ان جميع المصريين الذين يغادرون وطنهم يتجهون دائماً الى اوربا وقليل منهم من يدفعه حب الاستطلاع الى معرفة افريقيا الغربية.
انه لمن الظريف بل حتى من الضروري ان نعرف البلاد المجاورة لنا والتي تجمعنا بها اوثق الروابط. مثل تونس الغنية بجمالها ومناظرها الطبيعية المختلفة وهي غنية ايضاً بارضها وعاداتها وتقاليدها التي لا تزال محتفظة بها، وهذا امر يثير دهشتنا واستغرابنا ولكنه مع ذلك حقيقي ومدهش.
ومدينة تونس هي عاصمة البلاد. ومقر الحكومة ومقر عظمة باي تونس. وهي تقع على شفة البحيرة التي تتصل بخليج تونس.
ويبلغ سكان تونس (264.000) نسمة منهم (119.900) اوربيون ومما يلفت النظر في المدينة انها مؤلفة من قسمين متقابلين:
القسم العربي والقسم الاوربي، واكثر ما يثير الاهتمام عندما تطأ قدمك مدينة تونس هو القسم العربي الذي يحتفظ بطابع خاص نادر خصوصاً في الاحياء القديمة منه والتي تتألف من "المدينة" وهي المدينة الاسلامية القديمة التي ارادت سلطات البلدية فيها ان تحتفظ بطابعها المحلي، ولا يوجد في هذه المدينة أية خدمة للنقل المشترك.
وتخترق هذا الحي طرق صغيرة متشابكة يجد فيها الزائر اشياء كثيرة متجددة تثير اهتمامه خصوصاً في اسواقها.
والاسواق هي أهم ما يمكن ان يراه الزائر في تونس، وهي كثيرة.
وتتكون من عدد كبير من المخازن الصغيرة التي تطل على طرق مسقوفة بالخشب.
ويرجع تأريخ اكثر هذه الاسواق الى القرن الثالث عشر عندما كانت تونس مدينة هامة للصناعة والتجارة.
واجمل وقت لزيارة الاسواق هو في الصباح الباكر حيث تكون الحركة شديدة والمناظر طريفة.
وفيما يلي اهم الاسواق:
سوق العطارين: وهو الذي يزوره جميع السياح ومنه تفوح الروائح العطرية.
وبائع العطر العجوز "علالي" معروف في العالم اجمع، ومن اطرف ما يمكن ان يراه الزائر هو مجموعة بطاقات السياح الذين مروا من هذه الاسواق .
وقد انشئت سوق العطارين – او سوق الروائح – بناء على امر حفيد ابو زكريا في عام 1225 وعندما تزور علالي فانه يعطرك بكرم.
سوق التروك: او سوق النساء حيث تباع الملابس والاقمشة بالمزاد، ويوجد ايضا سوق الصوف وسوف الاحذية الخ..
سوق البركة: او سوق المجوهرات وكان حتى القرن التاسع عشر سوقاً لبيع العبيد اما اليوم فتباع فيه الجواهر كل يوم بالمزاد.
وشيخ الدلالة (او البائع يزين ذراعيه ويديه بالمجوهرات) .
سوق الفضة: حيث تباع مجوهرات البلاد التقليدية ومجوهرات البدو.
سوق الشيشية (او الطربوش) وجميع هذه الاسواق يبلغ طولها بين مترين وثلاثة امتار واكثرها متلاصقة . واهمها تتجمع حول جامع الزيتونة الكبير والاسواق هي اكثر ما يسعى اليه السياح الاجانب وخاصة الاميركيين. وهي تنال اعجابهم. وهذه الاسواق تتمتع بشهرة عالمية والزائر الذي لا يمر بهذه الاسواق لم يعرف تونس.
والجامع الكبير او جامع الزيتونة انشأه الحاكم عبيد الله ابو الحباب في عام 732 وهو مركز جامعة اسلامية مهمة وتحتوي مكتبته على 1.200 مجلد تقريباً.
ويسكن الطلبة الذين لا يقيم اهلهم في المدينة في 22 مدرسة تحتوي على 450 غرفة انشأها المتبرعون.
وهذا هو المكان الوحيد الذي يمنع الاجانب – حتى الفرنسيين – من دخوله . ومدير الجامعة هو شيخ الاسلام (الشيخ بني عاشور) . وتدرس في هذه الجامعة التقاليد الدينية والشريعة.
ولكنهم اخذوا يتقدمون الآن ويتوسعون فيدرسون المؤلفين المعاصرين والثقافة العربية كما انهم اخذوا يدرسون الفرنسية منذ وقت قريب ليستطيع الطلبة التقدم لامتحانات البكالوريا.
وجميع الاساتذة مسلمون من الذين درسوا في المدارس الفرنسية.
سكان المدينة العربية
من المفروض ان يقيم السكان العرب في القسم العربي – او المدينة العربية – ولكن الطبقة الراقية منهم تسكن في الضواحي ومع ذلك يحتفظون بمنازلهم الواقعة في المدينة العربية محافظة على التقاليد
ويوجد في المدينة العربية حي يهودي وبعض الايطاليين الفقراء. ومع كل هذا يوجد أوربيون يقيمون في هذه المدينة العربية لان الغرف في منازلها واسعة جدا مشيدة على طراز كلاسيكي. اما مداخل المنازل فهي دائما ضيقة.
ويوجد ايضا في المدينة العربية حي للملاهي والملذات.
وميدان الحلفاوين تحيط به الدكاكين والمقاهي المغربية.
ولقد كانت زيارتي لتونس في شهر رمضان. فأراد اصدقائي ان اشاهد في الليلة الاولى ما يمكن ان يراه الزائر في شهر رمضان.
وكان هذا هو الحفاوين : كان الجمهور يهرع الى هناك وكان من الصعب ان يجد الانسان مكانا يسير فيه.. ولكن ما اجمل هذا المشهد واطرفه!. مشهد بدائي ومع ذلك فهو مليء بالالوان الحية. مقاهٍ لا تعد ولا تحصى حيث يحتسي التونسيون الشاي بالنعناع وهم يضعون غالبا زهرة الياسمين على آذانهم.
وهم في الصيف يشمون الياسمين (لانهم يحبونه كثيراً) والموسيقا تعزف دائما في هذه المقاهي واكثر الاحيان تكون من الحان عبد الوهاب وهو احب فنانينا الى التونسيين.
وكثيراً ما تشترك الراقصات في احياء الحفلات في هذه المقاهي ولكنهن لا يتمتعن بفن ومقدرة راقصاتنا الشرقية.
وهن يجهلن ابسط قواعد الرقص الشرقي. وقد احضر الايطاليون الى الحلفاوين بعض الالعاب المسلية كالخيول الخشبية والمراجيح وميدان الحلفاوين في حركة دائمة ويمكن ان يدرس فيه الزائر حياة الرجل التونسي المتوسط الذي يقضي فيه شهر رمضان من الثامنة مساء حتى الثانية صباحا.
وفيما عدا هذه الناحية الطريقة الشرقية التي يراها الزائر في المدينة العربية لا يوجد شيء مثير.. فالمدينة الاوربية عادية، ليس فيها غير دور السينما ومقاه ومطاعم وكباريهات خالية تقريبا من الرواد.
والتونسيون يتزاورون ولكن فيما بينهم فقط. ومن النادر ان تجد زيارات مختلطة، اذ لا وجود لها الا بين العائلات المتحررة وهي قليلة.
ويوجد حوالي 20 عائلة اخذت تقيم حفلات كوكتيل فيما بينها (بدون الاوربيين).
وقد اتيح لي ان ادعى الى حفلة كوكتيل.. حضرها جميع الوزراء فيما عدا نساءهم.
واكثر ما لفت نظري في تونس خلال اقامتي فيها، هو ان الشعب التونسي عرف كيف يكتسب من المدينة الغربية ما فيها من حسنات اي العلوم والثقافة ويحافظ على الطابع الشرقي برغم التحرر الفكري.
والانسان يشعر بهذا الجو خصوصاً في شهر رمضان حيث يصوم التونسيون جميعهم غنيهم وفقيرهم.
اين يقيم الارستقراطيون
اما الاماكن التي تسكنها الطبقة الراقية في تونس فأنها توجد كلها في الضواحي مثل سيدي ابو سعيد ومرسى سيد ابو سعيد التي تبعد 19 كيلو متراً عن تونس.
وهي قرية ترتفع 120 متراً في موقع ممتاز جميل تنتهي برأس قرطاجنة.
وفي الشارع الرئيسي توجد منازل جميلة مشيدة على الطراز المغربي ومن قمة سيدي ابو سعيد يشاهد الانسان منظراً رائعاً.
وتبعد مرسى سيد ابو سعيد عن تونس 22 كيلو متراً، وفيما يوجد قصر باي تونس وقصر المقيم الفرنسي.
وهي موقع صيفي ممتاز يقع على شاطئ البحر وتحيط به الفيلات والحدائق الجميلة الغناء وعظمة باي تونس يحب اللونين الازرق والابيض وقد أمر بان تطلى جميع البنايات والفيلات في تونس باللون الابيض وتزيد نوافذها بالازرق. وهي جميلة جدا وترتاح العين الى النظر اليها.
وهو منظر يلفت نظر السائح عند وصوله الى تونس.
القيروان
لا يستطيع الانسان الا يذكر شيئاً عن عاصمة الاسلام الغربية عندما يتكلم عن تونس.
فالقيروان معناها بالفارسية: مكان التجمع او الوسط، وهي اول مدينة اسلامية بعد مكة وترجع الى سنة 50 هجرية وقد اسسها سيدي عقبة الذي كان من اصحاب الرسول عندما غزا العرب تونس لاول مرة وكانت اذ ذاك مدينة بيزنطية. ومنذ ذلك الوقت اعتنق البيزنطيون الاسلام، وبقي المحاربون الذين رافقوا سيدي عقبة في تلك الصحراء وانشأوا مدينة القيروان.
والقيروان الآن تبدو بمساجدها البيضاء كانها مدينة تبرز من بين الصخور والرمل الاصفر، وهي محصنة وبها 18 بابا، وتسمى ايضا بالمدينة ذات المائة جامعة، فكل منزل يخفي وراءه مسجداً قريباً، ومسجد سيد عقبة هو اكبر واقدم جامع فيها ويرجع تاريخه الى القرن الثاني.
وفي داخله يوجد عدد كبير من الاعمدة الرومانية واليونانية والبيزنطية ويبلغ عددها 400 تقريباً، وهو اهم مسجد في تونس.
ثم توجد زاوية سيدة سحاب التي تدعى خطأ جامع الحلاق وهي مشيدة على الطراز العصري وبها قبر احد اتباع النبي "ابو الجنة البلعوي" الذي يقال انه كان دائما يحمل معه 3 شعرات من ذقن سيده وهي ما زالت محفوظة.
والقيروان هي المدينة الوحيدة في تونس التي يسمح للاجانب بزيارة مساجدها. وهي ايضا عاصمة السجاد الجميل في تونس، فالنساء يقمن بصنعه وهي ايضا عاصمة الجمال في تونس وفيها عدد كبير من القبائل الرحل التي تقيم فيها مع مواشيها.
ايزيس فهمي
آخر ساعة /
تشرين الاول- 1951
