من ذاكرة عزيز محمد السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي

من ذاكرة عزيز محمد السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي

د. سيف أرحيم القيسي
إن فكرة مقابلة عزيز محمد وإجراء حوار معه هي فكرة أقرب إلى المغامرة والمجازفة بسبب رفضه المعروف وممانعته في إجراء مثل هذه المقابلات الصحفية. إن حجته في الرفض تعود إلى أنه لايعوّل كثيراً في العادة على دقة ما ينشره المحاورون. إنني أستطيع القول دون مغالاة بأن الساعات الأولى من مقابلة عزيز محمد قد بددت الكثير من الصورة المشوشة التي رسمت في ذهني والانطباعات الملتبسة عنه،

والتي كانت مصدرها ما قرأته عنه في بعض مذكرات رفاقه، وما رواه لي أصدقاء عايشوه في مراحل مختلفة من مراحل حياته. ولم أتأكد من صدقية هذه القصص وقربها من الواقع ومن مصادر حيادية حتى لحظة لقائي به في منزله في أربيل.أربيل 26/5/2012.إن فكرة مقابلة عزيز محمد وإجراء حوار معه هي فكرة أقرب إلى المغامرة والمجازفة بسبب رفضه المعروف وممانعته في إجراء مثل هذه المقابلات الصحفية. إن حجته في الرفض تعود إلى أنه لايعوّل كثيراً في العادة على دقة ما ينشره المحاورون. إنني أستطيع القول دون مغالاة بأن الساعات الأولى من مقابلة عزيز محمد قد بددت الكثير من الصورة المشوشة التي رسمت في ذهني والانطباعات الملتبسة عنه، والتي كانت مصدرها ما قرأته عنه في بعض مذكرات رفاقه، وما رواه لي أصدقاء عايشوه في مراحل مختلفة من مراحل حياته. ولم أتأكد من صدقية هذه القصص وقربها من الواقع ومن مصادر حيادية حتى لحظة لقائي به في منزله في أربيل.أربيل 26/5/2012.

وهذا يحكي باختصار عن طبيعة الشرخ الحاصل بين انطباعي الأول القديم وبين صورة الرجل البسيط المتواضع الذي قابلني في منزله بزيّه الكردي القومي، الذي كان يرتديه قبل ثلاثة أعوام في مهرجان المدى، حين أفصح عن نفسه وتاريخه بكل سلاسة دون أن يضطر إلى الإساءة للآخرين أو يبادلهم الاتهامات. وهذا ما أعجبني به. لقد تكونت لدي أروع الانطباعات في تلك الجلسة، والتي أرجو أن لا تدخل في سياق الثناء والمديح الذي يخشى منه عزيز محمد. ففي حديثه، لم يذكر بالسوء شخصاً أو حركة سياسية مهما كان موقفها منه. كما اعترف بكامل المسؤولية عن الأحداث التي جرت خلال فترة مسؤوليته لمنصبه الحزبي، سواء تلك التي جرت بعلمه أو من دون علمه. وأعطى العذر لجميع من ذكره بسوء في مذكرات مطبوعة أو في شهادات شفهية أوفي جلسات محدودة. وهذا ما بدد أول أكداس التشويش القديمة عن صورة عزيز محمد في ذاكرتي.
وقد حظيت هذه المقابلة برضا صاحب الشهادة عزيز محمد، وأتمنى أن تنال رضا الجمهور الواسع الذي ينتظر هذه المقابلة منذ الإعلان عنها قبل أكثر من ثلاثة شهور. ولا أحسب أن المقابلة ستشبع نهم وفضول المترقبين لها، ولكنها ستشكل حتماً مقدمة لفتح آفاق جديدة ومحفزاً قوياً لعزيز محمد بأن يخطو خطوة أكثر جدية باتجاه فتح كوامن ذاكرة أصبحت هي الآن ملكاً للتاريخ والأجيال، خاصة فيما يتعلق بتجاوز الإخفاقات والانتكاسات التي فتحت نهراً ثالثاً من الدماء بجوار نهرينا الخالدين، فيما لو سمح العمر وعوادي الدهر بذلك. ولنترك الآن المجال للأستاذ عزيز محمد ليقدم لنا إجابات على الأسئلة التي طرحناها عليه، وليتحدث لنا عن تلك الأيام والأحداث العاصفة.

الولادة والنشأة
في الماضي تفاوتت تقديرات أبي وأمي حول تاريخ ولادتي. ففي ذلك الوقت كانوا يحسبون العمر حسب بيادر ذلك العام، أو تبعاً لحدث وقع في تلك السنة ليدونوا بها تاريخ الولادة. وهو ما كان متعارفاً عليه في تلك المرحلة لانعدام ممارسة تدوين المواليد في القرى والأرياف. يشار في الوثائق الرسمية إلى أنني قد ولدت في 1/7/ 1924م، حيث عُدّ الأول من تموز يوماً لتاريخ ولادتي، شأني في ذلك شأن غالبية العراقيين وذلك لمجهولية تأريخ ميلادهم.
إنني أنحدر من عائلة فلاّحية معدمة، إذ كان الوالد محمد عبد الله يعمل فلاحاً بأجرة يومية في أحدى المناطق الكردية المحاذية لمدينة أربيل، والتي تعرف بقرية بيركوت.أما الوالدة سوسن محمود، فقد نزحت من مناطق”وان وباش قلعة»؛ أي أنها كانت من كوردستان الشمالية في تركيا. وقد وصلت إلى أطراف مدينة أربيل قاطعة مسافات شاسعة لوحدها في أواخر الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وذلك بسبب ظروف خاصة بعائلة والدتي اضطرتها للنزوح. وفي قرية بيركوت اقترنت والدتي بأبي، وفي وقتها لم يكن لها أي قريب في الجانب العراقي. إن قرية بيركوت كانت قريبة من مدينة أربيل آنذاك، والتي أصبحت الآن جزءاً من المدينة، وهي نفسها مسقط رأسي. إنني لا أتذكر سنوات الطفولة التي عشتها في تلك القرية. لقد فرضت علينا ظروف معيشة الوالد الانتقال من قرية إلى أخرى بحثاً عن العمل. ولا يمكنني أن أنسى كيف كانوا يضعوني وأنا صغير في إحدى جهتي الخرج عند الانتقال.
وعلى الرغم من شظف العيش الذي واجهناه في تلك الأيام، إلاً أنه كانت لدى أمي رغبة كبيرة في التعلم، وأرسلتني بدورها إلى الدراسة مبكراً. ولربما يعود ذلك إلى أن أبيها كان (ملا)، فأحبت أن أكون معلماً. كنت صغيراً حينما أخذتني أمي إلى مدينة أربيل تاركة بيت أبي وإلى الأبد، حيث تزوج أبي من امرأة أخرى مما سبب لها صدمة أخرى في حياتها. فأصبحت أعيش مع أمي لوحدنا. وعلى الرغم أن أهل أبي وأهل زوجته الجديدة كانوا يكنون لها الاحترام كثيراً، إلاّ أن هذا لم يهدئ من روع أمي، ولم يقلل من أحمالها الثقيلة لكونها كانت وحيدة. ولقد لازمتني أنا أيضاً غربة أمي ووحدتها، وأثرت بيّ تلك الخلافات التي لا أرى ضرورة لذكرها هنا. وبالرغم من ذلك، فقد تعلقت بأمي كثيراً بالرغم من وجود أبي. فأنا إبن أمي قبل أن أكون إبن أبي.
وبعد ترك الوالدة بيت زوجها، بدأت تعمل في مدينة أربيل. وأنا كنت أتعلم القرآن في مسجد أبو بكر الصديق، ودرست الفقه لمدة قصيرة في قرى بيرزين وشاويس وبحركه، وكانت آخر مرحلة لدراستي الفقه في هذه القرية. وبسبب الظروف الصعبة التي مرت علينا بسبب شظف العيش، تركت دراسة الفقه عائداً إلى مدينة اربيل قبل أن أحرز الدرجة الدينية المطلوبة، حيث اقتصرت الدراسة على ثلاث أو أربع كتب فقط. وعندما عدنا إلى مدينة أربيل، رحت أبحث عن عمل. فقد كنت أذهب إلى مكان تجمع العمال، ولكن لصغر سني لم يأخذونني للعمل. وكان عمري آنذاك يناهز الرابعة عشر؛ أي في عام 1937-1938م.
وبالرغم من تلك الظروف التي مررت بها برفقة والدتي، فقد حث بعض المعارف الوالدة على إرسالي إلى المدرسة. وكانت الوالدة تعمل حينذاك في البيوت من أجل الحصول على لقمة العيش. وبواسطة هؤلاء المعارف تم تسجيلي في المدرسة. ولكوني سبق وأن تعلمت القراءة والكتابة كما أشرت آنفاً، ورددت عبارة”ضرب زيد عمراً”أمام إدارة المدرسة، فقد وضعوني في الصف الثالث الابتدائي مباشرة. وبعد إكمال الدراسة الابتدائية، بدأ يدور في ذهني فكرة الدراسة في ثانوية الصناعة أو في دار المعلمين الريفية. ولكنني لم أوفق في ذلك بسبب كبر سني. فقد كان عليَّ أن أصغِّر عمري عامين، ولم ألجأ إلى ذلك على الرغم من سهولة الأمر.
بعد التخرج من الدراسة الابتدائية، بقيت لفترة معينة دون عمل. وتمكنت من الحصول على وظيفة في دائرة التموين بمؤازرة بعض الأصدقاء، حيث بقيت أعمل في تلك الدائرة لمدة ثلاث سنوات.

بدايات الوعي السياسي
كانت أعوام 1940-1941 البدايات الأولى لنشاطي السياسي. وفي نفس تلك الفترة كانت هناك مجموعة من الشبيبة المتحمسة تشجعني وتدفعني للخوض في معترك الحياة السياسية، سيما وأن الكرد كانوا يعانون من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة، والتي أدت إلى ردود فعل عند الشباب الكردي الذي بدأ يحاول الانتفاض على واقعه المرير. إن من بين من تأثرت بهم هو المعلم والأديب الصحفي عز الدين فيضي، فقد كان له دور مؤثر في أن ينقل لنا صورة عن الأدب والسياسة في وقت كانت الكتابات باللغة الكردية قليلة جداً في سنوات شبابنا.
في عام 1940، أخذونا نحن تلاميذ الصفوف (4-5-6) كجولة في سفرة مدرسية خارج مدينة أربيل. كان الوقت يومها ربيعاً، والعشب يصل إلى حد الساق. وكانت المناسبة عيد النوروز. وقام الأستاذ عز الدين فيضي بإلقاء كلمة قصيرة، حرضنا فيها وألهب حماسنا. وقتها شعرنا بأننا كبرنا أكثر. لقد غمر الأستاذ قلوبنا بحب الوطن والشعب. كان لذلك اليوم طعمه الخاص في حياتي، إذ أصبح بالنسبة لي الخطوة الأولى التي وضعتني تدريجياً على طريق النضال في مراحله المختلفة، والتي لكل منها ذوق وطعم خاص.
في بواكير الحياة السياسية، انتميت إلى صفوف جمعية (هيوا)، والتي تعني (الأمل)، وذلك في أيار 1941 وأصبحت عضواً فيها. وكانت لمراسيم نيل العضوية في (هيوا) طعم خاص في تاريخ حياتي، لكونها تثير في النفس الارتياح والاعتزاز. كنا وقتها جسورين متحديين على الرغم من أن عدد معارفنا آنذاك كان محدوداً. وفي هيوا بدأت بالتعرف على الأفكار التقدمية التي طرحها حزب (هيوا). ثم التحقت بصفوف حزب شورش (الثورة)، والتي بدأت تطرح المفاهيم الماركسية كرد فعل على تردي الأوضاع العامة في المنطقة ككل.
وفي ظروف الحرب العالمية الثانية، وتحديداً عندما شنت ألمانيا هجومها على الاتحاد السوفيتي في عام 1941، تغيير مجرى الحرب وطبيعتها، وأعطاها محتوى آخر لاسيما بعد معارك ستالينغراد والانتصارات الأخرى التي حققها السوفييت. فتغيرت الأجواء العامة في العراق، وهبّت نسائم الحرية والديمقراطية النسبية، بعد أن أصبح الاتحاد السوفيتي في جبهة الحلفاء التي تضم في صفوفها بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، ومن ثم انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إليها. هذه الأحداث ألهبت حماس المئات بل الآلاف من الشبيبة اليافعة، وانتشرت الأفكار الحرة تحت تأثير هذا الوضع العالمي الجديد. وفي السياق نفسه لم يقتصر نشاطي على الانتماء لجمعية (هيوا)، ففي عام 1942 أصبحت عضواً في جمعية الشعب التي كانت تصدر صحيفة لها باسم”بليسه»(الشرارة) وتعد نفسها صحيفة ماركسية.
بعد ذلك مررت بمرحلتين أخريتين، أولهما انعقاد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي العراقي في أوائل 1945. عندها وصلت إلى المرحلة التي كان يجب أن أصلها بعد أقرار برنامج الحزب الشيوعي الذي أكد على حقوق الشعب العراقي بالحرية والإخاء والمساواة، والتي كانت الأحزاب الأخرى تفتقر لمثل تلك البرامج الذي تضمن حقوق الفئات الدنيا من المجتمع العراقي.

الانتماء إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي
في شتاء عام 1945 - 1946، انتميت إلى الحزب الشيوعي. وبعد وثبة كانون الثاني 1948، التي أحدثت نقلة نوعية في حياتي السياسية، بدأت أفكاري تتوضح أكثر بحكم عملي في الحزب الشيوعي العراقي، وهذا ما دفعني إلى احتراف العمل الحزبي في صفوف ذلك الحزب الذي يدافع عن حقوق العمال والفلاحين والطبقات الكادحة.
وبالرغم من انتمائي لصفوف الحزب الشيوعي، إلاّ أنني لم أكن أجيد غير اللغة الكردية. أما بالنسبة للغة العربية فقد تعلمتها عن طريق الدراسة في صفوف الحزب الشيوعي، حيث كان السجن”مدرستي الأولى في تعلمها»، وبذلك قضى الحزب الشيوعي على”أميتي». كما تعلمت لاحقاً قدراً من اللغة الروسية. وبعد انتمائي إلى الحزب الشيوعي العراقي، أصبحت مسؤولاً لفرع أربيل عوضاً عن مسؤولها السابق نافع يونس بعد أن أصبح مسؤولاً للألوية الشمالية، وانتقل بدوره إلى كركوك. وبدأت كسلفي من المسؤولين ببث مبادئ الحزب الشيوعي مستغلاً المناسبات الوطنية كعيد النوروز وغيرها من المناسبات حيث يجري تحشيد العمال واستقدام الفلاحين من القرى.
وبالرغم من مسؤوليتي في فرع الحزب الشيوعي العراقي في مدينة أربيل بعد انتمائي لصفوف الحزب الشيوعي العراقي، إلاّ أنه سرعان ما وجهت لي الدعوة من مركز الحزب في بغداد للحضور فوراً بسبب الانتكاسة التي تعرض لها الحزب الشيوعي العراقي بعد اعتقال قادته (فهد- حازم- صارم)، وتولت اللجان الحزبية غير المفوضة من قبل مؤتمر حزبي مهمة إدارة شؤون الحزب. وكان هدف هذه اللجان تسيير دفة الحزب في تلك الظروف الحرجة. وبعد وفاة الكادر الشيوعي مجيد ملا خليفة، أحد الكوادر الحزبية في بغداد الذي كان يسكن في احد الدور الحزبية للتمويه عن أعين السلطات الأمنية، أصبح من الضروري مجيء عائلة للسكن في دار المطبعة. مما حدا بمالك سيف مسؤول اللجنة المركزية الأولى من السفر إلى كركوك ومن ثم الطلب مني كمسؤول اربيل أن أذهب مع والدتي إلى بغداد لهذا الغرض. فاصطحبت والدتي إلى بغداد وسكنا الدار الأولى الواقعة في محلة القاطرخانه - حجي فتحي قرب العبخانة، حيث توجد مطبعة الحزب الشيوعي في تلك الدار. وكانت الوالدة كثيراً ما تبكي وتندب حظنا على المصير المجهول الذي ينتظرنا.
وبالرغم من خوف الوالدة على مصيرنا المجهول، فقد كانت تستلم بدورها النشرات الحزبية وما يرد إلى المركز من رسائل كما أشارت إلى ذلك الكادر الشيوعي زكية الملا خليفة في أفادتها أمام التحقيقات الجنائية، حيث قالت:»كنت أطرق الباب وأسلم البيان إلى امرأة كردية لا أعرف اسمها، ولكني أستطيع تشخيصها وكان يحضر أبنها وأسمه (عبدالله)».
ولكن نشاطنا الحزبي لم يستمر طويلاً جراء الملاحقات الأمنية والانهيار المدوي لبعض قادة الحزب على أيدي رجال الأمن الذين راحوا يبحثون عن مكامن وخفايا تنظيمات الحزب الشيوعي، والتي تسببت بدورها في نكسة للحزب بعد اعتقال قادته الثلاث في عام 1947. وبعدها انتقلنا بمعية الوالدة إلى دار تقع في محلة الهيتاويين، وسكن معنا يهودا صديق وجاسم حمودي، الذي كان يقوم بالاتصال مع باقي أعضاء المنظمات الحزبية لكونه وجه غير معروف لدى السلطات الأمنية في بغداد. وفي هذا البيت تم اعتقالي شأني في ذلك شأن سائر الشيوعيين في أحد كمائن الأمن وذلك في 12/10/1948 مع أعضاء اللجنة المركزية الأولى جماعة مالك سيف-يهودا صديق، في أحد الدور الحزبية التي تقع في منطقة الهيتاويين ومع الوالدة التي قبض عليها، وصُودر مبلغ من المال من صندوق أمتعتها. لقد جمعت الوالدة هذا المبلغ من بيع بعض أمتعة البيت والمواشي التي كنا نملكها في القرية ومن ادخار راتبي عندما كنت مستخدماً.
ومن المناسب الإشارة إلى كيفية كبس الوكر الحزبي واعتقالي. فبعد إطلاق سراح عبدالوهاب عبد الرزاق، وهو أحد كوادر الحزب الشيوعي، تقرر إرساله إلى مدينة خانقين والذي قدم بدوره طلباً لمغادرة العراق إلى إيران من اجل العلاج. كنت اسكن في البيت الحزبي مع يهودا صديق، فطلب عبد الوهاب عبد الرزاق عقد لقاء مع يهودا صديق الذي لم يكن المسؤول في الحزب آنذاك، فقد تحولت المسؤولية إلى مالك سيف. وطلب يهودا مني أن التقي بعبد الوهاب في صيدلية حسين طه من أجل إيصاله إلى البيت الحزبي. فحاولت قدر استطاعتي أن أغير الطريق وأسير بطرق متعرجة عند اصطحابي عبد الوهاب إلى البيت. وبعد النقاش بيننا، غادر عبد الوهاب البيت لتداهمنا الشرطة بعد ذلك مباشرة. ويبدو أنه كان على صلة بالأمن.
ومهما يكن من أمر، فبعد اعتقالي أحلت إلى المجلس العرفي العسكري الأول الذي تشكل في 12/2/1949 من الرئيس عبد الله رفعت النعساني وعضوية الحاكمين خليل زكي مردان وعبدالكافي المتولي والمقدم محمد عبدالقادر والرئيس الأول أحمد داود، وفق المادة الأولى من ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم (51) لسنة 1938، بعد ثبوت التهمة التي وجهها إلي المجلس العرفي العسكري الأول لكوني من منظمي الخلايا بعد اعترافات الشهود، ومن بينهم مالك سيف ويهودا صديق. وينطبق على هذه التهمة نص الفقرة (5/ب)بدلالة الفقرة الثانية م المادة الأولى من قانون العقوبات البغدادي رقم (51)لسنة 1938. وحُكم علي بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر سنة، كما قررت المحكمة وضعي تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات بعد انقضاء مدة السجن وفقاً للمادة (78) من قانون العقوبات البغدادي.

عن كتاب (قراءات في ذاكرة عزيز محمد السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي..مسيرة ونضال)