كازو ايشيغورو الفائز الجديد بنوبل

كازو ايشيغورو الفائز الجديد بنوبل

جيمـــــس وود
ناقد اميركي
ترجمــة المـــدى
جيمس وود هو احد نقاد مجلة النيويووركر وقد كتب هذه المقالة بمناسبة فوز الكاتب الياباني كازو ايشيغورو بجائزة نوبل للاداب لعام 2017
كنت اتمنى أن يفوز الكاتب الألباني إسماعيل كاداري بجائزة نوبل في الأدب هذا العام، وتتكرر امنيتي هذه في كل عام. وبالنسبة لي مثل فوز كازو إيشيغورو بجائزة نوبل مفاجأة. وجعلني أتساءل عن عدد القراء الذين فكروا به كمنافس محتمل.

(حصل ايشيغورو على الماجستير لدورة الكتابة الإبداعية في جامعة إيست أنجليا، وهو تلميذ للروائية أنجيلا كارتر، وربما يكون أول خريج لدورة الكتابة الإبداعية يفوز بجائزة نوبل). وعند التمعن في اعماله، يمكنك ان ترى مدى أوجه التشابه بينه وبين كاتب بريطاني آخر حائز على جائزة نوبل ايضا، هو ويليام غولدينغ: فقد لجأ كليهما الى العالم المجازي والتاريخ واستخدم الفنطازيا في اعماله (تدور أحداث آخر رواية لإشيغورو، وهي”العملاق المدفون"، في بريطانيا في القرن السادس أو السابع ؛ ورواية غولدينغ”الوارثون”هي عن عائلة لانسان النياندرتال). وكلا الكاتبين يمارسون نوعا من النقاء رابط الجأش ببراعة، وأبتكرا بشكل مميز نوعا من الاسلوب الخاص بهم، صمد بثبات في وجه الموضات الأدبية، ومطاليب سوق النشر، و فهم النقاد القاصر لاعمالهم.
لقد كنت واحدا من هؤلاء النقاد. فقد أعجبت كثيرا بروايات إشيغورو المبكرة، مثل”فنان من العالم الطليق"، عام 1986، و”بقايا اليوم"، عام 1989 (و هذه رواية ممتازة). لكن رواية”من لا عزاء لهم”(1995)، التي تتحدث عن عازفِ بيانو طاعنٍ في السن ومتغطرسٍ يعيش في بلدة أوروبية مجهولة الاسم، كانت مسكونة الى حد كبير، بالانجراف، نحو الحلم الذي سعت إلى استحضاره. وكنت اعتقد أن رواية”العملاق المدفون”(2015)، التي اعجب بها على الأقل عضو واحد في لجنة نوبل، هي حكاية رمزية مكتوبة باحتراف عالي وغموض شديد في ذات الوقت.
اما رواية”لا تدعني ارحل (2005)، فهي بالتأكيد واحدة من الروايات المهمة في زمننا المعاصر ويرجع ذلك جزئيا الى ان إيشيغورو استطاع ان يمزج فيها ببراعة الواقعية والخيال لإنتاج رمز لقوة عميقة ومتريثة.
تدور احداث الرواية في مدرسة داخلية تدعى هيلشام، وتروى احداثها بشكل كامل، وفي نمط من الانضباط العقابي تقريبا، على لسان امرأة شابة تدعى كاثي. هايلشام تبدو مشابهة تقريبا لأية مدرسة بريطانية اخرى، ولكننا نبدأ بشكل تدريجي في التعرف على الاختلافات الهائلة: بل هي في الواقع مدرسة للأطفال المستنسخين، حيث يتم استخدام أعضائهم البشرية في خدمة البريطانيين العاديين، الاكثر حظا، الغير مستنسخين وفي نهاية المطاف يتم استدعاء الأطفال المستنسخين”، ويجبرون على التبرع بكلياتهم أو رئاتهم. وعند الوصول الى المرحلة الرابعة من (التبرع)، التي يكون فيها المتبرعون في أوائل العشرينات من عمرهم، تكتمل العملية". و يموتون، بعد أن أدوا وظيفتهم.
و يعود جزء كبير من نجاح الرواية الى الطريقة التقليدية التي تروي فيه البطلة احداث الرواية، وإن كانت محبطة في البداية،. ويبدو أسلوبها المثير وكانه يعمل إلى حد ما بالضد من الفنطازيا التي تستلزمها الرواية. فهي تزيل عنصر الخيال العلمي. ومثل رواية كافكا العظيمة”القلعة"، فإن القصة محاصرة في عقباتها وإحباطها، حيث أن شخصياتها محاصرة في الطاحونة، وبذلك فهي لا تشبه إلى حد بعيد الروايات الرمزية. كما أن تلاوة كاثي الدنيوية للوقائع تسفر أيضا عن خضوع خفي (باستخدام لغة إنجليزية عادية!): هذه هي الطريقة التي تتبعها، ولا توجد اشارة على محاولة لتغيير شروط اللعبة أو القفز من قائمة الانتظار.
"لا تدعني ارحل”هي رواية جميلة ومرعبة لأنها تعمل بشكل ممتاز في مستويات مختلفة: بل هي نوع من المحاكاة الساخرة للغة الإنجليزية المستخدمة في مناهج المدارس الداخلية. وتمثل نقدا لبعض ابتكارات التكنولوجيات الطبية الناشئة؛ وقبل كل شيء، هي دليل مقنع لكيفية العيش معا لأننا جميعا نتشابه وليس هناك فروق بيننا، وبين الأطفال المستنسخون من هيلشام الذين يصدمون في نهاية المطاف انهم يتجادلون ويتقاتلون، ويحلمون ويبدعون، يقعون في الحب ويمارسون الجنس، مثل طلاب المدارس الآخرين. ولكن لأننا نعلم أنهم سيموتون قريبا، فإن حياتهم تبدو لنا، مثل المحاكاة الساخرة القاسية للوجود الطبيعي والصحي والحر. ولكن الا يمكن أن ننظر إلى حياتنا أيضا على أنها محاكاة ساخرة للحرية الحقيقية؟ فقط لأن لدينا وعد بالعيش حتى سن الثمانين بدلا من العشرين، لماذا تاخذ حياتنا أهمية ميتافيزيقية و يتم رفضها تلقائيا لتتحول إلى وجود مختصر لمراهقين مستنسخين؟ سوف تنتهي حياتنا أيضا، في يوم ما،”". الأطفال المستنسخون يعيشون حتى يحكم عليها بالإعدام بعد فترة قصيرة. وبالتأكيد فان حياتنا هي ايضا محكوم عليها بالإعدام ولكن بعد فترة أطول؟”رواية لا تدعني ارحل”تتعمق في حياتنا على هذه الأرض، وتصل إلى نفس النتيجة القاتمة كما فعل باسكال ذات مرة (باستثناء، أن باسكال يؤمن بالله كونه يمثل خلاصنا الضروري من هذه الكآبة). يقول الفيلسوف الفرنسي:”تخيل عددا من الرجال مقيدين السلاسل"، وكلهم محكوم عليهم بالإعدام، وبعضهم يعدم يوميا على مرأى من البقية. اما البقية فقد تركوا ليواجهوا مصيرهم المشابه لمصير زملائهم، و وسط مشاعر الحزن واليأس، يكونون في حالة من الانتظار حتى يحين دورهم: تلك هي صورة لحال الإنسان.

عن مجلة النيويوركر