حسين الرحال اول عراقي نادى بالاشتراكية

حسين الرحال اول عراقي نادى بالاشتراكية

د. حميدعبد الله العتابي
اتفقَ العديد من المؤرخين العراقيين على ان اول حلقة اشتراكية في العراق تكونت من حسين الرحال ومحمود احمد السيد ومصطفى علي وعبد الله جدوع وهم بحق الجماعة المؤسسة للفكر الاشتراكي والتي دعت له وطرحت رأيها في اصلاح المجتمع وفق الحل الاشتراكي.

ان حسين الرحال اول عراقي نادى بالاشتراكية في العراق ودعى لها وبث فكرتها بعد ان قرأ الكثير عنها ودعا اصدقاءه وزملاءه لمطالعة ما كتب عنها بالمصادر العربية والاجنبية وكان يعقد حلقات للمناقشة حوله، لهذا يعد الرحال المحرك للنشاط الاشتراكي في المدة (1917-1925)

ولد حسين الرحال في بغداد عام 1902 من والد كان ضابطا في الجيش العثماني، دخل مدرسة اللاتين في بغداد وتعلم الفرنسية ونقله والده الى اسطنبول فدخل المدرسة الثانوية هناك، ثم ارسل قبل اكمال المدرسة الثانوية الى المانيا من جانب الدولة العثمانية في اول قطار ذاهب الى المانيا عام 1916، وكان يحمل رسالة من قريبه صبيح نشأت موجهة الى توفيق الخالدي الذي كان يقيم في برلين وبعد استقراره في المدينة دخل مدرسة الهندسة، وامتاز بتفوقه على زملائه الالمان، وقد كان هناك في المانيا دعوة بين العراقيين للنظام الجمهوري في العراق، وقد كانت فكرة الجمهورية تمثل بالنسبة للرحال بداية التفتح على الفكر المتحرر، ثم بدأ يقرأ الصحف الالمانية التقدمية التي اطلع من خلالها على الفكر الاشتراكي، ومن ثم اندلعت الثورة العمالية في برلين عام 1918 التي كانت (اسبارتاكسيون) من ورائها وقد هزت هذه الثورة حسين الرحال بعنف، ثم اخذ الرحال يحاول معرفة طبيعة هذه الثورة والمبادئ التي تتركز عليها. عرف الرحال عن كثب مجريات احداث الثورة فقد كان اصدقاؤه من الطلبة الالمان المؤيدين للثورة، يذهب قسم منهم الى مناطق الثورة وكان الرحال يذهب بصحبتهم وكان يرى العمال بحماسهم الثوري ويشاهد الجنود وهم ينزلون شاراتهم العسكرية من مقدمات خوذهم ويستبدلونها بشارات الثورة الحمراء، وكان يستمع في هذه المناطق الى خطب قادة الثورة (روز الومسميرغ وليبكنخت) ولكن كان الثوار يبعدون الطلبة من مناطق الثورة خوفا عليهم وكانوا يزودونهم بنشرات الثورة التي تحمل اسم (حكومة المجالس)، وان اغلب هذه النشريات كانت تطبع في بلغاريا التي سبق واعلنت فيها سلطة عمالية، ومن هنغاريا التي هي الاخرى شهدت قيام سلطة عمالية.
ومن النشرات التي قرأها حسين الرحال آنذاك كراس تحت عنوان (حكومة السوفيات في هنغاريا) كما قرأ جريدة (العلم الاحمر) فضلا عن الجريدة البرلينية (برلينوتاكه فلاك) وقد كانت هذه المطبوعات محملة بالافكار الاشتراكية عكف الرحال على مطالعتها.
بعد ان اعلنت هدنة الحرب عام 1919 خيرت الحكومة العثمانية طلابها في المانيا بين البقاء هناك واكمال دراستهم على نفقتهم الخاصة وبين العودة الى اسطنبول وقد اختار الرحال العودة قبل ان يكمل دراسته لاسباب تتعلق بالتحويل الخارجي.
يعتقد أ.د. عبد الرزاق مطلك ان الرحال مع قرائته لما كتب هناك في الفكر الاشتراكي، فانه اولا لم يفهم الاشتراكية بمضمونها العلمي وثانيا لم يكن لديه تصور واضح عن مفهوم الاشتراكية بشكل عام، لكنه كانت لديه صورة باهتة عن الاشتراكية وافكار سطحية وربما عرف الاشتراكية انها نمط من العدل الاجتماعي او البر بالفقراء او العطف عليهم اي انها مسألة انسانية ليست لها اسس معينة، فالظروف غير الطبيعية التي كانت تسود المانيا اثناء الثورة والحرب لم تتح له الاطلاع بشكل دقيق على الاشتراكية، وربما لم تكن لديه تلك الامكانية الفكرية التي تتيح له استيعاب الفكرة وتتبعها بشكل سريع، ويبدو ايضا انه لم يدرسها بعمق ووفق خطة منظمة اذ بعد ان عاد الى بغداد عام 1919 لم يظهر له نشاط واضح في بث الفكر الاشتراكي والدعاية كما ان من التقى معه هذه المرة لم يفهموا فكرة واضحة عن الاشتراكية ويؤيد ذلك قول السيدة امينة الرحال انه كونّ في المانيا صورة سطحية عن الاشتراكية. ولكن فضل الرحال انه اول من تحدث عن الاشتراكية على نطاق واسع واشاعها بين مجموعات كثيرة ولفت نظر المجتمع الى نظرية مهمة هي (الاشتراكية) فحينما عاد الرحال التقى بمجموعة من الشباب التفت حوله واخذت تسمع منه ما عرفه هناك من فكر تقدمي ويضيف د. عبد الرزاق قائلا: والحقيقة ان حسين الرحال في سبيل معرفة الفكر الاشتراكي بشكل اعمق فقد بذل جهدا في الحصول على المطبوعات ذات المضمون الاشتراكي من اي مصدر كان، ثم اخذ يحاول الحصول على الكتب الاجنبية التي اعتقد بانها هي المصدر الحقيقي لمعرفة الاشتراكية فطلب من السيد محمود حلمي صاحب المكتبة العصرية في بغداد بان يقوم باستيراد النشريات الاشتراكية عن طريق وكلائه في الخارج، وقد تم فعلا الحصول بواسطته على بعض النشريات التي كانت تصدر آنذاك دور النشر الفرنسية والبريطانية الخاصة بالحزب الشيوعي الفرنسي وكان اول كتاب قرأة الرحال بعد عودته الى العراق كتاب لينين (الاستعمار اعلى مراحل الرأسمالية)، ثم كتاب لينين (الدولة والثورة) كما استطاع بالوسيلة نفسها الحصول على جريدة (اللومانتيه) ومحلات تقدمية اخرى منها مجلة (كابيه دي بولشفيك) كما قرأ لاول مرة شعر ناظم حكمت مترجما الى اللغة الفرنسية.
ويروي عبد الله جدوع انه كان يتصل بالمرحوم علي محمود احمد وحسين الرحال وسليم فتاح ومصطفى علي، وكان الحديث يدور بوجه عام حول الشؤون الادبية والاجتماعية وكانت الاشتراكية موضوع حوارهم غالبا، وكان الرحال يروي لهم ما يقرأ وما هو موجود في الصحف والمجلات الالمانية وغيرها وعن الحركات الاشتراكية التي شهدها في المانيا اثناء وجوده هناك كانت الحلقة الاشتراكية الاولى يقدر اهتمامها بمطالعة الفكر الاشتراكي وتتبع ما ينشر حوله، تهتم ايضا بما يجري في العراق من احداث سياسية وما يعاني الفرد العراقي من فقر وجهل واحتلال اجنبي وما يتعرض له من استغلال وقد كان المجتمع العراقي آنذاك يعاني مشاكل كثيرة اهمها الفقر الشديد الذي كان يسحق الغالبية العظمى من افراده بجانب القلة المرتزقة من اغنياء المدينة وملاكي الريف وكانت الامية تسود الغالبية العظمى من الشعب اذا عرفنا ان كل المدارس الابتدائية في العراق آنذاك (90) مدرسة. اما الامراض فقد كانت متفشية على نطاق واسع مع قلة اسباب الوقاية والعلاج اذ كان في انحاء العراق آنذاك (900) سرير ومن قرية واحدة على سبيل المثال وجد عند الفحص ان (110) اولاد كانوا مرضى من اصل (162) جمعوا من غير تعيين..