الدكتورة سانحة امين زكي: كان قص المرأة لشعرها جريمة!

الدكتورة سانحة امين زكي: كان قص المرأة لشعرها جريمة!

الدكتورة سانحة امين زكي من مواليد بغداد.. تخرجت من الثانوية المركزية للبنات، دخلت الكلية الطبية في بغداد كاول فتاة عراقية وتخرجت عام سنة 1943..تعينت في كلية الطب عام 1944..درست الطب في لندن في الخمسيبيات..تعد واحدة من رائدات الطب في العراق.. هذا الحوار اجري معها عام 1965 ونشرته مجلة العاملون في النفط

الفتاة العراقية تقف اليوم جنبا الى جنب مع الرجل.. ولم تتح لها فرص التعليم والعمل والحرية فقط، بل تجاوزت ذلك الى مجاراة التقليعات المختلفة. فاحدث الازياء التي تعرض في باريس مثلا يمكن ان نراها في بغداد بعد اسبوع. ومواد التجميل الجديدة التي تنتج في البلدان الاخرى يمكن ان نراها موجودة خلال الشهر نفسه في عاصمتنا ولكن الفتاة العراقية اليوم تجهل كيف بدات النهضة النسوية عندنا وابعاد التضحيات التي قدمت من الرجال والنساء على حد سواء من اجل ازاحة الحجاب على سبيل المثال ومن اجل نيل حقوق المراة بشكل عام.
في هذا اللقاء نتحدث الى الدكتورة سانحة امين زكي وهي واحدة من السيدات المثقفات بشكل موجز عن تاريخ النهضة النسوية في بلدنا.
• متى بدات النهضة النسائية الحديثة عندنا وكيف؟.
- اطل القرن العشرون على العراق ولايزال هذا البلد يعيش في القرون الوسطى بالنسبة للبلدان الاخرى فقد كان متخلفا حتى بالنسبة للبلدان العربية الاخرى مثل مصر التي سبقتنا بمائة عام تقريبا.. اذ احتكت بالمدينة الاوربية منذ بعثة نابليون العسكرية وبعدها مباشرة بدات نهضة عهد الخديوي محمد علي. سوريا (وكانت تشمل ما نعني اليوم بسوريا ولبنان وفلسطين) وكانت لديها الجامعة الامريكية في بيروت والجامعة الفرنسية ايضا ولم تبدا رياح التغيير ولااقول عواصف التغيير في العراق حتى سنة 1908 أي بعد الانقلاب العثماني.لااقول عواصف التغيرات لان التغييرات سارت في بلادنا بصورة تدريجية وبطيئة اذ فتح الانقلاب العثماني نافذة على الغرب ودخل من تلك النافذة هواء جديد اخذ تياره يبدل الاجواء التي ركدت في البلاد لمدة قرون طويلة
من هذه النافذة دخلت الحضارة الغربية الحديثة باضوائها الساطعة فبهرت الابصار وكان ذلك بداية عهد جديد.
• وكيف تقبل الناس هذه التغيرات؟.
- قلة قليلة من الرجال هللت ورحبت بالنهضةوتبنت قضية المراة واخذت بيدها كما اخذ الوالدان بيد طفليهما الصغيرين ولكن الاكثرية الساحقة من الرجال نظرت بعين الشك والريبة الى المدينة الجديدة وكرهت ان تعترف بتفوقها او ان تغيير مجرى حياتها وليس ذلك بغريب لان المجتمعات تكره الاعتراف بتفوق الغير وتكره اكثر من ذلك الاعتراف بكونها على الخطا ويكون الاخرون على الصواب. ولم تكن المراة في البداية مغزى التطور لجهلها الفظيع ولكنها بعد ان تعلمت سرعان ما تنبهت وتطورت ونضجت واخذت زمام الامور بيدها وسارت من نجاح الى نجاح رفيقة للرجل ونصيرة مخلصة.
• عن أي طريق بدا التغيير في البداية؟.
- العلم هو اساس التطور والتغيير بدا منذ انشاء المدارس لتعليم البنات.. وتعليم البنات كان مقتصرا على الكتاتيب والملالي وحتى الملا كان يتردد الكثير من الرجال في ارسال بناتهم اليها. ولم تكن تلك الكتاتيب الا محلات قذرة رطبة تديرها ملا جاهلة امية كل ميزتها انها تحفظ القران الكريم كالبيبغاء دون ان تفقه معانيه العميقة.
- وأنا ارى من المناسب ان اذكر قصة طريفة جاءت في (معجم العراق) لتعريف القراء بما كان عليه الوضع انذاك بشان المراة وتعليمها.
وقد قرات هذه القصة في كتاب الاساتذة صبيحة الشيخ داود.. والقصة تقول.. ارتاى الوالي نامق باشا سنة 1900 انشاء اول مدرسة للبنات في العراق وفي بغداد باسم (اناث رشدية مكتبي) وقرر الوالي ان يعرض على (مجلس معارف ولاية بغداد) هذا الموضوع فلما جمعهم وعرض عليهم ما قرره فوافق الجميع الا انهم اخذوا يتباحثون في امر البناية التي تصلح ان تكون مقرا لمدرس البنات فطال جدلهم وتعددت شروطهم في تلك الدار اذ كان رايهم ان تتصف بالصفات التالية :-
ان لاتكون احدى الدور المجاورة مشرفة عليها
2- ان لاتكون شبابيكها مطلة على الشارع
3- ان لايكون في الدور المجاورة لها اشجاراً عالية والغاية لكي لاتتعرض الفتيات اثناء فرص الاستراحة لاشراف احد المجاورين وكان الشاعر جميل صدقي الزهاوي صامتا وهو احد اعضاء المجلس البلدي ولايبدي رايا. حتى اذا سكت الجميع دون التوصل الى نتيجة تكلم قائلا:
ان الشروط والاوصاف التي بينها حضرات السادة الاماجد لاتنطبق الا على بناية واحدة لم ار اليق منها مدرسة بنات.
قال الوالي : هات يا استاذ..!
اجاب الزهاوي : ان البناية هي حوض منارة سوق الغزل انه اعلى مكان في بغداد والفتيات يصعدن على سلالمه دون ان يراهن احد وليس له شبابيك ثم اذا تعلمن لايسمع لهن صوت.
رفض دعوة المس بيل
ما هي ردود الفعل لدى ابناء الشعب ازاء هذه التطورات التاريخية الماضية؟.
- لم تلاق المدارس التي افتتحت في العهد العثماني او مدرسة السيد زهرة خضر مالاقته دعوة المس بيل من المقاومة لدى بعض افراد الشعب اذ اعتبرت الدعوة الى فتح مدارس تديرها مدرسات اجنبيات خروجا بالفتاة عن الطريق السوي. وانحرافا عن العادات والتقاليد السائدة وذلك بسبب صدور الدعوة الى افتتاح المدارس من قبل سيدة اجنبية لان الناس كانوا ينظرون الى تلك الدعوة بعين الشك والريبة ولكل دعوة تصدر من حكومة الاحتلال فتعرضت المدرسة الى عاصفة من الانتقادات وصلت الى الشتائم بل حتى الرجم بالحجارة الى المدرسة مما اضطر السلطات الى اتخاذ الاحتياطات اللازمة لسلامة الطالبات والمدرسات والمعلمات. وذلك بوضع حراس من رجال الشرطة.
تطورات جديدة بعد الاحتلال.
• وماذا حدث بعد الاحتلال وقيام حكم وطني
- لقد فتحت مدارس اخرى من قبل وزارة المعارف العراقية.. وفي سنة 1924 كانت هناك اربع مدارس (المركزية للبنات) والبارودية وشعبة المركزية والحيدرية. وفي سنة 1928 افتتحت اول مدرسة ثانوية للبنات في بغداد وهي ثانوية المركزية وفي سنة 1933 تقدمت اول فتاة للدراسة العالية في كلية الطب هي ملك غنام. ابنة المرحوم رزوق غنام وكانت قد تخرجت من بيروت وقد واجهت معارضة اضطرت معها والدها الى الذهاب الى البلاط لمقابلة الملك فيصل الاول الذي استمع اليه ثم امر بقبول الطالبة.
وفي سنة 1936 دخلت كلية الحقوق اول طالبة هي الاستاذة صبيحة الشيخ داود وفي سنة 1937 قبلت اول دفعة من الطالبات في كلية دار المعلمين العالية ثم اخذت الطالبات بتقديم الطلبات للقبول في الكليات والمعاهد الاخرى وفي الوقت نفسه اتجهت بعض الفتيات الى الدراسة خارج العراق وحصلن على البعثات الحكومية في مختلف الفروع الدراسية في معاهد بيروت والقاهرة واوروبا وامريكا.

بداية السفور وقص الشعر
• وسفور المراة.. هل كانت هناك معارضة شديدة له؟.
- كانت عادة حجاب المراة سائدة في العراق كما في سائر الاقطار العربية والاسلامية حتى نهاية الحرب العالمية الاولى ومع تطور حركة التعليم والثقافة بدات الدعوة الى السفور وكان الفضل في ذلك يعود الى حركة بسيطة بدات في احدى المدارس الابتدائية للبنات في سنة 1924 في بغداد واثارت الحركة المديرة السيدة معزز برتو سمحت المديرة للطالبات بالاشتراك بالاحتفالات التي جرت لاستقبال الملك غازي ولي العهد انذاك وهن سافرات في زي الكشافة تتقدمهن طالبتان بالعلم العراقي واهتزت الاوساط الرجعية ونددت بالمديرة ووصفوها بابشع الاوصاف ولكن افراداً قلائل من ناصر السيدة المديرة.
اسماء بعض مناصري المراة
• ومن هم الرجال الذين ناصروا قضية المراة العراقية؟.
- قلة قليلة من مثقفي الرجال وقفت الى جانب المراة وناصرت قضيتها ولكنها قلة وقفت الى جانب الحق ضد الرجعية ويجب على نساء الجيل الجديد معرفة اسماء اولئك الرجال الكرماء الذين وضعوا اقلامهم ومواهبهم في خدمة قضية المراة.
- ومن الشعراء الشاعر معروف الرصافي القى قصائد عديد في ندوات عامة ونشرها في الصحف المحلية طالب بسفور المراة وهاجم التقاليد البالية ودعا الى تعليم الفتاة بقصائد نجدها في ديوانه.
- وكذلك الشاعر الزهاوي بدأ حركته بالمطالبة بحقوق المراة منذ سنة 1910 وكان ينشرها في الجرائد المصرية واستمر في دعوته الى وفاته سنة 1936 ومن الشعراء المعاصرين الذين ناصروا المراة السيد بسيم الذويب فقد نشر سنة 1926 وكان طالبا في الكلية العسكرية قصيدة ضد الحجاب في جريدة الصحيفة التي كان يصدرها الأستاذ حسين الرحال وقد اثارت القصيدة ضجة كبيرة في وقتها.
- ومن الكتاب الدكتور سامي شوكت اذ كتب تحت قناع اسم فتاة غسان مقالاته الجريئة ناصر فيها قضية المراة كما ناصرها الصحفي المرحوم روفائيل بطي صاحب جريدة البلاد والمربي الكبير ساطع الحصري الذي تدين له المراة العراقية بالكثير. لانه اصر على فتح المدارس للبنات ودور للمعلمات.
- نساء يناصرن قضية المراة.
- والواقع كان الدور الاول في مناصرة المراة للرجل هو صاحب الفضل عليهن في جميع ما حققته عبر مسيرة نهضتها الحديثة وبالنسبة للنساء اللواتي حملن عبء القضية في دور مبكر السيدة بولينا حسون اول صحفية وقد اصدرت سنة 1923 العدد الاول من مجلة ليلى وفي سنة 1936 اصدرت مجلة المراة الحديثة وكانت السيدة حمدية الاعرجي صاحبة امتيازها.

مجلة (العاملون في النفط) 1965