هاجسي التطلع الى عراق جديد

هاجسي التطلع الى عراق جديد

كتب المدفعي في مقدمة مذكراته:
لاريب ان كتب المذكرات او اليوميات التي دأب على نشرها العاملون في شتى مناحي الحياة العامة , اصبحت اليوم على الرغم من العثرات وطغيان العاطفة عليها , من المصادر التي اخذ الباحثون اعتمادها. ويبدو ان الامر اكثر جلاءً في بلد مثل العراق , فقدت وثائقة وتخربت مؤسساتة الوثائقية بشكل أو بأخر.

اعتقد أنه من حق المواطن الاطلاع على تجارب الاخرين ليستلهم منها العبر والدلالات , كما أن من حق اي فرد ان يسجل مذكراته حفظاً لها لدى ابنائه أو الاجيال التالية.
منذ أن تخرجت من كلية الهندسة سنة 1950 , وولوجي معترك الحياة المهنية في اعمال هندسية مختلفة في خارج مدينتي بغداد في الخمسينات حيث لم يتوفر في العراق من المختبرات الهندسية والمعاهد السانده للمهندسين. حتى مشاركتي الفاعلة في المشاريع الهندسية الكبرى وما آل اليه الأمر فيما بعد , وما واجهته من صعابٍ ومأسٍ , ستطلع عليها في هذا الكتاب , ارى نفسي مدفوعاً الى جملة من الحقائق الموضوعية , سجلتها في الصفحات الاخيرة , ومن ذلك حديثي عن إنشاء مجلس لإعمار العراق , بعيداً عن الغرف المقفلة في الوزارات والهيئات الحكومية التي استشرت فيها مظاهر ماسمي بالفساد الاداري. لقد ساهمت في الخمسينات في بعض مشاريع مجلس الإعمار فأدركت اهمية هذا المجلس وجسامة اعمالة , فلا غرو ان كتبت عنه ودعوت الى إحيائه لبناء عراق جديد.
كنت مؤمناً – ولم أزل ـــ أن العراق بحضارته القديمة التي قدمت للتاريخ الانساني الشيء الجزيل , وبما ضم فوق أرضه او تحتها من أثار لحضارات قديمة وخيرات وثروات وفيره وبما يمتلكة مواطنوه من قدرات فاعلة , جدير بأن يكون في طليعة دول الشرق نهضة وازدهاراً وخدمة للانسانية... وليس هذا ضرباً من الخيال , بل من الحقائق التي اكتشفها الاخرون منذ قرون.
وأني اذاقدم للأجيال الطالعة سيرتي وتجاربي ملخصة بفصول الكتاب هذا , وما تخللها من ذكريات ومشاهد جميلة أو بائسة مع تطور حياتي في المجتمع عبر العقود عن طريق الصور , أود ان أوكد , ويشاطرني الكثير من أبناء جيلي , على السعي نحو بناء الوطن ونهضته في مختلف مناحي الحياة , كان الهدف الرئيس لنا بكل ماتعنية العبارة. ان التطلع الى عراق جديد ودولة متحضرة كان هاجساً يغمرنا في كل افعالنا. وليس هذا حديثاً عابراً او شعوراً طارئاً , بل حقيقة قائمة...
لقد وجدتُ ان مسيرتي العلمية والانسانية مليئة بالحوادث والوقائع الجديرة بالتسجيل والاعتبار , وان الواجب الوطني يقضي بأن تطلع الاجيال الطالعة على مثل هذه التجارب.. وأني اشهد الله على ذلك , كنت اميناً في اتخاذ القرارات وفي نقل الحوادث والذكريات بلا مبالغة او تزييف , ولعل ذلك ينبع من طبيعة شخصيتي التي جبلت عليها.
أن سـبعــين عامـــــاً من العمل الهندسي الجاد , هي ــــ بلا شك ــــ قد شهدت مداً وجزراً , وآمالاً واحلاماً , وافراحاً وأشجاناً , ابتسامات ودموعاً... هذه الحياة وتلك هي طبيعتها , مضحكة ومبكية , واهبة وسالبة.
فأعتذر أن زاغ قلمي اوقسوت في الوصف. ويكفيني فرحاً أن يجد من يستدرك مصوباً او مقيلاً لعثراتي.

هشام المدفعي