احسن فيلم 1967

احسن فيلم 1967

كلف"المصور"الفنانة سميرة احمد بان تشتغل في هذا العدد بالصحافة.. طلب منها ان تجري هذا التحقيق الصحفي مع عدد من رجال السينما وان تجيب في تحقيقها هذا عن سؤال: ما هو أحسن فيلم عرض خلال عام 1967؟
المخرج احمد بدرخان.. اختار فيلم"انفجار"كأحسن فيلم عرض خلال عام 1967 هذا ما قاله من حيثيات لهذا الاختيار..

لم ارشح هذا الفيلم متأثراً بانه حاز على جائزة"مهرجان كان"الاول ولكن اخترته لانه يقول لنا شيئاً جديدا في عالم السينما يختلف عما ألفناه في القصص السينمائية التي سبق ان شهدناها.
ولعل اروع ما في هذا الفيلم اللغة السينمائية الجديدة التي تستعملها مخرجه المتفوق"انطونيوني"في اخراج فيلمه الرائع.

وقصة الفيلم تشير إلى علامات استفهام كثيرة تتجمع مع سيره لدى المتفرج.. انت تشاهد جريمة ولا تعرف القاتل ولا لماذا ارتكب الجريمة.. وتشاهد قصة حب ولكن من طرف واحد.. ولا ترى لهذا الحب نهاية سعيدة او تعيسة..
كل ما يمكننا ان نخرج به من هذه القصة هو حياة الانحلال والتفكك والقلق التي تسود المجتمع الانجليزي.. فترى الشباب من الجنسين، الذي يؤمن بالوجودية – بحسب تفسيره لها – يطلق العنان لشهواته من سكر ومخدرات وعربدة.
وبطل القصة مصور فوتوغرافي تخصص في تصوير عارضات الازياء، ولكنه يمل هذا اللون من التصوير الذي أبعده عن واقع الحياة فينطلق الى الطبيعة.. الملهمة الحقيقية للفنان.. ومعه آلة التصوير، وفي حديقة عامة يرى عاشقين يتعانقان.. حسناء جميلة"الممثلة فينسيا ريدجراف"ورجلاً كهلا.. يصورها عن بعد.. ولكنه يقترب بعد ذلك منهما ويلتقط عدة صور من زوايا مختلفة، ولكن الفتاة تلمحه فتلحق به وتطلب منه ان يعطيها الفيلم او يتلفه بنفسه ولكنه يرفض، فتذهب اليه في الاستوديو وبعد مشهد عاطفي بينهما يعطيها الفيلم فتعطيه رقم تليفونها.. وفي الواقع كلاهما خدع الآخر فهو اعطاها فيلما غير مصور وهي اعطته رقم تليفون وهمياً.
وبعد تحميض الفيلم وطبعه يكتشف المصور في احد الصور جثة قتيل مختفية بين اشجار الحديقة.. وينطلق الى هناك ويجد في نفس المكان جثة رجل فيضطرب.. هل يبلغ البوليس ويقدم له صور الفتاة وعشيقها!.. ولكنه عاد الى الاستوديو وهناك اكتشف اختفاء الفيلم والصور.. ويعرف ان الفتاة قد سرقتهما في غيابه فيعود الى الحديقة ليكشف اختفاء الجثة.. الى آخر قصة الفيلم..
هذا الفيلم في رأيي يعتبر نقطة تحول في تصوير لغة السينما فاغلب مشاهده صامتة لا حوار فيها ولا موسيقى تصويرية، واذا لجأ الى الحوار ففي كلمات معدودة، وذلك الى جانب حسن استغلال الالوان بطريقة مميزة، والبعد كل البعد عن الاسلوب التقليدي في الاخراج، فلقد كان"انطونيوني"عملاقا وهو يصور الحب والجريمة والانحلال، لهذا ارشح"انفجار"كأحسن ما شاهدته خلال 1967.
***
المخرج عاطف سالم.. اختار ايضا فيلم"انفجار"باعتباره احسن افلام 1967.
قال: هذا الفيلم الذي صور في انجلترا جعلني اشعر بواقعية هائلة.. بانني في لندن الحقيقية.. لندن 1967، ولقد ابرز الفيلم الانحلال بصورة متفوقة، التصوير رائع والاخراج اهم ما في الفيلم، واسلوب المدرسة الحديثة الجديدة المعتدلة جعلني اغير مفاهيمي في السينما، والفيلم يروي القصة باحساس، واذكر انني حاولت محاولة بسيطة في فيلمي"ام العروسة"تركت الكاميرا في بيت مع عائلة تصورهم كما هم على طبيعتهم.
وباختصار ان فيلم"انفجار"في رأيي هو فيلم 1967 فهو الذي كان اكثر من غيره من الافلام تأثيرا في نفسي، ولابد لنا من متابعة مثل هذه الافلام لانها نقطة تحول هائلة في الاخراج والتصوير وفرصة يجب ان ينتهزها المخرجون والمصورون ليطوروا اسلوب افلامنا.
***
والمخرج المنتج حلمي رفلة يقول: لا استطيع ان انكر ان مشاغل عديدة حالت دون متابعتي متابعة جادة لاهم الافلام الاجنبية التي عرضت هذا الموسم، وبذلك يكون اهم فيلم شاهدته هو الفيلم العربي"قصر الشوق""على فكرة الاستاذ حلمي رفلة هو منتج هذا الفيلم!"ومبعث الاهمية في هذا الفيلم يتلخص في الآتي:
1- انه عن قصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ يعرض فيها صورة صادقة لفترة من فترات الاحتلال وما يعكسه هذا الاحتلال البغيض على المجتمع المصري.
2- ان المخرج حسن الامام استطاع ان ينقل هذه الصورة نقلا صادقا وبارعا.
3- ان السيدة / نادية لطفي قامت بدور جديد فاجادت فيه وابدعت.
4- ان يحيى شاهين في تلك الشخصية الفذة التي صورها نجيب محفوظ قد اضاف مجدا جديداً الى امجاده السابقة.
5- ان الفيلم يقدم وجها جديدا سيسد فراغاً كبيرا في صناعة السينما.
وبعد فقد خرجت من هذا الفيلم بتجربة مريرة ذلك انني استجبت انا ومخرجه وجميع العاملين فيه الى ما يمليه علينا واجبنا الوطني والفني في هذه الفترة ونفذنا في امانة وفدائية ما تنصح به الاجهزة المختلفة في الدولة عامة والشركة التي تعمل تحت اشرافها بصفة خاصة، تلك النصيحة التي تفرض الاتقان في العمل مع الاقتصاد في التكاليف.
ومن العجب انه ما ان لاحت من الشركة بادرة تشجيع لهذا الاتجاه حتى قامت الدنيا وقعدت وتناثرت علامات التشكيك في مستوى الفيلم واتهامنا بالكلفة.. الخ ما تنفست عنه بعض الصدور.
واقول من العجب لان حملة التشكيك كان يتزعمها للاسف بعض الفنيين الذين لا يخفى على ذكائهم ولا خبرتهم ان هناك ابوابا عديدة يمكن اجراء الوفر فيها دون المساس بموضوع الفيلم او قيمته الفنية.
ولعل تصوير ديكور على الطبيعة بدلا من تكليفه ألفي جنيه او جهد بسيط في التدريب يوفر عشرات العلب الخام او ساعة عمل اضافية بشيء من التنظيم والدقة للانتهاء من مجموعة كبيرة من الكومبارس قد توفر على الشركة مئات الجنيهات، كل هذه الابواب وغيرها لا تخفي على من اثاروا الغبار حولنا.
والفيلم اولا واخيرا معروض على الجمهور واصبح من حقه ومن حق الصحافة ان تقول كلمتها له او عليه فان جاء على ما كنا نريد فهذا فضل من الله وإن تخلى عنا التوفيق فقد انقذنا جزءاً من اموال الشركة بنفع في عمل آخر.
***
والسيناريست علي الزرقاني.. اختار الفيلم المصري"النصف الآخر"كاحسن فيلم 1967.. وقد اخجل هذا الاختيار تواضعي لانني قمت ببطولة هذا الفيلم!
وقال علي الزرقاني.. لست ادري لماذا لم يتحسس جمهور المشاهدين لهذا الفيلم مع انه فيلم ممتاز اخراجا وتصويرا واداء.. ربما يكون السبب هو ان الفيلم ليس فيه مشكلة!
مثلا الذي يشعر بالوحدة قد حل مشكلته بالزواج.. ولم يلق معارضة الا من ابنته الحلوة، ولكن معارضتها لم تكن مشكلة فقط سببت له بعض الحرج، وكان يستطيع ان يتجنب هذا الحرج لو انه وقف منها موقفا منطقيا فيقول لها انها بلغت سن الرشد وتخرجت في الجامعة وتحب شابا هو خطيبها، فلماذا تحرم عليه – اياما – ما تحله لنفسها؟
فاذا اجبنا بانه من الناحية النفسية لا تطيق البنت ان تدخل البيت سيدة اخرى غير امها فكان حل المشكلة لا يتطلب اكثر من تغيير البيت نفسه!
ولقد كان يمكن ان تكون هناك مشكلة حقيقية تعمق الصراع الدرامي لو ان هذه الابنة عانس مثلا او قبيحة.. فكان يتحتم هنا التصاقها بوالدها ومن ثمة تصبح عقبة تحول دون زواجه، او ان تكون هذه الابنة متعلقة بامها تعلقا شديدا يصل الى حد المرض.
ومع ذلك فكل هذه التصورات لا تنتج عنها مشاكل عامة، اما اذا كانت البنت صغيرة في دور المراهقة مثلا ولها اخ او اكثر دونها في السن بالنسبة للمشاهد، وفي هذه الحالة كان يمكن ان نرى حرجا حقيقيا في دخول سيدة غريبة غير الام الى البيت.
ومع انني اختار هذا الفيلم باختياره في رأيي من احسن افلام 1967 فقد اكد عندي بشكل لا يقبل الشك معنى غريباً، ذلك انه لا الاخراج العظيم ولا التصوير المتقن ولا الاداء المتفوق يمكن ان يغني المشاهدين عن مشكلة عامة يجدونها في الفيلم من خلال شخصياته.. او حتى شخصية واحدة فيه على الاقل لها مطالب عادلة تتصارع من اجل تحقيقها.
والمخرج كمال الشيخ.. اختار فيلم"رحلة العجائب"كأحسن فيلم خلال 1967.
وقال.. رحلة تستغرق 60 دقيقة داخل جسم الانسان، وافترض كاتب الرواية انه في الامكان تصغير كتلة من المادة الى حجم ميكروسكوبي.. وان يشمل هذا التصغير الانسان نفسه.
وتبدأ الرحلة.. اربعة اشخاص داخل غواصة.. لا يزيد حجم الواحد فيهم على حجم الميكروب.. والاربعة علماء كلفوا بعد دفعهم داخل جسم انسان مريض بان يصلوا الى مكان محدد داخل مخه لازالة الخطر الذي يهدد حياته.. فمن طريق الجراحة العادية يتعرض هذا الانسان المريض لخطر الموت.. وتنجح الرحلة ويؤدي العلماء الاربعة مهمتهم ولكن بعد ان يتعرضوا للاهوال داخل جسم المريض.
وربما لا يكون هذا الفيلم هو احسن افلام 1967 على الاطلاق ولكنه اقربها الى الذهن اذا حاولنا استعراضها، وقد يراه المشاهد العادي فيعجبه أو لا يعجبه.. اما انا فأرى فيه أمورا اخرى كثيرة.. فهو قصة علمية تحولت الى"دراما"كاملة تجعلك تعيش في تفصيلاتها المدهشة بالرغم من تفكيرك في استحالة تحقيقها.
شيء آخر في هذا الفيلم يجعلنا نحن السينمائيين اكثر تقديرا لهذا العمل.. ذلك هو القدرة الكبيرة على التخيل.. ثم -وهو الاهم – القدرة على تنفيذ هذا الخيال.
***
والمخرج صلاح ابو سيف.. قال ان فيلم الذي يجب ان يكرّم من اخراج"جول داسا"وتمثيل"ميلينا ميركوري"هو احسن افلام 1967 في رأيه.. ومضى يفسر هذا الرأي..
فكرة الفيلم عن قرية يونانية اثناء الاحتلال التركي، نماذج من الشعب، صور من الانتهازيين وكيف يستغلون الموقف وكيف يفرضون سيطرتهم.
ثم الجرأة في لمس بعض الحقائق المحرجة مثلا بعض رجال الدين وكيف يحاول احدهم السيطرة على الشعب باستغلال الدين لمصلحته حتى لو كان لهذا الاستغلال ضحايا من اهالي القرية.
في نفس الوقت نرى رجل دين آخر يحاول ان يخدم الفقراء ويساعدهم على قدر طاقته لكي يعيشوا على النحو اللائق.
والفيلم في الواقع وثيقة اتهام دامغة للاستعمار واعوانه وذيوله، وما يجره من ويلات على الاهالي المساكين.
ومن الناحية الفنية فهو فيلم ممتاز جدا، اتخذ المخرج طريقا جريئاً في تنفيذه باختيار قرية حقيقية في اليونان جعلها مسرحا لاحداث القصة.
ولقد استطاع المخرج ان يجعل شخصيات الفيلم تنبض بالحياة حينما صور اهل القرية بكل مشاعرهم من افراح واحزان حتى كان المتفرج يشعر وهو يتابع الفيلم بأنه يعيش فعلا مع هؤلاء الناس في قريتهم وانه لا تمثيل هناك ولا اصطناع وانما واقع ملموس.
وكم كان المخرج دائماً وهو يمزج الاحزان بالضحكات والمآسي بالافراح.. انه في رأيي فيلم 1967 بلا منازع.

المصـــــور/
كانون الثاني- 1968