مير بصري...الباحث والاقتصادي والأديب العراقي

مير بصري...الباحث والاقتصادي والأديب العراقي

نبيل عبد الأمير الربيعي
(إننا الغرباء.. يا أيها الوطن.. لنا تأريخ يطردنا.. ولنا مدن تنفينا.. لغةً لم تعد بلاغتُها تكفي لتضميًد حاضرنا الذي يَحتضًر.. إلى أين نَمضي!! ما لَنا غير أجسادَنا.. فيها نَقيمً وفيها نُهاجًر.. ولكن أجسادنا أصبحت أجنبية.. إلى أين نمضي إذاً, لبغداد... ولكن بغداد لم تَعُد وطناً.. بَل أصبحت ساحة للرماية)

يعتبر تواجد الطائفة اليهودية في العراق لأكثر من 2500 عام وهي من أقدم الطوائف , ويرجع تواجدهم إلى الحملات التي قام بها ملوك العراق في عهد ما قبل التأريخ ,”منهم الملك الآشوري سنحاريب والملك الكلداني نبوخذ نصر(604-586ق.م)» , والذي قاد حملتين ضد الملك يهوذا في فلسطين عرفت بالسبي البابلي الأول عام(597ق.م) والثاني(586ق.م) , وقد قدر عدد اليهود ب(60) ألف يهودي تم إحضارهم إلى بابل, وقد عاش اليهود في العراق متآخين متعاونين مع المجتمع العراقي وخاصة في دولة بابل”وقد جلس المبعدون حيناً على ضفاف الفرات يذرفون الدموع وعلقوا مزاميرهم على الصفصاف لكنهم لم يلبثوا أن عملوا بوصية نبيهم أرميا,فشيدوا الدور وسكنوها وغرسوا البساتين وأكلوا ثمرها», وقد تعاملت الحكومات منذ الدولة الأموية ولحين سيطرت الدولة العثمانية على العراق معاملة طيبة باعتبارهم جزء من المكون العراقي وقد شغلوا الكثير من المناصب المهمة أيام الدولة العباسية.
في أيام الدولة العثمانية لاقى بعض اليهود المضايقات من قبل الولاة وخاصة في مدينة الحلة ,وبدأت سياسات الحكومات المتعاقبة قد أباحت لنفسها مضايقة وتهجير اليهود العراقيين وفق السياسات القومية , فقد خسر العراق عدداً كبيراً من الكتاب والمثقفين والفنانين والسياسيين ورجال أعمال وذوي كفاءة متنوعة من خبرات ومهارة, فمن هاجروا أو هجًروًا قسراً من الطائفة اليهودية, ومن ضمن هؤلاء الباحث والأديب مير بصري الذي رفض الهجرة عام1951 إلى إسرائيل وتمسك بعراقيته , لحين بدأ سياسة البعث العنصرية بالضغوطات والاعتقالات بحق أبناء هذه الطائفة ورحيلهم من العراق, فاضطر الباحث مير بصري مغادرة العراق عام 1972 وبهذا خسر العراق باحثاً اقتصادياً وموسوعياً وأديباً وشاعراً كان يتشبث بأرض الوطن وحبه للعراق.
ولد الراحل مير بصري,»مير شلومو حاي بن شاؤول بن بصلئيل المعروف باسم بصري»في بغداد(تحت التكية) عام 1911 من أسرة عراقية عرفت باسم(عوبيديا) ,لوالدة من عائلة (دنكور) المعروفة برجال الدين والتجارة ,فقد أسس دنكور مطبعة عام1902 وأصبح أكبر حاخام في بغداد عام1923, درس مير بصري في مدرستي التعاون والأليانس في بغداد وتخرج منها عام1928 ,»درس اللغة العبرية على يد الأستاذ (اسحق بوتفيس) , وتعمق في دراسة الاقتصاد والآداب العالمية ولازم الأب إنستانس الكرملي والدكتور مصطفى جواد وأخذ عنهما اللغة العربية و كما درس تأريخ العراق على يد عباس العزاوي والعروض على يد الشاعر محمود الملاح».
عمل مير بصري في عدة وظائف وأعمال في حياته, منها في دائرة التشريفات في وزارة الخارجية العراقية عام1928 ثم تولى رئاسة قسم التشريفات وكالة عام1931 ,وقد منح وسام الرافدين من الدرجة الخامسة عام1932»تقديراً لخدماته ومكافأة للجهود, فصدر قرار مجلس الوزراء بذلك لكن الديوان الملكي امتنع عن أن تصدر الإرادة الملكية بذلك» ,ثم أصبح عضواً في لجنة الانضباط في وزارة الخارجية برئاسة حنا الخياط ثم نقل عام 1933 إلى مديرية البريد والبرق العامة بوظيفة مراقب التلفون العام نتيجة إحالته إلى لجنة الانضباط وكونه أحد أعضائها بسبب وشاية من موظفي الدبلوماسية للإيقاع به وتنحيتهُ عن طريقهم ,وتم تنحيته بموافقة نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك.
عمل في شعبة البريد الخارجي فوضع لائحة نظام صناديق التوفير والتعليمات البريدية عام1934,وعند إسناد وزارة الاقتصاد والمواصلات إلى أرشد العمري فقد قام بإلغاء الكثير من الوظائف ومنها المديريات التابعة لوزارته كمديرية البريد والبرق, عمل في غرفة تجارة بغداد عام1935,فشغل وظيفة رئيس التحريرات ثم معاون السكرتير ,وفي عام1937 أشرف بصري على الجناح العراقي في معرض باريس ’ثم عين مدير عام لغرفة تجارة بغداد عام1944 ,إذ كان أغلب أعضائها من التجار اليهود.
بعد تدهور أسعار المواد الغذائية والمتطلبات الضرورية لحياة المواطن العراقي وشحًة المواد وتفاقم الأزمة الاقتصادية ,فشكلت الحكومة العراقية لجنة التموين المركزية برئاسة رستم حيدر وزير المالية فعين مير بصري سكرتيراً للجنة الاستشارية والاشراف على شؤون التموين عام1942.
عام 1945 استقال مير بصري من غرفة التجارة وانصرف لممارسة الأعمال التجارية فتولى إدارة شركة (تجارة الشرق المحدودة)لمؤسسها نعيم دنكور وأحمد صفوت , كما أسهم في شركة (التجارة والطباعة) لمؤسسها المحامي والأديب أنور شاؤول , ثم انتخب عضواً في المجلس الجسماني في نفس العام , وأصبح نائباً لرئيسه(1947-1950)فقام»بتنظيم إدارتهُ ووضع الأنظمة للجان واختيار الأعضاء العاملين مع رئيس المجلس الياهو حاييم توفيق», كما كان عضواً في(جمعية عصبة مكافحة الصهيونية) التي تأسست عام1946 والتي دعا لها الحزب الشيوعي العراقي لمكافحة الصهيونية والتي أجيزت من قبل وزير الداخلية سعد صالح وأصدرت صحيفتها (العصبة) برئاسة تحريرها (يوسف زلخة), فقد أصدرت العديد من الكراسات لتوضيح منهاجها ومواقفها من الحركة الصهيونية , ثم أغلقت من قبل السلطات الملكية في حزيران عام, 1946 كان من أعضائها (نسيم حسقيل وسليم منشي وسرور صالح قحطان ويعقوب اسحق ومير يعقوب كوهين إضافة إلى مير بصري), إذ كان من أهدافها مكافحة الصهيونية ومساندة القضية الفلسطينية ومعارضة الهجرة اليهودية إلى إسرائيل.
عين مير بصري عام1941 معاون لجمعية التمور العامة, فقد درس شؤون التصدير للأسواق الخارجية ووضع نشرات مصورة بالعربية والفرنسية والانكليزية ثم ترجمت للألمانية والاسبانية , وعمل على إقامة المؤتمرات الصحفية,»لاستطلاع أنباء التمور وصادراتها, ثم عين مديراً للدعاية والتجارة في جمعية التمور العامة بصورة دائمة», ثم ترك العمل في هذه الجمعية بعد الحملة التي قادها رئيس الوزراء توفيق السويدي بالاتفاق مع الصهيونية والاستعمار البريطاني وإصدار قانون إسقاط الجنسية العراقية عام1950 لليهود العراقيين الراغبين في ترك العراق,فجمدت أموالهم وأسقطت عنهم الجنسية العراقية عام1951 نتيجة سياسة الدولة بطرد اليهود العراقيين من أعمالهم ومضايقاتهم في أعمالهم التجارية من الاستيراد والتصدير, عمل الراحل مير بصري بعد هذه الأحداث عام1952 للعمل بصفة معاون شركة(شوفرليت) حتى عام1966 إذ أممت الحكومة العراقية أعمال الشركات ومنها شركة (شوفرليت),ثم تفرغ الراحل للعمل رئيساً للجنة الفرعية لمدارس الطائفة الموسوية وهي مدرسة (فرنك عيني و مناحيم دانيال) الابتدائية , وفي عام 1967 أصبح رئيساً للجنة الإدارية.
بعد مجيء البعث للسلطة و نتيجة لمعلومات سرية اعتقل مير بصري عام1969 من قبل مديرية الأمن العامة برئاسة الضابط(مخلف منير العاني) بعد إعلان البكر بامكانية السلطة البعثية سحق الجواسيس والقبض عليهم ,وكان الاعتقال بسبب زيارة إحدى الباحثات الأمريكيات لهُ , لتزويدها بمعلومات عن تأريخ العراق القديم لأطروحة الدكتوراه , علماً إن الزيارة كانت رسمية وبعلم وزارة التربية , فقد ألقي القبض على مير بصري في1-1-1969 بعد تفتيش داره ومصادرة بعض الأوراق وطابعتين باللغة العربية والانكليزية ,»وأدخل السجن في الأمن العامة لمدة أربعة وخمسين يوماً», ولم تفلح جهود الحاخام ساسون خضوري في إطلاق سراحه إذ(حاول الأديب والمحامي أنور شاؤول الوساطة لإطلاق سراحه, فاستنجد بصديقهُ اللغوي مصطفى جواد إلا أنهُ تنكر للصداقة في الزمن الصعب , فقياس التهم كان يجري بأعاجيب , عرض صلاح بيات سكرتير وزير الداخلية آنذاك , على الوزير صالح مهدي عماش..أبياتاً للصديق أنور شاؤول تقول:
إن كُنتَ من موسى قبستُ عقيدتي...........
فأنا المقيم بظل دين محمدِ
وسماحة الإسلام كانـــت موئلي...........
وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال من حبي لأمة أحمـــــــدِ............
كوني على دين الًكليم تعبُدي
سأظل ذياك السموأل في الوفا............
أسعدتُ في بغداد أم لم أُسعدِ

نُشرت القصيدة”بأمر وزير الداخلية في جريدة الجمهورية العراقية(17 شباط1969)وأطلق سراح مير بصري» بعد أن سأل الوزير عن الشاعر وذكر السكرتير أن هنالك شاعراً آخر يهودياً هو مير بصري في السجن في مديرية الأمن العامة فأمر بإطلاق سراحه فكانت القصيدة صداً عربياً.
عند وفاة الحاخام ساسون خضوري رئيس الطائفة الموسوية في العراق عام1971 أسندت رئاستها لمير بصري بعد انتخابه في آب 1971 , فقد بذل الجهود الكبيرة لهذه الطائفة , فاستمر في منصبهِ حتى مغادرته العراق عام 1974 مع عائلته حيث استقر في لندن و»أصبح المسؤول الديني الأول لليهود العراقيين في الخارج».

مير بصري باحثاً وصحفياً:
إن اسم مير بصري يمثل”النباهة والذكاء والاجتهاد والعمل المتواصل ويظهر الدقة في التأليف والعُمق في المواضيع, فانهُ غوًاص طويل النفس يغوص في قعر البحار ويقيم فيها لينتزع منها الدرًر المكنونة واللآليء الفريدة”, فقد كان دءوباً على المطالعة والتأليف وذو شخصية قوية جذابة , فقد أفاد بعلمه الكثير وأرخ الكثير وتشير الباحثة السويسرية (ألن شيبغر) لدراستها عن (هويات اليهود العراقيين وفقاً لمذكراتهم) تقو إن مير بصري»الجيل القديم من اليهود الذين تمسكوا بقوة بهويتهم العراقية, من دون أن يتناقض ذلك مع جذورهم وديانتهم اليهودية».
فقد كان مير بصري أكثر تمسكاً واستيعاباً لهويتهُ الوطنية من دون أن يتناقض مع ديانته , فقد ظل ولاءهُ للعراق حتى رحيلهُ عام 2006 لعمُر ناهز (94) عاماً , متمسكاً بالعادات والتقاليد العراقية , فقد زارتهُ الكاتبة إنعام كجه جي إذ تشير”حينما زرتهُ في بيته كان يدفع حرارة الطقس عن وجههُ بمروحة من سعف النخيل(مهفًة) حملها معهُ من بغداد».
أرخ مير بصري زهاء ألف شخصية عراقية ما بين فنان وأديب ومؤرخ وسياسي ودبلوماسي ورجل دين وفقيه وصحفي , وعمل محرراً اقتصادياً في جريدة (الإخاء الوطني والبلاد والشعب) وقد تولى تحرير جريدة(الدليل) عام1929 ولهُ مساهمات في أبحاث اقتصادية عن العراق في المجلات الفرنسية والانكليزية, إذ انتخب عضواً في نادي القلم العراقي عام 1924, وتولى تحرير مجلة غرفة تجارة بغداد الشهرية منذ عام(1938-1945) وحضر مؤتمر المستشرقين الدولي في كمبرج عام1954 وميونخ عام1957, كما ساهم في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد نهاية الستينات من القرن الماضي.
اهتم مير بصري بالذاكرة العراقية وتاريخ العراق, إذ عن فترة الحكم الملكي ودور الساسة المقربين من الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله,”خلفاء من السياسيين الذين استولوا على مقاليد الحكم , بسبب صغر سن ملوك وادي الرافدين , قادوا العراق إلى هاوية التطرف واضطهاد الأقليات التي كان لها شأن في حضارة العراق, فبدءوا أول ما بدءوا بسحق الآثوريين عام 1933 وأعقب ذلك انقلاب بكر صدقي عام1936 , ثم جاءت حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 التي سببت مذبحة الفرهود ضد يهود العراق , ثم كانت الوثبة عام 1948 فحصدت بنادق رجال الشرطة الطلاب المتظاهرين, وتلتها ملاحقة المثقفين والطلاب من الشيوعيين واليسار والقوميين , لسحق كل معارض , فُزج بهم في السجون وعلقوا على أعواد المشانق , هكذا فقد العراق خيرة شبابه المثقف. ثم حاربوا الأكراد وأعدموا شفيق عدس عام1948 انتقاماً لفشلهم في حرب1948 , حتى اضطروهم إلى الهجرة الجماعية عام(1950-1951)», هذه الكلمات لها أهمية تاريخية كونها ستسد ثغرة كبيرة في فهم الحياة الأدبية والاقتصادية والسياسية , والحيف الذي أصابهُ في الوظائف الحكومية بسبب يهوديته ورأسها إهمال اقتراح جريدة (السجل) العراقية على تعينهُ وزيراً للمالية ورفض رئيس الوزراء آنذاك الاقتراح المقدم من قبل داود باشا الحيدري بسبب أحداث1948.
لقد أحاطت مقالات مير بصري في الصحافة والتي تجاوزت(60مقالة) مجالات التجارة والزراعة والعمران , حيث كان اسلوب الراحل يتصف”بنقاء العبارة ورشاقة الأسلوب وتوخي الإيجاز غير المُخل... ويحيط بتاريخ العراق والعرب إحاطة واسعة , ورزق ذاكرة قوية», فقد تعمق في مجال الاقتصاد حيث كان خير معين لهً مؤلفات العالم الاقتصادي الفرنسي(شارل جيد) وبزياراته المتعددة لفرنسا قد أفادتهُ بالإطلاع على المفاهيم العلمانية والليبرالية ووسع آفاقهُ الأدبية , فقد صدرت لهُ (مباحث في الاقتصاد العراقي) فقد كتب مقدمتهُ الكاتب يوسف رزق الله غنيمة , ثم أثنى على الكتاب الكثير من الكتاب منهم محمد جعفر الشبيبي وجعفر الخليلي.

مير بصري شاعراً وروائياً:
بدأ اهتماماته الأدبية والفكرية منذ نعومة أظفاره , فقد نظم الشعر وهو”لم يتخط السادسة عشر من عمره باللغتين العبرية والفرنسية»,أصدر عام1925 صحيفة مدرسية باسم (العالم المصور)”فقد خطها بيده وضمنها أخبار الصحف وبعض الموضوعات» فقد أخذ ينسج الشعر على منوال الشعراء اليهود أمثال (بيالك وسينئور) الروسي الجنسية, لكنهُ أعُجب بالشاعر تشرنيخوفسكي المتوفى في فلسطين عام1943, فقد اطلع مير بصري على الأدب الفرنسي والانكليزي بسبب دراستهِ في مدارس الأليانس التي كانت تدرس بهذه اللغات إضافة إلى اللغة العربية والعبرية , ومنهم فيكتور هيجو وللورد بايرون ولامارتين , ثم عكف على قراءة شعر أبي فراس الحمداني وأبي نواس والشعر الجاهلي , ثم اطلع على شعر محمود سامي البارودي ومن الأدباء (مصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين وأحمد حسن الزيات).
فقد نظم الشعر وتعلم الأوزان بعد دراستهِ لكتاب (ميزان الذهب) ودرس العَروض على يد الشاعر محمود الملاح, ثم اطلع على شعراء المهجر أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة و إيليا أبو ماضي ثم اطلع موسوعة (أوصار يسرائيل) لدائرة المعارف العبرية المهداة إلى الحاخام دنكور.
عند زيارة شاعر الهند طاغور العراق عام 1932 بدعوة موجهه من قبل الملك فيصل الأول, فألفت لجنة لاستقباله في مدينة خانقين لقدومه براً من إيران , فقد كلف مير بصري برئاسة اللجنة وأقيم حفلاً ومأدبة لتكريم شاعر الهند , وقد حضرها رجال الأدب والفكر والسياسة في العراق.
عند هجرة اليهود من العراق وسفرهم بعدة طرق ةمنها السفر براً عن طريق جبال كردستان فقال:
في مضيق وعر بين الجبال..........
موكب كالنمل يسعى في الطريق
أسرةُ قد ركبت ظهر البغال...........
هرباً من ظلم جلادٍ صفيــــــــق

وقد صدر لهُ عام1928 ديوان شعر بعنوان (الحرية) وو(مباحث في الاقتصاد العراقي1948) كتاب (رجال وظلال) عام1955 , إذ يحتوي على عشرين قصة معظمها تناولت المشاكل الحياتية والمعاشية وقد كتب مقدمتها الصحفي رفائيل بطي, وصدر كتاب بعنوان (رسالة الأديب العربي 1969)و (أعلام اليهود في العراق الحديث1982) و(أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث 1983) و(أعلام السياسة في العراق الحديث 1987) و(أعلام الكرد والقومية الكردية بثلاث أجزاء 1991) و (أغاني الحب والخلود 1991) و (أعلام الأدب العراقي الحديث جزأين 1994) و (أعلام التركمان والأدب التركي في العراق الحديث 1997) و (أعلام الوطنية والقومية العربية1999) , وصدر كتاب عن قبلية شمر عام 1999 يؤرخ تأريخ هذه القبيلة العربية من(1800-1958) , وهنالك الكثير من مؤلفات الراحل مير بصري التي صدرت بتواريخ متعددة منها (أعلام الفن في العراق) وقصص بعنوان(البشر والآله) وديوان شعري (الغربة) وآخر (أصداء القيثارة).
فقد عرض الراحل مير بصري الأحداث التي وقعت في أزمنة غابرة وديار نائية وسجل وقائع الأحداث وبيان وجهات النظر من خلال جمع مواد هذه الدراسات التأريخية , حيث قضى في جمع موادها ومصادرها أعواماً طويلة , فقد ركز في طريقة منهاجهِ للأحداث على إبراز ملامح التكوين السياسي والاقتصادي والثقافي في العراق , فكانت مصدراً ثراً من مصادر تاريخ العراق المعاصر كونهُ كان شهداً على أحداث العصر والوقائع منها أحداث الفرهود عام1941 وإعلان إقامة إسرائيل وحرب عام1948 ,وقضية التاجر شفيق عدسس ثم قرار الحكومة العراقية لإصدار قانون إسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق وتهجيرهم ومصادرة أموالهم , وثورة 14تموز 1958 وحكومة الزعيم عبد الكريم قاسم وحكومة الأخوين عارف وحرب الخامس من حزيران 1967 وأحداث 1969 ومجيء البعث للسلطة وقيامهم بمتابعة وملاحقة الوطنيين ومنهم يهود العراق وعمليات تصفيتهم واغتيالهم بعدًت حجج منها التجسس لصالح إسرائيل أو أمريكا, إذ كانت أسوء الأيام التي عاشها يهود العراق وأعمقها أثراً في نفوسهم , فقد أعدم حكم البعث عشرة يهود دفعة واحدة أحدهم قاصر لم يكتمل الثامنة عشر وهم»عزرا ناجي زلخة , فؤاد كباي , يعقوب كرجي نامردي, شارلس رافائيل حوريش, صباح حييم , نعيم خضوري هلالي, داود غالي , حسقيل صالح حسقيل , داود دلال” , حيث علقت جثثهم على أعمدة المشانق في ساحة التحرير , والسلطة تحث أهالي بغداد للتوجه إلى الساحة للتفرج والاحتفال , وأعلنت حكومة البعث ذلك اليوم عطلة رسمية , حيث بقيت جثثهم معلقة حتى ساعات الظهيرة , ثم بدأت حملات السلطة ضد اليهود العراقيين فقد قتل المقاول داود زبيدة داخل السجن بدون محاكمة ونسين يائيير الذي وضعت جثتهُ في الثلاجة لمدة ستة أشهر ولم تسلم لعائلتهِ,وكذلك فؤاد شاشا والتاجر يشوع سوفير وقد أبلغ ذويه بهروبهُ من السجن وتم تصفية داخل السجن كل من عزرا قحطان والمحامي يعقوب عبد العزيز وشاؤول شماش وشاؤول رجوان وغيرهم الكثيرين.
ثم عادت مذابح حكم البعث فقد قتل أزلام ناظم كزار عائلتي قشقوش الأولى تمت تصفيتهم داخل دارهم إلا أحد البنات التي كانت غير متواجدة ذلك اليوم والثاني تم اغتصاب الزوجة أمام زوجها ثم تمت تصفيتهم وحملت جثثهم بحقائب وحملت بسيارة شحن أمام أبناء المحلة وقد أكد ذلك صديقي العزيز ذياب مهدي آل غلام كونهُ زميل أحد البنات في الدراسة في بغداد, ولم ترتوي نفوس البعث من دماء الشعب بكل أطيافه وقومياته وتياراته اليسارية الماركسية والدينية.
بعد هذه المذابح والتصفية والمضايقات لأبناء الطائفة اليهودية في العراق , فقد غادر العراق الباحث الراحل مير بصري عام1972 بسبب الضغوط التي واجهها من قبل السلطة البعثية فرفض الهجرة إلى إسرائيل بل طلب السفر والإقامة في لندن حتى فارق الحياة عام2006, وبهذا خسر أبناء العراق باحث ألمعي وشاعر وأديب كان يتشبث بارض بلدهِ وجذورهُ التي أُقلعت لتزرع في مكان لا تصلح للعيش فيها وبظروفها الاجتماعية.