الازهر ومسرحية الحسين ثائرا  والحسين شهيدا... شيء من التأريخ وأشياء من الحاضر؟

الازهر ومسرحية الحسين ثائرا والحسين شهيدا... شيء من التأريخ وأشياء من الحاضر؟

سمير الربيعي
قيل عنه لو لم يكتب إلا رواية”."الحسين ثائراً، والحسين شهيداً”مسرحية” لكفته اسماً لامعاً في سماء الأدب العربي، إنه ذلك المفكر الإسلامى والمثقف اليساري والشاعر والأديب والروائي والصحفي عبد الرحمن الشرقاوي،تلك المسرحية والتي تعد من المسرحيات أو الروايات ممنوعة التقديم على خشبة المسرح المصرى ومجرد التفكير أو التلميح بتقديمها من قبل صناع المسرح تجد فتاوى المنع والمصادرة كالأمطار تندلع من شيوخ الأزهر لتمنع وتحرم وتصادر الأفكار قبل ولادتها.

والتي تروي لقارئ هذا العصر ولمشاهد المسرح أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله، وهي بطولة الحسين الثائر وذلك بأسلوب روائي مسرحي.غاية في الروعة لان للحسين جاذبية أرضية وسماوية في وقت واحد تجذب الكثير من الناس على أختلاف معادنهم وأديانهم ومذاهبهم ومللهم،وكل من عرف الأمام الحسين معرفة حقيقة يحس أن هناك شيء يجذبه أليه ويأخذ بقلبه، ويشعر أن قوى غيبية تسحبه سحباً وترغمه على حبه أرغاماً، فينعكس ذلك على حياته وسلوكه،وذلك ما حصل مع اديبنا الكبير.فقد نشأ الحب الكبير منذ كتابه”علي إمام المتقين"، الذي أهداه إلی أخيه الدكتورعبد الغفّارقائلا«إنهّا صفحات عن إنسان عظيم تعوّدنا أن نحبّه منذ الصغر وحفظنا عنه كلماته الجميلة ما زالت قلوبنا..تخفق بحبه لا لأنّ آباءنا علّمونا أنّنا من ذرّية ابنه الحسين فحسب ولكن حين تعرّفنا عليه أكبرنا فيه تلك الفضائل الرائعة التي تجعل الإنسان قادراً علی أن يدافع عن الحق والحرّية والعدل مهما تكن صولة الباطل.»وفي ملحمته عن الامام الحسين جاء اهدؤه هذه المرة لامه.

.«إلى ذكرى أمى أهدى مسرحيتى (الحسين ثائراً) و(الحسين شهيداً) لقد حاولت من خلالهما أن أقدم للقارئ والمشاهد المسرحى أروع بطولة عرفها التاريخ الإنسانى كله دون أن أتورط فى تسجيل التاريخ بشخوصه وتفاصيله التى لا أملك أن أقطع فيها بيقين”فقد اقتفى الشرقاوي أثر أمه منذ الطفولة وسمع دعاءها وتوسلها عند مسجد الحسين (عليه السلام) ومسجد السيدة زينب (عليها السلام) في القاهرة فنمت مشاعره بهذا الاتجاه وبدأ بحثا مضنيا عندما شب وترعرع وبوعيه الثقافي تتبع شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) فاستجمع تاريخه على يدي سنين حياته فعاش الحسين (عليه السلام) في وجدانه وكيانه وأصبح عنده رمزا عاليا لا تماثله أي شخصية نضالية في العالم. بهذا بالإهداء
بدأ الشرقاوى روايته التى تدور حول الأزمة التى فجرها معاوية بن أبى سفيان الذى قرر -قبل وفاته- البيعة لابنه يزيد ضد رغبة جموع المسلمين.

نظرة تاريخية..

تسلم يزيد قيادة الدولة الإسلامية بعد هلاك أبيه وبإجماع المؤرخين انه لم تتوفر فيه أية صفه كريمة أو نزعة شريفة فقد خلد إلى اللهو وشرب الخمر والقنص وغير ذلك من الأعمال التي يقترفها سفلة المجتمع الذين لا يرجون لله وقارا وقد ابتدأ حكومته بإشاعة الظلم ونشر الجور والفساد في الأرض رفض الإمام الحسين (عليه السلام) بيعة يزيد رسميا في أروقة الحكم الأموي وذلك حينما استدعاه حاكم المدينة الوليد ابن عقبة في غلس الليل وفهم الإمام ما أراد منه فاستدعى أهل بيته وامرهم بمصاحبته ليقوموا بحمايته وقال لهم إذا سمعتم صوتي علا فادخلوا عليَّ بجمعكم وسار الإمام فصحبته الفتية فدخل على الوليد ولما استقر به المجلس نعى إليه معاوية فاسترجع الإمام الحسين (عليه السلام) وقال له :

•- (لماذا دعوتني)؟
•- (دعوتك للبيعة).

واستمهله الإمام حتى الصبح ليجتمع الناس وقد أراد بذلك أن يعلن إمام الجماهير رفضه الكامل لبيعة يزيد وخلع طاعته وكان في المجلس مروان ابن الحكم الذي هو من أعمدة الباطل فأندفع لإشعال نار الفتنة فصاح بالوليد :

(لان فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينه احبسه فان بايع وإلا ضربت عنقه...)
ووثب أبو الامام في وجه الخبيث الدنس مروان فقال له :(يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم كذبت والله ولؤمت)

ثم التفت أبو الأحرار إلى الوليد فأعلن رفضه لبيعة يزيد وعدم استجابته قائلا :

(أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة بنا فتح الله وبنا ختم يزيد رجل فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة...)

ولم يتخذ الوليد مع الإمام أي إجراء وإنما قابله بالتكريم فخرج الإمام منه واستاء منه مروان ووجه له لوما وعتابا قائلا :

(عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا)ورد عليه الوليد ببالغ الحجة قائلا :
(ويحك يا مروان أشرت علي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن املك الدنيا بأسرها واني قتلت حسينا سبحان الله أأقتل حسينا أن قال : لا أبايع والله ما أظن أن أحدا يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان ولا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب اليم.) وسخر منه مروان وراح يقول بسخرية :(إذا كان هذا رأيك فقد أصبت) (تاريخ الطبري)

على الرغم من اعتماد الشرقاوي في مسرحيته هذه على مرجعية تاريخية لأحداث واقعة الطف وحسب تسلسل تفاصيل أحداثها وعلاقة ذلك بمكان وزمان الحدث , وتأثير ذلك الحدث على أفعال الشخصيات بحسب موقعها في طرفي الصراع

بعد ذلك يتوقف النص عند موقف تاريخي مهم له مكانته الخاصة في نفوس المسلمين , وهو لحظة وداع الرسول الكريم محمد (ص) , وبذلك يكون الشرقاوي قد ألمح إلى الانطلاقة الأولى والقاعدة الأساس للثورة الحسينية المباركة التي رصنت بنيان الدين الإسلامي وأسهمت في بقائه الأزلي.

لقد اهتم الشرقاوي في بداية مسرحيته بمشهد أساس يجمع بين (محمد بن الحنفية والإمام الحسين عليهما السلام) , لأهمية ما يتميز به هذا الموقف التاريخي من أبعاد إيمانية ومبادئ ثابتة كشفت عن معاني الأخوة وتقديم النصيحة والأخذ بالمشورة على وفق المبادى الإسلامية نفسها. فضلا عن ذلك أن هذا الموقف هو البداية التي انطلق منها الحسين (ع) متوجها نحو الواقعة.

أما ما يتعلق بأسماء الشخصيات، فلقد اعتمد الكاتب الأسماء التاريخية الصريحة وألقابها المعروفة فنجد الشخصيات مثل (حبيب بن مظاهر , وزهير بن القين , ونافع , وابن عوسجة , وسكينة , وزين العابدين , والمختار الثقفي) وغيرهم , بالإضافة إلى اهتمام الكاتب بالمكان والزمان في كل مشهد من مشاهد المسرحية , ففي المنظر الأول من الفصل الأول نراه يثبت الأتي :”بادية بجنوب العراق على مقربة من كربلاء تتناثر فيها التلال.. الحسين ورجاله وفتيانه يتفرقون في المكان على المرتفعات والمنخفضات.. سعيد يقف على أعلى المرتفعات وهو يتأمل الأفق البعيد تحت الشمس المتوهجة التي تغمر المكان كله”

واود التنويه إلى ما ذكره (محمد جواد مغنية) في كتابه الموسوم (الحسين وبطلة كربلاء) عن مسرحية الشرقاوي هذه عندما قدمت لأول مرة وبخطوة جريئة على المسرح القومي المصري ومن إخراج (كرم مطاوع) عام 1972 م , وبعد الموافقات الرسمية للمسرحية من قبل علماء الأزهر واستشارتهم عن الطريقة التي سوف تظهر بها شخصيتا (الحسين و زينب عليهما السلام) بمثابة رواة لما تقوله الشخصية , ولكن وبعد إكمال العمل وصرف المبالغ فوجئ الجميع بان الأزهر له وجهة نظر أخرى فيما يخص الجمع بين الجزأين للمسرحية , وتبدو هذه حجة لا أكثر الغرض منها منع عرض المسرحية في حينها بعد أن اكتملت في شكلها النهائي الجاهز للعرض والذي شاهده حينها عدد من المسرحيين والنقاد , ومنهم الكاتب أمير اسكندر الذي كتب عن هذه التفصيلات في مقالة له بعنوان (ثار الله) والمنشورة في جريدة الجمهورية المصرية في 18 / 2 / 1972م , كل هذا إنما يؤكد محاربة الرقيب لاستثمار الواقعة في مجالات إعلامية وفنية إبداعية بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة ومن قبل بعض السلطات العربية التي لا تريد الاعتراف بجورها وظلمها إزاء شعوبها , ولذلك فهي تخاف الاقتراب من قضية الإمام الحسين (ع) أو التعرض لذكر واقعته في أي محفل إعلامي أو فني يمثـلها أو يرزح تحت تسلطها.

وكتب الاستاذ حسين الهلالي مقالة في الحوار المتمدن اسماها مأساة الحسين في المسرح العربي جاء فيها...
لقد اكتسبت المسرحية شخصيتها اللغوية والبيئية وميزتها عن ألوان الأدب المسرحي المتأثر بتيارات الغرب والشعر الملحمي الإغريقي وتمكن الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي أن ينطلق ويحلق بالكلمة البلاغية نحو الإبداع والسمو المشحون بالعاطفة لأنه يمتلك القدرة على التصوير وبتفاعل مع الأحداث باندماج كلي يعينه بذلك فهمه الثقافي وثروته اللفظية من اللغة التي يمتلكها، أنه عالج موضوعا تاريخيا شغل بال كل الإسلاميين الأحرار الذين اتخذوه طريقا للخلاص على مر الأجيال، كذلك تأثر به غير المسلمين من طالبي الحرية في العالم، لقد رسم الخصوصيات من خلال تشابك واضطراب حاضرنا الذي ساده الظلم والاضطهاد والقمع.

وقد استهوت المسرحية بأجزائها الكثير من المخرجين بأن تقدم على المسرح المصري وكان أبرز هؤلاء المخرجين المخرج المرحوم كرم مطاوع الذي جند نفسه لإخراجها مع نخبة من ألمع نجوم المسرح المصري آنذاك مثل عبد الله غيث وسميحة أيوب.والكتابة عن فنان كبير مثل كرم مطاوع بها قدر من الصعوبة، لأنه كان فناناً متعدد المواهب، فهل نتحدث عنه كأحد أهم مخرجى المسرح فى الستينات والسبعينات، أو كأستاذ أكاديمى متمكن تخرج على يديه العديد من الفنانين، أم ممثلاً مبدعاً قدم عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية التى لا تنسى، فقد كان موهبة متفردة استطاع أن يترك بصمة فى تاريخ الفن المصرى..لا يمكن الحديث عن المسرح فى حياة كرم مطاوع دون أن نذكر مسرحية”ثأر الله”أحد أحلام كرم مطاوع التى لم يستطع تحقيقها، حيث كتبها عبد الرحمن الشرقاوى بجزأيها”الحسين ثائراً”و”الحسين شهيداً”عام 1969، وفى عام 1972 اتفق معه كرم مطاوع على تحويلها لعمل مسرحى، وبدأوا بالفعل فى عمل البروفات، ولكن حدثت أزمة كبيرة مع الأزهر نتيجة لاعتراضه على تجسيد الشخصيات التى تنتمى لآل البيت ضمن أحداث المسرحية، فتم الاتفاق على حل وسط، وهو أن يبدأ الفنان عبد الله غيث الذى يجسد شخصية الإمام الحسين كلامه بعبارة”قال الحسين"، وأن تفعل أمينة رزق التى كانت تجسد شخصية السيدة زينب ذلك أيضاً،
وقام كرم مطاوع بدعوة عدد من الصحفيين والكتاب والمبدعين لمشاهدة البروفة مع المسئولين على الرقابة على المصنفات الفنية، وعدد من علماء الأزهر..لكن مشيخة الازهر كانت غير متحمسه لأي عمل لعبد الرحمن الشرقاوي؛ خصوصاً بعد معركته الشهيرة مع شيخه الإمام الجليل الدكتور عبد الحليم محمود، وهى المعركة التي بدأت حين كتب شيخ الأزهر مقالة فى آخر ساعة قال فيها”ومما يستلفت النظر أن العشرة المبشرين بالجنة كلهم من الأغنياء". فرد عليه الشرقاوي الذى كان مسكوناً بالدفاع عن الفقراء وحقوقهم، بمقالة شهيرة عنوانها”لا يا صاحب الفضيلة”مضمونها أن الأغنياء لا يشترون الجنة بأموالهم وأن تاريخ الإسلام زاخر بفقراء لم يمنعهم فقرهم من العمل والتقرب إلى الله. ورغم العمر القصير للمعركة التي انتهت قبل وفاة الدكتور عبد الحليم محمود بعد نحو شهرين من المقال، إلا أن عدداً من تلاميذ الشيخ والنافذين داخل مؤسسة الأزهر ظلوا حانقين على الشرقاوي ويعتبرونه شيوعياً يستخدم الدين ستاراً للترويج لأفكاره اليسارية. وبسبب هذا الموقف عارضوا ترشيحه لجائزة الملك فيصل. وفى عام 1987 ذاب الجليد بين الشرقاوي والأزهر بعد أن تولى أحد كبار علمائه وهو الدكتور عبد المنعم النمر الدفاع عن آراء الشرقاوي -باعتباره باحثاً محترماً ومجدداً أثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات هامة منها أئمة الفقه التسعة- وتحمس للمسرحية. والفعل عُرضت المسرحية مرة أخرى على الرقابة التي أحالتها للجنة من علماء الأزهر فأبدوا 4 تحفظات رئيسية؛ أولها ظهور الحسين، وثانيها ظهور السيدة زينب وتم التحايل على التحفظين بأن يتحدث الممثلون بصيغة المفرد الغائب أي يبدأ عبد الله غيث -الذى لعب دور الحسين- بقوله «يقول الحسين....». وكذلك فعلت أمينة رزق التي لعبت دور السيدة زينب. أما التحفظ الثالث فكان حذف الأبيات التي تسب آل معاوية باعتباره صحابياً وأخيراً تغيير اسم”ثأر الله”، فاستقر الشرقاوي على”الحسين ثائراً”عنواناً لجزئي المسرحية بعد دمجهما وتمت إجازة المسرحية. وقرر وزير الثقافة -الدكتور أحمد هيكل وقتها- تحقيق حلم الشرقاوي فى أن يرى الحسين على المسرح. لكن عجز المسرح القومي ثم المسرح الحديث عن تمويل العمل، ثم مات الشرقاوي فى 10 نوفمبر ومعه توقفت المسرحية مرة أخرى لأجل غير مسمى، فلم يكن هناك من يتحمس كثيراً لها لاعتبارات كثيرة؛ منها أن فاروق حسنى، الذى جاء وزيراً للثقافة بعد هيكل، لم يكن على وفاق مع الشرقاوي الذى هاجمه واعتبره أقل من أن يكون وزيراً لثقافة مصر ثم إن مضمون المسرحية مرة أخرى لم يكن موضع ترحيب نظام مبارك الذى لن يقبل بما رفضه السادات الأوسع صدراً والأكثر فهماً، ورحل الشرقاوي في 10 نوفمبر سنة 1987