كازو إيشيغورو.. نوبل من أجل عالم بلا حروب

كازو إيشيغورو.. نوبل من أجل عالم بلا حروب

علــي حســـين
استقبلت الأوساط الأدبية والثقافية خبر فوز الروائي الياباني الأصل البريطاني الجنسية كازو ايشيغورو، بجائزة نوبل للآداب، بمديح عذب. وكانت الاكاديمية السويدية قد أعلنت أن إيشيغورو”فاز بالجائزة لأنه:”يقدم في رواياته طاقة عاطفية قوية كاشفاً الهاوية التي تقبع خلف شعورنا الوهمي بالارتباط بالعالم". سيبلغ إيشيغورو الثالثة والستين من عمره الشهر المقبل،

وقد توقّع كثيرون أن يفوز مواطنه هاروكي موراكامي بالجائزة، لكنها لم تذهب بعيداً، فقد فازت بها اليابان وبالثلاثة، فقد منحت عام 1968 للروائي الكبير ياسوناري كواباتا صاحب”الجميلات النائمات”التي تمنّى ماركيز أن تسجل باسمه، وعام 1994 منحت للروائي كنزابورو أوي، صاحب الرواية الممتعة”الصرخة الصامتة"، والذي قال في حفل تسلّمه الجائزة :”أيها المثقفون، إذا كانت أرواحكم لا تزال صالحة للاستعمال، إصغوا إليّ اتركوا عيونكم تضيء هذا العالم ثانية".
كازو إيشيغورو صاحب الرواية المهمّة”بقايا اليوم"، قال لمحطة البي بي سي، عن شعوره بعد إعلان فوزه بالجائزة :”لقد فوجئت لم أكن على اتصال مع أعضاء لجنة نوبل من قبل، كما أنه لم أكن متوقعاً، واعتقدت أن الاتصال خدعة. لكن بما أن خبر فوزي أصبح حقيقة فإن الأمر شرف رائع، وذلك يعنى أنني أسير على خطى أعظم المؤلفين الذين نالوا الجائزة، وهذا هو ثناء رائع".
يذكّر النقّاد بأن روايات إيشيغورو، أفضل الروايات الإنكليزية منذ الحرب العالمية الثانية، فيما صرح موراكامي، إن مواطنه من أهمّ الروائيين في السنوات الخمسين الأخيرة. تجاوز إيشيغورو لعبة الرواية الممتعة إلى الأدب الذي يكشف الحقيقة القاسية خلف تفاصيل الحياة اليومية، كتب عن الحياة التي يشوهها الكذب، وتساءل ما الذي يجعل الإنسان يتحول الى تابع لأفكار الآخرين، قال يوماً لزوجته إنه يريد أن يكتب رواية عن الناس الذين لايعرفون سوى الطاعة المطلقة. ولم يخطر في باله أنّ الفصل الذي استبعده من روايته الشهيرة”بقايا اليوم”- ترجمها الى العربية، طلعت الشايب - سيباع بمليون دولار عدّاً ونقداً، كان الأديب الشهي احتفظ بهذا الفصل الذي لم يعجبه في بداية الأمر، لكن جامعة تكساس رأت فيه مفتاحاً للدخول الى عالم هذا الروائي المثير للدهشة، وحين تسأله صحيفة نيويورك تايمز عن هذا الأمر يقول :”لو كنت أعرف أنّ هذه المسودات مهمة لتمسكت بها، مثلها مثل وطني الذي غادرته وأنا في الخامسة من عمري دون أن أنطق بكلمة وداع."
في بقايا اليوم، نقرأ عن رئيس الخدم الذي يعيش في قصر قديم يجد نفسه يتحول مثل المتاع من سيد الى آخر، وعليه أن يكون مخلصاً، إن لم يكن عبداً، إنه في خدمة هذا المكان حتّى وأن تغير صاحبه وفي النهاية، هو في خدمة الولاء المطلق، وحين يعرض عليه المالك الجديد أن يكون شريكاً يرفض، فهو لايصلح سوى لدور واحد هو دور التابع، وفي مشهد مؤثر يصب جام غضبه على الأقدار ويتساءل: هل كان من الضروري أن يموت والده في اللحظة التي سيقدم فيها الشاي لسيّده؟
أبطال إيشيغورو دائماً ليسوا هم أصحاب القرارات والمواقف العظيمة، يقول في حوار معه إن:”ابطالي هم الثانويون. هؤلاء الذين أبحث في طباعهم وضعفهم البشري عن تفاصيل الأنماط الجماعية".
ولد إيشيغورو في مدينة ناكازاكي المنكوبة بالقنبلة الذرية عام 1954 ثم انتقل في السادسة من عمره إلى بريطانيا مع عائلته، وبعدها بسنوات حصل على الجنسية البريطانية. وقد صنّفت رواياته ضمن قائمة لأعظم 50 روائياً انكليزياً منذ عام 1945.
روايته البوليسية”عندما كنا نياماً”والتي رشحت لجائزة البوكر – ترجمت الى العربية من قبل طاهر البربري - حاول فيها أن يتبع خطى البريطانية اغاثا كريستي، لكنه يعترف للصحافة أنه فشل فشلاً ذريعاً بالرغم من ولعه بقصص أغاثا كريستي البوليسية ومحاولاته تقليدها. كما قال إن دافعه لكتابة الروايات هو المحافظة على نسخة من بلده الأصلي اليابان آمنةً،:”أن أصون اليابان أدبياً”، وفي رواية عندما كنا نياماً، نقرأ حكاية قوم يتعافون من دمار القنبلة الذرية الواقعة على ناكازاكي، دمار كابدته كثيراً والدة إشيغورو. قال للصحافيين:”لقد أرادت أمي أن تبقي اليابان حيّةً في ذهني".
قال إنه كتب في التاسعة والثلاثين من عمره روايته”مَن لا عزاء لهم”وهو يخوض أزمة منتصف العمر، بعد أن أدرك أن الكُتاب يخطّون أجمل روايتهم قبل سن الأربعين.
في رواية”مَن لا عزاء لهم”التي ترجمها الى العربية طاهر البربري، نحن امام حكاية تدور فى إطار غرائبي، حيث نجد”رايدر”عازف البيانو يصل إلى قرية صغيرة ليقوم بعمل مهم، لكنه يواجه عالماً جديداً، فيختلط عنده الواقع بالحلم، وتكمن عناصر الإثارة في هذه الرواية في عدم الاستقرار الذي تشهده الأحداث باستمرار، فتدفع القارئ للتفاعل معها، ويُعد النقاد هذه الرواية، بأنها علامة في حياة إيشيغورو الأدبية.
وعلى الغرار نفسه يقدم لنا إيشيغورو رواية”فنان من العالم الطليق”- ترجمتها الى العربية هالة صلاح الدين - حيث نتعرف على اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما انتاب الشعب الياباني من مشاعر حين وجد نفسه إزاء حروب متواصلة، مرة يربح ومرات كثيرة يخسر. ومن خلال صفحات الرواية نقرأ معنى الخوف والهزيمة. يقول ايشيغورو عن روايته هذه إنها :”تُمدد وعي القارئ لتعلّمه أن يقرأ متسلحاً بالمزيد والمزيد من التبصر”.
في الرواية إدانة لوحشية الحروب، ويحاول إيشيغورو أن يحذرنا، لكنه في الوقت نفسه، يقدم حكاية تذكار عن المآسي. نقرأ على لسان البطل:”هؤلاء من أرسلوا الشباب إلى الميدان ليموتوا ميتتهم الشجاعة، أين هم اليوم؟ يواصلون حياتهم مثلما اعتادوا طيلة عمرهم، والعديد منهم أنجح من ذي قبل، يتصرفون بتأدّب أمام الأميركيين، هم عين الأشخاص الذين قادونا إلى الكارثة. ومع ذلك نلبس الحداد على الموتى. هذا ما يجعلني غاضباً. يموت الشبّان الشجعان لأسباب غبية، والمجرمون الحقيقيون ما زالوا معنا، يركبهم الخوف من أن يَظهروا على حقيقتهم، من أن يعترفوا بمسؤوليتهم".
في روايات إيشيغورو، سوف يجد القارئ نفسه أمام أشخاص عاجزين عن التواصل مع من حولهم، غير واثقين من صلاحية أفكار الحرب والسلام، وهو يقدم في معظم أعماله الروائية والقصصية، مجتمعاً ينقسم بين جيل يريد تكريس قدراته ليحقق أغراضاً نفعية، حتّى وإن كان عن طريق الحروب والموت والدمار، وجيل آخر يتطلع إلى مستقبل أفضل في ظل السلام.
في مقابلة مع جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون والذي ينافس بيل غيتس على لقب اغنى رجل في العالم بثروة تجاوزت الـ 90 مليار دولار، قال إنه تعلم من رواية”بقايا النهار”لإيشيغورو، كيف يحدّد مستقبله، وإن هذه الرواية لاتزال كتابه المفضّل.