رواية فتاة تقرأ..العودة الىتمارين صف الكتابة الكلاسيكية

رواية فتاة تقرأ..العودة الىتمارين صف الكتابة الكلاسيكية

ترجمة : عباس المفرجي
اسم الكتاب: فتاة تقرأ
المؤلف: كيتي وارد
تدافع هيلاري مانتل عن هذه الرواية بوصفها عملاً ((فردياً نادراً وعلامة فارقة))، وهي العمل الأول الذي سيجذب مجموعة واسعة، لكنها فطنة، من القرّاء. يُقرأ كتاب”فتاة تقرأ”كما لو أن مؤلفته لها خمسة كتب قبله. إنها تغوص مباشرة في سلسلة من التحديات الصعبة، ومعالجتها للزمان والمكان أُنجزت بقوة وبراعة ومعرفة.

ولو أن الفكرة الأساسية بسيطة، تذكرنا بتمارين صف الكتابة الكلاسيكية التي يؤديها الطلاب لإنتاج حكاية مستلهمة من لوحة فنية، فإن النتيجة هي خزانة عرض معقد لمواهب وارد.
يتألف”فتاة تقرأ”من سبعة فصول، كل منها يركز، بدرجات متفاوتة، على بورتريه مختلف لإمرأة تقرأ. أيضاً، لكل صورة نظرة جديدة على شخصيات عاشت في قرن مختلف، منهمكة بنشاط لا علاقة له بالشخصيات الأخرى. كل حلقة متصلة من ناحية الموضوع، لكن ليست هناك حبكة تقدم، على نحو مرْضٍ، وحدة كاملة متماسكة. ولا يمكن أن توصف هذه القطع المفتوحة النهاية بالقصص القصيرة الموصولة. إنها، كما تدعوها مانتل، أكثر قرباً الى ((مشاهد)).
يبدأ الكتاب في عام 1333، مع فتاة يتيمة، لاورا إنيلي، التي تؤمر بالوقوف أمام الفنان سيمونه مارتيني من أجل نقش يصوّر”البشارة”، تكلفه به كاتدرائية سيينا. هذا هو بورتريه مؤثر عن فساد ومؤامرات القرن الرابع عشر، وعن مكائد الدولة والكنيسة والسياسيين، مستكشَفة بشكل أنيق. ينتهي الفصل مع مارتيني وزوجته الأصغر من كثيرا والعاقر، بينما لاورا، التي يفترَض إنها ورعة، تكون حاملاً. يُترَك للقارئ أن يخمن مصير الطفل الرضيع. وكما تكتب وارد، على نحو فاتر، ((الكثير من التفاصيل لا يتم تسجيلها)).
ننتقل الى عام 1668، الى لوحة بيتر يانسنز ايلنغا”إمرأة تقرأ”. تخضع نبرة الرواية لتغيّر فوري، عارضةً فقط جزءاً من الحوار الأخرس، الذي تكون وارد فيه متمكنة جداً، برغم أن هذا الفصل ككل هو أقل نجاحاً من سابقه. ايستر، الخادمة الصمّاء يتيمة الأم، يشتهيها مستخدِمها الفنان، بينما تراود عائلته الشكوك ؛ رغم محاولاته بتمويه ملامحها، فإن البورتريه يبدو واضحاً إنه مبني عليها. الفصل التالي، هو دور انجليكا كاوفمان مع قصة رقيقة عن الحرمان والحب بين النساء، تدور أحداثها في عام 1775، يتبعه حكاية عن التصوير الفوتوغرافي والروحانيات في لندن الفكتورية.
هذا الفصل الرابع يشكّل واحداً من أكثر أقسام الرواية اكتمالاً وبراعة، مع قصة آسرة عن أختين توأمين متماثلين تتباعد طرقهما على نحو دراماتيكي بحيث تصبحا غريبتين عن بعض تماماً. غموض عملية التصوير الفوتوغرافي وجلسة تحضير الأرواح تعكس إحداهما الأخرى، حتى يصبح من الواضح بأن ثمة ترابطاً بين الأختين اكثر مما كانا يتيخيلا.الصورة هنا هي صورة فوتوغرافية يكون فيها موضوع القراءة ظاهراً بالكاد مع نسخة من”إدارة المنزل”لمسز بيتون.
“فتاة تقرأ”مطلع، على نحو لافت للنظر، بالحركة النسائية من خلال وعيه بوضع النساء ــ كأمهات، عاملات، عاشقات، ضحايا، مادة للرغبة ــ ومناقشات بطلاته للدور لنسوي تنطوي على مفارقة تاريخية، حتى يصل الكتاب الى القرن العشرين، مع مقاطع من شروح وضِعَت على لسان الشخصيات. اتساع نطاق البحث والمعرفة كان يمكن أن يُبلى بسهولة أكثر في الأقسام الأولى من الرواية، لكن عندما نصل الى القسم الذي تناقش فيه مراهقة حق التصويت في عام 1916، تكون وارد أكثر ثقة، وتكون قصتها عن محافظ أسود في شورتدتش المعاصرة رائعة تماماً.
برغم المقارنات الواضحة مع رواية تريسي شيفالييه”فتاة بقرط من اللؤلؤ"، فإن هذه الرواية هي قطعة أصيلة، وفي تعبيرها الأدبي للصورة والقصة ومقاربتهما للتاريخ هي بلا شك رواية معاصرة. وهي، كما هو الأمر مع الكثير من الروايات الجارية، مكتوبة في صيغة الزمن الحاضر، ولا تستخدم، مثلما أصبح شائعاً على نحو مطرد، الفوارز، مما يسبب أحياناً الإرباك.
مشكلة هذا الكتاب تكمن بلا ريب في طبيعته الايبيزودية. هذه فكرة ثابتة، هي في بعض النواحي تمرين تخطيطي، مع الكثير من الاعتماد على فكرة عامة. والتوتر السردي مفقود. وما تدعوه مانتل بـ ((منطقة نائية تلميحية... ما لا يُعَبّر عنه)) يمكن أن يضاف الى المشكلة، فالآثار واهية جداً، والروابط، رغم وجودها، لم تتضح بشكل كامل. الكتاب ذكي، كثيف، نيّر، طموح ومصقول، مع هذا كان يمكن أن يكون أكثر تماسكاً.

عن صحيفة الغارديان