حقيقة الألحان والأغاني المنسوبة للسيد درويش وعلاقتها بالفنان الملا عثمان الموصلي

حقيقة الألحان والأغاني المنسوبة للسيد درويش وعلاقتها بالفنان الملا عثمان الموصلي

فنان وموسيقي عراقي
جعفر حسن
بلا شك أن سيد درويش فنان مصري متميز ساهم في ارساء النهضة الموسيقية الحديثة في مصر وقدم العديد من الألحان والأغاني والأوبريتات والموشحات، ولكن هناك حقيقة تأريخية موسيقية مثبته منذ المؤتمر الموسيقي العربي الثاني الذي انعقد في بغداد عام 1964 في قاعة الشعب حين قدم الباحث العراقي الدكتور صديق الجليلي وثائق سمعية وبصرية

(نوتات مكتوبة وكلمات و إسطوانات حجرية وشريط معدني ممغنط على جهاز ريكوردر قديم) (وقد شاركت شخصياً في حينها بغناء بعض الموشحات الأندلسية والعراقية والأغاني التراثية بقيادة الفنانين الأستاذ جميل سليم والأستاذ وروحي الخماش كما حضرت جميع جلسات المؤتمر الثاني للموسيقى العربية وإستمعت لمقرراته).

أن كثيراً من الألحان التي نسبت للسيد درويش هي من الحان الموسيقار العراقي الملا عثمان الموصلي الذي تدرب على يديه سيد درويش حين قدم للشام ضمن فرق مسرحية غنائية منها (فرقة أمين وسليم عطا الله) في بداية القرن العشرين وبقي لفترة طويلة سافر خلالها الى مدينة الموصل قاصداً الملا عثمان الموصلي وبقى لفترة في بيته ملازماً له، كما التقى به للمرة الثانية في الشام ونهل من فنونه وعلومه الموسيقة الكثير كون الملا عثمان كان مشهوراً وقتها بموشحاته وأغانية وأدوارة الغنائية.
ومن الألحان التي عرضت في المؤتمر وهي من الحان الملا عثمان الموصلي (موشح ياشادي الألحان وزوروني بالسنة مرة حرام (وأصل الأغنية دينية زوروا قبر النبي) وطالعة من بيت ابوها واغنية طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة وأغنية مارابط وأغنية دزني وأعرف مرامي وأغنية فوق النا خِل التي أصبحت لاحقاً فوق النخل كخطأ شائع) وغيرها كثير.
توشيح زوروا قبر النبي مره - بصوت الشيخ عبد الفتاح معروف
المعروف عن الملا عثمان الموصلي الفنان المتصوف أنه قد أسس كلية في إسطانبول في القرن التاسع عشر بدعم السلطان العثماني كونه يتقن اللغة التركية والعربية والفارسية لتدريس طرق القراآت السبع للقرآن والموشحات الدينية والأذكار وكان عازفاً للناي والقانون والعود والكمنجة والإيقاعات وملحناً بارعاً ترك لنا أجمل الألحان والأغاني ومن الجدير بالذكر أن الإسطوانات التي سمعناها وسمعها المؤتمرون في مؤتمر الموسيقى العربية الثاني غنى فيها الملا عثمان الموصلي بعض الأغاني بالعربية والتركية وكان المذيع يقدمه في بداية الإسطوانة كملحن ومغني للأغاني الآنفة الذكر وقد أُنتجت تلك الإسطوانات في استانبول والمانيا قبل نهاية القرن التاسع عشر بفترة وبداية القرن العشرين حينها لم يكن السيد درويش موجوداً أصلاً على الساحة الفنية. وعليه فقد قررت اللجنة المشرفة على المؤتمر الثاني للموسيقى العربية والمكونة من كبار علماء الموسيقى والفنانين العالميين والعرب والعراقيين بأحقية الفنان العراقي الملا عثمان الموصلي بتلك الأغاني والألحان إستناداً للوثائق والتسجيلات الصوتية من الإسطوانات الحجرية والبكرات المعدنية الصوتية القديمة على جهازي نوع (ريفير وكذلك جهاز كروندنك) وفي حينها إحتج الوفد المصري على قرار اللجنة وأذكر أنهم تركوا القاعة إحتجاجاً، ولكن الإعلام العربي المتحيز لحد الآن لا يذكر بأحقية الملا عثمان الموصلي بتلك الألحان بل لازالوا مصرين على تنسيبها للسيد درويش. وكنت أتمنى من اللجنة الوطنية للموسيقى العراقية على مدى عقود من تأسيسها أن تهتم بتراث الفنان العراقي الخالد الملا عثمان الموصلي كواحد من كبار الملحنين والفنانين العراقيين إسوة بالشعوب الأخرى التي تخلد فنانيها ومبدعيها وتدافع عن نتاجاتهم وإبداعاتهم وإرثها الفني والثقافي (والجدير بالذكر أن وزارة الثقافة العراقية قد أقامت في عام 2006 مهرجاناً للملا عثمان الموصلي في مدينة أربيل حضرته شخصياً وقدمت بعضاً من أغانيه) ولكن شاب المهرجان بعض التقصير في الإعداد والتحضير بالرغم من مشاركات بعض الإخوة الباحثين الموسيقيين القيمة ولكن كنت أتمنى أن تذكر احقية الملا عثمان بتلك الأغاني والألحان والأعمال الفنية التي تحدثنا عنها والتي نسبت للسيد درويش بل وسطى عليها الآخرون أيضاً. وأن تثبت بإسمه إستناداً لمقررات مؤتمر الموسيقى العربية الثاني.
يعود للفنان الملا عثمان الفضل الكبير في إنتاج أروع الألحان والأغاني والموشحات العراقية والتي أصبحت جزأً من تراثنا الغنائي والتي لازالت تردد ليومنا هذا ليس في العراق فقط بل وفي كل الدول العربية والشرق الأوسط وغيرها. سيبقى الموسيقار الفنان الملا عثمان الموصلي رمزاً ثقافياً وفنياً عراقياً تفخر به الأجيال برغم تجاهل الإعلام العربي والعراقي والمؤسسات الفنية والثقافية العراقية المختلفة ووزارة الثقافة بأرث هذا الفنان الكبير والدفاع عنه وحفظه من الضياع كأحد الفنانين والمبدعين العراقيين الخالدين.
بإنتظار الإخوة الفنانين والباحثين والنقاد وإضافاتهم حول هذا الموضوع وذلك من أجل حفظ تراثنا وثقافتنا وموسيقانا العراقية من الضياع والإهمال.
عن صفحته
في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)