مواقف وذكريات : العائلة المالكة في العراق.. محاولة (ملكية) لإزاحة الملك غازي..

مواقف وذكريات : العائلة المالكة في العراق.. محاولة (ملكية) لإزاحة الملك غازي..

كاميل صبري
ولدت الملكة عالية في مكة المكرمة يوم 19 كانون الثاني من عام 1911 وهي ابنة الملك علي اكبر انجال الملك الحسين بن علي، الذي كان في احدى غزواته عند ولادتها.فسماها جدها الحسين بن علي باسم (عالية). وفي العام الرابع من عمرها سافر والدها الى المدينة المنورة وبقي هناك عاماً للاشراف على بعض الشؤون العشائرية،

وفي شهر آب عام 1919 بعد ان انتهت الهدنة استدعى الحسين بن علي عائلة نجله الامير علي الذي عين اميراً للمدينة المنورة اليه وعندها شاهدت الاميرة عالية والدها بعد غياب خمسة اعوام تقريباً.

وعندما نودي بالامير فيصل ملكاً على سوريا ارسلت الاسرة الهاشمية الامير عبد الاله الى سوريا لحضور حفلة التتويج، فاصطحب معه والدته وشقيقاته. كانت الاميرة عاليةصغيرة السن ولكنها اعجبت بسوريا واحبتها، وكونت صداقة مع طالبات المدرسة التي انتمت اليها، فاحبتهن واحببنها، غير ان المقام في هذا البلد الجميل لم يطل فكان لابد من عودة اهلها الى مكة المكرمة حيث عادت عام 1924 الى الدار التي ولدت فيها في محلة (القشاشية) لتكون في ظل رعاية جدها الحسين بن علي ووالدتها الملكة نفيسة. في عام 1923 تازم الوضع السياسي بين الحسين بن علي والحكومة البريطانية حول المعاهدة العربية - البريطانية واصر الملك علي رفض الانتداب، عندئذ طلب اليه التنازل عن العرش لولي عهده الامير علي. غادرت الاميرة عالية وشقيقها عبد الاله وبقية افراد الاسرة ميناء(جدة) على ظهر الباخرة (رضوي) متوجهين الى العقبة ومنها الى عمان، وبعد وصول الملك علي الى العراق دعا الملك فيصل الاول الامير عبد الاله واسرته الى بغداد ليكونوا بالقرب من والدهم الملك علي، وتم زواج الملكة عالية بالملك غازي الاول يوم 25 كانون الثاني عام 1934 فاصبحت منذ تلك الليلة الملكة عالية وانتقلت الى مقرها في قصر الزهور، وفيه اخذت تتلقى دروساً مكثفة في ا لعلوم والثقافة والادب. وفي الساعة الثامنة والنصف من يوم 3 مايس 1935 ولدت الملكة عالية ابنها فيصلاً، وقد تفرغت لتربية طفلها الصغير تفرغاً كاملاً. فكانت العين الساهرة عليه. لايشغلها اي امر عنه وعن رعايته ولايغيب عن عينها لحظة واحدة.ولاشك ان وفاة الملك غازي الاول زوجها وابن عمها المبكرة كانت صدمة كبيرة لها حاولت ان تعوضها بتركيز اهتمامها بنجلها فيصل بصفته ابناً وصديقاً، وهذا ماستجده في تناولنا لحياة الملك فيصل الثاني في بواكير صباه. وفاة الملكة عالية في منتصف عام 1950 حين اقامت الملكة عالية مع ابنها الملك فيصل الثاني في لندن شكت من اوجاع في اسفل بطنها، واشتد عليها المرض.وكان الامير عبد الاله حينذاك في بغداد، فسافر مسرعاً الى انجلترة في السابع من اب 1950ليكون الى جانب شقيقته، وللاشراف على العملية الجراحية التي تقرر اجراؤها لها وفي 23تشرين الاول 1950 عاد الامير عبد الاله وشقيقته وابنها الملك فيصل الثاني الى بغداد نزولاً عند رغبتها.عادت الى بغداد بعد ان ثبت للاطباء الاختصاصيين ان مرضها قد استفحل في جوفها واصاب كل عضو فيه، ولم يبق في وسع الاطباء الا استخدام الادوية لتسكين الالام المبرحة التي يثيرها ذلك المرض الخبيث. يقول الدكتور (كمال السامرائي) الذي اشرف على رعاية الملكة عالية الطبية في ايامها الاخيرة، وقد نسب للاقامة في (قصر الرحاب) لهذا الغرض:(فوجئت بخبر مرض الملكة عالية ساعة استدعاني رئيس التشريفات الملكية (تحسين قدري) الى قصر الرحاب.وكان قد سبقني اليه الدكتور (هاشم الوتري والدكتور هادي الباجه جي) وكان معهما الدكتور الانجليزي (دكسن فورث).كانت الملكة عالية ذات حلاوة في خلقتها وخلقها، وفي نطقها وحديثها، باسمة دوماً، ولاتنسى قط ان تشكر من يقدم لها خدمة مهما كانت ضئيلة. كما كانت عطوفة على الفقراء، كانت هذه المراة ملكة نبل لا ملكة حكم. وفي يوم الاربعاء 30 كانون الاول عام 1950 اشتد المرض على الملكة عالية فطلبت ان ترى والدتها وشقيقاتها واوصتهن جميعاً برعاية شقيقها عبد الاله وابنها فيصل وان يكن في خدمة الملك وخدمة الشعب العراقي وفي الساعة التاسعة وعشر دقائق يوم الخميس 31 كانون الثاني 1950 بدات الملكة عالية تلفظ انفاسها الاخيرة،وفي تمام الساعة التاسعة والدقيقة العشرين من صباح ذلك اليوم وقفت نبضات قلب الملكة الى الابد.واذاعت الحكومة نص التقرير الرسمي الصادر عن هيئة الاطباء وجاء فيه:(كانت صاحبة الجلالة الملكة عالية قد اصيبت منذ عدة اشهر بورم من النوع السرطاني في اسفل البطن ادى الى انسداد. في الامعاء فاجريت لجلالتها عملية اولية مستعجلة لرفع هذا الانسداد،اردفت بعملية ثانية، الا انه تبين مع الاسف استحالة هذا الاستئصال، وقد ساءت صحة جلالتها في الايام الاخيرة واستولى عليها الهزال تدريجياً، الى ان اختارها الله تعالى لجواره، ففاضت روحها الطاهرة صباح هذا اليوم 11 ربيع الاول 1370 المصادف 21 كانون الاول1950 في الساعة التاسعة والدقيقة العشرين بهدوء وسكينة. وفي الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة 22 كانون الاول1950 شيعت الملكة عالية الى مثواها الاخير في المقبرة الملكية في الاعظمية، واطلقت المدافع مائة طلقة وطلقة عندما وويت التراب فيما اتسمت مراسم الوفاة ومجالس العزاء التي اعقبها بالوقار والاحترام الكبيرين للمكانة التي احتلها زوجها الراحل المغفور له الملك غازي الاول علاوة على كونها ام الملك الذي ينتظره الشعب العراقي.
الملك فيصل بن غازي ولياً للعهد:
كان الملك المغفور له غازي الاول (ملك العراق) من 1933-1939 قد تزوج من ابنة عمه الاميرة عالية بنت الملك علي التي انجبت له ولي عهده ولده الوحيد فيصل في الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الخميس الموافق 2مايس1935 في قصر الزهور ببغداد،وجاءت تسميته تيمناً باسم جده الملك فيصل الاول. وبهذه المناسبة اقيمت معالم الزينة في الشوارع العامة وجرت الاحتفالات الرسمية في الدوائركافة ابتهاجاً بقدومه، بعد ان دفع الدكتور (كينيدي) والدكتور(سندرسن) اللذان قاما بالاشراف على الولادة تقريرهما الصادر ظهر اليوم نفسه والذي نص على مايلي:- (ولدت جلالة الملكة عالية في الساعة الثامنة والنصف من هذا الصباح 2مايس وحالتها جيدة) انتشر الخبر في انحاء البلاد،وعكست الفرحة ما كان يتمتع به والده الملك غازي الاول من شعبية كبيرة وعاطفة بين الناس.وانهالت التهاني على والده الملك الشاب من الاقطار كافة وفي يوم الخميس7 تشرين الثاني 1935 جرت حفلة ختان ولي العهد (فيصل) في قصر الزهور، وحضر الحفل الامير عبد الله امير شرق الاردن واركان البيت الهاشمي. عنيت بتربية الامير الصغير (فيصل) والدته الملكة عالية وخالته الاميرة(عابدية) ومربيات انجليزيات اشرفن على العناية به على راسهن المربية الانجليزية (المس ديميرس)،وقد اراد والده منذ البداية ان ينشأ الامير فيصل نشأة طبيعية خالية من التكلف او الشكليات الرسمية التي تركز لديه نزعة المكابرة التي لا داعي لها. وكانت هذه صفات الاسرة الهاشمية التي عرفت بتواضعها وبساطتها.فقرر ان يهيأ هذا الطفل الوديع كملك لبلاد تتنازع عليها وعلى خيراتها اطراف عدة.وكانت اصابته بالربو في طفولته مثار قلق دائم لافراد الاسرة المالكة.فكثيراً ماظل طريح الفراش يبتسم وهو في اشد حالات المرض خطورة. الوصاية على الملك فيصل الثاني بعد فاجعة والده: قرر ان يتم اعلان الامير فيصل بن غازي ملكاً على العراق وهو في سن الرابعة من عمره بعد ان فاجأت وزارة نوري السعيد الراي العام العراقي في الساعة التاسعة من صباح يوم 4 نيسان 1939 بمصرع الملك المغفور له غازي الاول على اثر اصطدام السيارة التي كان يقودها بنفسه بعمود كهربائي، فقد اجتمع مجلس الوزراء في قصر الزهور، واعلنوا الامير فيصل بن غازي ملكا على العراق باسم (فيصل الثاني) في هذا الصدد يقول السيد (عمر نظمي) وزير الداخلية في مذكراته: في ليلة الرابع من نيسان عام 1939 اتصل بي رئيس الوزراء (احمد مختار بابان) هاتفيا واخبرني بوفاة الملك غازي، وطلب مني مرافقته للذهاب الى قصر الزهور، فاجبته: ارجو منك ان تصحبني الى هناك بسيارتك لانني كما تعلم لا املك سيارة (تصورايها القارئ وزير داخلية لايملك سيارة) واجتمع في البلاط الملكي رئيسا مجلسي الاعيان والنواب باعضاء الوزارة السعيدية الثالثة وبرؤساء الوزارة السابقين للمداولة وفقا لاحكام الدستور للتصويت على من يجب ان يتولى الوصاية على الملك الطفل حتى يبلغ سن الرشد القانونية. اذ نصت المادة (22) من الدستور العراقي انه في حالة انتقال العرش الى شخص لم يبلغ السن القانونية (الثامنة عشرة) فيجب ان يمارس امتياز التاج وصي حتى يبلغ سن الرشد القانونية وكان هذا يعني انه سيكون ملكا دون سلطات لمدة اربعة عشر عاما، وهكذا تم اختيار الامير عبد الاله بن الملك علي وصيا على الملك فيصل الثاني، ونظرا لدور الوصي عبد الاله في سياسة العراق بعد ذلك وفي نشأة واعداد الملك فيصل الثاني والتاثير على شخصيته وتوجهاته لابد لنا ان نرجع الى خلفيات هذه الوصاية وكيف اريد لها ان تتصرف بموجب اهداف مرسومة انعكست على تربية الملك فيصل الثاني بحيث بدا في نظر العراقيين فيما بعد انه تعهد عدم تنشئته نشأة وطنية وقومية، وترك امر تربيته للحاضنات الاجنبيات ثم ارسله الى بعض المدارس الانجليزية في لندن ليعيش في اجوائها الارستقراطية، وهذا ما كان يريده له عبد الاله ليستمر في سيطرته عليه عند ممارسته لسلطاته الدستورية، وهكذا كان فانه بقي اي (عبد الاله) المتنفذ والمسيطر على سياسة البلاط حتى بعد انتهاء عهد وصايته، بحيث وصف الملك الشاب فيصل الثاني انه لم يكن سوى (دمية) من دمى البلاط الملكي لاحول له ولاقوة ولا راي ولا ارادة، وكان كالببغاء يردد في المناسبات ما يلقنه الوصي. الواقع ان الامير عبد الاله بن علي كان مرشحا للقيام بدور الوصاية او ما يشبهها منذ فترة اذ لم تكن سياسة المغفور له الملك غازي الاول الوطنية والقومية المرفوضة للانجليز لتؤمن وضعا يرضون عنه والعالم على ابواب الحرب العالمية الثانية، كذلك لم تكن سياسة الملك غازي الاول تروق لمعظم الساسة العراقيين التقليديين، وخاصة الذين حرصوا على الاحتفاظ بصداقة بريطانيا، لقد عكست مواقف الملك غازي الاول من الاثوريين ومن انقلاب بكر صدقي وتبنيه لحركة الفتوة واحتضانه للضباط الشباب الوطنيين المعارضين للوجود البريطاني في العراق، ومطالبته باسترجاع الكويت ثم ظهور ملامح توجهه لدول المحور عكست مواقف غير مقبولة من جانب السلطات الانجليزية في العراق، فمنذ حزيران 1936، اخذ المسؤولون الانجليز في وزارة الخارجية البريطانية يتداولون في مسألة ازاحة الملك غازي عن العرش واختيار بديل عنه، بعد ان وجدوا ان مرشحهم لرئاسة الديوان الملكي (رستم حيدر) لم يستطع كبح جماح الملك غازي، ولترشيح البديل المناسب وجدوا ان العراقيين لايقبلون بغير احد افراد الاسرة الهاشمية على اساس انه ليس في العراق اسر متميزة الى درجة يمكن ان تظهر منها اسرة مالكة تستقطب رضا الجميع، جرى استعراض اسماء اعضاء الاسرة الهاشمية البارزين في حينها، فوجدوا ان للملك فيصل بن الحسين ثلاثة اخوة: الملك علي (ملك الحجاز السابق) وعبد الله امير شرق الاردن والامير زيد اخوة من ابيه وقد توفي الملك على وترك ولدا اسمه عبد الاله، وعبد الاله شاب طموح ويستجيب بسلاسة لحقيقة تابعية ادارته لرغبات الانجليز، ولكنه ذو استعدادات ضعيفة وحين جرى النقاش حول الامير عبد الله وجدوه غير مناسب للعراق بسبب مركزه في الاردن، ورأوا انه مع كونه ذا شخصية محترمة الا انه من الصعوبة ان يقبل كحاكم للعراق من الوجهة السياسية. وان اختياره كملك للعراق سيكون اختيارا غير مناسب، وكان من رأيهم ان للامير عبد الله ولدين اكبرهما (طلال) الذي يظهر بانه غير مناسب بسبب تبذيره، اما الاصغر (نايف) الذي هو ضابط شرطة في امارة شرق الاردن فمع كونه افضل من الاول الا انه لايزال صغيرا (21) عاما ولم يظهر منه ما يشير الى انه مواصل لتحمل تلك المسؤولية، اما بخصوص الامير (زيد) فقد كانت ذريعة رفضهم له تركز في انه ذو طبيعة وذهنية مختلفة عن الاخرين فهو ذكي وعمره (40) عاما والدته تركية، وهو في مظهر تركي اكثر منه عربي، واي شخص قابله كون فكرة جيدة عن شخصيته، لقد ساهم في الثورة العربية خلال الحرب الاولى وقد وصف بانه الوحيد من بين اعضاء الاسرة الهاشمية الذي حصل على ثناء الضباط الانجليز الذين كانوا مع القوات العربية انذاك، ولكنه ذو ميول تركية، وقد تربى في تركيا، وله املاك هناك فهو دائما موضع شك من قبل الدوائر العراقية، وهكذا نجد ان مفاتحة نوري السعيد لرئيس الوزراء (ياسين الهاشمي) في 15 حزيران 1936 في مسالة ازاحة الملك غازي عن العرش كان لابد ان يكون لها علاقة بما كان يدور في وزارة الخارجية البريطانية اذا علمنا ان نوري السعيد كان قد عاد من لندن الى بغداد في 13 حزيران 1936 ولكن الذي يلاحظ ان اخبار تلك المداولات لم تكن قد وصلت بعد الى السفير البريطاني في بغداد (ارشيالد كلادك كير) حين سأله (ياسين الهاشمي) عما اذا كانت بريطانيا وراء فكرة (نوري السعيد) القائلة بازاحة الملك غازي، ففي 17 حزيران 1936 استفسر (كير) من حكومته حول ما اذا كان في النية التفكير بازاحة الملك غازي، واخبر بواسطة وزارة الخارجية بان هناك اقتراحا تقدم به (sir.R. Vansittart) حول التفكير ببديل للملك غازي، وكان (كير) الذي حضر الى لندن في منتصف تموز 1936 قد دعى في مناقشات اختيار بديل للملك غازي الاول. ان عبد الاله له مؤهلات جيدة، وانه مرغوب من جانب عدد كبير من السياسيين العراقيين البارزين لانه جدي ونشيط بطبعه، ولم يظهر عليه ما يسيء الى شخصيته ولكن وزارة الخارجية البريطانية وجدت ان (كير) لم يكن قد التقى بالامير (زيد) حتى يستطيع ان يصل الى مفاضلة دقيقة بينه وبين عبد الاله، وتوصلوا من خلال النقاش الى ان افضل المرشحين هما الامير عبد الاله والامير زيد، وكان من رأي (كير) ان لو ترك الاختيار للطبقة الحاكمة في العراق، فانها سوف تختار عبد الاله على اعتبار ان للامير زيد مؤهلات عالية، ولذلك فان من الطبيعي ان لايميل له السياسيون العراقيون لان تجربته وارادته القوتين ستمكنانه من السيطرة عليهم، بينما لايستطيع شاب غير مجرب مثل عبد الاله ان يفعل ذلك. فكر الانجليز ايضا بظهور وصاية على ابن الملك غازي الرضيع(فيصل) ولكن وجدوا ان تلك الوصاية ستكون طويلة الاجل، وان من الصعوبة ان تمر اللعبة بسهولة، واذا كان ممكنا فانها ستكون تجربة خطرة للغاية، على اية حال لقد استقر رأي المسؤولين الانجليز على ان ايا من الاسماء المرشحة لم يكن له من من المؤهلات لتفادي ظهور المشاكل اذا اريد استبداله بالملك، كما استقر رأيهم على ان تنحية الملك غازي ستواجه وضعا دستوريا صعبا لانه لايوجد في الدستور العراقي ما يبرر ازاحته في حين اذا استمر الملك غازي في الحكم فانه سيظل ضعيفا بحيث ان اي خلاف بينه وبين شعبه في المستقبل سيؤدي الى ازاحته عن العرش بسهولة، ورأوا ان وجود الطفل الرضيع فيصل على اية حال سيكون مهما فيما اذا تعقدت بصورة واضحة مسالة استبدال الملك غازي باحد المرشحين الذين ذكروهم. وقبيل انقلاب بكر صدقي في 1936/10/29 كانت اخر ملاحظاتهم عن وضع الملك غازي ان اجراءات (ياسين الهاشمي) ربما ستساعد على تغيير نزعة الملك غازي، اما اذا تاكد لهم عدم نجاح ذلك فان عبد الاله سيكون البديل له، ولقد ساعد على بلورة الراي الاخير الدكتور (سندرسن) طبيب الملك الخاص في لندن في اوائل تشرين الاول 1936 والذي اطرى كثيرا على شخصية عبد الاله عند مناقشته لاوضاع البلاط الملكي في العراق مع المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية. ابعد انقلاب (بكر صدقي) العناصر السياسية التي كان بامكان الانجليز ان يعتمدوها في تغيير الملك غازي واظهر للانجليز عدم امكانية تمرير خطتهم تجاه الملك غازي بسبب العلاقات الايجابية بين الاخير ورجال الانقلاب العسكريين فراوا ان عليهم ان ينتظروا وانتهت فترة الانتظار عندما سارت الاحداث الى اغتيال (بكر صدقي) في 11 اب 1937 والف (جميل المدفعي) وزارته الرابعة التي اخذ الملك غازي خلال فترتها يعبر صراحة عن مشاعره الوطنية والقومية بواسطة اذاعته الخاصة في قصر الزهور، فازدادت شعبيته بين الناس وتعلقهم به الى الحد الذي وجد فيه الانجليز انه ليس من السهولة التفكير في ايجاد بديل له، وقد اكد السفير البريطاني في بغداد (موريس بترسون) في كتاب بعثة الى وزارة الخارجية البريطانية في 28 حزيران 1938 بانه لايستطيع ان يتبع اجراءات ضد الملك غازي لان النتيجة ستكون تغيير الوزارة العراقية خلال اسابيع قليلة وعودة الاوضاع السابقة داخل القصر وزيادة عداء الملك غازي للانجليز، بظهور اكبر خصوم الملك غازي (نوري السعيد) على راس الوزارة في 25 كانون الاول 1938 عادت فكرة ابعاد الملك غازي من جديد اذ كان في جعبة نوري السعيد مشروع التخلص من الملك غازي، فقد اراد نوري السعيد من الانجليز ان يوافقوه على تشجيع الملك على القيام بسفرة الى اوربا يتم خلالها خلعه عن العرش وتولية الامير (زيد) او الامير عبد الاله مكانه، ولكن المسؤولين الانجليز لم يوافقوه على ذلك، فقد كان السفير البريطاني (ببترسون) يؤيد نوري السعيد في التخلص من العناصر الملتفة حول البلاط الملكي ويخالفه في مسالة ازاحة الملك غازي عن العرش، وهذا ما عبر عنه السفير المذكور بكتاب الى حكومته في 31 كانون الاول 1938 جاء فيه: انا اشعر بانه ينبغي ان لانعيق نوري السعيد في مسالة تصفية العناصر الملتفة حول الملك غازي بواسطة الامير زيد او اي شخص اخر يختاره نوري السعيد ولكن النقطة التي يجب ان نستخدم الفرامل عندها هي ازاحة الملك غازي، انا لن استعيض عنه بعبد الاله او بزيد، ان ازاحة الملك غازي عن العرش ربما تؤدي الى انشقاق خطر في البلاد، لا بسبب شعبية الملك غازي فحسب وانما لانه سيظهر اعداء كثيرون بنوري السعيد وستغدو ازاحة الملك غازي نقطة لاستقطابهم جميعا، هنا يتوضح ان الاستشاريين الانجليز لم يكونوا في حقيقة امرهم الا مبعوثين سياسيين ان لم نقل جواسيس بما فيهم الاطباء مثل الدكتور (سندرس) طبيب الملك الخاص وعميد كلية الطب. ايدت وزارة الخارجية البريطانية اراء (بيترسون) وبينت له في رسالة في 11 كانون الثاني 1939 بان عليه (ان يصب الماء البارد على فكرة ازاحة الملك غازي كلما ظهرت امامه. دلت الاحداث على ان نوري السعيد كان يضمر العداء الشديد لجميع خصومه السياسيين بل لقد ظهرت سياسة تصفية الحساب مع الخصوم كابرز المظاهر المميزة لوزارة نوري السعيد الثالثة، لقد احال اثر تشكيلة الوزارة كثيراً من العناصر التي لم يكن يرغب فيها الى التقاعد وفي 6 اذار 1939 ادعى بوجود مؤامرة تستهدف اغتياله والملك غازي وعددا من الشخصيات وامر بالقبض على خصومه السياسيين الذين اتهمهم بتدبير المؤامرة المزعومة. وكلهم كانوا من انصار (بكر صدقي) وقد استعان نوري السعيد على امره بالامير عبد الاله حيث صيره المخير الوحيد في كشف المؤامرة على اساس ان المتامرين كانوا قد اتصلوا به وجعلوه احد محاور مؤامراتهم. فقد زعم عبد الاله امام المجلس العرفي العسكري الذي شكل لمحاسبة المتهمين بان خطة المؤامرة كانت تهدف الى اقامة حفلة كبيرة في دار عبد الاله حيث يدعى اليها اكثر من (350) من الشخصيات المدنية والعسكرية المعروفة بضمنهم الملك غازي ونوري السعيد وطه الهاشمي وتتم هناك عملية الاغتيال لتنتهي بعد ذلك بتنصيب عبد الاله على العرش بدلا من ابن عمه الملك غازي. جاء الامير عبد الاله بصحبة والده الملك علي بن الحسين الى بغداد في عام 1926 تحت وطأة الظروف التي املتها الحرب بين الاسرتين السعودية والهاشمية. وكان عمره انذاك ثلاثة عشرة سنة. ارسل الى انجلترة للدراسة في عام 1932 الا انه لم يستطع البقاء طويلا هناك لشعوره بصعوبة الدراسة بل هناك من يعزو ذلك الى بلادته وانهماكه بملذاته ومغامراته فعاد الى العراق وظل يعيش كاحد افراد الاسرة المالكة فكانت خزينة الملك الخاصة تدفع له مخصصات شهرية على ذلك الاساس بالاضافة الى المساعدات التي يحصل عليها بواسطة شقيقته الملكة عالية. ولما اشتهر عنه من كياسة وحسن مجاملة في راي البعض فيما يرى اخرون انها المحاولات التي بذلتها الملكة عالية. قرر رئيس الوزراء (ياسين الهاشمي) تعيينه ملحقا في وزارة الخارجية عام 1936 بعد ان عز عليه وجوده بلا عمل وانشغاله بركوب الخيل والرياضة بل انه كان احد المغامرين في العاب سياق الخيل التي كان يقوم على رعايتها ودعمها. وقد وفر وجود نوري السعيد في مصر بعد انقلاب (بكر صدقي) فرصة لتعرفه على الامير عبد الاله الذي كان قد ذهب هو الاخر هناك لمواصلة الدراسة في كلية (فيكتوريا) ويذكر ان عبد الاله كان ايضا من الحاقدين على عهد انقلاب بكر صدقي بعد ان ضغط عليه بكر صدقي في مسألة رغبته بالزواج من احدى شقيقاته على اثر هجر (لبكر) زوجته النمساوية فاخذ عبد الاله يشكو الى نوري السعيد من تلك المعاملة. وقد ادرك نوري السعيد من خلال اجتماعاته يبعد الاله ما يجول في ذهن هذا الفتى من طموح بعيد وما يتاجج في اعماقه من غيرة دفينة من ابن عمه الملك غازي بسبب ما يتمتع به الاخير من عرش يوفر له مظاهر الملك والنفوذ. وما حرم هو من فرص تولي العرش في الحجاز بسبب ظروف اجبار والده الملك علي على التنازل عن عرشه جعلته يعيش عالة على ابن عمه. فاستطاع نوري السعيد بما عرف عنه من حنكة سياسية ان يحرك طموحه باتجاه الحصول على مركز مهم في العراق. يبدو انه كان لمعرفة نوري السعيد بالمداولات التي جرت في وزارة الخارجية البريطانية قبل انقلاب بكر صدقي والتي تم خلالها مناقشة موضوع الامير عبد الاله كاحد المرشحين لعرش العراق دورها في تركيز اهتمام نوري السعيد يبعد الاله فيذكر (خيري امين العمري) الذي كشف مؤخراً من عن بعض الرسائل المتبادلة بين نوري السعيد عندما كان مبعداً في القاهرة و(معزز برتو)زوجة الدكتور (حسن روضة) في بيروت شيئا عن اهتمام نوري السعيد المتزايد يبعد الاله. وقد عثرت وزارة جميل المدفعي الرابعة على رسائل سرية في حزيران 1938 تبين ان نوري السعيد اخذ يسعى من بيروت وبواسطة (ناصر الكيلاني) الذي اخذ يتردد بين بغداد وبيروت لترويج المطالبة بترشيح الامير عبد الاله لرئاسة الوزارة على اساس ان سيتمكن من تسوية المشاكل التي سببتها سياسة (اسدال الستار) وقد وجد مع تلك الرسائل بطاقات. كاريكايترية ضد وزارة المدفعي. وقصاصات من جريدة (الحديث) البيروتية. تتضمن مقالا تحت عنوان (هل يؤلف نجل الملك علي وزارة وطنية كبرى في العراق) وهكذا فقد كانت هناك جذور للتفاهم بين نوري السعيد وعبد الاله لم تتجل في حبك المؤامرة المزعومة تجاه اعوان (بكر صدقي) في اذار 1939 وانما تعدتها الى تقرير ان يكون الامير عبد الاله وصيا على الملك فيصل الثاني. في اذار 1939 تغيرت سياسة االانجليز تجاه العرش العراقي فقد وجدوا ان نقمة الراي العام التي كانوا يخشونها في حالة ازاحة الملك غازي اخذت تتضاعف بسبب وجوده على العرش حيث استمر في اثارة الروح الوطنية والقومية وانتقاد سياستهم في فلسطين وتهديد مصالحهم في الكويت وفشلت جميع جهودهم لحمله على التخلي عن نشاطه القومي. واخذوا يخشون انحيازه الى جانب الالمان خلال الحرب ففي 20 اذار 1939 ترك السفير البريطاني (بيترسون) العراق الى منصبه الجديد كسفير في اسبانيا وعند مغادرته بغداد اسر للامير عبد الاله عند توديعه له : (انه اصبح من الواضح ان الملك غازي يجب ان يسيطر عليه او يخلع) وقد التقى (بيترسون) يعد مغادرته العراق بالمستر (بتلر) وكيل وزارة الخارجية البريطانية وتناقش معه في مختلف مؤهلات اعضاء الاسرة المالكة توقعا لما.قد يظهر من ضرورة لترشيح احدهم. وسط تلك التغييرات السياسية وما كان يحمله نوري السعيد من مشاعر تجاه الملك غازي كانت العبارة التي ذكرها (بيترسون) للامير عبد الاله اشارة الضوء الاخضر لاعتماد سياسة نوري السعيد للتخلص من الملك غازي. وجاء مصرع الاخير بعد اسبوعين من مغادرة (السفير) بغداد وهكذا ترى انه قد جرى التفكير بالدور الذي سيلعبه الامير عبد الاله عند ازاحة الملك غازي والذي اريد له ان يحمل شيئاً من صفته الشرعية بدعوى ان الملك غازي كان قد طلب ان يكون ابن عمه عبد الاله وصياً على ولده بعد مصرعه:(ان الامير عبد الاله حاول ان يقنعني بان اشهد ان الملك غازي فارق الحياة بعد ان اوصى له بان يكون وصياً على ولده من بعده،فرفضت ذلك فقال لي :لا حاجة اليك فهناك (راجحة) شقيقة الملك غازي (الوسطى) يشير طبيب الملك غازي (سندرس) ايضاً الى ان (رستم حيدر)كان قد طلب منه بعد عشرين دقيقة من وفاة الملك بان يعلن ان الملك قبل وفاته قد عبر عن رغبته بان يتولى عبد الاله السلطة كوصي على العرش وانه رفض ذلك على اعتبار ان الملك لم يستعد وعيه وحتى اذا ما ماارتكبت جريمة مثل هذا الادعاء الكاذبة فلابد ان يكون هناك الكثير من المستعدين لتكذيبه. ويروي (سامي عبد القادر)المرافق الخفر:(لقد تم نقل الملك غازي بعد وفاته الى قصر الزهور حيث اجتمع الوزراء لاعلان الامير فيصل بن غازي ملكاً وتعيين وصي عليه.. وقد صادف ان استمعت خلال ذلك الوقت الى حديث كان يدور بين الملكة عالية واخيها عبد الاله باللغة التركية التي اجيدها،قالت الملكة لاخيها :لماذا جعلت طفلي يتيماً يا عبد الاله؟فاجابها :(اتركي هذا الموضوع الان وعليك ان تشهدي بانه قد اكد بان اكون وصياً على فيصل من بعده. كان معرفاً لدى الكثيرين ان الملك غازي كان يكره ابن عمه عبد الاله الذي يعتبر مسؤولاً عن المشاكل التي تحدث بينه وبين زوجته الملكة عالية يشير السفير البريطاني (بيترسون) في مذكراته :- (لقد كان معروفاً عند الناس كان يكره ابن عمه عبد الاله كرهاً شديداً حتى انه لايستطيع ان يراه في مآدبه الخاصة،كما انه لم يكن منسجماً مع زوجته الملكة عالية شقيقة الامير عبد الاله. ويذكر (طالب مشتاق):(كان الشائع بين الناس جميعهم ان الملك غازي ليس على وئام مع ابن عمه الامير عبد الاله وكان يكرهه كرهاً شديداً ولايشاركه في مأدبه ومجالس انسه وكان يقتر عليه ولايدفع له الا راتباً شهرياً لايكاد يسد ما يحتاج اليه من ضروريات).