورت سموث بين العراق وبريطانيا جسراً يتم انشاؤه لخدمة الأغراض البريطانية فقاموا بمهاجمة المهندسين الإنكليز والعمال الهنود الذين يعملون فيه ورموهم بالحجارة والقطع الحديدية كما تم رمي بعض قطعه الحديدية في النهر. عند تأسيس وزارة الاعمار ومجلس الاعمار رصد له مبلغ الا انه لم يكن كافيا لتنفيذه بالصورة المتفق عليها وفق الخارطة الاصلية التي كانت قد رسمته على صورة ممرين للسيارات واحدة ذهابا والأخرى ايابا وبينهما سكة الحديد لسير القطار الا انه انجز بممر واحد للسيارات وممر سكة الحديد، تمت العودة إلى العمل خلال وزارة السيد محمد الصدر واستمر حتى عام 1950 حيث جرى احتفال رسمي كبير حضره السيد جميل المدفعي رئيس الوزراء حيث شاهد البغداديون لاول مرة قطاراً يسير على جسر حديدي على دجلة قاده سائق القطار الأقدم السيد عبد عباس المفرجي وكان يشرف على سيره الفنان ياس علي الناصر باعتباره فنياً متخصصاً بسير القطارات الحديثة. الجسر وحسب مواصفاته الاصلية كانت السيارات تعبر من فوقه في اتجاه واحد, لكن في التسعينيات قامت الحكومة العراقية بتحوير الجسر كي يتناسب مع ازياد حركة المرور في الشوارع ليستوعب اتجاهين في أن واحد وليحد من الاختناقات المرورية التي كانت تحدث قرب جسور أخرى واستخدم الحديد الموجود في سكة القطار الملحقة في نفس الجسر لعملية التحوير كي يحتفظ الجسر برونقه وعراقته.وقد بلغ طوال الجسر مع مقترباته 2166 متراً بينما بلغ طول القسم الواقع على النهر (450) متراً وكان بذلك أطول جسر في العالم في حينه.
تعرّض جسر الصرافية العريق لتفجير ارهابي بشاحنة أدت إلى تدمير جزئي للجسر ومقتل ما لايقل عن 10 اشخاص وجرح حوالي 26 شخصا وسقوط عدد من السيارات في نهر دجلة والحاق أضرار بالمنازل المجاورة بالجسر ولاسيما من جهة منطقة العطيفية.بدأ العمل في اعادة بناء جسر الصرافية بتاريخ 1/5/2007 وبأياد عراقية صرفة من عمال ومهندسين واستشاريين.
ويذكر الدكتور عباس الزاملي في رسالته عن الحياة الاجتماعية في بغداد في العهد الملكي :
وفي عام 1950 تم نصب جسر الصرافية الحديدي [ جسر القطار ] الذي يتكون من ممرين احدهما للسيارات والاخر لعبور القطارات، كانت الحكومة العراقية قد اشترته كاملاً من الحكومة الهندية بمبلغ (اقل من مليوني دينار عراقي). بوساطة شركة كودفوغان لي فرانك وكويدز البريطانية التي قامت بنقله ونفذت شركة هولواي اخوان عملية نصبه.
كان لجسر الصرافية أهمية كبيرة تتمثل في امكانية تسيير القطارات بين بغداد والبصرة واربيل.ويمثل اضخم واطول جسر في العهد الملكي يمتد لمسافات طويلة استمر العمل بانشاء قواعده ودعاماته لمدة سنتين متتاليتين وهو أول جسر للاستعمال المزدوج (السيارات والقطارات). فضلاً عن السابلة افتتحه الوصي في 20 تشرين الأول 1950.

جسر الصرّافية شاهد على احداث تاريخية مهمة
وكتب الاستاذ عبد الجبار محمود السامرائي عن عدد من الاحداث الذي كان الجسر شاهدا عليها، فقال:
في يوم الخميس الثاني عشر من نيسان 2007 سجل التاريخ في ذاكرة بغداد حدثاً حزيناً؛ الحدث هو تدمير جسر الصرافية، وإزهاق أرواح بريئة لقوا حتوفهم في نهر دجلة وماتوا غرقاً.لقد ظل (الجسر الحديدي) ستين عاماً شامخاً، ويشكل معلماً من معالم بغداد، حيث كان متنفساً للعشاق، ولهواة المشي وطلاب التمتع بالطبيعة بين العطيفية والوزيرية.
تاريخ الجسر يقول انه شيّد من قبل الانكليز عام 1946.في عام 1950 تحوّل الى جسر ٍ لعبور القطارات حيث كانت القطارات تسافر من بغداد الى خانقين، ولا سيما قطارات الحمل عبر سكة هذا الجسر.في السبعينيات من القرن الماضي ألغي الخط القديم المتري للقطار، وبقيت السكة شاهداً على ماض ٍ تولى.في الماضي، كان جسر الحديد في الصرافية يشهد الاحتفالات الوطنية بمرور المسيرات النهرية والزوارق المضيئة بالنشرات الضوئية، فضلاً عن الألعاب النارية وغناء ورقص هواة الطرب وهم في القوارب في أحضان دجلة الخالد مبتهجين في الدنيا الزاهية لهم.بالقرب من هذا الجسر عاش مطرب بدوي في الأربعينيات اسمه (سعيد عكار) الذي غنى (المولية) لمحبوبته التي شغفته حباً فقال:

يا عين موليتين
يا عين مو ليّه
جسر الحديد انكطع
من دوس رجليه

وقد أحيا هذا اللون من الغناء الشعبي ولده المرحوم المطرب البدوي (جبار ولد سعيد عكار) المتوفى عام 2006.
لقد اقترن جسر الصرافية بالبطولة، حيث كان طلاب الكلية العسكرية، والقوات الخاصة يجرون التمارين العسكرية عليه، حيث يقذف المتدرب بنفسه من أعلى الجسر الى لجّة ماء النهر، بغية تعويده على الجرأة ورباطة الجأش. كان القفز لطلاب الكلية العسكرية يتم في موسم الشتاء، تصاحبه زغاريد النسوة اللائي كن يحضرن مع الرجال والشباب والأطفال وحتى الشيوخ لمشاهدة تلك الفعالية البطولية، وكانت الأمهات يفرحن لاجتياز أولادهن من طلاب الكلية العسكرية القفز من على الجسر ويخرجون سالمين من النهر، (كما العصفور بلّله القطرُ).
واليوم، وبعد ان سقط الجسر في دجلة، خرج أهل الصرافية يبكون بمرارة لمشهد الدمار الذي حلّ بهذا الصرح الذي كانت لهم معه ذكريات لا تنسى.لقد كان جسر الصرافية ملهماً للشعراء والأدباء، ولطالما تغنّوا به وغنّوا في مواسم الفرح على مقترباته. كان ملتقى العشاق..
عيون المها بين الرصافة والجسر ِ
جلبنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري

وفي منطقة الصرافية، وقع حدث من أهم الأحداث التي غيّرت وجه العراق السياسي مؤقتاً. ففي 21 من تشرين الثاني 1955 عُقدَ بدار الوزير جميل عبدالوهاب، المطلّ على نهر دجلة، حيث الجسر، الاجتماع الرسمي الأول للدول الخمس التي وقعّت على ميثاق بغداد (حلف بغداد / حلف المعاهدة المركزية) وهي: العراق وتركيا والباكستان وايران وبريطانيا.ومن الصرافية، أعلن يوم 22 من تشرين الثاني 1955 البيان الرسمي لميثاق بغداد وتشكيل اللجان المنبثقة عنه، وتأسيس السكرتارية الدائمة، التي كان مقرها بغداد.نشير الى ان العراق قد انسحب من حلف بغداد في آذار 1959، أي بعد ثورة 14 من تموز 1958.
وتبقى الاشارة الى ان جسر الصرافية يعد أطول جسر في العالم، حيث يبلغ طوله مع مقترباته (2166) متراً، ويتكون من فضاءات طولها ثمانين متراً لكل فضاء، ويبلغ طول الجسر فوق نهر دجلة 450 متراً وعرضه ستة أمتار، فضلاً عن ممر خاص بعبور المشاة بعرض مترين. ويقال والعهدة على القائل، ان جسر الصرافية كان مقرراً له ان يزيّن مدينة (سدني) الاسترالية، ولكن تم تغيير محطة اقامته لتكون بغداد، وهو من تنفيذ شركة بريطانية.

ومن ذكريات الدكتور اكرم عبد الرزاق المشهداني الذي كان يسكن منطقة العطيفية :
وعلى ذكر جسر الصرافية الحديدي الذي انشئ اواخر الاربعينات وافتتح عام 1952، من قبل الملك الشاب المرحوم فيصل الثاني، وكان يمر عليه خط سكك الحديد القادم من المحطة العالمية والمتجه الى محطة شرقي بغداد ومن ثم الى كركوك، وكان ينقل صهاريج النفط من كركوك الى بغداد، فضلا عن قطارات المسافرين، وبعد الغاء الخط المترى وتحويل خط قطار كركوك بعقوبة الى محطة شرقي بغداد، تم تحويل خط السكة ايام المرحوم احمد حسن البكر الى قطار لنقل الطلاب من المحطة العالمية بالكرخ الى منطقة مجمع الكليات بمنطقة الباب المعظم سمي وقتها قطار الثورة وكان ينقل الطلبة بسعر رمزي مخفض جدا. تربطني بجسر الصرافية ذكريات عزيزة، فهو رابطتنا بالرصافة، نعبر عليه مشاة أو راكبين، فقد كنت استخدمه للعبور على دراجتي الهوائية الى منطقة باب المعظم ومن ثم لزيارة سوق السراي وشارع المتنبي كما ذكرت ذلك في مقالتي عن سوق السراي وشارع المتنبي كما كنت استخدمه للعبور بدراجتي ذهابا الى ثانوية الاعظمية للبنين التي امضيت فيها سنة دراسية واحدة 1963 ثم انتقلت بعدها الى الثانوية العربية القريبة من دارنا. كما أنني عبرته بسيارتي الخاصة لأول مرة عام 1970 بعد أن تعلمت السياقة وكان المشهور حينها أن من يجتاز جسر الصرافية بنجاح يعتبر سائقا متمكنا نظرا لضيق الجسر بممرين لعبور السيارات وممر للمشاة وخط سكك القطار قبل ان يتم تعريض الجسر بعد الغاء خط القطار. منذ انتقلنا الى العطيفية صار القطار معلما من معالم العطيفية، حيث يمر القطار مع صافرته المتميزة في أوقات ثابتة تهتز بيوتنا لمروره، وكان مروره توقيتا ثابتا لايخطئ بحيث كنا نوقت ساعاتنا على مرور القطار لدقة مواعيده ايام الخمسينات والستينات. اتذكر حين كنا قبل 1958 ننتظر مرور موكب الملك فيصل الثاني قادماً من قصر الرحاب باتجاه البلاط الملكي في الكسرة، بحدود الساعة 11 صباحا يوميا دون اي تاخير ولا تقديم، ويعود الى قصر الرحاب عبر جسر الصرافية الساعة الواحدة ظهرا، وكنا نحرص انتظار مرور الملك في ذهابه للبلاط وعودته منه، وكان يرد على تحياتنا بالتأشير بيديه محيياً.